أطفال الصين في الأرياف..يربّون نفسهم بأنفسهم
- في ظل غياب الأمهات تقوم الجدات برعاية الأطفال في الريف الصيني
- غياب الآباء في الريف الصيني سبب مشاكل نفسية للأطفال من الصعب التحكم في تداعياتها
- تقرير: 10 ملايين من الأطفال المتروكين لا يرون والديهم طوال العام
عانت الصين خلال العقود الماضية من فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء، وكان ذلك نتيجة حتمية للتنمية الاقتصادية السريعة التي شهدتها البلاد.
هذا الواقع دفع ملايين العمال إلى الهجرة من الأرياف إلى المدن الصناعية لتحسين ظروفهم المعيشية، مخلفين وراءهم أكثر من ستين مليون طفل بلا رعاية أسرية، في ظاهرة يُنظر إليها على أنها الأكثر مأساوية والأشد قسوة بحق الطفولة في العالم.
غالبية أطفال الصين يُترَكون مع أجدادهم في الأرياف
ووفق إحصاءات وزارة التنمية عام 2016، يوجد في الصين 61 مليون طفل لا يتمتعون برعاية الأبوين، وهم يمثلون 22% من إجمالي عدد الأطفال في البلاد.
فيما تشير إحصاءات صينية حديثة نشرت مؤخراً إلى أن أكثر من 65 مليون طفل يترعرعون في الأرياف بلا رعاية الأبوين، ما يمثل نحو 25 في المائة من إجمالي عدد الأطفال في البلاد.
وتشير الأرقام إلى أن 40% منهم دون سن الخامسة و70% لا يرون آباءهم سوى مرة واحدة بالعام، وأن 79% منهم أسندت رعايتهم إلى الجد والجدة، و13% أودعوا عند الأقارب والأصدقاء، و7% لا يخضعون لأية رقابة.
حالات انتحار..وإجرام
وحول حالات الانتحار، ورد في التقرير أن 35 طفلا انتحروا بين عامي 2015-2016.
يُشار إلى أنه في الأول من يناير/كانون الثاني 2015 قام طفل صيني في مقاطعة سيتشوان بتناول مبيد حشري بعد أن اتصلت به أمه لتخبره أنها لن تتمكن من قضاء عطلة رأس السنة معه بسبب سفرها إلى الخارج.
وذكرت مديرية الشرطة بالعاصمة بكين -في تقريرها الدوري حول معدل الجريمة في البلاد- أن 6% من الحوادث الجنائية ارتكبها أطفال لا يتجاوزون الـ15 وهم ممن يعيشون بالأرياف دون آبائهم، وأن 13% من الجرائم ارتكبت بحق أطفال من نفس الفئة، و7% من هؤلاء الأطفال تعرضوا لاعتداءات جنسية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام قام ثلاثة طلاب بعملية سطو مسلح على مدرسة ابتدائية في مقاطعة غوانغ شي، مما أدى إلى مقتل مشرفة وإصابة آخرين، وذلك بغرض السرقة للتمكن من الذهاب إلى مقهى إنترنت.
هذا ويؤكد أخصائيون في مجال علم الاجتماع ضرورة أن تخضع الأسر الصينية في القرى والأرياف إلى دورات تثقيفية للاطلاع على كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات.
تقرير: عشرة ملايين من الأطفال المتروكين لا يرون والديهم طوال العام
صدر في بكين عام 2015 الكتاب الأبيض حول الأحوال النفسية للأطفال المتروكين في الأرياف الصينية، وأشار الكتاب الأبيض إلى أن حوالي عشرة ملايين من الأطفال المتروكين في الصين لا يستطيعون رؤية والديهم طوال عام، واقترح الكتاب الأبيض تحسين الوضع النفسي للأطفال المتروكين من خلال البقاء على اتصال مع والديهم والقراءة واللعب وغيرها.
صدر الكتاب الأبيض بعد القيام باستطلاع لأكثر من 2000 من الأطفال المتروكين في المناطق الريفية في ست مقاطعات في يوننان وقوانغشي وقويتشو وشاندونغ وخبي وقانسو، وأشار الكتاب الأبيض بعد تحليل الحياة الحقيقية والأحوال النفسية للأطفال المتروكين إلى أن 15.1% من 61 مليون من الأطفال المتروكين وعددهم حوالي 10 ملايين لا يستطيعون رؤية والديهم مدار السنة، كما لايمكن جمع شملهم في عيد الربيع الذي يعد أهم الأعياد للصينيين. ولايستطيع 4.3% من الأطفال الاتصال هاتفيا بوالديهم مرة واحدة خلال كامل السنة ، و8.85 مليون منهم يقومون بمكالمة هاتفية مع والديهم مرة أو مرتين خلال كاملة السنة، و15.19 مليون لديهم مكالمة واحدة مع والديهم كل ثلاثة أشهر.
وأطلق الكتاب الأبيض مركز لرعاية عقل الأطفال بتعاون مع الأستاذة في العلوم النفسية لجامعة بكين للمعلمين لي يي في، في سبيل دعوة المدارس والمعلمين والمؤسسات العامة وغيرها من الدوائر المختصة إلى الاهتمام والتركيز على مساعدة الأطفال المتروكين.
غالبية أطفال الصين يُترَكون مع أجدادهم في الأرياف
يُعتبَر نظام الضمان الاجتماعي في الصين أحد أكثر الأنظمة الاجتماعية تعقيداً، بسبب العدد الهائل للسكان البالغ 1.4 مليار، والفوارق الاجتماعية والطبقية، في ظل دولة اشتراكية تمارس كل أنواع الرأسمالية.
ولا يسمح هذا النظام بتمتع المواطنين بميزات الرعاية الاجتماعية إلا في مسقط رأسهم. ولأن نمط الحياة الصناعية يفرض مغادرة السكان الريف للعمل في المدن، يترك الأزواج المغادرون ملايين الأطفال برعاية الأجداد في الريف.
فمنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 حتى نهاية السبعينيات من القرن العشرين، تكفل الحزب الشيوعي باحتياجات المجتمع من خلال مشاريع زراعية وشركات تملكها الدولة.
وفي ظل سياسة الإصلاح والانفتاح التي انتهجتها الصين عام 1978، أصبحت وزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي مسؤولة عن نظام الرعاية الاجتماعية، لكنها كانت تقتصر على سكان المدن فقط، بينما توجب على سكان الريف إعالة أنفسهم.
ولم تطرأ تغيرات على النظام إلا عام 1994، حين قدمت الحكومة نظام رعاية أكثر شمولاً.
وفي عام 2014، أعلن الحزب الشيوعي إصلاحات جديدة هدفت إلى تعزيز وصول مواطني الريف إلى البرامج الاجتماعية الحضرية.
ويُعرف الضمان الاجتماعي في الصين باسم “خوكو”، ويسمح بالوصول إلى برامج تقدمها الحكومة، مثل الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف ومعاشات التقاعد وصندوق الإسكان، شرط أن يحصل ذلك في مسقط رأس الفرد