كان تأكيد الحكم بإعدام روح الله زم مفاجأة صادمة لأقرب الناس إليه، فلم يكن محمد علي زم رجل الدين الإيراني وثيق الصلة بالنظام الثوري في إيران يتوقع يوما ان يكون ابنه الصحفي روح الله زم  الذي أطلق عليه هذا الاسم، تيمنا بالخميني الذي حمل لقب روح الله، ضحية لهذا النظام، بل ويطارد ثم يعدم على يد من كانوا أصدقاء الأمس.

“نشر الفساد في الأرض”، “محاربة الله ورسوله”، “الفسوق في الأرض” ليست هي ما سيتلى على بعض البشر أثناء حسابهم أمام الله على حافة الصراط المستقيم يوم القيامة، فها هو نظام الحكم في إيران قد شرع من نفسه متحدثا باسم الرب على الأرض وهو قابض على أرواح شعبه السجين، وخلال السنوات الماضية كانت هذه هي تهم كل المعارضين الذين فشلوا في الهروب من هذا الحكم الغاشم، ولكن الجديد هذه المرة أن تطال التهم شركاء التجربة وعائلاتهم.

رسالة رثاء

على صفحته بتطبيق “انستجرام” نشر الأب المكلوم صورا لابنه وهو طفل ثم وهو يافع على أبواب الصبا، ومع كل صورة روى الأب كيف كانت اللحظات الأخيرة في حياة ابنه قبيل  سلب روحه وتنفيذ الحكم بإعدام روح الله بدعوى الفساد في الأرض .

وجه  الأب رسالته إلى أنصار “جمهورية القتل” وهي الجملة التي كررها  مع كل صورة لابنه يحكي فيها جزءا من القصة، حيث يقول  محمد علي زم، الذي كان رئيساً لقسم الدعاية والإعلان في المؤسسة الحكومية الإعلامية لأكثر من عقد من الزمان، في تعليقه على الصورة الأولى لطفله الذي أعدم بعد أن بلغ عامه الـ46 ” الجمعة الماضية أخبرني المسؤول عن قضية روح الله في مخابرات الحرس الثوري أنه يمكنك مقابلة روح الله مع عائلتك في الثالثة فجراً فكان اللقاء بعد ساعتين من الوقوف في البرد القارص أمام السجن ثمّ دخلنا والتقيناه، وبعد دقائق حان وقت الصلاة فصلينا جميعاً من دون مشاركة الضباط صلواتنا، فقد دعوت من أجله دعوة أخيرة لم تثلج صدري وربّما سبقتها دعوات أخرى في حجي منذ 4 سنوات، ربما لم تستجب”.

ألقى الأب عباءته على ابنه خوفاً عليه من البرودة الشديدة رغم علمه بإعدام روح الله ورحيله عن الدنيا بعد ساعات قليلة، فتناول روح الله يد والده وانحنى وقبلها والتفت إلى بكاء اخوته وأطفاله، فإذا بضابط من الموجودين يتدخل ويطمئن روح الله أنه لا شئ يخيف، هم فقط يبكون من فرط سعادتهم بلقائك. كانت الأوامر للأب وباقي العائلة واضحة وصارمة.. “روح الله سوف يعدم ولكن دون علم مسبق، فلا تخبروه”.

"جمهورية القتل" هكذا ودّع والد روح الله زم ابنه بعد إعدامه في إيران

الصورة التي نشرها الأب لروح الله زم طفلا

 

لكن الأب كان يريد أن يعطي ابنه فرصة للاستغفار والتأهب للقاء ربه فقال له “هذه الصرخات من الأطفال، مصدرها أيضا القلق بشأن إعدامك، فلنفترض أن الحكم بإعدامك قد تمّ تأكيده، ولكن بالنظر إلى الأدلة المخادعة التي تم إثباتها عليك بطرق واهية وأدت إلى هذا الحكم، فلا تزال هناك فرصة وهناك طلب قانوني قدمناه لإعادة المحاكمة”. لكن الأب استدرك كلامه وطلب من ابنه أن يفترض؟ أن حكم الإعدام نهائي فإنه لا يوجد أحد في عالمه المليء بالعزلة والسجن والنفي أحرى باستغفاره من الله .

فكانت كلمات روح الله الأخيرة لأبيه “لقد عاهدت الله وذهبت قدماً في هذا الطريق باختياري فليس لدي أدنى قلق منذ اليوم الذي استدرجوني فيه إلى كربلاء ثمّ لم يعطوني الفرصة للحج بها”.

وكان ما حسم الأمر بالنسبة لروح الله ليوقن بأنّه حان وقت التنفيذ حين سأل والده: هل بثوا عني فيلما على قنواتهم مؤخرا؟

فأجاب الأب: نعم، بثت قناتا التليفزيون الوطني الثانية والثالثة فيلما في آخر ليلتين أكدتا فيه اتهامات بالتجسس وأخذ مكان الشهيد سليماني وتلقي دولارات من دول أجنبية.

فتبسم روح وهو يقول: وااااو

ثم صمت للأبد

"جمهورية القتل" هكذا ودّع والد روح الله زم ابنه بعد إعدامه في إيران

رسالة الأب مع صور روح الله زم صغيرا

مخالفات شابت عملية إعدام روح الله

يقول محمد علي زم أن تنفيذ حكم إعدام روح الله شابه مجموعة مخالفات سردها في روايته قائلا :”تم إخبارنا أن هذه هي الزيارة الأخيرة، لكن المسؤول عن القضية أكد أنه لا يجب عليك ولا أي من الأبناء إبلاغ روح الله بتأكيد حكمه.

لم يمنح روح الله حق النظر في إعادة المحاكمة بعد موافقة محكمة الاستئناف، فلماذا لم يُمنح هذا الحق أوإعطاء الفرصة للمتهم ومحاميه وعائلته لتقديم طلب إعادة المحاكمة؟ ففي ظهر الثلاثاء، كان إعلان الحكم، فهل كان يوم الأربعاء لإعداد مشروع قانون وتقديمه إلى المسؤول القضائي والتعليق على رفضه أو قبوله؟

ويكمل الأب “تم تجاهل هذا الحق الشرعي لروح الله والإسراع في خلق الفرح لمن وافق على تنفيذ الحكم في أقل من يوم ونصف من وقت المكتب!  وهذا يثير أسئلة أخرى.”

يختم الأب حديثه بآيات الصبر من القرآن وكلمات الحسين، ثم يقول ” انتهت قصة روح الله، مبروك لمن ابتهجوا بمقتل ابني  والتعازي لمن “تقوّس” ظهرهم من الحزن (أم، زوجة، بنات، أخوات، إلخ)

انتهت رسالة الأب الذي كان يوما ما يصطحب ولده طفلا إلى منزل آية الله خامنئي ويصليان خلفه.

فماذا فعل روح الله لكي تقوم استخبارات الحرث الثوري ببث بيانات تفتخر فيها بإعادته إلى ظهران في عملية استخبارية معقدة منذ أكثر من عام؟

"جمهورية القتل" هكذا ودّع والد روح الله زم ابنه بعد إعدامه في إيران

الأب يتذكر مراحل عمر ابنه روح الله زم مع رواية قصة إعدامه

جريمة روح الله : نشر وثائق تورط رجال النظام في وقائع فساد و تحرش بأطفال

بدأت جريمة الصحفي روح الله زم،،من وجهة نظر نظام إيران الحاكم،، خلال الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2009، شارك زم في حملة المرشح الإصلاحي مهدي كروبي. وتم اعتقاله قرابة ثلاثة أشهر أثناء احتجاجات “الموجة الخضراء” المطالبة بالاصلاح، وبعدها غادرإيران في عام 2011، متجها إلى ماليزيا ثم تركيا، وأخيرا لجأ إلى فرنسا وحصل على اللجوء السياسي.

لتتفاقم جرائمه في سجله الذي طلاه نظام الملالي باللون الأسود، وهو يمارس الصحافة خارج وطنه فقد أسس موقع آمد نيوز على تطبيق تلغرام الذي لعب دوراً كبيراً في استمرار احتجاجات يناير 2017، المناهضة للحكومة الإيرانية.

كما قام تطبيق “آمد نيوز” بنشر وثائق تثبت وقائع فساد في أوساط كبار المسؤولين القضائيين والسياسيين والأمنيين في إيران، من بينها وثائق عن فساد صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية السابق، بالإضافة إلى وثائق عن قضية التحرش الجنسي بالأطفال من قبل سعيد طوسي، قارئ القرآن المقرب من أسرة آية الله خامنئي.

كل هذا كان كفيلا بوضع خطة لاستدراج روح الله زم من فرنسا إلى العراق ثم اختطافه من العراق إلى إيران وتوجيه 13 تهمة من بينها التحريض على إثارة حرب أهلية وتأجيج الاحتجاجات التي شهدتها إيران بين عامي 2017 و2018، و”نشر الفساد في الأرض” والتجسس لصالح جهات أجنبية .

خاصة أن متابعي قناته على التليجرام كان قد فاق المليون ونصف مشترك.

غضب واتهامات للاتحاد الأوروبي بتفضيل المال على حقوق الانسان

وقد أحدث نبأ إعدام روح الله زم حالة من الغضب الشديد بين رواد السوشيال ميديا داخل إيان او في وسط النشطاء الفارين من نظام الحكم في ظهران، وصب هؤلاء النشطاء غصبهم على الاتحاد الأوروبي بسبب قرب انعقاد مؤتمر الاقتصاد الأورو إيراني، واتهموا الاتحاد الوروبي بالسعي وراء المال على حساب قضايا حقوق الانسان، مما حدا بأربعة اعضاء من الاتحاد الأوروبي باعلان انسحابهم من المنتدى حيث انسحبت أربع دول أوروبية من المشاركة عبر الانترنت في منتدى اقتصادي في إيران، بعد اعدام زم،والسفراء المقاطعون للمنتدى هم من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا.