واجه إقرار الحكومة الإيرانية مسودة اتفاق الشراكة مع الصين على مدى 25 سنة، انتقادات واسعة من قبل خبراء ومختصين وباحثين، خصوصاً بعد أن كلف الرئيس الإيراني حسن روحاني وزير خارجيته محمد جواد ظريف باستكمال الإجراءات التنفيذية للتوقيع على الاتفاق.

ويشكل اتفاق الشراكة مع الصين، وفق ما يرى خبراء، مدخلاً تحاول إيران من خلاله الضغط على دول الجوار، وعدم مواجهة الاستفزازات الإيرانية التي تقوم بها في منطقة الشرق الأوسط ومحاولاتها التدخل أيضاً في شؤون دول الشرق الأوسط، وهو ما أشارت إليه العديد من الدراسات البحثية.

ووفق دراسة أعدها مركز الإمارات للسياسات، فإن الحكومة الإيرانية وعلى الرغم من عدم إعلانها حتى الآن عن مضمون اتفاق الشراكة مع الصين بشكل تفصيلي، إلا أن تقاريراً دولية وإيرانية ومسودة اتفاق مسربة ومكتوبة باللغة الفارسية تشير إلى امتيازات كبيرة ستحصل عليها الصين بموجب الاتفاق الذي يغطي قائمة واسعة من المجالات.

وقالت الدراسة إن اتفاق الشراكة مع الصين يتضمن استثمار الصين 400 مليار دولار أمريكي داخل مختلف القطاعات الاقتصادية الإيرانية خلال مدة الاتفاق، أي بمتوسط 16 بليون دولار سنوياً؛ وسيتم استثمار حوالي 280 مليار دولار منها في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية.

وأضافت الدراسة أنه بموجب اتفاق الشراكة مع الصين سيتم ضخ جزء كبير من هذه الاستثمارات خلال السنوات الخمس الأولى، أما قطاع البنية التحتية فسيحظى بحوالي 120 مليار دولار، كما يشمل الاتفاق تسهيل نفاذ الاستثمارات الصينية إلى قطاع التعدين بسبب عدم توفر التكنولوجيات اللازمة للحكومة الإيرانية لاستغلال المناجم العميقة.

تواجد عسكري

وتقول تسريبات إن اتفاق الشراكة مع الصين سيمنح الصين قدرة الحصول على واردات نفطية ولكن بأسعار قليلة مقارنة بأسعار السوق، كما يمنح الصين امتيازات بإمكانية الدفع المؤجل لمدة تزيد على عامين، فضلاً عن اعتماد إيران للين الصيني، ما يزيد من الانتعاش الاقتصادي لعملتي البلدين.

ومن أبرز التسريبات التي تتعلق باتفاق الشراكة مع الصين، تنمية مشتركة للصناعات العسكرية وتبادل للمعلومات الاستخباراتية ومناورات عسكرية مشتركة، كما تسمح الاتفاقية بوجود 500 عنصر أمني صيني من أجل حماية المشروعات الصينية في إيران.

الاقتصاد الإيراني

وتأمل إيران من اتفاق الشراكة مع الصين إنقاذ اقتصادها المتهاوي. ووفق دراسة متخصص، فإن اتفاق الشراكة مع الصين يستهدف تأمين تدفق الاستثمارات الصينية في عدد من القطاعات الاقتصادية الإيرانية.

وكان سياسيون إيرانيون وصحف إيرانية انتقدت توجهات خامنئي في تسليم بلادهم إلى الصين، حيث خرجت صحيفة ‘آرمان ملي’ (Arman-e Melli) الإيرانية بقولها إن “إيران ليست كينيا أو سيريلانكا حتى تستعمرها الصين”.

ونشر “معهد غيتستون” سابقاً دراسة جاء فيها “هناك شعار يفخر به نظام الملالي الحاكم في إيران منذ وصولهم إلى السلطة في عام 1979 .. “لا شرق ولا غرب”، وطالما تفاخر النظام الإيراني باستقلاليته عن كل من القوى الغربية والشرقية على السواء، لكن يبدو أنَّ هناك صفقة سرية جديدة تمنح بكين سيطرة كبيرة على إيران”.

وقالت الدراسة: ” تتردد أصداء رد الفعل المحلي الغاضب إزاء اتفاق الشراكة مع الصين في جميع أنحاء إيران. ويقارن بعض الإيرانيين بين الاتفاق المبرم مع الصين والاتفاقات المهينة والاستعمارية التي أُبرمت قبل الثورة الإيرانية”.

وكانت إيران منحت في عام 1872 على سبيل المثال، المصرفي البريطاني البارون جوليوس دي رويتر (Julius de Reuter) درجة كبيرة من السيطرة على الطرق والمصانع وعمليات استخراج الموارد والتلغراف والمطاحن وغيرها من الأشغال العامة لقاء جزء من إيراداتها المتوقعة لمدة 20 عاماً.

وكان الامتياز الذي حصل عليه رويتر واسع النطاق إلى درجة دفعت أحد مشاهير الإمبرياليين، وهو اللورد كرزون (Lord Curzon) إلى التعليق عليها بقوله “لم يشهد التاريخ من قبل أن منح أي بلد سيطرة كاملة كهذه على موارده لشخص أجنبي، وفق دراسة “غيتستون”.

اتفاق الشراكة مع الصين

منشأة إيرانية لإنتاج الغاز – رويترز

الشليمي: اتفاق الشراكة مع الصين يأخذ طابع اقتصادي

من جهته، قال رئيس المنتدى الخليجي للأمن والسلم د. فهد الشليمي لـ “أخبار الآن” إن “التعاون ما بين الصين وإيران يأخذ طابعاً اقتصادياً، وهو في الواقع مغاير لذلك”.

وأضاف الشليمي أن “اتفاق الشراكة مع الصين ليس وليد اليوم، ولكن وبالرغم من عدم نشره إلا أن هناك تسريبات وأخبار تقول إن الصين تريد التحرك في المناطق البحرية الحساسة، ولديها العديد من الاتفاقيات مع إيران وباكستان للتحرك في المحيط الهندي إلى جانب تواجدها الذي تسعى إلى تعزيزه في كل من جيبوتي وكينيا وكذلك التمدد الصيني في أفريقيا”.

وبحسب الشليمي، فإن الصين مهتمة بمنطقة المحيط الهادئ، مع علمها الجيد بان الولايات المتحدة الأمريكية اليوم ليس لديها الاهتمام الكبير بأمن الطاقة لذلك فإن هناك فراغ تريد إيران أن تملأه من خلال الصينيين، فضلا عن محاولات إيران إدخال الصين في الشق العسكري ظنا منها أن الإيرانيين يعتقدون أن العلاقة مع الصين هي نوع من التحالف.

وتابع د. الشليمي لـ “أخبار الآن” أن ما تقوم به الصين اليوم هو نوع من تصيد الفرص، وهي تعتقد أيضا أن اتفاق الشراكة جزء من الفرص التي تريد أن تقتنصها”.

إيران تتجاهل كورونا وتعتمد على الصين

ووفق معهد واشنطن، فإنه حينما انتشر فيروس كورونا بطريقة خارجة عن السيطرة في ووهان خلال كانون الثاني/ يناير من العام 2020، تجاهلت إيران – مَثَلها مثل العديد من البلدان الأخرى – هذا الوباء واستمرت في الحفاظ على الرحلات الجوية المباشرة والحدود المفتوحة مع الصين.

وحتى بعد أن أوقفت حكومة الرئيس حسن روحاني جميع هذه الرحلات في 31 كانون يناير، واصلت شركة الطيران الإيرانية “ماهان للطيران” – التابعة لـ “الحرس الثوري” رحلاتها بين طهران وأربع مدن صينية رئيسية، مما دفع بالكثيرين إلى الادعاء بأنه كان للشركة دور رئيسي في إدخال هذا الوباء المستعر إلى إيران أو تفاقمه على الأقل.

وقال المعهد “بغض النظر عن الحقيقة الكامنة وراء هذه الادعاءات، تحمل سياسة ماهان مؤشرات لواقع جغرافي سياسي أكبر، وهو: أن طهران أصبحت تعتمد بعمق وبشكل غير متكافئ وربما بصورة لا رجعة فيها على بكين، رغم معارضتها الثورية الخاصة للاعتماد على القوى الأجنبية. وقد نجح الوباء، حيث فشلت العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية، في عزل الجمهورية الإسلامية كما لم يسبق من قبل، مما اضطرها إلى إبقاء حدودها مفتوحة مع الصين”.