أخبار الآن | إيران – وكالات

يبدو واضحاً وجلياً أنّ القادة الإيرانيين يعيشون في وادٍ، في حين أن الشعب يعيش في وادٍ آخر، وما الدعوات المُتكرّرة لزيادة عدد السكان في البلاد إلا تأكيدٌ على فشل كبير وغياب للرؤية، في ظلّ واقع متدهور وتراجع اقتصادي عميق تعيشه إيران بكل قطاعاتها. وفعلياً، فإن الهدف الإيراني بزيادة حجم السكان لا يكشف إلا عن واقع خطير يهدّد الإيرانيين ككل.

ومراراً، كان المرشد الإيراني علي خامنئي يؤكد على أن “عدد سكان إيران بحاجة للنمو”، وهو صرّح بـ”ضرورة إنجاب الإيرانيين المزيد من الأطفال بدعم من مؤسسات الدولة”، داعياً الشباب إلى الزواج و “تأسيس أسرة إسلامية صالحة، فالبلاد بحاجة إلى المزيد من الأطفال الصالحين”، على حد تعبيره. وخلال الشهر الماضي، تطرق خامنئي إلى قضية ما وصفها بـ”شيخوخة السكان” في إيران، قائلاً: “التقارير الموثقة التي تصلنا تفيد بأن بلدنا تهرم بسرعة، فهذه أخبار سيئة للغاية”.

وكان علي فدوي، نائب قائد الحرس الثوري قد أشار في كلمة سابقة إلى طلب خامنئي قائلا: “من الضروري أن يكون لدى عائلات الحرس الثوري الإيراني والباسيج خمسة أطفال على الأقل”، مشيراً إلى أن “لديه خمسة أطفال و 13 حفيدا، لكنه أراد أن يكون لديه 25 من الأحفاد، نظراً لما قاله المرشد عن أن عدد الأحفاد يجب أن يزداد”.

طموحات بعيدة عن المنطق

وعلى مدى السنوات، أصبحت الحكومة الإيرانية قلقة بسبب قلة عدد المواليد وزيادة عدد كبار السن بين السكان، وسط مخاوف من أن تصبح إيران دولة تسيطر عليها “الشيخوخة”. وفعلياً، يعود انشغال خامنئي بمسألة التركيبة السكانية إلى السنوات الماضية، إذ كان يدعو دائماً إلى زيادة عدد السكان. ففي خطاب ألقاه في 7 أغسطس/آب 2011، فرض خامنئي هدفاً جديداً على الشعب الإيراني، قائلاً: “يبلغ عدد سكان البلاد 75 مليون نسمة. أعتقد أن بلدنا، وبالقدرات التي لدينا، يمكن أن يبلغ عدد سكانه 150 مليوناً. أنا أؤمن بعدد كبير من السكان، وأي إجراء يبطئ أو يوقف النمو السكاني، يجب ألا يتم إلا بعد وصولنا إلى 150 مليون شخص”.

الرقم هذا كرّره خامنئي منذ ذلك الحين نحو 9 مرّات، وفي مناسبات أخرى، رفع طلبه بوصول عدد السكان إلى 200 مليون نسمة. وقبل سنوات، كانت إيران بدأت بتنفيذ خطّة لزيادة عدد السكان بعد تعليمات أصدرها خامنئي، في إطار خطط وسياسات الازدياد السكاني التي صادق عليها البرلمان ضمن قانون “ازدياد معدلات الخصوبة والوقاية من انخفاض معدل النمو السكاني” في يوليو/تموز العام 2014.

وتنص خطة خامنئي على تعليمات موجهة للحكومة من شأنها أن تفضي لمضاعفة عدد سكان البلاد، كما طلب المرشد الإيراني من الأجهزة الحكومية أن تغطي التأمينات الاجتماعية تكاليف الولادات وعلاج حالات العقم لدى النساء والرجال. وكان خامنئي انتقد، سياسات منع الحمل، قائلاً إنها “تقليد أعمى للغرب”.

وحالياً، فقد جرى منح خطة زيادة عدد سكان إيران الآن دعماً قانونياً وإدارياً ومالياً، وله بند خاص في الميزانية السنوية. في هذا العام وحده، وفي الوقت الذي تواجه في إيران أكبر أزمة مالية واقتصادية في التاريخ المعاصر، جرى تخصيص 218 مليار تومان (11 مليون دولار أمريكي) لتنفيذ السيسات السكانية. الرقم هذا يُعادل متوسط أجر 6000 عامل إيراني لا يستطيعون الآن، تحمّل كلفة ما يكفي من الغذاء أو الضروريات الأساسية، هذا بالإضافة إلى الميزانية المخصصة للأنشطة الثقافية والدعاية لتعزيز النمو السكاني.

ومع هذا، فإنّ العديد من المسؤولين الإيرانيين يعمدون للتنظير عبر وسائل الاعلام الرسمية، وإظهار أنّ قضية السكان تمثل مسألة حاسمة بالنسبة لإيران، لكنها في الحقيقة ليست كذلك. فكل الكلام بعيد عن الواقع، وليس إلا خدمة لرأي خامنئي وتلبية لطموحاته البعيدة عن المنطق. وفي هذا الإطار، يعتمد العديد من المسؤولين على الترويج لمعلومات ومعطيات كاذبة لتبرّر تعاطيهم مع هذا الملف. وادعى عضو اللجنة القانونية في البرلمان الإيراني، أبو الفضل ترابي، عبر حسابه على “تويتر” أنه “وفقاً للاحصاءات، فإنه بحلول العام 2050، ستكون إيران واحدة من أكبر 3 دول مع أكبر عدد من المسنين في العالم”. وفي الحقيقة، فإنّ البحث في حقيقة هذا الأمر يكشف أنه “إذا ظلّ معدل الخصوبة في إيران كما هو عليه اليوم للسنوات الـ30 القادمة، فإن الأشخاص الذين ستزيد أعمارهم عن 65 عاماً في إيران، سيشكلون حوالى 20% من إجمالي السكان فقط”.

كذلك، قال النائب الأول لرئيس البرلمان امير حسين قاضي زاده هاشمي: “الأخبار والتقارير تشير إلى أن سكاننا يتقدمون في السن بسرعة. هذه معلومات خطيرة. في غضون 30 عاماً، سيكون 30% من سكان إيران فوق سن الـ60 عاماً”. غير أن الحقيقة تشير إلى أن عدد المسنين في إيران يترواح بين 17 و 20% في غضون 30 عاماً، وهذا ما يكشف عن فرق كبير مع الرقم الذي نشره هاشمي، في إطار التضليل.

كارثة خطيرة

وفي الواقع، فإنّ سكان إيران لا يريدون زيادة عددهم، لسبب بسيط هو أنهم أمضوا أكثر من نصف قرن في ظروف سياسية واقتصادية غير مستقرّة. ومع هذا، فإنّ الأزمات الحاليّة لا تشير إلا إلى رفض كبير وتام لسياسة زيادة السكان، خصوصاً أن الأوضاع لا تحتمل المزيد من الإنجاب. وفي حال تحقق ذلك، فإنّ الظروف المعيشية ستكون صعبة على العائلة ككل.

وفي الحقيقة، فإنّ الوضع الاقتصادي المتدهور والغلاء وصعوبة الأوضاع المعيشية وانتشار المشاكل الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة، كلها عوامل أدت إلى انخفاض عام في الإنجاب في إيران، حيث تظهر الإحصائيات الحكومية الرسمية في إيران أن حوالى 30 إلى 40% من الإيرانيين يعيشون حالياً تحت خط الفقر. ومع أي زيادة في عدد السكان، فإنّ الكثير من الإيرانيين سيصبحون عاجزين عن تلبية حاجياتهم وسط التدهور الاقتصادي وتراجع المداخيل، ما يعني أن الكارثة كبيرة، والفقر سيزداد بقوّة.

وحتى 50 عاماً مضت، كان الإنجاب استثماراً في المستقبل. ففي ذلك الحين، كان الطفل وبشكل أكيد، سيزيد من النفقات العامة للأسرة إلى حدّ ما، ولكن بعد عقد وعقدين من الزمن، سيأتي هذا الطفل ليلعب دور المنتج في أسرته قبل بدء حياته الخاصة. في ذلك الوقت، كان معظم سكان إيران لا يزالون يعيشون في المناطق الريفية، وكانت الشركات العائلية هي البارزة لممارسة الأعمال التجارية في إيران.

أما الآن فقد اختلف الوضع تماماً. فالمزيد من الأطفال يعني زيادة في النفقات على المدى القصير والمتوسط والطويل في الكثير من الأحيان. وبموجب القانون، يتمّ حظر النشاط الاقتصادي للأطفال حتى سن الـ15 عاماً. وبعد ذلك، يبقى الأطفال في الطبقات المتوسطة عموماً في منزل الأسرة لفترة أطول، وتتحمل العائلة تكلفة الطعام والتعليم حتى يدخلوا سوق العمل و تحقيق الاستقلال المالي. تستغرق هذه العملية هذه أحياناً ما يصل إلى 30 عاماً. وبالتأكيد، فإنه عندما لا تلتفت الإحصائيات الرسمية إلى أن الغالبية العظمى من المجتمع الإيراني لا تحظى بالأمن الغذائي، فمن الطبيعي أن تكون نتيجة زيادة السكان هي المزيد من الفقر والجوع وسوء التغذية.

وعلى ما يبدو، فإن خامنئي يرى خلاف ذلك، ويتضح أن الزمن ما زال نفسه ولم يتغيّر. وفعلياً، فإن التجربة أظهرت أن نمو الاقتصاد الإيراني من حيث عدد السكان هو أبطأ بكثير من المتوسط العالمي، وأبطأ بكثير أيضاً من البلدان المجاورة. وفي أي مكان آخر في العالم، باستثناء عدد قليل من الدول المنكوبة، فإن معدّل النمو الاقتصادي أسرع من معدّل النمو السكاني.

وغالباً ما توصف إيران بأنها دولة كبيرة ذات كثافة سكانية منخفضة، إلا أنه في الواقع، فإن حوالى 10% من أراضي إيران تصلح للسكن بالفعل، ومن المحتمل أن يثني هذا الأمر بعض العائلات عن إنجاب الأطفال. فهناك الكثير من المناطق الضيقة في إيران التي لا يمكن أن تستوعب الكثير من السكان، وهي بالكاد تتسع لقاطنيها الحاليين.

ومع هذا، فإن جزءاً كبيراً من إيران يتكون من صحارى غير صالحة للسكن فضلاً عن مناطق جبلية. ولهذا السبب، يجب حساب الكثافة السكانية الحقيقية لإيران على أساس 200،000 كيلومتر مربع فقط. من هذا المنطلق، فإنّ إيران تكون دولة ذات كثافة سكانية عالية نسبياً وقدرة محدودة. وكما هو الحال، فإن البلاد بالكاد لديها مساحة لـ83 مليون نسمة، وبالتالي فإن زيادة من 70 إلى 120 مليون نسمة إضافية في المناطق الصالحة للسكن، قد لا تؤدي إلا إلى كارثة ديموغرافية وبيئية.

 

فهد الشليمي: الشراكة الصينية – الإيرانية ستزيد من عدوانية النظام الإيراني

قبل أيام وأمام البرلمان الإيراني أعلن وزير الخارجية جواد ظريف عن اتفاق مدته 25 عاماً بين إيران والصين، ومن دون أن يذكر التفاصيل ظهرت في تسريبات مختلفة، وتدور حول التعاون الأمني ​​والعسكري والاقتصادي بين البلدين.

 

مصدر الصورة: getty

للمزيد:

الجوع يحاصر سكان كوريا الشمالية…والحكومة تنصح باصطياد السلاحف