فاغنر.. مجموعة عسكرية متورطة في صراعات مسلحة

  • الحكومة المالية تنفي وجود المرتزقة على أراضيها
  • تحركات لطائرات وصور لأقمار صناعية تكشف ما تخفيه مالي

قبل أسبوعين- وتحديدًا في 23 ديسمبر الماضي، وجه عدد من شركاء مالي الدوليين اتهامات لها باستقبال مرتزقة فاغنر الروسية- وهي المجموعة الأمنية الخاصة- على أراضيها.

الحكومة المالية سارعت في تكذيب الاتهامات، إلا إنه تم رصد عدد من الطائرات العسكرية التي قامت برحلات إلى باماكو، انطلاقا من روسيا.

تغذي هذه الرحلات الجوية بالإضافة إلى صور أقمار صناعية تظهر منشآت عسكرية بالقرب من المطار، فكرة أن مجموعة فاغنر الروسية بصدد نشر أفرادها في مالي.

 

“نحن الشركاء الدوليون المتفقون على دعم مالي وشعبها، ندين بشدة نشر مرتزقة على أراضي مالي”

 

نشرت فرنسا، وعدد كبير من حلفائها بيانا مشتركا بشأن “انتشار مجموعة فاغنر الروسية في مالي”. وبحسب هذه الدول، فإن الشركة الروسية الخاصة التي تشغل مرتزقة في عدة دول على غرار سوريا وليبيا وأفريقيا الوسطى تقترب من بدء أنشطتها في مالي.

ولكن في 25 كانون الأول/ ديسمبر، ردت الحكومة المالية في بيان بالإشارة خصوصا إلى “تقديم تكذيب رسمي لهذه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة”. ولكن البيان يؤكد في المقابل وجود مدربين عسكريين روس في مالي.

إلى حد لآن، لم يتم توثيق هذا الوجود المفترض لمرتزقة فاغر في مالي إلا من قبل “مصادر حكومية” ذكرها مقال نشر في صحيفة لوموند الفرنسية في 24 كانون الأول/ ديسمبر.

وتوضح المصادر أن هذه الاتهامات تستند بالخصوص على البدء مؤخرا في تهيئة قاعدة عسكرية قرب مطار باماكو و”الرحلات الجوية المشبوهة”.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، رصد فريق تحرير مراقبون فرانس24 عددا كبيرا من الرحلات الجوية العسكرية الروسية خلال الثلاثة أشهر الماضية من موسكو إلى سوريا وليبيا وخصوصا إلى باماكو. وبالإضافة إلى هذه الرحلات الجوية ذهابا وإيابا، تكشف صور التقطتها أقمار صناعية من مطار العاصمة المالية باماكو عن عمليات تشييد حديثة.

رحلات من موسكو إلى باماكو تثير الشكوك

ويمكن رصد هذه الرحلات الجوية بفضل موقع فلايت رادر 24 Flightradar24 ( يمكن التعرف على مثال الاستخدام هنا). وعلى هذا الموقع، الذي يرصد الرحلات الجوية الحديثة ويمكن من متابعة رحلتها بشكل حي، من الممكن العثور على رحلات جوية قامت بها بعض الطائرات التي هبطت في مطارات بينها مطار باماكو في مالي.

وهذا ما قام به حساب “غيرجون” (Gerjon) على تويتر الذي يستخدم في معظم الأحيان موقع فلايت رادار 24. ومن 19 إلى 20 كانون الأول/ ديسمبر، قام على سبيل المثال بمتابعة مسار طائرة توبولاف تي يو – 154 أم (Tupolev TU-154M) وهي طائرة نقل ركاب انطلقت من العاصمة السورية دمشق لتهبط في باماكو بعد أن قامت باستراحة في ليبيا. وتحمل هذه الطائرة الرقم المنجمي RA-85042.

وبفضل هذا الرقم المنجمي RA-85042، تمكن من إعادة رسم الرحلات الجوية الأخيرة لهذه الطائرة. ويمكننا أرشيف موقع فلايت رادار من التأكيد بأن طائرة “طوبولاف” انطلقت من موسكو في 19 كانون الأول/ ديسمبر باتجاه دمشق. وبعد أن قامت باستراحة في ليبيا، وصلت في الأخير إلى باماكو في يوم 20 كانون الأول/ ديسمبر. وفي نفس اليوم، قامت باتباع نفس المسار في طريق عودتها لتهبط في دمشق قبل أن تعود لنقطة انطلاقها في موسكو.

فاغنر

الرحلات الجوية الأخيرة لطائرة RA-85042. صورة من موقع فلايت رادار24

وحسب عدة مواقع لرصد تحركات الطائرات، فإن الطائرة من طراز Tupolev TU-154M تتبع لجيش الطيران الروسي. وهو ما يذكره بالخصوص موقع “بلاين فايندر داتا – plane finder data أو موقع أيروترانسبورت داتاباز – Aerotransport database.

طائرة معتادة على الرحلات المشبوهة

لأسباب عدة. أول هذه الأسباب هو أن “مصادر حكومية” أشارت إليها صحيفة لوموند في 24 كانون الأول/ ديسمبر الماضي تحدثت عن وجود نحو أربعين عسكريا روسيا في مالي وصلوا إليها منذ “بضعة أيام”.

كما أن جاك مارغولين العضو في مركز ” C4ADS” وهو منظمة غير حكومية تعنى بتحليل الصراعات من خلال إنتاج البيانات يوضح أن الطائرة التي تحمل الرقم المنجمي RA-85042 تعود إلى “الوحدة الجوية 223”. وتشتبه منظمة الأمم المتحدة بأن هذا الفرع من جيش الطيران الروسي استخدم عدة مرات بهدف نقل تجهيزات وقوات من مجموعة فاغنر الأمنية. وزاد في حدة هذه الشكوك تقرير نشرته المنظمة الأممية في شهر آذار/ مارس 2021 بشأن موضع المعارك التي دارت في ليبيا خلال السنوات الأخيرة الماضية.

فاغنر

صورة من الأمم المتحدة ملتقطة من الشاشة من تقرير نشر من قبل مجموعة من خبراء الأمم المتحدة حول ليبيا، في مارس 2021

وكتب في هذا التقرير بأنه خلال سنة 2020، “تم استخدام عدة طائرات من طراز Tupolev TU-154M التي تتبع للوحدة رقم 223 التابعة لجيش الطيران الروسي وفروعه”. وتحصي هذه الصفحات بالخصوص عددا كبيرا من الطائرات الروسية التي ربطت رحلات من دمشق إلى ليبيا خلال بداية سنة 2020 في الوقت الذي تمتعت فيه قوات مجموعة فاغنر بشحنات. ومن بين هذه الطائرات نعثر على الطائرة التي تحمل الرقم المنجمي RA-85042. وبين يومي 4 و6 كانون الثاني/ يناير، قامت هذه الطائرات برحلتين ذهابا وإيابا بين مطارين بنغازي في مالي والقاعدة العسكرية الروسية في الحسكة في سوريا.

على موقع فلايت رادار24، يمكن أن نعثر أيضا على أنه في سنة 2021، قامت الطائرة ذات الرقم المنجمي RA-85042 برحلة إلى أفريقيا الوسطى بعد أن قامت هذه المرة أيضا باستراحة في سوريا. وفي 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، تم التقاط صورة لهبوط هذه الطائرة بمطار بانغي عاصمة أفريقيا الوسطى. ولكن فإن مدربين روس على علاقة بشركة فاغنر بدأوا منذ 2018 في تدريب عناصر من جيش أفريقيا الوسطى ما جعل الاتحاد الأوروبي يعلق مهامه لتدريب جنود وسط أفريقيين. ويعود ذلك إلى “عدم كفاية القرائن على أن العسكريين الوسط أفريقيين لن يكونوا ضمن مرتزقة شركة فاغنر الروسية”.

وبالنسبة إلى جاك مارغولين، فإن هذا العدد الكبير من الرحلات الجوية التي تمت بين ليبيا وأفريقيا الوسطى هي حجة إضافية حيث يقول: “لا يمكن لنا استبعاد بطريقة نهائية فرضية أن هذه الطائرات كانت تنقل نوعا آخر من الشحنات. لكن هذا المسار الذي تقوم به الطائرة انطلاقا من سوريا وتابعيتها لوحدة 223 الجوية الروسية تمثل حسب وجهة نظري أحد أكبر الأدلة التي أمكن لي ملاحظها حتى الآن والتي تشير إلى احتمال أن شركة فاغنر بصدد نشر قواتها بالفعل في مالي.”

حالة ليست معزولة

بالإضافة إلى هذ الرحلة الجوية لطائرة RA-85042 بتاريخ 20 كانون الأول/ ديسمبر 2021، يمكن لنا العثور على رحلات جوية متكررة انطلاقا من روسيا. ففي 30 أيلول/ سبتمبر الماضي، تابع حساب “غيرجون” على تويتر طائرة روسية أخرى كانت تسير رحلات باتجاه باماكو. ومنذ انطلاقها من روسيا، وصلت طائرة الشحن هذه إلى مالي بعد أن قامت باستراحة في مصر.

ولكن ومنذ اليوم الموالي، أعلن الحساب الرسمي للقوات المسلحة المالية على تويتر أنه تلقى أربع طائرات مروحية مقاتلة إضافة إلى أسلحة وذخائر اشترتها الحكومة المالية من روسيا. وتظهر صور طائرة مروحية مغلفة من الداخل وطائرة من طراز أنطونوف 124 – 100. وإذا كانت هذه الشحنة قدم إيصالها من قبل الجيش الروسي وليس لصالح شركة فاغنر، إلا أنها تكشف في المقابل النفوذ المتنامي لموسكو فيما يتعلق بالمسائل الأمنية في مالي.

 

منشآت عسكرية جدية بالقرب من مطار باماكو

وحسب معلومات استقتها صحيفة لوموند الفرنسية، فإن منشآت جديدة بصدد البناء قرب مطار باماكو أثارت قلق باريس وشركائها. وإلى جانب القاعدة الجوية 101 التابعة لجيش الجو المالي التي تقع بمكان قريب جنوب المطار، فقد تم ملاحظة وجود “منشآت من نوع عسكري تمكن من استقبال عدد كبير من المرتزقة”.

ومن خلال النظر إلى صور التقطتها أقمار صناعية ومتوفرة على تطبيق غوغل إيرث، يمكن لنا أن نرى بالفعل أنه تمت تهيئة قطعة أرض قرب القاعدة العسكرية 101 منذ شهر أيلول/ سبتمبر.

فاغنر

على اليسار، صورة التقطتها أقمار صناعية للقاعدة العسكرية 101 في مطار باماكو في 17 أيلول/ سبتمبر 2021، على اليمين، صورة لنفس القاعدة يعود تاريخ التقاطها لـ6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021. ويمكن لنا أن نلاحظ أن قطعة أرض تبدو مهيئة بعد أن كانت مكسوة بالنباتات