بلدة أمشيدي تعاني من الخطف والقتل والتفجير ومع ذلك تجهد في إعادة بناء نفسها

تنتشر جماعة بوكو حرام على الحدود الكاميرونية مع نيجيريا، ويتجلى انتشارها هذا من خلال الهجمات وعمليات الخطف والتدمير.

تحاول الدولة والسكان السيطرة على تلك الظاهرة وإعادة بناء أنفسهم وما تدمّره الجماعة، لكن ثمّة جراح نفسيّة واجتماعية لا يمكن لضحايا بوكو حرام نسيانها، فما هي التداعيات النفسية والاجتماعية التي خلّفها إرهاب بوكو حرام لدى ضحاياه؟ وهل من سبيل للتخلص منها بعد أن أفلتوا من قبضة بوكو حرام؟.

زارا هي إحدى ضحايا بوكو حرام، هي صبيّة عمرها 26 عامًا وقد تزوجت مرّتين من عنصرين ينتميان إلى بوكو حرام بعد أن تم اختطافها من منزل والدها في أمشيدي عندما كانت في الـ19 من عمرها، واقتيدت إلى غابة سامبيسا في نيجيريا.

بوكو حرام

تؤكد زارا أنها لا تزال تعاني من الصدمة من الأشياء التي اختبرتها هناك “فعندما تم انتخاب بهاري كرئيس كانت هناك تفجيرات كل يوم، لم أكن أعرف حتى أنني سأعيش. كانت هناك أربع مروحيات فوقنا تقصفنا طوال الوقت، لن يكون في استطاعتي نسيان تلك الفترة”.

وتقول زارا إنها خلال السنوات السبع التي قضتها في قبضة بوكو حرام كانت تعاني فقط وكانت مثل عبدة جنس “فأنا لم أكن أقوم بأي عمل أو نشاط، كنت أقضي اليوم في غرفة النوم وإذا لم أكن في غرفة النوم أكون في مدرسة تحفيظ القرآن، أو كنا نختبئ في الأدغال عندما كان هناك قصف، كنا في حالة تأهب كل يوم تحسّبا لمجيء الجيش”، مضيفة “حتى أننا لم نكن نملك الأحذية، كنا نقضي الوقت عراة في الغرفة”.

بوكو حرام

مآسٍ كثيرة

ندونغوس هو ضحيّة خطف أخرى تماماُ كزارا، فقد اختطفته بوكو حرام أيضًا عندما كان يبلغ من العمر 17 عامًا وقد تحدّث عن سوء معاملة بوكو حرام للرهائن وبحسب قوله إن “الرؤساء الكبار سعداء وهم بخير، لكننا نحن، الذين اختُطفنا وأخذنا إلى هناك بالقوة، أمضينا وقتنا في العمل حتى تحت المطر، كنا نلتقط أوراق الشجر لنصنع منها الأحذية”.

إلى الخطف تعاني البلدات الواقعة على الحدود الكاميرونية مع نيجيريا من هجمات بوكو حرام. في أمشيدي، وهي بلدة كاميرونية تشترك في حدودها مع نيجيريا، لا تزال علامات انتهاكات بوكو حرام ظاهرة للعيان: منازل مهجورة ومصارف محطمة ومنهوبة، كما تظهر آثار الرصاص على الجدران وقد هجر السكان الخائفون نواحٍ كبيرة من القرية. ويبدو أن أسباب تصرفات المجموعة الإرهابية متنوعة. فبحسب الخبير راوول سومو تايو “إن خلفيّة أبو بكر شيكاو هو أنه خلال حياة محمد يوسف مؤسس الجماعة، كان هو المنظر الإيديولوجي للجماعة وكان مامانور هو الاستراتيجي. ومع ذلك، بعد وفاة محمد يوسف واغتياله الخارج عن القانون، من الواضح أن أبو بكر شيكاو أصبح متطرفًا للغاية وبات لديه ميل نحو العنف العشوائي وتلك كانت إحدى الأسباب التي دفعت بعض رفاقه السابقين إلى المغادرة لإنشاء الدولة الإسلامية في ولاية غرب أفريقيا”.

بوكو حرام

ويقول بانا مودو الذي كان رهينة لدى بوكو حرام أن “الجماعة في معظم الأحيان تقوم بحرق منازل كبار موظفي الخدمة المدنية والسياسيين والأشخاص الذين لديهم أموال والأشخاص الذين يعملون مع الدولة. بالنسبة لهم من يعمل مع الدولة ليس مسلمًا جيدًا بل هو مسيحي وهذا هو دافعهم لمهاجمته”.

بدورها تشير زارا إلى أنسبب الانقسام في المجموعة هو أن هدف شيكاو هو القتل، ووضع الانتحاريين في كل مكان في حين أن جماعة مامنور لا تريد القتل، فالأخير لا يريد تجارة وضع الكاميكاز تلك، يريدون القتال مع الدولة وليس مع المدنيين”.

عمليّات غسل الدماغ

مثل زارا وندونغوس وبانا، اختطفت جماعة بوكو حرام مئات الأشخاص، لكن في الكاميرون لوحظ أن بوكو حرام جنّدت أيضًا العديد من المقاتلين في مدارس تحفيظ القرآن.

وقد كشف بانا مودو، الرهينة السابق الذي اختطف في قريته عام 2013 وقضى ست سنوات مع بوكو حرام لـ”تلفزيون الآن“، أنه بعد تجنيد الأطفال من المدارس القرآنية تعود بوكو حرام مع هؤلاء الأطفال إلى قراهم الأصلية لقتل والديهم وأساتذة القران الذين لم ينضمّوا إلى الجماعة.

بدوره يقول مالوم إدريسا، أستاذ القرآن الذي هرب من مايدوغوري في نيجيريا إلى مورا في الكاميرون، إن “بوكو حرام كان لها تأثير كبير على المدارس القرآنية. فقد تمّ إغلاق المدارس القرآنية كلها تقريبًا. وقتل الكثير من بين زملائي الأئمة لأنهم كانوا يدرّسون القرآن وكانت بوكو حرام تبحث عنا وقد هدّدونا”.

وقد روى بانا مودو كيف يقنع أعضاء بوكو حرام الناس بالموت من أجل قضيّتهم “فما يقولونه هو أنه عليك أن تقوم بالجهاد وستجد الجنّة لدى موتك، هذا كل ما في الأمر. في البداية يحفّزون الناس بالمال فعندما يأتون إلى المدينة يتملّقونك بالمال ويعطونك حتى 500000 نيرة ودراجة نارية ويخبرونك أننا سنقوم بعمل الله وأنت تذهب معهم وعندما تموت ستذهب إلى الجنة. لقد وجدت أنها كذبة، فلا جدوى من البقاء هناك”.

فرّ معلم القرآن مالوم إدريسا إلى الكاميرون مع 58 طفلاً كان يدرّسهم في نيجيريا. تم اختطاف بعض آباء الأطفال وقتلت بوكو حرام البعض الآخر. ويدّعي أن الوالدين الأحياء عهدوا إليه بأطفالهم من أجل إبعادهم عن معقل بوكو حرام ولمنع اختطافهم. وقد قامت الحكومة في الكاميرون بإجراء تغييرات في المدارس القرآنية في المنطقة الحدودية مع نيجيريا لحماية الأطفال من تلقينهم للعقيدة من قبل أعضاء الجماعة الإرهابية.

ولهذه الغاية، أدخلت الدولة مفاهيم التربية المدنية والمواطنة في مناهج المدارس القرآنية، والهدف من ذلك هو تعليم الأطفال الكاميرونيّين التعرف إلى بلادهم والشعور بالحب تجاهها كي لا يغريهم الذهاب والقتال إلى جانب الإرهابيين النيجيريين.

غير أن الخبير راوول سومو تايو يعتقد أن هذا الحل غير كاف ويقول “إلى جانب هذا التعاون الثنائي على المستوى الوطني، يمكن أن يساهم رسم خرائط الدفاع ولا سيما وحدات قوات الدفاع والأمن وربما في المستقبل قوات الجمارك، في تحسين الأمن. كما ترون، في الثمانينيات والتسعينيات كانت لدينا فكرة، الفكرة المؤسفة المتمثلة في تثبيت حدودنا في بعض الأحيان على بعد 10 كيلومترات داخل الأراضي الكاميرونية: يجب أن نغيّر. لكن قبل كل شيء يجب أن تلعب العناصر الرئيسية للنظام الأمني ولا سيما نقاط التفتيش دورها بوضوح”.

بوكو حرام

مراقبة الغرباء وتفتيشهم

في محاولة لضبط الوضع الأمني والهجمات الإرهابية لبوكو حرام، قام سكان الكاميرون بتنظيم أنفسهم لمواجهة الجماعة، ففي القرى المتاخمة لنيجيريا تم تشكيل مجموعات للدفاع عن النفس لفحص جميع الأفراد الذين يدخلون القرية.

وقال عضو لجنة اليقظة بوكار تيجة في هذا المجال: “إنها خدعة لاكتشاف الأشياء السيئة مثل المواد الكيميائية والترامول والشفرات والإبر المستخدمة في صنع القنابل والألغام المحلية الصنع: هذا ما نكتشفه. إذا وخزته ولم يدخل فهذا يعني أن هناك شيئًا بداخله. ننزع الأمتعة ونفتش الداخل، إذا لم يكن هناك شيء نتركه يذهب. إذا وجدنا شيئًا ما فإننا نقبض على الشخص ونسأله أين سيُسلّم ومن أين يأتي. هذه هي الأداة التي نستخدمها للكشف”.

وأضاف “إذا وجدنا شيئًا ما، نتصل بالجيش لتحديد هوية الشخص. ثمة العديد من المستأجرين الذين انتقلوا إلى قريتنا من المنطقة. هذه هي القرية الوحيدة التي ما زالت مأهولة بالسكان وهي هنا قرية كورغي، بفضل الله وبفضل لجنة اليقظة في كورغي”.

وللميليشيا دور أيضاً في التدقيق بكل الغرباء الذين يريدون دخول البلدة، يقومون بفحص الزوار للتأكد من أنهم لا يحملون متفجرات. يزعم أعضاء لجان اليقظة أنهم أحبطوا بالفعل العديد من هجمات بوكو حرام.

أبرز تلك العمليات التي تم إحباطها بحسب عضو لجنة اليقظة واغابيه هي “على طريق بانكي، على بعد 4 كيلومترات من مدخل كورغي، كانت هناك امرأتان تحملان عبوات ناسفة، حصلنا على المعلومات من المستخدمين الذين اضطروا إلى تحديد النساء، كانتا امرأتين تحملان عبوات ناسفة. اتصلنا بالجيش ورافقناهم إلى المكان، وكان المهندسون العسكريون حاضرون أيضًا، تم القبض على إحداهما وهربت الأخرى، ذهبت إلى السكان وفجّرت نفسها وقد فقدت حياتها”.

وأضافثمّة حالة أخرى في ماكولايي، وقعت الحادثة في الليل. نظرًا لأننا نتعاون بشكل وثيق مع سكان التلة، فقد اتصلوا بنا ليقولوا إن الرجال المسلحين موجودون بالفعل في منازلهم. عندما ذهبنا في حالة تأهب مع الجيش وضعوا اللغم في طريقنا. تمكنّا عبر استخباراتنا من رؤية كيفية قصف الأرض. اتصلنا بالمهندسين، ما أبطأ من وصولنا إلى حيث تم استدعاؤنا. لقد أبطأنا حتى الصباح، لم نتمكن من إيقاف الأشرار لكن المهندس أبطل مفعول اللغم”.

بوكو حرام

التمييز ضدّ الضحايا

بعد سبع سنوات في قبضة بوكو حرام تمكنت زارا أخيرًا من الفرار، وأخذت معها ابنها البالغ من العمر ست سنوات والذي أنجبته أثناء زواجها من أحد عناصر بوكو حرام.

لسوء الحظ، لم تكن العودة إلى المجتمع سهلة “فعندما وصلت تم قبولي ولكن تم إهانتي وإهانة ابني من قبل الناس لأنني أنجبته من أحد عناصر بوكو حرام ومع ذلك كنت محظوظة بما يكفي للهروب مع هذا الطفل”.

وأضافت “عندما أراد طفلي اللعب مع أطفال آخرين كانوا يقومون بضربه. أدرك أنه ابن بوكو حرام لكنني أنا من أنجبته، عندما ينادون طفلي بوكو حرام بوكو حرام يزعجني ذلك فالأمر ليس سهلاً، لكن رغم تلك المشاعر بدأت بالاندماج في المجتمع”.

ينتشر هذا النوع من التمييز في التعامل مع كل ضحايا بوكو حرام، ولمعالجة هذا النوع من التمييز، تساعد منظمة غير حكومية محلية ضحايا بوكو حرام على إعادة الاندماج في المجتمع، عبر تقديم المشورة والصابون والملابس والأهم من ذلك أنها تعمل مع النساء الأخريات حتى يتم قبول الضحايا.

ويقول رئيس جمعية شباب أمشيدي جيرمين علي “ما يمكننا القيام به هو رفع مستوى الوعي في المجتمع حتى يتم قبولهم ومسامحتهم. طالما لم يتم قبول أولئك الذين ذهبوا مع بوكو حرام فليس من السهل أن تنتهي الحرب بسرعة. لكن عندما نقبلهم سيكون الأمر على ما يرام”.

وأضاف “حتى ضمن الأسرة ثمّة نزاعات، لذلك بالنسبة للمجتمع فالنصيحة الوحيدة التي يمكنني تقديمها هي قبول هؤلاء ومسامحتهم ونسيان الماضي، دعونا نهدف إلى مستقبل أفضل”.

تحاول بلدة أمشيدي بشتى الطرق إعادة بناء نفسها، يقام سوق حدودي هناك مرتين في الأسبوع وهي فرصة لشعب الكاميرون ونيجيريا للالتقاء وتعلم العيش معًا مرة أخرى، فهل يكفي كل ذلك لإعادة خلق بيئة آمنة في البلدة؟.