أخبار الآن | إيران – dusc

تعاني منطقة الأحواز جنوب غرب إيران من التلوّث الهائل والكبير، والذي يُنظر إليه على أنه جزءٌ من سياسة متعمدة من قبل النظام الإيراني لطرد الأحواز الأصليين من أراضيهم التي كانت خضراء، في شكلٍ من أشكال التطهير العرقي غير المباشر.

فالتغيرات المناخية التي ضربت الأحواز ليست مألوفة على صعيد إيران، وهو أمرٌ يستغلّه النظام الذي يحاول تهجير المواطنين من هناك. ومع ذلك، ينظر النظام إلى وجود سكان الأحواز ومطالبتهم بأراضي أجدادهم على أنه تهديد لسيطرته وثروته.

وحوّل النظام المنطقة إلى مركز للصناعات الثقيلة، سواء من خلال التنقيب عن النفط والغاز هناك، والإستيلاء على المناطق الشاسعة لبناء المصافي ذات الصّلة، واستحداث خطوط أنابيب ضخمة تمتدّ عبر المناطق الطبيعية. كل ذلك وإلى جانب عوامل أخرى، أدّت إلى ضرب الأحواز بشكل كبير وجعلتها تحت سطوة التلوث. ولهذا، قالت معظم المنظمات العالمية والدولية أن الأحواز “تتعرض للتلوث البيئي جراء سياسات النظام الإيراني الغاشمة، والتي ضاعفت مؤخراً من إجراءاتها العسكرية وسحبها المياه الأحوازية لصالح المناطق البعيدة”.

ومع ذلك، فإن الأمر البارز أيضاً هو أن سكان الأحواز الأصليين لم يستفيدوا أبداً من كل ما يحصل في منطقتهم، إذ حُرموا من العمل الذي هو مخصص للإيرانيين من أصل فارسي فقط، إذ تمّ جلب هؤلاء إلى المنطقة بشكل خاص. كذلك، لا يتلقّى السكان أيّ شيء من الأرباح التي يجنيها النظام من أنشطته هناك، لكن الشيء الوحيد الذي جنوه بكثرة هو التلوث والإختناق.

وما يزيد الطين بلّة هو أن النظام الإيراني منخرط في سياسة مستمرة لبناء السدود على الأنهار الـ3 الكبيرة في المنطقة، وتحويل الكثير من مياهها إلى مناطق أخرى من إيران. فالآثار البيئية الرهيبة لهذه السياسات الكارثيّة يشعرُ بها جميع سكان الأحواز، بمن فيهم أهالي عسلوية وجزيرة خارج، حيث اعتلال الصحة بسبب التلوث الخانق من مصافي النفط والغاز ومصانع البتروكيماويات، بات قاعدة أساسيّة.

ويعيشُ ما يقرب من 90 ألف مواطن أحوازي في محافظة عسلوية وجزيرة خارج في محافظة بو شهر (بوشهر بالفارسية) في ظروف لا يمكن تصورها بسبب هذا التلوث، فالغالبيّة العظمى تقطنُ بجوار مصافي النفط، ولا يمكن أبداً إغفال الضباب الأسود الذي يلفّ المنطقة على مدار الساعة. ومع كل ذلك، وعلى الرغم من امتلاكه لهذه المرافق وإدراكه لآثارها البيئية الرهيبة، يرفض النظام اتخاذ أي إجراءات لحماية المواطنين أو إنقاذ مجتمعهم أو معالجة النظام البيئي المُدمّر في تلك المناطق.

ووفقاً لتقارير رسمية من إيران، تسبب التلوث الجوي والبحري الروتيني الهائل الناتج عن سوء إدارة هذه الشركات الحكومية في جزيرة خارج، في تهديد وجودي لسكان الجزيرة البالغ عددهم 8000 نسمة، والذين يواجهون مخاطر عالية للإصابة بأمراض خبيثة، الأمر الذي يدفعهم للنزوح والهجرة بسبب ذلك.

وتعد جزيرة خارج من أكثر المناطق تلوثاً في جميع أنحاء إيران، لذلك يواجه المواطنون وساحل الجزيرة خطراً جسيماً بسبب وجود شركات نفطية لا تلتزم بالبروتوكولات الدولية لحماية الصحة والبيئة من أي نوع التلوث.

ويمكن اعتبار جزيرة خارج، الواقعة على بعد 57 كيلومتراً شمال غرب مدينة بو شهر، أهم منطقة اقتصادية لإيران لصادرات النفط الخام، حيث يتم تصدير أكثر من 90% من نفط إيران من هذه الجزيرة. وللتلوث الهائل الناتج عن هذه العمليات أثر مدمر على السكان المحليين وعلى الشعاب المرجانية المحيطة بالجزيرة والبيئة البحرية.

وفي السياق، اعترف المدير العام للبيئة في منطقة بو شهر الأحوازية فرهاد غلينجاد بالمشكلة القائمة، قائلاً: “إن انتشار مستويات عالية من التلوث النفطي يسبب مشاكل للحياة البحرية، وكذلك لسكان الساحل، الأمر الذي يتطلب إجراءات جادة لمنع مثل هذا التلوث”.

وتعدّ بلدة بيد خون في محافظة عسلوية المنطقة الأكثر تضرراً من التلوث في الأحواز وإيران كلها. ورغم ذلك، يرفض النظام الإيراني تقديم إحصائيات عن الأمراض في المحافظة. وفي تطور قاسٍ آخر، منعت السلطات أهالي مدينة عسلوية من التبرع بالدم لمواطني بيد خون الذين يعانون من أمراض ناتجة عن التلوث.

وكانت دراسات إيرانية كشفت عن انتشار تلوث التربة والمياه في عسلوية، وذلك بسبب وجود المصافي والمنشآت البتروكيماوية وسط المناطق السكنية والزراعية. ووفقاً لبعض الدراسات، فإن تلوث الهواء في عسلوية أسوأ 100 مرة من تلوث طهران، في حين أن دراسات أخرى تشير إلى أن “التلوث تسبب في تآكل التربة وانقراض الأنواع الحيوانية والنباتية في عسلوية وجزيرة خارج”.

ومن أكثر الحالات التي تصيب أهالي عسلوية وجزيرة خارج نتيجة هذا التلوث المزمن هي ضيق التنفس، الصداع النصفي، الإجهاض، الأمراض الجلدية، التهاب الشعب الهوائية المزمن، السرطان، أمراض الدم، ازدياد الاكتئاب، الخمول، الغضب، وارتفاع معدلات التوحد عند الأطفال.

وأشار علي عمر، الخبير البيئي البريطاني، في مقابلة مع DUSC، إلى أن “كل هذه العوامل البيئية السلبية، خصوصاً تلك المستويات العالية من التلوث البيئي، تشكل تهديداً خطيراً على صحة الإنسان والنظام البيئي”.

ولفت إلى أنّ “التلوث مسؤول عن ارتفاع معدلات الأمراض الخطيرة في المجتمع، كما أنه يجبر الناس على الاختيار بين الهجرة القسرية أو غير الطوعية وتحمل الظروف غير المحتملة والأمراض المزمنة. ومع هذا، رأى عمر أن “الهجرة القسرية هي انتهاك للقانون الدولي لأنها تستهدف الحقوق الاجتماعية والتراثية والاقتصادية للمواطنين”.

وشدد عمر على أن “الهجرة القسرية لها آثار اقتصادية إضافية لأن أولئك الذين يجبرون على الهجرة يميلون إلى العمل في تجارة أجدادهم، مثل الزراعة وتربية المواشي وصيد الأسماك أو في الصناعات المحلية. لذلك، فإن التهجير يستهدف حرفياً تراث واقتصاد هؤلاء المواطنين، وهذا بلاء يضاف إلى الخطر الذي يلحق بصحتهم وحياتهم من التلوث”.

ويعد التلوث مصدر قلق كبير لشعب الأحواز بشكل عام، ولسكان الأحواز في عسلوية وجزيرة خارج بشكل خاص، مما له تأثير كارثي على صحة الإنسان والبيئة. والأكيد أيضاً هو أنّ سوء إدارة العمليات الصناعية هو المسؤول إلى حد بعيد عن الجزء الأكبر من التلوث، مع وجود العديد من التقارير التي تكشف عن وجود صلة مباشرة بين التعرض لنوعية الهواء الرديئة وزيادة معدل الإصابة بالأمراض والوفيات بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي بين السكان هناك.

الأحواز الإقليم المنهوب في إيران

في مقابلة مع أخبار الآن أكد الباحث في الشؤون الإيرانية محمد المذحجي أن النظام الإيراني تعمد تطبيق سياسة القبضة الحديدية في الأحواز بهدف قمع الأحوازيين وإذلالهم ونهب ثروات منطقتهم التي تعد الأغنى في إيران.