أخبار الآن | باريس – فرنسا (أ ف ب )

بعد أعوام من التعاون بينهما، تتصاعد العداوة بين تنظيمي القاعدة وداعش، إذ يشير خبراء وباحثون، إلى وجود عدة خلافات حول مجال النفوذ والأيديولوجيا والأهداف وصلت بهما إلى الاقتتال والمواجهة في مسارح نزاع أخرى وتحديداً في منطقة الساحل الإفريقي، ما

يوضح أن الحرب الأهليّة بين المتشددين “لم تعد سرّا”.

وبينما ينظر الغرب إلى التنظيمين على أساس اشتراكهما في الأهداف والأسس، إلا أنالتنظيمين في الواقع غريمان فكريان لا يلتقيان، وفي الميدان، هما عدوان يسفكان دماء بعضهما البعض.

ففي الحقيقة، الخلاف بين داعش من جانب، والقاعدة من جانب آخر، ليس مجرد خلاف سياسي أو ميداني بسيط، بل هو خلاف عقدي عميق يعود إلى فترة ما قبل ظهور داعش نفسها.

ويعود الخلاف، إلى ما قبل ظهور داعش. وبالضبط إلى مرحلة نشاط أبي مصعب الزرقاوي في الساحة العراقية في الفترة ما بين 2003 و 2006.

في 11 أيلول/سبتمبر 2001، نفذ تنظيم القاعدة، الهجوم الأكثر دموية في التاريخ على برجي التجارة في نيويورك، والذي أسفر عن مقتل 3 آلاف شخص.

وبين عامي 2014 و2019،  ظهر تنظيم داعش، معلناً خلافته المزعومة في العراق وسوريا، قبل أن يمنى بالهزيمة تحت وابل من ضربات التحالف الدولي.

في الميدان

ويهيمن التنظيمان، على الساحة الجهادية العالمية منذ سنوات، لكن بينهما منازعات تؤدي أحياناً إلى أن يكرسا طاقاتهما في قتال بعضهما البعض، وليس في خدمة هدفهما المزعوم.

ولعل الأمثلة كثيرة، منها حين قام تنظيم داعش في غرب إفريقيا، بنشر مقطع فيديو يظهر رجالاً يذبحون 52 مقاتلاً قدموا على أنهم عناصر في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، أحد أذرع القاعدة.

ويعتبر الأستاذ في جامعة مونتيري في كاليفورنيا “محمد حافظ” في مقال نشر في مجلة “سي تي سي سانتينل”، أن ضراوة المعارك مع الجيوش العربية والغربية كان من شأنها  أنْ توحد التنظيمين معاً.

ويضيف حافظ، أن كلا التنظيمان تعمقا أكثر في اقتتالهما وعداوتهما اعتباراً من عام 2013، في مناطق نزاع متعددة، بدءاً بسوريا ثم ليبيا، وصولاً إلى اليمن وأفغانستان”، ومؤخراً، في الساحل الإفريقي.

و غالباً ما تكون أسباب المعارك بين الجماعات التي تبايع أحد التنظيمين غير هامة، كالاختلاف على النفوذ في منطقة ما، أو التحكم بحركة المرور، وعندما يُقتل قياديين كانوا متفاهمين فيما بينهم على إعادة توزيع المناصب .

 “كره مؤسسي” – لكن الخلاف بينهما أيديولوجي أيضاً.

بدأ الخلاف الأيدولوجي بين التنظيمين في نيسان/أبريل الماضي، عقب شنِّ تنظيم داعش هجوماً إعلامياً على القاعدة بنشره مقطع فيديو مدته 52 دقيقة، استعرض فيه ما سمَّاه بـ “انحرافات القاعدة”.

ويشرح توماس جوسلين من مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات وهو مركز أبحاث في واشنطن، أن “خلافة داعش المزعومة المعلنة بشكل ذاتي، ساهمت في توليد كره مؤسسيٍ هامٍ تجاه القاعدة”، مضيفاً أن الجماعتين تجدان أحياناً نقاط تلاقٍ معينة، لكن “مصالحة شاملة ليست بالأمر المرجح على المدى القصير”.

من أين تأتي كل هذه الكراهية؟ المسألة في البداية مسألة أولويات.

كتب ناتانييل بونتيشيلي في المجلة الدولية والاستراتيجية الصادرة عن معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، أن “القاعدة تعتبر تدمير الغرب شرطاً مسبقاً لإنشاء دولة إسلامية”.

أما في المقابل، يعتبر تنظيم داعش أن “تأسيس الخلافة في الأراضي المحررة هو بمثابة حجر الأساس الذي سيجعله قادراً على شن معارك تسمح له بضرب العدو في الصميم”، بحسب ما قال بونتيتشيلي .

و ما يعزز خلافهما الأيدولوجي أيضاً، هو تبني داعش نهجاً خاصاً في معاقبة من يصفهم بـ “الكفار” من المسلمين الذين لا يؤدون الطاعة له.

وفي ذات السياق، يشير محمد حافظ، إلى التعارض بين “طهرانية” داعش و”شعبوية” القاعدة، موضحاً أن داعش يمثل رؤية حصرية لا تقبل المساومة عن الجهاد، فيما تحول الجهاد عند القاعدة إلى حركة إسلامية عالمية شاملة وبراغماتية وشعبوية”.

وإلى ذلك، يريد تنظيم داعش فرض تمييز أخلاقي نقي تماماً بين من يصفهم بـ الخير والشر، في حين أن القاعدة تسمح بالتعامل مع السكان والجماعات الأخرى وحتى الدول.

وعلى خطى طالبان مع الحكومة الأفغانية، يتفاوض تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين بقيادة إياد أغ غالي أحد قادة الطوارق في إفريقيا، مع الدولة في مالي.

– تشابه قاتل –

يمكن ملاحظة أوجه الاختلاف تلك، بطريقة تواصل التنظيمين مع العالم الخارجي.

تشير أحد مؤسسي منصة “جي أو إس بروجكت” لتحليل الدعاية المتطرفة على الإنترنت لورانس بيندير، إلى أنه غالباً ما تتألف مقاطع الفيديو القليلة التي يبثها القاعدة مواعظَ أو خطباً طويلة، تحتاج متابعتها لتركيز، وأن هذه الخطب لا تشتمل على أي بوادر عنف، إذ توجد رغبة لدى القاعدة بعدم تنفير السكان المحليين، وكسب القلوب والعقول، مستعيدةً التعبير الغربي الشهير المطبق في إطار مكافحة التمرد.

وعلى العكس من ذلك، قالت بيندير، إن “تنظيم داعش يوسع انتشاره من خلال استراتيجية تجنيد في كل اتجاه. وهي استراتيجية تَواصُلٍ موحدة في كافة أنحاء العالم.

وبحسب محمد حافظ، فإن الخبراءُ يُجْمِعون على أن هذه الحروب الداخلية التي أسفرت عن مقتل 300 متطرف في الساحل منذ تموز/يوليو، لا تخدم معركة مكافحة الإرهاب.

ومنذ 20 عاماً، ورغم تعبئة الجيوش والقدرات الغربية والعربية، لم تكف المجموعات الإرهابية عن محاولاتها في الاتساع.

ويشرح حافظ، أنه “في حين يواجه المجتمع الدولي حركة عالمية متمركزة في أفغانستان كالقاعدة، يوجد في وقتنا الحاضر، فرعان ينشطان في عدة دول.

وعلى المستوى العالمي كما المحلي، يتنافس التنظيمان على تأييد المقاتلين وجذب اهتمام الإعلام، مستخدمين “التصعيد والتصعيد المضاد” كوسيلة أساسية وفتاكة.

ويشير الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إيلي تينينباوم متحدثاً عن الساحل، إلى “وجود نوع من المحاكاة بينهما، بشكل غير إيجابي مطلقاً، لا سيما أن كلاهما يرى بأن خسارتهما للمقاتلين لا يشكل خطراً عليهما.

وأضاف الباحث إيلي، أن “الجماعات المتطرفة ترى في قتالها عبر كسب أراض جديد، هيمنة واضحة. وهي بذلك “تقوض مصداقية الدول التي تراقب تسوية الحسابات بين المجموعات المسلحة على أراضيها دون أن تتمكن من الرد عليها أو ردعها”.