خصلاتُ شعرٍ برّاقةٌ، تزيدُ من كثافة وجمال شعر النساء، تقابلها على الجانب الآخر، رؤوسٌ حليقةٌ لمعتقلات إيغوريات في معسكرات الإعتقال بالصين. هي تجارةٌ بمليارات الدولارات قائمة على شَعرٍ سُلب من أصحابه قسراً، تدرّ على  الجناة أرباحاً خيالية سنوياً.

تستحوذ الصين على إنتاج وتصدير صناعات الشعر المستعار في السوق العالمية، بنسبة تفوق الـ70 % من إجمالي إنتاج السلع وتصديرها. ويتزامن ذلك مع إشارات تعجّب كبيرة على أعمال السخرة وممارسات حلاقة الشعر بشكل قسري تمارس ضدّ الإيغور في معسكرات الإعتقال  في شينجيانغ.

شهادات الناجين والناجيات من معكسرات الإعتقال تتشابه في ذكر تفاصيل مرعبة عن  ممارسات قمعية عديدة، والملفت أنّ الحاضر فيها دائماً تفاصيلٌ تتعلق بحلق الشعر قسرياً لكلّ المحتجزين هناك.

قلنبور صدق، سيدّة إيغورية التقيناها في منزلها الكائن في ميدنة لاهاي بهولندا، يطل على البحر، وقد حصلت على هذا المنزل بعدما لجأت إلى هولندا هرباً من الظلم في معتقلات الصين.

تقول صديق لـ”أخبار الآن“: “كانت وظيفتي تدريس اللغة الصينية للإيغوريين في المخيّمات، وكان ذلك إجبارياً إذ لم يكن باستطاعتي أن أرفض ما تطلبه الحكومة الصينية منّي. في الأوّل من مارس العام 2017 وحتى سبتمبر، كنت أعمل في مخيم الرجال المقام فوق الجبال، وكانت هناك أمور كثيرة مؤلمة شاهدتها في هذا المخيم”.

وتابعت: “بعد سبتمبر نقلوني إلى التدريس في مخيّم أخر تكثر فيه النساء، وهناك شاهدت أيضاً مشاهد مؤلمة جرّاء ما تتعرض له النساء الإيغوريات في المخيم. عندما دخلت إلى المخيم وكنت متوجهة إلى الفصل الدراسي، رأيت جسد شابة إيغورية عمرها نحو 18 سنة، تُسحل من قبل شرطيين صينين إثنين إلى الخارج، فهذا المنظر كان مؤلماً جداً. استفسرت عن سبب موت هذه السيّدة من بعض الموظفين فقالوا لي إنّه بسبب استخدام الأدوية التي توقف الدورة الشهرية، لكنّها بقيت تنزف على أكثر من شهر إلى أن توفيت”.

وأوضحت صديق لـ”أخبار الآن“: “عندما وصلت إلى مخيّم النساء، لاحظت عدم وجود شعر لدى النساء الإيغوريات، فكان ذلك المشهد غريباً بالنسبة جدّاً، استفسرت من إحدى الموظفات التي كنت أعرفها سابقاً، فأخبرتني أنّهم يجبرون النساء على حلق شعرهن، للإستفادة من ذلك فيما بعد وتحويلها إلى باروكات وبيعها في الأسواق… أنا لم أشاهد منظر حلق شعر النساء الإيغوريات، لكن من خلال استفساري من الموظفين، قالوا لي لأنّ عدد النساء كبير في غرفة واحدة، ولا يستطعن الإستحمام وبالتالي ليس هناك من أدوات كثيراً للتنظيف، فلذلك يجب علينا حلق شعرهن ونرسل الشعر إلى مدن صينية أخرى”.

الإنتقام بحلق الرؤوس

وأضافت السيدة التي كانت تبكي من حين إلى آخر نظراً لقساوة المشاهد التي تستذكرها: “لم يكن بإمكاني أن أتواصل مع النساء الإيغوريات مباشرة، لأنّهن حتى خلال التعلّم كنّ يجلسن في مكان بعيد عني ومسيّج، لكنّ بعضهن كن يركّبن الجمل والعبارات باللغة الصينية، ويعبّرن عن وضعهن لناحية ما تتعرّضن له في المخيم. وكان ذلك أيضاً من الأساليب المستخدمة في المخيم بين الزائرين والمعتقلين. وخلال الراحة أثناء وقت الظهيرة، كنت برفقة الشرطيين في المخيّم نأكل في صالة واحدة، وكانوا يتحدّثون فيما بينهم باللغة الصينية على راحتهم، ويقولون إنّ الإيغوريات يعني شعرهن لهن كثيراً وتعتبرن أنّه مصدر جمالهن، ونحن نقوم بالعمل على إيذائهن بهذا الشيء من خلال حلق شعرهن وإرساله إلى المصانع الصينية في المدن الأخرى، حتى ننتقم منهن”.

إيغوريات تنتظرن الفرج

وتقول صديق لـ”أخبار الآن“: “أنا أوّلاً لا يمكنني أن أصف حالتهن بسهولة، إنّ الأمر صعب بالنسبة لي، ولكن يمكن لي القول إنّهن كنّ يتألمن جرّاء هذا الفعل البشع، فمعظمهن كن يتظرن حبل نجاة وفرجاً من قبل الآخرين. كإمرأة إيغورية أنظر إلى الشعر على أنّه يزيد المرأة جمالاً، فهو زينة لها، ومن دونه تبدو النساء أقلّ جمالاً، وهذا أمر يتوافق عليه الآخرون أيضاً. الأمر المهم هنا في المخيم، أن الإيغوريات لا يمكنهن أن يقررن مصير أيّ عضو من أعضائهن، فهنذ مظلومات إلى هذه الدرجة. لذلك من خلال نشر هذه المعلومات، نريد أن ننبه العالم إلى الخطر الصيني على المجتمعات الأخرى… أنا شخصياً لا أعرف كيف يمكن تحديد أنّ الباروكة مصنوعة من شعر الإيغوريات، ولكن أعرف أنّ شعرهن يباع في دول عربية وأوربية وغيرها، لكنّنا نتمنى من المستهلكين في الدول الأخرى لا سيّما العربية، عدم شراء الشعر المصنوع في الصين، حتى لا يشاركوا في الظلم الذي تتعرض له الإيغوريات في المخيم”.

بحسب قاعدة الأمم المتحدة للبيانات التجارية  لعام 2018، فإنّ 890 مليار دولار هو مجموع ما صدرته الصين في مجال صناعة الشعر البشري المستعار. كما أنّ  الأرباح التي تدرها هذه التجارة مقارنة بالوسائل التي يتمّ الحصول على الشعر البشري فيها، من شأنها أن تكشف خفايا مروّعة تحمّلها تجارة لطالما ارتبطت بالجمال.

من جهته، أكّد الموقع الأكثر شهرة “علي اكسبرس” في العام 2018، أنّه ومن خلاله يتمّ بيع باروكة شعر مستعار كل ثانينتن تقريباً، في حين نجدّ  الشعر الإيغوري الذي ينتهي في محلّات وماركات عالمية للشعر المستعار يتمّ بيعه أحياناً بشكل علني على مواقع الانترنت تحت عناوين براقة.

وفي حين تشير بعض الدول إلى أهمية التأكّد من مصادر الشعر الذي يتمّ استيراده من الصين، تؤكّد المنظمات الدولية أيضاً ضرورة فرض قوانين أكثر صرامة حول هذا الموضوع.

ما  تقدم  نموذج جديد عن  الممارسات البشعة بحق الأقلية الإيغورية. فهل تنجح  المساعي بلجم  السلطات  الصينية؟ أم أنّ الأمور متجهة نحو المزيد من الملفات  التي تختزن الكثير من الجرائم والإنتهاكات؟ وإلى متى تبقى تجارة القهر هذه من دون حسيبٍ أو رقيب؟ يبقى السؤال معلقاً بلا إجابة جلية.

شاهد أيضاً تعليق مراسلة “أخبار الآن” في هولندا بيسان زرزر على اللقاء الذي جمعها باسيدة فلنبور صديق.