منذ ظهور فيروس كورونا الجديد لأول مرة قبل أكثر من عام، حيث نشأ في مدينة ووهان الصينية، وما يزال العالم لديه نفس الأسئلة، حول مكان ميلاد الفيروس وكيفية نشأته.

جون جاريكيان بينيت أعدا تقريرا في موقع “ذا كونفرزيشن” سلط الضوء على ما يدور من شد وجذب بين منظمة الصحة العالمية وبكين بعد أن أرسلت المنظمة الصحة فريقًا إلى الصين للتحقيق في أصول الفيروس – الذي أودى بحياة ما يقرب من مليوني شخص على مستوى العالم – لكن أحد الخبراء الصحيين حذر من أن التوقعات للزيارة يجب أن تكون “منخفضة للغاية”.

وسلط الموقع الضوء على تقييد الحكومة الصينية أي محاولات للتحقيق في أصول كوفيد 19 – داخليًا ومن قبل خبراء أجانب – بينما دعت في الوقت نفسه إلى نظريات بديلة بأن الوباء نشأ في مكان آخر.

وبحسب الموقع ترى القيادة العليا في الصين أن السيطرة على هذه الرواية أمر حيوي للسيطرة على الشعب الصيني وتعزيز سمعتها الدولية.

ولا يمكن أن تكون المخاطر أكبر لأن بكين قدمت الحكم المركزي القوي للحزب الشيوعي على أنه مفتاح نجاح البلاد في السيطرة على الوباء وإنعاش اقتصادها.

في ظل هذه الخلفية، يقول “هوانغ يان تشونغ”، باحث كبير في الصحة العامة بمجلس العلاقات الخارجية، أن فريق التحقيق التابع لمنظمة الصحة العالمية يجب أن يكون متمرسًا سياسيًا وأن يتوصل إلى نتائج مقبولة من جميع الأطراف الرئيسية.

الصين.. الصحفيون المواطنون يختفون بعد نقل الحقيقة

وفقا لـ”ذا كونفرزيشن” فإن جزءا من السيطرة على رواية الحزب الشيوعي استلزم اعتقال العديد من المواطنين الصحفيين الذين دقوا ناقوس الخطر بشأن الفيروس في أيامه الأولى، وكشفوا محاولات الحكومة للتستر عليه وانتقدوا رد فعلها المبكر للسيطرة عليه.

ففي أواخر ديسمبر/كانون الأول، حُكم على أحد هؤلاء الصحفيين المستقلين، وهي الصحفية الصينية “زانغ زان”،  بتهمة “السعي لإحداث بلبلة وإثارة المتاعب”، وهي تهمة يشيع توجيهها للناشطين في الصين.

وكانت زانغ قد سافرت إلى ووهان في فبراير/شباط لعمل تغطية صحفية مستقلة عن تفشي الوباء في المدينة، للتحدث إلى الناس حول كيفية تعاملهم مع الإغلاق، وشاركت مقاطع فيديو وتحدثت عما لاحظته وكانت تقارير زانغ التي تبثّها على الهواء تلقى رواجًا على وسائل التواصل الاجتماعي، مما جذب إليها أنظار السلطات الصينية.

وأشارات “زانغ”  إلى أن الخوف الذي يشعر به الناس تجاه الحكومة كان في الواقع أكبر من خوفهم من الفيروس هناك .

وبحسب “ذا كونفرزيشن” احتجزت الشرطة كذلك أستاذ القانون الصيني “شو زانغرون” لمدة أسبوع بعد كتابته مقالات تنتقد الرئيس شي جين بينغ ، ثم فصلته من منصبه في إحدى الجامعات؛ ولا يزال تحت المراقبة كما مُنع من مغادرة بكين، لكنه يواصل الكتابة.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقد اختفى آخرون ببساطة، فاختفى المحامي والصحفي تشين كيوشي في فبراير/شباط بعد إرسال تقرير من ووهان ولم يظهر مرة أخرى حتى أواخر سبتمبر/أيلول، كما ظل تحت ” الرقابة الصارمة ” من قبل السلطات.

يضاف إلى تلك القائمة رجل الأعمال في ووهان، فانغ بين، الذي تم اعتقاله في أوائل فبراير بعد نشر مقاطع فيديو يزعم أنها تظهر ضحايا فيروس كورونا داخل المستشفيات،ولم يسمع عنه منذ ذلك الحين .

استخدام النظام الأمني ​​والمحاكم لاستهداف المجتمع المدني

تحت قيادة الرئيس الصيني “شي جين بينغ” ، أصبح الحزب الشيوعي أكثر نشاطًا في حماية الدعاية الرسمية حول أيديولوجية الحزب وأيضا حكم “شي” من أي شكل من أشكال النقد، بحسب “ذا كونفرزيشن”.

ويضيف التقرير أنه بينما شدد “شي” في خطاب ألقاه عام 2013 على أهمية الدعاية و “القيادة الأيديولوجية” للبلاد، سمح الوباء للدولة الحزبية في الصين ببسط سيطرتها الأيديولوجية على المحاكم، وألغى أي ادعاء بالاستقلال القضائي.

ويمكن رؤية هذا التلاعب بمؤسسات سيادة القانون في محاكمة الصحفيين المواطنين مثل” تشانغ زان” وأي شخص آخر يسأل أو ينتقد الخط الرسمي للحزب.
واتهمت “تشانغ زانغ زان” بإثارة الخلافات والمتاعب، وهي تهمة غالبا ما توجهها السلطات الصينية إلى الناشطين ومنتقديها.

وبسبب الوباء، فرضت الصين إجراءات تعسفية للغاية ضد المواطنين، خاصة في ووهان، منها الإغلاق الشامل، وعزل المنطقة عن العالم.

وواجهت تشانغ، المحامية السابقة، اتهامات مماثلة من قبل، بعد التحدث علنا عن الاحتجاجات في هونغ كونغ.

ويجادل العلماء الماركسيون والدعاة الحزبيون بأنه لا توجد تناقضات بين أيديولوجية الحزب و”حكم القانون” في الصين، كما يقولون: “ليست هناك حاجة للفصل القانوني بين السلطات لضمان العدالة” لأن الحزب هو التعبير النهائي عن إرادة الشعب عندما يتعلق الأمر بالقانون والنظام.

الصين.. “قتل القرد لإخافة الدجاجة”

لطالما استخدم الحزب نظام الأمن والمحاكم بهذه الطريقة  “قتل القرد لإخافة الدجاجة” في إشارة لمثل صيني شهير ويعني معاقبة الفرد كمثال للآخرين، فالنظام الصيني لديه تاريخ طويل من الإجراءات القاسية بحق من ينتقده على أي مستوى.

في الماضي، كانت الأهداف عادة المعارضين السياسيين البارزين، مثل ليو شياو بو و السيد ويي، و محامين في مجال حقوق الإنسان .

الجديد والمقلق هو استخدام هذا التكتيك لاستئصال جميع التهديدات المعارضة والمتصورة لحكم الحزب من المجتمع المدني، المستهدف في السنوات الأخيرة.

ويشير “”ذا كونفرزيشن” في هذا الصدد إلى إجراءات بكين بحث الكاتب الصيني-الأسترالي، يانغ هنغ جون، و قطب الإعلام في هونغ كونغ جيمي لاي، والصحفية الصينية-الاسترالية شينغ لي، فضلا عن العديد من الأجانب.

الصمت القسري لا يعني الاعتقاد العام

ووفقا لهذا السياق السياسي المحلي فإنه من غير المرجح أن يُسمح لباحثي منظمة الصحة العالمية بالتحقيق الكامل في جميع الفرضيات المتعلقة بأصول الفيروس التاجي، مثل الادعاء بأنه قد يكون ناتجًا عن تسرب في معهد ووهان لعلم الفيروسات، بحسب ما ذكر تقرير “ذا كونفرزيشن”.

ورغم أن ما تسمى بـ”بات ومان” في الصين، وهي عالمة الفيروسات شي جينجلي، قد قالت إنها ترحب بزيارة فريق منظمة الصحة العالمية إلى المختبر، إلا أن الوثائق الحكومية المسربة تحكي قصة أخرى.

ووفقًا للوثائق التي نشرتها وكالة أسوشيتيد برس هذا الشهر، فإن الحكومة تراقب نتائج العلماء وتطلب الموافقة على أي بحث من قبل فريق عمل جديد تحت القيادة المباشرة لـ”شي” قبل نشره.

تكشف قضية تشانغ كيف يتم التعامل الآن مع التحديات التي تواجه الروايات الرسمية في الصين، كما يُظهر أن المواطنين الصينيين لا يجدون دائمًا الروايات الرسمية مقنعة ولا يستطيع المروجون إجبارهم على الإيمان بالأيديولوجية؛ الأمر الذي يعني ببساطة أن إسكات المنتقدين قسريا لا يعني اعتقاد الناس بالخط الرسمي للحزب.

ويختتم تقرير “ذا كونفرزيشن” بالتأكيد على ضرورة الكشف عن أصول فيروس كورونا، نظرا لاستحقاق مواطني الصين -والعالم- لمعرفة الحقيقة، وليس المغالاة السياسية الملائمة.