أفغانستان تعاني من أوضاع معيشية صعبة بعد استيلاء طالبان على الحكم

 

طالبت نائبة المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، طالبان، بضرورة احترام الحقوق والحريات الأساسية في ظل الأوضاع الراهنة التي تشهدها أفغانستان.

جاء ذلك خلال إحاطة قدمتها لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، الثلاثاء، حيث عرضت ندى الناشف بالتفصيل كيف أن الأزمة الإنسانية العميقة في أفغانستان تهدد الحقوق الأساسية، مع وجود النساء والفتيات والمجتمع المدني من بين أكثر المتضررين.

جوع وعوز

قال برنامج الأغذية العالمي، الثلاثاء، إن الاقتصاد الأفغاني المنهار يجعل من الصعب على الناس الحصول على ما يكفي من الطعام.

تحتاج الوكالة الأممية، بشكل عاجل، إلى 220 مليون دولار شهريا في عام 2022 حيث تكثف عملياتها لتوفير المساعدات الغذائية والنقدية لأكثر من 23 مليون أفغاني يواجهون الجوع الشديد.

وقد ساعد البرنامج 15 مليون شخص في جميع مقاطعات البلاد البالغ عددها 34 حتى الآن من هذا العام، ووصل عددهم إلى حوالي سبعة ملايين في تشرين الثاني/نوفمبر وحده، بدلا من أربعة ملايين في أيلول/سبتمبر الماضي.

وقالت ماري-إيلين ماكغرارتي، المديرة القطرية لبرنامج الأغذية العالمي في أفغانستان: “تواجه أفغانستان فيضانا من الجوع والعوز لم أر مثله مطلقا خلال عشرين عاما من العمل مع برنامج الأغذية العالمي”.

تدابير يائسة

أظهر أحدث استطلاع أجراه برنامج الأغذية العالمي عبر الهاتف أن 98 في المائة من الأفغان لا يستهلكون ما يكفي من الغذاء، وهي زيادة مقلقة بنسبة 17 في المائة منذ آب/أغسطس.

وقالت الوكالة الأممية إن العائلات بالكاد تستطيع التأقلم مع هذا الوضع، وهي تلجأ إلى تدابير يائسة مع بداية الشتاء، حيث يأكل ثمانية من كل عشرة أشخاص كمية أقل من الطعام، ويقترض سبعة من كل عشرة أشخاص طعاما لمجرد تدبير أمورهم.

الكرامة أو الحرمان

فيما قالت الناشف: “ستحدد الكيفية التي ستعالج بها سلطات الأمر الواقع والمجتمع الدولي الأزمات الاقتصادية والإنسانية الضخمة في البلاد تمتع الأفغان بحقوق الإنسان، الآن وفي المستقبل. ستحدد الفرق بين الحياة المحتملة في ظل الكرامة والرفاهية – أو تسريع الحرمان والظلم والخسارة المأساوية في الأرواح.”

يظل موظفو مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على الأرض في أفغانستان، حيث يعاني الاقتصاد من الشلل إلى حد كبير والفقر والجوع آخذان في الازدياد.

وقالت الناشف إنه في الوقت الذي يكافح فيه الأفغان في سبيل تلبية الاحتياجات الأساسية، يتم دفعهم لاتخاذ تدابير يائسة، بما في ذلك عمالة وزواج الأطفال. كما ظهرت تقارير إخبارية عن بيع الأطفال.

وأفادت أيضا بأنه على الرغم من انحسار القتال منذ أغسطس، عندما استولت طالبان على زمام السلطة في البلاد، لا يزال المدنيون الأفغان معرضين لخطر الصراع لأن داعش ولاية خراسان وجماعات مسلحة أخرى لا تزال تشن هجمات مميتة.

عمليات قتل خارج نطاق القضاء

وعلى الرغم من العفو العام الذي أصدرته طالبان، في أغسطس، فقد تلقى مكتب حقوق الإنسان تقارير تفيد بوقوع أكثر من 100 حالة قتل لقوات الأمن الوطنية الأفغانية السابقة وآخرين مرتبطين بالحكومة السابقة.

وقد نُسب ما لا يقل عن 72 حالة قتل إلى طالبان، وفي عدة حالات عُرضت الجثث على الملأ.

“في مقاطعة ننغرهار وحدها، يبدو أيضا أن هناك نمطا لما لا يقل عن 50 حالة قتل خارج نطاق القانون لأفراد يُشتبه في أنهم أعضاء في داعش. وقد تم الإبلاغ عن أساليب القتل الوحشية، بما في ذلك الشنق وقطع الرؤوس وعرض الجثث على الملأ”.

قلق بشأن أوضاع النساء والأطفال

كما أعربت المسؤولة الأممية عن قلقها العميق إزاء استمرار خطر تجنيد الأطفال، ولا سيما الفتيان، من قبل داعش- ولاية خراسان وسلطات الأمر الواقع. ولا يزال الأطفال يشكلون غالبية المدنيين القتلى والجرحى من جراء الذخائر غير المنفجرة.

وفي الوقت نفسه، تواجه النساء والفتيات قدرا كبيرا من حالة عدم اليقين عندما يتعلق الأمر باحترام حقوقهن في التعليم وسبل العيش والمشاركة. هناك حوالي 4.2 مليون شاب أفغاني خارج فصول الدراسة، 60 في المائة منهم من الفتيات.

كما حدث انخفاض في التحاق الفتيات بالمدارس الثانوية، حتى في المقاطعات حيث سمحت لهن سلطات الأمر الواقع بالذهاب إلى المدرسة. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى غياب المعلمات، حيث لا يُسمح في بعض المواقع بتعليم الفتيات إلا من قبل النساء.

أسئلة بلا إجابات

على الرغم من أن المرسوم الصادر في 3 كانون الأول/ديسمبر بشأن حقوق المرأة كان بمثابة “مؤشر مهم”، قالت الناشف إنه يترك العديد من الأسئلة دون إجابة.

وأضافت: “على سبيل المثال، لا يوضح الحد الأدنى لسن الزواج، ولا يشير إلى أي حقوق أوسع للنساء والفتيات في التعليم، أو العمل، أو حرية التنقل، أو المشاركة في الحياة العامة”.

علاوة على ذلك، يُحظر على النساء، إلى حد كبير، العمل، باستثناء بعض المعلمات والعاملات الصحيات وموظفات المنظمات غير الحكومية. كما أنهن لا يستطعن عرض المنتجات في السوق لأن سلطات الأمر الواقع المحلية قد أغلقت البازارات التي تديرها النساء.

“يتعين الآن على العديد من النساء والفتيات الأفغانيات أن يرافقهن قريب ذكر في أي وقت يغادرن محل إقامتهن. يتم تطبيق هذه الأحكام بصرامة في بعض الأماكن، ولكن ليس كلها”.

وحذرت من أن شركاء الأمم المتحدة يقدّرون أن منع النساء من العمل سيسهم في خسارة اقتصادية فورية تصل إلى مليار دولار.

المجتمع المدني يتعرض للهجوم

كما تعرض المجتمع المدني الأفغاني للهجوم. فمنذ آب/ أغسطس، قُتل ما لا يقل عن ثمانية نشطاء وصحفيين، وأصيب آخرون على أيدي مسلحين مجهولين.

وقد وثقت بعثة الأمم المتحدة في البلاد ( يوناما) ما يقرب من 60 حالة اعتقال تعسفي وضرب وتهديدات لنشطاء وصحفيين وموظفي لجنة حقوق الإنسان المستقلة في أفغانستان، وقد نُسبت هذه الانتهاكات إلى سلطات الأمر الواقع.

كما تم تهديد العديد من المدافعات عن حقوق المرأة، وهناك مخاوف واسعة النطاق من الانتقام منذ حملة القمع العنيفة ضد الاحتجاجات النسائية السلمية في أيلول/سبتمبر. أغلقت العديد من وسائل الإعلام أبوابها، وكذلك العديد من مجموعات المجتمع المدني.

تضييق على العدالة

علاوة على ذلك، لم تتمكن اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان من العمل منذ آب / أغسطس، بينما تواجه نقابة المحامين الأفغانية المستقلة فقدان استقلاليتها لأن سلطات الأمر الواقع تدير الآن أنشطتها تحت إشراف وزارة العدل الفعلية.

وأضافت الناشف: “إن سلامة القضاة والمدعين العامين والمحامين الأفغان – لا سيما المهنيات القانونيات – هي مسألة تثير القلق بشكل خاص. يختبئ الكثيرون حاليا خوفا من الانتقام، بما في ذلك من السجناء المدانين الذين تم إطلاق سراحهم من قبل سلطات الأمر الواقع، ولا سيما الرجال المدانين بارتكاب أعمال عنف جنساني”.

وشددت السيدة الناشف على أن دعم حقوق الإنسان أمر بالغ الأهمية بالنسبة لأفغانستان في سبيل المضي قدما.

وتابعت قائلة: “إن احترام سلطات الأمر الواقع للحقوق والحريات الأساسية لجميع الأشخاص في أفغانستان وحمايتها، دون تمييز، يمثل جزءا لا يتجزأ من ضمان الاستقرار. إن الفشل في احترام حقوق الإنسان سيؤدي حتما إلى مزيد من الاضطرابات وسيعيق التنمية في أفغانستان”.