بعد 6 أشهر من بدء تحقيق أممي حول الطائرة الأوكرانية التي أسقطها الحرس الثوري الإيراني في شهر يناير العام الماضي، حملت المنظمة الدولية عبر خبرائها طهران مسؤولية إسقاط الطائرة، مفنّدة كلّ الحجج التي ادعتها إيران لتتنصل من مسؤوليتها عن الهجوم.

أغنيس كالامارد، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، سلمت رسالة من 45 صفحة إلى الحكومة الإيرانية نُشرت الثلاثاء الفائت، تحدّد النتائج التي توصلت إليها من تحقيق استمر 6 أشهر حول الكارثة، كاشفة لصحيفة “الغارديان” البريطانية عن عدم إبداء طهران أيّ تعاون معها، الأمر الذي ترك الكثير من الأسئلة من دون إجابة واضحة حول أسباب إسقاط الطائرة الأوكرانية.

وشدّدت الخبيرة الأممية على ضرورة توجيه اتهامات إلى المسؤولين الإيرانيين رفيعي المستوى، الذين تورّطوا بإسقاط الطائرة الأوكرانية، واصفة مقتل 176 شخصاً على متنها بأنّه انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.

وقالت: “إسقاط الطائرة الأوكرانية يشكل لائحة اتهام خطيرة لإيران، على الصعيدين العسكري والمدني، خصوصاً في ما يتعلق بانتهاك التزاماتها في مجال حقوق الإنسان”.

تناقضات مفتعلة

طهران حاولت اللعب على أوتار التناقضات والتفسيرات المبهمة لخلق نوع من اللإرتباك وعدم الوضوح في التحقيق الأممي، وقالت كالامارد في الرسالة التي أُرسلت إلى طهران قبل 60 يوماً من دون أن تتلقى أيّ ردّ من السلطات الرسمية: “يبدو أنّهم يمارسون التضليل”. ولم ترد البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة على طلب للتعليق مساء أمس الثلاثاء.

وقالت كالامارد لصحيفة الغارديان: “في أفضل الأحوال، إيران تحاول الإستهانة بالتحقيق والإجراءات، لدرجة أنّ أفعال تلك الدولة لو خضعت لمحكمة جنائية لتمّ تجريمها، ناهيك عن مسؤولية طهران الأساسية في إسقاط الطائرة”.

لمحة على تفاصيل الفاجعة

في الثامن من شهر يناير عام 2020، أسقطت بطارية صواريخ دفاع جوي تابعة للحرس الثوري الإيراني (IRGC) رحلة للخطوط الجوية الدولية الأوكرانية تحمل رقم “PS752” بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار طهران، في الوقت الذي كان يشهد توترات شديدة بين إيران وأمريكا، على ضوء قتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بطائرة أمريكية مسيرة قبل حادثة الإسقاط بـ5 أيام.

في البداية نفت السلطات الإيرانية مسؤوليتها عن الحادثة، وقالت حينها إنّ الطائرة سقطت إثر خطأ تقني، لتتراجع بعد ذلك عن تصريحاتها مع بدء تكشف خيوط الهجوم، مبررة أنّ الطائرة الإيرانية من نوع “بوينغ 737-800” تم إسقاطها عن طريق الخطأ من قبل طاقم دفاع جوي ظناً أنها صاروخ أمريكي.

أبرز نقاط التلاعب

– وبالعودة إلى تحقيق كالامارد، فإنّ التصريحات الرسمية الإيرانية وفق رأيها، أثارت المزيد من الغموض حول الأسئلة التي يتوجب على طهران الإجابة عليها، فعلى سبيل المثال، تبرير إسقاط الطائرة بعطل فني من نظام صواريخ الدفاع الجوي لم يكن مقنعاً.

وبررت حينها طهران العطل الفني بأن وحدة الصواريخ المتنقلة التي أطلقت صاروخين روسيي الصنع من طراز Tor تجاه الطائرة لم يتم معايرتها بشكل صحيح، مدعية أن أنظمة الرادار أظهرت  الطائرة قادمة وليست مغادرة.

وقالت الخبيرة الأممية، إنها لم تتلق أيّ تفسير لسبب حدوث هذا التقدير الخاطئ، ولماذا لم يتم اكتشافه، وكذلك لماذا أدى هذا التقدير إلى إطلاق الصواريخ، وعدم اتباع الطاقم لإجراءات التشغيل القياسية التي كانت ستمنع الإطلاق.

-نقطة أخرى غاية في الأهمية أثارتها كالامارد، وتتلخص في عدم إغلاق طهران لمطارها ومجالها الجوي في وقت كان يشهد توترًا شديدًا، بين إيران وأمريكا على خلفية قتل سليماني.

-أيضاً ركزت كالامارد على فشل التحقيق الذي ادعت إيران أنها أجرته، مع ملاحظة أن موقع تحطم الطائرة الأوكرانية تم التلاعب به وتجريفه قبل وصول المفتشين الدوليين.

-وعن اعتقال طاقم الدفاع الجوي ومحاكمته، قالت الخبيرة الأممية: “كانت هناك تقارير متضاربة حول اعتقال الطاقم المسؤول ومحاكمة أعضائه، وفيما يتعلق بالمساءلة، للأسف لا يمكننا أن نتوقع من إيران توجيه اتهامات لمن هم في أعلى أو حتى منتصف التسلسل القيادي، وهناك الكثير من كبار المسؤولين الذين يجب توجيه تهم إليهم”.

-الأدهى ما كشفته كالامارد أنه “حتى اللحظة لا يوجد دليل على أن إيران أجرت أي تغييرات لازمة لمنح بقية العالم ضمانات بأن نفس الأخطاء – إن سلمنا بذلك – لن ترتكب مرة أخرى”.

تهديدات بالقتل

وأصدرت كالامارد إدانة شديدة بشكل خاص حول معاملة طهران لعائلات الضحايا، الذين قالت إنهم تعرضوا للمضايقة والتهديد، كما لم يتم إعادة رفات ضحاياهم وأمتعتهم الشخصية، وأجبروا على إجراء مراسم الجنازات وفق هوى السلطات وليس وفق ما يريدون”.

وجاء في الرسالة التي كتبتها الخبيرة الأممية: “سعى المسؤولون الإيرانيون إلى إجبار العائلات على إعلان دعمها العلني للحكومة مبتزين ذوي الضحايا بعدم إعادة رفاتهم”.

كما حُرمت العديد من العائلات من إجراء جنازات خاصة، وأعلنت السلطات أن الضحايا “شهداء” ماتوا من أجل وطنهم، ليتم التحكم بشكل صارخ في الجنازات ومراسم التشييع”.

على سبيل المثال، تم وضع ملصقات تحمل عبارة “مبروك استشهادك” على توابيت الضحايا خلافا لرغبة ذويهم.

واللافت في رسالة كالامارد، ما كشفته عن تعرض عائلات في إيران وكندا لتهديدات بالقتل إن حاولوا انتقاد النظام الإيراني، وقالت لصحيفة الغارديان: “معاملة الأسر المكلومة كانت ساخرة وقاسية وإجرامية”.

كالامارد عادت وشدّدت في ختام تصريحاتها للصحيفة البريطانية على ضرورة محاسبة المسؤولين الإيرانيين، وتحقيق العدالة لعائلات الضحايا، من دون أن تدخل الحسابات السياسية في ميزان العدل الذي تنتظره 176 عائلة فجعت بذويها في هجوم الطائرة المنكوبة.