يهدد الانقلاب العسكري في ميانمار (بورما) بدفع البلاد أكثر إلى فلك بكين وابعاد المستثمرين الغربيين واليابانيين عنها، فيما قد ينهار اقتصادها الهش الذي يعاني أساسا من تبعات وباء كوفيد-19.

وأنهى الجيش البورمي بشكل مفاجئ الإثنين الانتقال الديموقراطي، فأعلن حال الطوارئ العامة واعتقل زعيمة الحكومة المدنية الفعلية أونغ سان سو تشي التي اتهمت الأربعاء بانتهاك قانون الاستيراد والتصدير.

وأوضحت فرنسواز نيكولا مديرة قسم آسيا في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، متحدثة لوكالة فرانس برس أن قادة الجيش قاموا بالانقلاب بدافع الطموح السياسي، لكنهم “كانوا يخشون أيضا أن يخسروا مستقبلا السيطرة على مصالحهم الاقتصادية الطائلة”.

وإلى استفادته من مناجم اليشم والياقوت، يجني الجيش أرباحا من شركاته الكبرى الناشطة في العقارات والسياحة والقطاع المصرفي وغيرها.

وفي ظل هذه المصالح، فإن بقاء حزب أونغ سان سو تشي، الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية، في السلطة بعد فوزه الساحق في الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني (نوفمبر)، كان يهدد بانتزاع أوراق منه.

– آفاق غامضة –

لكن السؤال مطروح الآن بشأن مصير الاستثمارات الغربية. فبعدما بقيت ميانمار منبوذة في العالم خلال عقود الحكم العسكري، فتحت لها أبواب على الساحة الدولية مع قيام حكومة أونغ سان سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام بعد انتخابات 2015.

بالطبع، أدت أزمة مسلمي الروهينغا الذين فروا بعد عامين بمئات الآلاف للجوء إلى بنغلادش هربا من حملة قمع شديدة شنها الجيش، إلى تدهور صورة البلاد وإبعاد المستثمرين الغربيين.

ومع الانقلاب العسكري الاثنين، من المتوقع أن يتسارع هذا التوجه ويستمر لفترة طويلة.

وقال ديفيد ماتيسون المحلل المستقل العامل في بورما إن الكثير من الشركات الغربية “سترى أنه لا يمكنها البقاء”.

وما يعزز هذا التوجه تهديد الرئيس الأمريكي جو بايدن بفرض عقوبات اقتصادية جديدة، في وقت لا تزال العقوبات القائمة حاليا محصورة ببعض الضباط الكبار بدون أن تطال الشركات المرتبطة بالجيش.

كذلك ينظر الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات جديدة قد تسدد ضربة شديدة إلى قطاع النسيج البورمي الذي كان يشهد انطلاقة قوية.

وفي هذه الأثناء، تواصل بكين توسيع نفوذها.

ورأت فرنسواز نيكولا أن “الاختلال الكبير حاليا بين الغرب والصين سيزداد حدة”.

وامتنعت الدولة الآسيوية العملاقة التي تتقاسم مع بورما حدودا تمتد على ألفي كيلومتر، عن انتقاد الانقلاب العسكري، فقدمت نفسها في موقع “الجار الودي” مكتفية بدعوة الأطراف “إلى تسوية خلافاتهم”.

وللصين مشاريع بنى تحتية كثيرة في بورما في إطار خطتها المعروفة بـ”طرق الحرير الجديدة” والتي بدلت تسميتها إلى “مبادرة الطريق والحزام”، ومنها بناء منطقة اقتصادية خالصة تتضمن مرفأ في المياه العميقة، ومشاريع محطات كهربائية وسدود للطاقة الكهرومائية، ومد خطوط للسكك الحديد.

وخصصت السلطات الصينية للشريك البورمي في الربيع الماضي مبلغا قدره 5,5 مليارات يورو لتمويل هذه المشاريع.

كذلك تشكل بورما للصين مصدرا مهما للموارد الطبيعية من خشب وغاز طبيعي ويشم.

ولفت أوليفييه غيار مدير الأخبار في موقع “كرايسيس24” المتخصص في مسائل الأمن الدولي، إلى أن “لا مصلحة لبكين في انتشار الفوضى في الدولة المجاورة لها” إذ قد ينعكس ذلك على خططها.

وتطرح تساؤلات أيضا حول القرار الذي ستتخذه اليابان، الشريك الاقتصادي الثالث لبورما، بشأن مصالحها الكثيرة في هذا البلد حيث تواصل بناء منطقة اقتصادية خالصة كبيرة.

وكانت طوكيو من أوائل الذين أقروا بنتائج الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني (نوفمبر)، في حين يندد العسكريون بـ”مخالفات هائلة” تخللتها.

وأعلنت شركة سوزوكي موتور اليابانية التي أغلقت مصنعيها بصورة موقتة لأسباب أمنية عند حصول الانقلاب، أنها ستعيد فتح أبوابها.

وقال متحدث باسم الشركة التي أنتجت العام 2019 حوالى 13 ألف سيارة موجهة بشكل أساسي إلى السوق البورمية الداخلية “سنستأنف عملياتنا انطلاقا من الخميس، لكننا نراقب الوضع عن كثب”.

وفي هذه الأثناء، يهدد الانقلاب بتسديد ضربة شديدة للاقتصاد الهش في ميانمار.

وقالت فرنسواز نيكولا “سيدفع ذلك ميانمار إلى التراجع بشكل حاد، في وقت بدأت فيه بالتحسن في الفترة الأخيرة، إذ بدأت الحلول الاقتصادية التي أجرتها أونغ سان سو تشي تعطي ثمارها”.

وتراجع الفقر بنسبة 48% لتل إلى 25% في بورما بين 2015 و2017، غير أنه من المتوقع أن يعاود الارتفاع لا سيما وأن البلاد تعاني من تبعات الأزمة الصحية.

وأعرب صندوق النقد الدولي الذي خصص قبل فترة قصيرة مساعدة طارئة قدرها 350 مليون دولار لمساندة بورما في مكافحة الجائحة، عن “قلقه الشديد” لوطأة الانقلاب على الاقتصاد الهش في هذا البلد.