نهاية قضية استمرت لأكثر من عقدين وانتهت آخر فصولها بتأكيد الحكم بالسجن مدى الحياة بحق القائد العسكري السابق لصرب البوسنة راتكو ملاديتش

  • “أينما حلّ جيشهم وحيثما وطأت أقدامهم، ارتكبوا إبادة جماعية”
  • “وحش لم يتب عما فعله حتى بعد مرور 26 عامًا”
  • ارتكب ملاديتش جرائم ضد الانسانية وإبادة جماعية خلال حرب البوسنة
  • القضاء الدولي صمم على محاسبته مهما استغرق الأمر من وقت
  • الحكم يُظهر أن من يرتكبون جرائم فظيعة سيحاسبون فعلا على ما قاموا به
  • البوسنيون يبتهجون بتحقيق العدالة “أخيراً”
  • صحف بوسنية: “انظر إلى دموع الجزار عندما يدرك أنه سيموت خلف القضبان”

من قمة الجبروت الى خلف القضبان.. هذه كانت نهاية قضية استمرت لأكثر من عقدين وانتهت آخر فصولها بتأكيد القضاء الدولي الثلاثاء في الاستئناف الحكم بالسجن مدى الحياة بحق القائد العسكري السابق لصرب البوسنة راتكو ملاديتش بتهمة ارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب خلال حرب البوسنة بين 1992 و 1995، في قرار لقي ترحيباً من جانب الأمم المتحدة وواشنطن.

وقالت آلية المحاكم الجنائية الدولية التي مقرها في لاهاي إن “غرفة الاستئناف تؤكد عقوبة السجن مدى الحياة بحق ملاديتش”، رافضة بذلك الاستئناف الذي قدمه الأخير المدان خصوصا بالابادة لدوره في مجزرة سربرينيتسا، وهي الأسوأ في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تعتبر إبادة جماعية في نظر القضاء الدولي.

واعتبرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه في بيان، إن الحكم “يشير إلى تصميم القضاء الدولي على المحاسبة مهما استغرق الأمر من وقت – وفي حالة ملاديتش، فقد مضى نحو 3 عقود على جرائمه الشنيعة”.

من جهته، أشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالحكم “التاريخي” مشيراً إلى أنه “يُظهر أن من يرتكبون جرائم فظيعة سيحاسبون فعلا على ما قاموا به”.

والحكم الذي أعلنه 5 قضاة من آلية المحاكم الجنائية الدولية التي حلّت محل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة بعد إغلاق هذه الأخيرة في 2017، نهائيّ ولم يعد بالإمكان استئنافه.

وتوجّهت أمهات بعض من الضحايا وهم ثمانية آلاف رجل وفتى من المسلمين قتلتهم قوات صرب البوسنة في سريبرينتسا عام 1995، إلى لاهاي.

وقالت رئيسة إحدى جمعيات “أمهات سريبرينيتسا”  منيرة سوباسيتش لوكالة فرانس برس “إنه يوم تاريخي، ليس فقط بالنسبة إلينا نحن الأمهات، إنما أيضاً لمجمل دول البلقان وأوروبا والعالم”.

وأضافت من أمام المحكمة قبل صدور الحكم، أن راتكو ملاديتش المعروف باسم “سفاح البلقان” والبالغ نحو 80 عاماً، “هو وحش لم يتب عما فعله حتى بعد مرور 26 عامًا”.

وتابعت “أينما حلّ جيشهم وحيثما وطأت أقدامهم، ارتكبوا إبادة جماعية”.

 

 

 

 

“جئتُ لأبكي هنا”

في مركز النصب التذكاري للإبادة الجماعية، قرب سريبرينتسا، وُضعت شاشة عملاقة وبثّت الثلاثاء شهادات ناجين وعائلات، بالقرب من مقابر أكثر من 6600 ضحية تمّ التعرّف عليها.

وقالت مونيفيرا كابيليتش قرب مدافن زوجها ونجليها اللذين قُتلا في عمر 17 و20 عاماً، “بدلاً من أن أبتهج مع أحفادي، جئتُ لأبكي هنا”.

وأضافت “أكثر ما يؤلمني هو أنهم ينفون الإبادة”. وتابعت “يقولون إن ذلك لم يحصل، لكن شواهد القبور هذه تثبت ذلك”.

قال الناجي سيمسو عثمانوفيتش، الذي فقد 23 من أفراد عائلته في المجزرة، إن الحكم يعني أنه شعر أخيرًا بأنه قادر على العودة إلى مسقط رأسه.

وأضاف “كنت أعيش حياتي كلها في هذه اللحظة – لأرى العدالة تتحقق من قبل المحكمة الدولية. وآمل أن أحضر أطفالي وزوجتي إلى سريبرينيتشا”. “هذا هو المكان الذي ولدت فيه.”

شاهدت شهيدة عبد الرحمنوفيتش، التي قُتل زوجها في سريبرينيتشا، الحكم في مركز تذكاري في بوتوكاري.

وقالت لـBBC إن “الأمهات اللاتي بالكاد يسمعن، ولا يستطيعون الرؤية، والمرضى ولا يستطيعون المشي، جاؤوا لرؤية هذا. كما كان بالأمس، كل شيء لا يزال على ما يرام”.

وأضافت “من الأهمية بمكان أن يكون قد صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد وأن الإبادة الجماعية في سريبرينيتشا قد تأكدت”.

وفي سراييفو، قادت إحدى الصحف البوسنية عن الحكم: “انظر إلى دموع الجزار عندما يدرك أنه سيموت خلف القضبان”.

منيرة سوباسيتش قالت لـBBC: في الطريق الى منزلها، وعلى بعد مسافة قصيرة سيرًا على الأقدام من حقول القتل في سريبرينيتسا، قالت “إنه ملطخ بالدماء”.

تم انتزاع نجل منيرة، نرمين، البالغ من العمر 17 عامًا، من ذراعيها، وهو يحاول طمأنتها بأن كل شيء سيكون على ما يرام. لقي اثنان وعشرون من أفراد عائلتها حتفهم في الإبادة الجماعية.

 

الجانب الآخر .. مناصروه: لم يحصل على محاكمة عادلة!

قال داركو ملاديتش، نجل الجنرال السابق، إن والده “لم تكن لديه فرصة لمحاكمة عادلة” ووصف الإجراءات بأنها “سيرك متنقل”.

وقالت الرئيسة الحالية لجيب صرب البوسنة، زيليكا سفيجانوفيتش، إن المحكمة “أكدت مرة أخرى دورها كمحكمة معادية للصرب، والتي تحدد المسؤولية عن جرائم الحرب ليس بالأدلة، ولكن من خلال عرق المتهمين”.

أوقف ملاديتش عام 2011 بعد فرار استمر 16 عاما، وبات العسكري السابق الموقوف في لاهاي، والذي عرف ببنيته القوية ونفوذه خلال حرب البلقان، اليوم كهلا مريضا، بحسب محاميه.

بعد أكثر من ربع قرن على الحرب، لا يزال الجنرال السابق يعتبر بطلا في نظر العديد من صرب البوسنة، لكن اسمه سيبقى مرتبطا بجرائم الحرب والإبادة الجماعية في البوسنة من حصار ساراييفو الى مجزرة سريبرينتسا.

تظهره صور قديمة يوزّع في سريبرينتسا سكاكر على الأطفال وكذلك في حافلة مع نساء، فيما كان يتمّ اقتياد الرجال والمراهقين في المدينة إلى غابة ويُعدمون.

“هدف لحلف الأطلسي”

أدين ملاديتش أيضاً بتهمة تدبير حملة أوسع “للتطهير الاثني” لطرد المسلمين والبوسنيين من مناطق رئيسية لإقامة صربيا كبرى في يوغوسلافيا السابقة، التي تمزّقت بعد سقوط الشيوعية.

أكد ملاديتش الذي لا يزال يعتبر مدافعا عن الشعب الصربي من قبل العديد من صرب البوسنة، أنه انجر إلى النزاع رغما عنه منذ بداية حرب البوسنة (1992-1995) التي خلفت حوالى مئة ألف قتيل و2,2 مليون نازح.

بحسب محاميه، ليس هناك علاقة بين الجنرال السابق وأعمال القتل التي ارتكبت في سريبرينيتسا و لا أساس للاتهامات الموجهة إليه بارتكاب إبادة جماعية التي أدت إلى الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

في آب/اغسطس 2020 خلال جلسة الاستئناف، أعلن راتكو ملاديتش أن المحكمة كانت “فرعا للقوى الغربية” وأكد على الدوام انه لا يزال “هدفًا لحلف شمال الأطلسي” متهما المدعين بوصفه بعبارات “شيطانية وغادرة”.

وسن الجنرال السابق موضع جدل أيضا حيث يؤكد انه ولد في 12 آذار/مارس 1943 فيما تعتمد المحكمة تاريخ 12 آذار/مارس 1942.

يعتبر راتكو ملاديتش أحد القادة الرئيسيين الذين حوكموا أمام القضاء الدولي عن جرائم ارتكبت خلال الحروب في يوغوسلافيا السابقة إلى جانب الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كارادجيتش الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة في 2019 والرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش الذي توفي في زنزانته في لاهاي بنوبة قلبية عام 2006 قبل انتهاء محاكمته.