الجاسوسيّة.. أحد معارك روسيا التقليدية

  • الجاسوس الروسي استخدم هوية برازيلية لسنوات
  • حاول الدخول كمتدرب إلى المحكمة الجنائية الدولية

تزامنًا مع الحرب “الحقيقية” التي تشنها روسيا في أوكرانيا بـ”المدافع والرشاشات”، كانت السلطات الروسية تنسج خيوطًا لحربٍ أخرى، لا تقل خطورةً عن تلك التي تقتل وتشّرد الملايين.

عشرات الأفلام التي تم إنتاجها لرواية معركة “الجاسوسية الروسية“؛ لا سيما في الحرب الباردة، والتي اشتعلت فيها هذه المعركة الدرامية، تكشف أن روسيا على مدار تاريخها تعتمد على الجاسوسية في معاركها الدولية.

وكالة الاستخبارات الهولندية، أعلنت قبل أيام، أنها منعت في أبريل الماضي، جاسوسًا روسيًا من الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي تتخذ في لاهاي مقراً لها، والتي تحقق في جرائم حرب محتملة في أوكرانيا.

“منعت الاستخبارات الهولندية عميلاً في الاستخبارات الروسية، من الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية للعمل كمتدرب” – هذا ما جاء في بيان الوكالة الهولندية التي أوضحت أن الأمر يتعلق بشخص يعمل لصالح الاستخبارات العسكرية الروسية.

سيرغي فلاديميروفيتش تشيركاسوف (36 عاماً)- هو الرجل المقصود، وكان يستخدم هوية برازيلية باسم فيكتور مولر فيريرا، كغطاء للسفر من البرازيل إلى هولندا.

الاستخبارات الهولندية اعتبرته تهديداً للأمن القومي، وأبلغت دائرة الهجرة الهولندية بذلك في تقرير رسمي”. قائلة: “لهذه الأسباب مُنع عنصر الاستخبارات من دخول هولندا في أبريل/نيسان، ورُحِّل إلى البرازيل في أول رحلة” لافتة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أُبلغت بهذا الأمر.

 

بناء الشخصية الوهمية

وفقًا للتقارير، فقد أمضى الرجل سنوات في بناء هوية مزورة، قبل التقدم للحصول على تدريب داخلي في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

وقالت وكالة الأمن الهولندية إنه لو نجح في الحصول على وظيفة، والتسلل إلى المحكمة، لكان من الممكن أن يتسبب في ضرر حقيقي.

وبالنسبة لأولئك الذين عرفوه، كان فيكتور مولر فيريرا برازيليا مهتما بالشؤون الدولية، لكن في الواقع، قالت وكالة الأمن الهولندية إنه كان نوعا معينا من الجواسيس الروس المعروفين باسم “غير القانونيين”.

وتستخدم المخابرات الروسية الاسم لتمييز هؤلاء الضباط عن الجواسيس “القانونيين” الذين يتنكّرون بغطاء الدبلوماسية.

على غرار أفلام الجاسوسية.. هولندا تكشف روسيًا بهوية برازيلية قبل وقوع "الكارثة"

لقطة من صفحته الشخصية على موقع فيسبوك تتطابق مه معلومات هويته المزيفة

وتستخدم العديد من الدول جواسيس يتظاهرون بأنهم أشخاص عاديون، لكن روسيا تخصصت منذ فترة طويلة في إعداد نوع من العملاء غير القانونيين المتخفيين الذين يأخذون جنسية مختلفة تمامًا.

ويتظاهر هؤلاء الجواسيس بأنهم أمريكيون أو بريطانيون أو كنديون أو أي جنسية أخرى

ونشرت وكالة الأمن الهولندية وثيقة غير عادية يعتقد أن تشيركاسوف كتبها في عام 2010 تقريبا، والتي تحدد هويته المزيفة.

تبدأ الرسالة بعبارة “أنا فيكتور مولر فيريرا”.

ويُشير اكتشاف هذه الوثيقة إلى درجة ملحوظة من التراخي من قبل الجاسوس. وتشرح في أكثر من أربع صفحات قصة عائلته.

ويرد في الوثيقة قول الجاسوس: “لقد اتضح لي أن والدي شخص ودود ومنفتح للغاية، لكن لدهشتي اكتشفت أنني ألومه على وفاة والدتي وعمتي وكل الصعوبات والإهانات التي كان عليّ أن أعانيها في حياتي”.

كما أشار إلى اضطراره للذهاب إلى أيرلندا لحضور جنازة والده.

قد يستغرق الأمر ما بين خمس إلى عشر سنوات حتى يتم تدريب العميل غير القانوني ونسج غطاء له.

وبالنظر إلى التحديات، لا يعتقد أن هناك الكثير منهم، ربما أقل من 30 من المخابرات العسكرية الروسية، وفقا للتقديرات الغربية.

 

على غرار أفلام الجاسوسية.. هولندا تكشف روسيًا بهوية برازيلية قبل وقوع "الكارثة"

معلومات عن السيرة الذاتية على مدونة “Politics of Us” الخاصة بشيركاسوف، عندما كان طالبًا في العلاقات الدولية

تصل مدونة “فيكتور” إلى اثنتين من صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي على فيسبوك وتويتر، وتحتوي صفحته على فيسبوك، على معلومات محدودة إلى حد ما، ولكنها مليئة بمئات الأصدقاء من البرازيل (موطنه المزعوم) ودراسته في دبلن وجونز هوبكنز.

وتجدر الإشارة إلى أن معلومات السيرة الذاتية على صفحته على فيسبوك، تتطابق مع معلومات “هويته الزائفة” ، التي توضح طفولته وكونه من “البرازيل، ريو دي جانيرو ، في نيتيروي”.

 

على غرار أفلام الجاسوسية.. هولندا تكشف روسيًا بهوية برازيلية قبل وقوع "الكارثة"

لقطة شاشة لملف تعريف MyVisaJobs لـ “فيكتور مولر” – (بوابة إلكترونية للطلاب الدوليين الباحثين عن فرص عمل في الولايات المتحدة)

 

ولطالما استهدفت المخابرات الروسية المحكمة الجنائية الدولية، ومن المفهوم أن فيريرا بدأ في الضغط من أجل الحصول على تدريب داخلي في أواخر العام الماضي. وازدادت أهمية المحكمة منذ أن بدأت الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وفي 3 مارس/آذار، فتح المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المزعومة في أوكرانيا.

وتقدّم المحكمة حوالى 200 تدريب داخلي غير مدفوع الأجر، بما يمنح المرشحين الفرصة “للتعرف على بيئة العمل اليومية للمحكمة الجنائية الدولية، ووضع معارفهم وخبراتهم موضع التنفيذ تحت إشراف المهنيين العاملين”.

كان من الممكن أن يوفر له هذا المنصب قدرة ثمينة على الوصول للمعلومات

وكالة الأمن الهولندية

وقالت وكالة الأمن الهولندية “لو نجح ضابط المخابرات في بدء العمل مع المحكمة الجنائية الدولية، لكان قادرا على جمع المعلومات الاستخباراتية هناك والبحث عن المصادر، والترتيب للوصول إلى الأنظمة الرقمية للمحكمة الجنائية الدولية”.

وقال بيان الوكالة: “بهذه الطريقة كان سيكون قادرًا على تقديم مساهمة كبيرة للمعلومات الاستخباراتية التي تسعى إليها المخابرات العسكرية.

ربما كان قادرا أيضا على التأثير في الإجراءات الجنائية للمحكمة الجنائية الدولية”.

كان التقديم يمثل مخاطرة بالنسبة لجاسوس ذي غطاء عميق، لكن من المؤكد أن رؤساءه في موسكو شعروا أن الأمر يستحق.

ويصعب العثور على الجواسيس المخالفين للقانون، ولا يُعتقد أن المحكمة الجنائية الدولية قد رصدت الجاسوس الروسي المزعوم، ولم تذكر السلطات الهولندية كيف تم التعرف عليه.

وتكشف الملفات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي التي استعرضتها بي بي سي والتي يعتقد أنها لفيريرا عن قائمة واسعة من الأصدقاء، بما في ذلك عدد من الطلاب الدوليين من مؤسستين هما جامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة وكلية ترينيتي في دبلن، أيرلندا.

وذهب هؤلاء الأصدقاء للعمل في كل مكان من بنك الاستثمار “غولدمان ساكس”، إلى مراكز الفكر والوكالات التنظيمية الفيدرالية في واشنطن العاصمة.

وقال أكاديمي، كان أحد معلمي الجاسوس المزعوم، لبي بي سي “كان لديه لكنة لا أستطيع تمييزها. لكنها لم تكن روسية”.

ويُعتقد أن فيريرا قد تقدم بطلب إلى المحكمة الجنائية الدولية في وقت مبكر من سبتمبر/أيلول 2020 ولكن قد يكون البت في الطلب قد تأخر بسبب فيروس كورونا.

قال فيريرا في وقت من الأوقات: “البرازيل ممثلة تمثيلا ناقصا في المحكمة الجنائية الدولية، لذا فقد تكون هذه فرصتي”!.

وجاء في أحد الملفات الشخصية أن فيريرا انتقل إلى واشنطن العاصمة في أغسطس/آب 2018، ويظهر سجله تخرجه من جامعة جونز هوبكنز في عام 2020. وتكشف المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي عن مزيج انتقائي من الآراء بما في ذلك بعض الانتقادات المعتدلة لروسيا، والتي يمكن تفسيرها على أنها محاولة مواصلة بناء غطاء له.