بروفيسور بريطاني موالٍ لروسيا يحاول تشويه سمعة مجموعة كشفت جرائم النظام السوري

نشرت هيئة الإذاعة البريطانية “BBC” تقريراً مُطولاً تحدثت فيه عن قصة أكاديمي بريطاني، تراسل على مدى أشهر، مع رجلٍ ألمح إلى أنه “عميل تابع لروسيا”، طالباً منه المساعدة على تقويض مصداقية وتشويه سمعة مجموعة بريطانية تجمع أدلة على جرائم الحرب التي وقعت في سوريا.

ووفقاً للتقرير، فإنّ الأكاديمي البريطاني يُدعى بول ماك كي، والمجموعة التي كان ينوي استهدافها هي لجنة العدالة الدولية والمساءلة (Commission for International Justice and Accountability).

وفعلياً، فإنّ البروفيسور ماك كي هو عضو في “مجموعة عمل سوريا للدعاية والإعلام” وهي مجموعة من الأكاديميين البريطانيين والباحثين المستقلين الذين يقولون إن الحكومة البريطانية تديرُ حملة دعائية ضد الحكومة السورية لتمهيد الطريق أمام تغيير النظام في سوريا. وبحسب التقارير، فإن هذه المجموعة تعدّ شبكة تضليل تابعة لروسيا.

وذكرت “BBC” أنّ العميل المزيف حمل اسم “إيفان”، وقد طلب منه البروفيسور البريطاني المساعدة في العثور على أدلة تبرز أن مدير المجموعة التي يسعى لاستهدافها، يعمل لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

غير أنّ الحقيقة التي لم يكن يدركها البروفيسور البريطاني، هي أنّ من قام بمراسلته تحت اسم “إيفان” عبر البريد الالكتروني، كان أحد أعضاء لجنة العدالة الدولية والمساءلة. وفي هذا الاطار، يقول البروفيسور بول ماك كي أنّه “لم يرتكب أي خطأ”، مشيراً إلى أنه “كان دائم الحذر والحيطة ممن كان يتواصل معه”.

وفي الواقع، فإنّ “لجنة العدالة الدولية والمساءلة” معنية بجمع وحفظ وثائق الحكومة السوريّة التي لها علاقة بجرائم الحرب، وقد كان البروفيسور البريطاني، وهو أستاذ في جامعة إدنبرة، يبحث عن معلومات بشأنها حينما بدأ بتبادل الرسائل عبر البريد الالكتروني مع “العميل المزيف إيفان”.

وحالياً، فإن الوثائق الموجودة بحوزة “لجنة العدالة الدولية والمساءلة”، تُستخدم في دعوى جرائم حرب أمام إحدى المحاكم في ألمانيا، حيثُ يتهم ضابط سابق في المخابرات العسكرية السورية بـ4 آلاف تهمة تعذيب لمعتقلين سوريين.

وتشيرُ “BBC” في تقريرها أيضاً إلى أنّ بول ماك كي أراد الحصول على معلومات عن امرأة ربما يكون مدير المنظمة على علاقة معها، كما سأل عمّا إذا كان المدير يتعاطى الكوكايين. ومع هذا، فقد طلب البروفيسور البريطاني من العميل الروسي المزيّف، معلومات عن قائمةٍ بالأكاديميين والصحفيين البريطانيين، بينهم 2 يعملان في هيئة الإذاعة البريطانية “BBC”، وهما سوري وكلوي حاجيماثيو. كذلك، اقترح ماك كي على “إيفان” أن “يراقب” صحافياً يعمل في مؤسسة إعلامية روسية.

وخلال فترة المراسلة، أرسل البروفيسور ماك كي إلى العميل “إيفان” مسودة تقريرٍ مٌعادٍ للجنة العدالة، قام بإعداده بالاشتراك مع عضوين آخرين من “مجموعة عمل سوريا للدعاية والإعلام” التي يعدّ عضواً فيها، وهما البروفيسور ديفيد ميلر من جامعة بريستول وبيرس روبنسون، الأستاذ السابق في جامعة شيفيلد.

رئيس لجنة العدالة الدولية والمساءلة يردّ

بدوره، تحدث مدير لجنة العدالة الدولية والمساءلة بيل وايلي بشأن هذه القضية، كاشفاً أنّ الموظف في اللجنة الذي كتب رسائل البريد الإلكتروني إلى البروفيسور ماك كي “لم يقُل إنه عميل تابع لروسيا”، لكنه أوحى له بذلك بطريقة غير مباشرة.

ومع هذا، فقد أشار وايلي إلى أنهم “نفذوا عملية الخداع لأنهم كانوا قلقين من أن تقرير ماك كي ربما يكشف عن معلومات حساسة حول موقع أرشيف اللجنة الذي يضم أكثر من مليون وثيقة سورية وهوية العاملين فيها”. وفي الواقع، فإنّ اللجنة تحرُص على سرية موقع الوثائق وهوية أعضائها لأسباب أمنية، بحسب ما ذكرت “BBC”.

وتعمل لجنة العدالة والمحاسبة في مجال التحقيقات الجنائية في سوريا منذ العام 2011. وعلى الرغم من أنها ولأسباب أمنية، تجنبت إلى حد بعيد لفت الأنظار إليها كمنظمة غير حكومية، إلا أنها عملها أحدث تأثيراً كبيراً في المجال الأهم، ألا وهو تأمين الأدلة والحرص على أن المواد والأدلة التي تدعم جهات إنفاذ القانون الغربية الهادفة إلى محاسبة الجناة.

وقد جمعت اللجنة أكثر من مليون صفحة من المستندات الصادرة عن النظام السوري، وهي تساعد حالياً 32 جهازاً لانفاذ القانون من أكثر من 10 دول ديمقراطية.

واستعملت أدلة اللجنة وشهاداتها في 5 محاكمات كانت متصلة بجرائم النظام السوري حليف روسيا وتنظيم “داعش”. ومع هذا، تعاون اللجنة أيضاً اليوم أجهزة إنفاذ القانون في 15 تحقيقاً جارياً. وبشكل عام، استجابت اللجنة منذ العام 2016 إلى طلبات لتقديم المساعدة من سلطات وطنية في ما يتعلق بأكثر من 2000 مشتبه بهم.

البروفيسور بول ماك التابع لروسيا يُصرّح.. فماذا قال؟

من جهته، قال البروفيسور بول ماك كي أنه مثل أي مواطن آخر، “يقوم باتصالات مع مختلف الأشخاص الذين قد تكون لديهم معلومات ذات صلة بما في ذلك جهات مجهولة”.

كذلك، اعتبر ماك أنه “يحق له القيام بذلك كأي مواطن عادي، ما دام ذلك لا يتضمن الوصول إلى أسرار الدولة”، موضحاً أنّ “الأعضاء الآخرين في مجموعته لا يعرفون شيئاً عن مراسلاته عبر البريد الإلكتروني مع إيفان”. وبحسب “BBC”، فإن البروفيسور ميلر لم يرد على طلب للتعليق على الموضوع، في حين قال بيرس روبنسون إن مجموعة العمل مستقلة تماماً عن أي دولة أو منظمة.

روسيا تُحاول تمويه جرائم بشار الأسد

ويوم الجمعة، نشرت “لجنة العدالة والمساءلة الدولية”، بياناً اتهمت فيه “دبلوماسيين روس وغيرهم من ممثلي روسيا، بنقل معلومات الى شبكات تضليل هدّدت بتشويه صدقية اللجنة في المساعدة بتقديم مجرمي الحرب السوريين إلى العدالة، في إشارة إلى “مجموعة عمل سوريا للدعاية والاعلام” التي تنسق مع ممثلين عن روسيا، بحسب اللجنة.

وجاء في بيان اللجنة: “تفتخر لجنة العدالة الدولية والمحاسبة باختتامها تحقيقاً في شبكات التضليل التي تشكل خطراً متزايداً، يهدّد الجهود الدقيقة الساعية إلى تحقيق المحاسبة في سوريا، من خلال ترويج المعلومات الباطلة والأكاذيب وتحريف الحقيقة.

إن تحقيقنا كشف المستويات غير العادية من الخداع التي تلجأ إليه شبكات التضليل هذه لتحقيق هدفها المتمثل في تمويه الجرائم السافرة التي ارتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ومع هذا، فقد فضح التحقيق منظومة غير متوقعة من الأفراد الذين ساهموا في تضخيم الادعاءات الأساسية التي أطلقتها شبكة التضليل، أفرادٌ لم تضعهم اللجنة في خانة المدافعين عن نظام الأسد، فبعضهم يعمل في مجال القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني”.

وأردف البيان: “ومن ضمن ما أظهره تحقيق اللجنة، على سبيل المثال لا الحصر، أن شبكات التضليل تقرّ سراً باختلاق المصادر والمعلومات لتعطي انطباعاً بأنّ التقارير تم اعدادها بعد إجراء بحث دقيق، وبأنها تستند إلى الأدلة. ومع هذا، فإن شبكات التضليل تنسّق عملها مع دبلوماسيين روسيين وغيرهم من ممثلي روسيا، وتأتمر بتوجيهاتهم، وقد انخرطت في حملة منظمة ومُدارة باحكام بهدفِ تشويه النتائج التي توصّلت إليها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وذلك بمساعدةٍ استباقية من محامين من مدينة لاهاي، يقدّمون لها استشارات مجّانية حول كيفية شن حرب قانونية ضدّ أدلة اللجنة الدامغة على الهجمات الكيميائية التي اقترفها النظام السوري. كذلك، فإن شبكات التضليل مستعدة لأن تطلب من مندوبي دول أجنبية أن يدعموا جهودها البحثية، وحتى أن يهاجموا خصومها”.

البروفيسور والجاسوس.. كيف حاولت روسيا إخفاء جرائم حرب ارتكبها النظام السوري؟

روسيا شنت حرب “تضليل شرسة”

وأضاف: “لقد كانت اللجنة آخر المستهدفين في حملة التضليل هذه. فعلى مدى السنوات الـ5 الأخيرة، قامت روسيا ومختلف أبواقها في الغرب، بشنّ حرب تضليل شرسة ضد أفراد ومجموعات من المنخرطين في تقديم المساعدة الإنسانية، وفي الجهود المبذولة لتحقيق المحاسبة في سوريا. ومن أبرز المستهدفين في هذه الحملة: منظمة الخوذ البيضاء السورية، ومؤسسة ماي داي للانقاذ، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر، قامت “مجموعة العمل حول سوريا والدعاية والإعلام” المزعومة، وهي شبكة تضليل موالية لروسيا ولدمشق، بتحذير اللجنة، بشكل ضمني، بأنها ستقع مع مديرها التنفيذي ضحية حملة التضليل المنتهجة منذ وقت طويل، الأمر الذي دفع باللجنة، كردّ على ذلك، باطلاق تحقيقها الذي هدف بشكل أساسي إلى الحفاظ على أمن شهود اللجنة وأمن مصادرها  الحساسية وفرق عملها وعائلاتهم. وعليه، فإن اللجنة أجرت التحقيق عبر الوسائل المشروعة في الفترة التي تتراوح بين الأول من كانون الأول/ديسمبر 2020 و 14 مارس/آذار 2021″.

وتابع: “وثبُتت المخاوف الأمنية للجنة عندما أفشى مستشار رفيعٌ سابق في اللجنة إلى “مجموعة العمل” وحلفائها، تفاصيل دقيقة للغاية عن أفراد العائلة الممتدة (بمن فيهم أطفال) لعاملين في اللجنة، بالاضافة إلى أسماء عدد كبير من طاقم عملها العملياتي والاداري. ولذلك، فإن هذا الاكتشاف وحده استوجب من وجهة نظر اللجنة مباشرة تحقيق بالموضوع.

البروفيسور والجاسوس.. كيف حاولت روسيا إخفاء جرائم حرب ارتكبها النظام السوري؟

روسيا مهتمة بتحديد أماكن تواجد العاملين في اللجنة

وتعدّ المخاطر التي تواجه فرق عمل اللجنة مخاطر حقيقية بالفعل وليس متصوّرة. فالمستندات الصادرة عن أجهزة الأمن والاستخبارات السورية التي تحوزها اللجنة وغيرها من المعلومات، جميعها تبيّن اهتمام دمشق حليفة روسيا ودول معروفة بتعاطفها مع الأسد بتحديد أماكن تواجد العاملين في اللجنة ومقراتها. ورداً على التهديدات المماثلة، تلتزم اللجنة التزاماً تاماً بحماية شهودها ومصادرها وعامليها ومهمتها وسمعتها بشتى الوسائل المشروعة. ومع هذا، فإن هذا السعي يستوجب من اللجنة أن تفضح أولئك الذين يدأبون على الخضوع للتعليمات الجائرة التي تمليها موسكو ودمشق وحلفائهما في سوريا، أكان ذلك عمداً أو بسبب استهتارهم. وهنا، فإنه يقع على اللجنة واجب معنوي وأخلاقي بالمضي قدماً، تضامناً مع ضحايا تضليل “مجموعة العمل” وشركائها، بما في ذلك الخوذ البيضاء، مؤسسة “ماي داي للإنقاذ”، منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، جيمس لو موزورييه، الذي عرفه كثيرون بيننا كصديق”.

وأكد البيان أنّ “اللجنة ساهمت على مدى عقد من النزاع في سوريا في إخراج عددٍ من الناشطين، إذ وجدوا أنفسهم في خطرٍ هناك”، وأضاف:  “لقد نفذت اللجنة تحقيقهاً سراً، ولم تنتظر أن يتم الاعتراف بفضلها. إلا أن تعاظم تأثير شبكات التضليل وانعكاس ذلك على الضحايا والناجين السوريين، يتطلبان رداً قوياً وموحداً ممن يرفع راية حقوق الإنسان والمحاسبة، وسوف نزود السلطات المختصة بالمعلومات التي جمعت في هذا الاستقصاء لاتخاذ الاجراءات اللازمة”.

وختم البيان: “إن اللجنة تعلن اللجنة على الملأ وعلناً، تضامنها مع كل من ينخرط في المجال الانساني والمحاسبة والعدالة الجنائية في سوريا، وهو عمل جهوري، وتؤكد عزمها على مكافحة شبكات المعلومات المضللة ومن يساعدها في تحقيق أهدافها”.