حينما دخل تنظيم داعش مدينة الموصل العراقية، مسقط رأس الفنان حكم الكاتب ومدينته، واحتلوها.. اختار الكاتب البقاء وممارسة الرسم في الخفاء، مُخاطراً بحياته.

وذات يوم، بعد ثلاث سنوات، دخل مقاتلو التنظيم المتشدد منزله وحوّلوا أعماله الفنية إلى رماد.

وبعد تحرير المدينة في 2017 اتصل محمد الهاشمي مدير راديو الغد بالفنان الكاتب وعرض عليه فرصة المشاركة في معرض جماعي عن معاناة الماضي وأحلام المستقبل فيها.

وقال الفنان الموصلي حكم الكاتب “العصابات الإرهابية دخلوا إلى بيتي وحاولت الهروب منهم، وهربت فعلاً، كنت أراقب ما يفعلوه في مرسمي، دخلوا وتعمدوا إلى حرق كل أرشيفي، باللوحات الموجودة والأعمال الفنية والنحتية، أغلبها احترقت. لما رجعت إلى المرسم وإلى البيت لم أجد شيئاً. حقيقة كنتي أخبئ بعض اللوحات في سقف ثانوي خوفاً من أعين وتلصص الجواسيس، جواسيس التنظيم يعني. إلى أن بادرنا الأستاذ محمد في راديو الغد قال فيه مشروع كذا، فاتفقنا مجموعة من الفنانين وأقمنا هذا المعرض”.

واستغرق الأمر من الكاتب، و38 فناناً آخرين من الموصل ومناطق أخرى من العراق ودول عربية أخرى، رحلة استمرت أربع سنوات قبل إطلاق معرضهم على الانترنت عبر منصة معهد غوغل للفنون والثقافة يوم الخميس (28 يناير كانون الثاني).

وقال محمد الهاشمي، مدير راديو الغد، إن مشروع المعرض واسمه (الفن وروح الموصل) “كله بدأ بتسهيل راديو الغد زيارة فنانين عرب وعراقيين للمدينة بعد تحريرها مباشرة. وكانت هذه مرحلة إبداع حيث عمل الفنانون على تجهيز معرض الرسالة الموحدة”.

وقال أميت سود مدير معهد غوغل للفنون والثقافة إن التغلب على إحساس الفنانين بالبعد الجغرافي في الموصل والذي قد يجعلهم يشعرون بأنهم يعيشون في مدينة لا يزال من الصعب وصول جمهور الفن في العالم لها يتم من خلال وضع أعمالهم على الإنترنت، من الآن وإلى الأبد، تكون متاحة للعالم كله.

وأضاف أميت سود “إذا كنت ترغب حقاً في أن تنفذ عبر الإنترنت، فعليك تقديم رواية، عليك تقديم قصة. يجب أن يكون لديك هذا النوع من التجارب التي يبحث الناس عنها. على سبيل المثال أحد الأجزاء المفضلة لديّ في المشروع بصرف النظر عن الفنانين وما توصلوا له، وهذا مذهل تماما، هو أيضا إعادة البناء ثلاثية الأبعاد لبعض المآذن والمواقع التاريخية”.

وقال الفنان حكم الكاتب “يعني حقيقة فناني الموصل بعيدين عن الأضواء، يساعدنا منصة جوجل في عرض أعمال الفنانين الموصليين، وهاي بتساعدنا جدا للانتشار عالمياً لأنه لابد أن يصل صوت المدينة أو الفنان الموصلي، صاحب الرسالة، صاحب الحضارة، إلى العالم”.

العراق.. فنانون في الموصل يتخطون الحدود بمعرض على الإنترنت

مجمع زيونة السكني قيد الإنشاء المقرر طرحه للبيع في ضاحية زيونة، في الضواحي الجنوبية لمدينة الموصل شمال العراق/ أ ف ب

الموصل.. معرض رقمي

وفي عام 2019 أطلقت مجموعة فنانين لأول مرة معرضاً مادياً في المدينة ثم أمضوا عامين في العمل على تحويل محتواه إلى رقمي.

وأوضح سود أن الأمر لا يقتصر فقط على وضع صور لأعمال فنية على الإنترنت، مشيرا إلى أن فريق غوغل للفنون والثقافة ساهم في تنظيم المعرض من خلال دعم الفريق في المدينة وراديو الغد في تطوير روايات جديدة ورواية قصص رقمية من شأنها جذب جمهور متنوع للمنصة الإلكترونية.

وقال مدير معهد غوغل للفنون والثقافة “لم تكن الطريقة التي شاركنا بها في تنظيم المعرض هي محاولة أن نبلغهم أن ‘ها هو ما تحتاجون قوله’ لكنها كانت، بشكل أكبر، محاولة ابتكار صيغ تكنولوجية يمكنهم استخدامها. على سبيل المثال أحد الأشياء التي قمنا بها هو أن لديهم هذه الأعمال الفنية الرائعة لكن كيف تقربها حقاً؟ كيف يمكنك تكبير هذه الأعمال الفنية بالفعل؟. لذلك استخدمنا تقنيتنا”.

فقد جمّع فريق من المطورين والفنانين الرقميين من الموصل جولات مصورة بتقنية 360 درجة من المواقع التراثية في المدينة أو مقاطع فيديو تحكي تاريخها من خلال عيون فنانيها.

وقال الهاشمي “رسالة هذا المعرض هي إظهار الحياة لمدينة شهدت فترة زمنية غير طبيعية في التاريخ الحديث. وستساعد مشاركة هذه الرسائل مع العالم بأسره عبر منصات دولية مثل معهد غوغل للفنون والثقافة في توصيل رسالة الموصل من خلال عيون الفنانين. ولهذا حاولنا الاعتماد على معرض عبر الإنترنت”.

واستضافت الموصل أول معرض فني مباشر بها في فبراير شباط 2019 في المتحف الوطني الذي نهبه تنظيم داعش ودمره. المعرض كان اسمه (العودة إلى الموصل).