روسيا.. المحكمة العليا قررت حل المنظمة

  • قرار اعتبرته المنظمة غير الحكومية سياسيا
  • تعهدت بإيجاد “سبل قانونية” لمواصة أنشطتها

بعد قرار حلها من قبل المحكمة الروسية العليا، تعهدت منظمة “ميموريال” الحقوقية غير الحكومية، إيجاد “سبل قانونية” لمواصلة أنشطتها.

وقالت في بيان إن “ميموريال ليست منظمة ولا حتى حركة اجتماعية. ميموريال تمثل حاجة مواطني روسيا إلى معرفة حقيقة ماضيها المأسوي ومصير ملايين من الأشخاص. ولا يمكن لأحد +القضاء على+ هذه الحاجة”.

باريس: خسارة “رهيبة” للشب الروسي

من ناحيته أعرب وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، الثلاثاء، عن “استيائه” و”قلقه” بعد قرار القضاء الروسي بحل منظمة ميموريال غير الحكومية.

وقال لودريان في بيان إن “حل ميموريال الدولية يشكل خسارة رهيبة للشعب الروسي الذي من حقه الإفادة من معرفة صحيحة لماضيه، ومن مجتمع يقوم على القيم الأساسية التي يحمل مجلس أوروبا لواءها”.

لماذا غضبت الحكومة الروسية من المنظمة الحقوقية؟

وثّقت المنظمة غير الحكومية الروسية “ميموريال” مدى ثلاثة عقود عمليات التطهير الستالينية، ثم عمليات القمع في روسيا المعاصرة في عهد فلاديمير بوتين، قبل أن تصبح هي نفسها ضحية لذلك.

وقررت المحكمة العليا في روسيا الثلاثاء حل “ميموريال” لانتهاكها قانونا مثيرا للجدل حول “العملاء الأجانب”، في قرار اعتبرته المنظمة غير الحكومية سياسيا.

وبتصفيتها، يبدو أن سلطات بوتين تريد توجيه ضربة قاضية إلى المنظمة التي تشكل رمزا لإرساء الديمقراطية في تسعينات القرن الماضي. وقد جاء في نهاية 2021 العام الذي تميز بقمع واسع لمنتقدي الكرملين.

وطوال ثلاثة عقود، لم تكف “ميموريال” عن مناشدة الكرملين ودعوته إلى التحرك ما أثار عداء العديد من المسؤولين وأعمالا انتقامية وصل بعضها إلى الاغتيال.

روسيا

محامو منظمة ميموريال الدولية للحقوق يستمعون إلى حكم المحكمة العليا الروسية بينما يأمر القاضي بإغلاق ميموريال إنترناشيونال

ومن الجرائم الستالينية إلى الانتهاكات في الشيشان، كانت المنظمة التي أسسها في 1989 منشقون سوفيات بينهم أندريه ساخاروف حائز جائزة نوبل للسلام، موثوقا بها عبر تحقيقاتها الدقيقة.
في أحد تحقيقاتها الأخيرة في آذار/مارس الماضي ، حددت المنظمة غير الحكومية ثم قدمت شكوى ضد أفراد في القوات شبه العسكرية الغامضة “فاغنر” اتهمتهم بارتكاب جرائم حرب في سوريا.

ويقول الغرب ومنتقدو “فاغنر” أن هذه تعمل لحساب الكرملين.

في الوقت نفسه، وضعت “ميموريال” لائحة بالسجناء السياسيين وقدمت لهم المساعدة كما فعلت مع المهاجرين والأقليات الجنسية.

أعداء الشعب

عرفت المنظمة في الغرب حيث أصبح لها مكانة كبيرة، خصوصا بسبب عملها في الشيشان، الجمهورية الروسية الواقعة في القوقاز والتي شهدت حربين. وقد منحت جائزة ساخاروف من البرلمان الأوروبي في 2009.

وخلال حربي الشيشان في تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين كان طاقم “ميموريال” منتشرا على الأرض لتوثيق انتهاكات الجنود الروس ومساعديهم المحليين.

وقالت المؤرخة إيرينا تشيرباكوفا وهي من مؤسسي المنظمة لوكالة فرانس برس في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي إن “السلطة كرهت ذلك دائما”.

في 2009 خُطفت رئيسة المنظمة غير الحكومية في الشيشان ناتاليا إستيميروفا في وضح النهار وقتلت برصاصة في رأسها في غروزني.

ووصف الزعيم الشيشاني المستبد رمضان قديروف الذي اتهم بهذا الاغتيال، أعضاء “ميموريال” في المقابل بأنهم “أعداء الشعب”.

في 2018، دفعت قضية جديدة المنظمة غير الحكومية إلى الانسحاب من الشيشان: إدانة مسؤولها المحلي أيوب تيتياف في قضية مخدرات وصفت بعد ذلك بأنها مفبركة.

هاجس الذاكرة

يقول مؤسسو المنظمة إنها بدأت أنشطتها قبل وقت طويل من إنشائها رسميا في 1989. وكان هدفها بعد ذلك هو إعطاء اسم وتكريم ملايين الضحايا المنسيين للقمع السوفيتي ومعسكرات الأشغال الشاقة (الغولاغ).

في ستينيات وسبعينات القرن الماضي، بدأ الناشطون جمع معلومات سرا عن هذه الجرائم ثم خرجوا إلى العلن بعد “بيريسترويكا” الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف.

وقالت المؤرخة نفسها “ميموريال وارثة حركة ثم تنظيم لم يكف عن الصراخ بصوت عال وواضح أن زوال ذكرى الديكتاتورية من الضمير الجماعي أمر خطير جدا”.

مع تولي بوتين السلطة في 2000 في روسيا أصبحت هذه المهمة تزداد صعوبة لأن الكرملين يدافع عن تفسير تاريخي يمجد القوة الروسية ويقلل من شأن الجرائم السوفياتية.

في التاسع من كانون الأول/ديسمبر، انتقد بوتين عمل “ميموريال” بحجة أن المنظمة صنفت متعاونين مع النازيين كضحايا للقمع الستاليني في قاعدة بياناتها التي تحتوي على ثلاثة ملايين اسم.

وردت ميموريال بأنه خطأ عفوي وتم تصحيحه منذ ذلك الحين.

وأمام المحكمة العليا الثلاثاء اتهم المدعي العام أليكسي جافياروف المنظمة ب”خلق صورة خاطئة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية كدولة إرهابية” وبالسعي إلى “إعادة تأهيل مجرمين نازيين”.

وتحدثت “ميموريال” عن أشكال ضغط أخرى لإسكات المنظمات غير الحكومية.

ففي ملف قالت إنه ملفق بأكمله، حُكم الأربعاء على أحد مؤرخيها لحملات التطهير الستالينية في كاريليا (شمال غرب)، يوري دميترييف بالسجن لمدة 15 عاما في قضية “أعمال عنف جنسية”.

والربيع الماضي، خسرت المنظمة غير الحكومية أيضا دعوى ضد النيابة للحصول على معلومات عن مدعين عامين أمروا بتنفيذ عمليات إعدام في الاتحاد السوفياتي السابق.