أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (سامي زرقة)

أثارت التسريبات الأخيرة حول صفقة استثمار ضخمة بين إيران والصين الأحد الماضي الكثير من التكهنات حول مسار العلاقة بين بكين وطهران في فترة تاريخية حرجة بالنسبة للبلدين.

الصفقة التي طرحت العديد من الاستفهامات، تأتي في وقت يبدو حاسما بالنسبة لطهران التي تعاني من أزمات متتالية..لتكون هذه الصفة بمثابة طوق نجاة قد تنقذ النظام الايراني المتعثر، كما بإمكانها تأمين السلع الحيوية لها وتوسيع نطاق نفوذها في الشرق الأوسط..متحدية مرة أخرى واشنطن، تمشي طهران قدما وراء الصين اقتصاديا من خلال هذه الصفقة….لكن ما الثمن الذي ستدفعه إيران في المقابل.. التفاصيل في التقرير التالي.

قبل أيام وأمام البرلمان الإيراني أعلن وزير الخارجية جواد ظريف عن اتفاق مدته 25 عاماً بين إيران والصين، ومن دون أن يذكر التفاصيل ظهرت في تسريبات مختلفة، وتدور حول التعاون الأمني ​​والعسكري والاقتصادي بين البلدين.

بموجب الاتفاق فإن الصين ستستثمر 280 مليار دولار في النفط والغاز والبتروكيماويات ، و 120 مليار دولار في النقل والتصنيع، خلال السنوات الخمس الأولى، وأكثر من ذلك سيكون لديها الخيار الأول للمزايدة على مشاريع الطاقة المتوقفة، التي تملأ ساحل الخليج، وسيتم منحها خصومات لشراء البترول ومنتجات البتروكيماويات التي تصل إلى 32 في المائة.

اتفاقية بأرقام بارزة، ستجعل إيران جزءاً من مبادرة الحزام والطريق التي وقعها الرئيس الصيني شي جين بينغ، والتي انضمت إليها جميع دول المنطقة، يأتي هذا في الوقت الذي يُنظر فيه إلى الصين على أنها في وضع هجومي على عدة جبهات: في الدبلوماسية الدولية، رداً على فيروس كورونا، في هونغ كونغ وجبال الهيمالايا.

ولكن ما الذي يدفع إيران للاصطفاف مع الصين بهذا الشكل؟

من خلال نظرة سريعة نفهم لماذا تريد  إيران أن تخطو هذه الخطوات ، خاصة في هذا القوت بالذات..الذي تعرضت فيه للعقوبات، وانخفاض أسعار النفط ، وفيروس كورونا، وسلسلة من الانفجارات المثيرة للجدل في المواقع النووية والمدنية، ..النظام الذي يريد لملمة أراقه ..يريد أن يظهر أن “اقتصاد المقاومة” متماسك ومتين، في المقابل يحاول تشويه سمعة سياسة الضغط التي يمارسهه الرئيس الأمريكي ترامب.

كل هذه الأوراق تختلط مع ورقة حكومة روحاني التي .. تتعرض لضغوط شعبية ومتشددة محلية لتبرير سوء إدارتها للاقتصاد و لقراراتها بشأن الاتفاق النووي الذي ابرم عام 2015
وأمام كل هذه الحيثيات تدخل الصين على الخط..

محققة فوائد كثيرة من جراء الاتفاقية حيث ستقدم نفسها على أنها تدعم حليفاً لها، إضافة إلى إعطاء طهران بصيصاً من الأمل لمقاومة إدارة ترامب، وهذا سيقلل من فرصة حدوث اضطرابات تؤثر على أمن الطاقة الصيني.

منذ عام 2010 ، بلغت استثمارات وعقود الصين في إيران 18.6 مليار دولار، وفقاً لمعهد أميركان إنتربرايز، وبلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران من جميع البلدان أقل من 28 مليار دولار ، وفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وشمل ذلك فترات كانت فيها أسعار النفط مرتفعة، وعندما لم تكن إيران خاضعة لمثل هذه العقوبات الصارمة، حيث تبدو فكرة زيادة هذا المبلغ إلى 80 مليار دولار سنوياً في ظل الظروف الحالية أمراً لا يمكن تصديقه.

في الوقت نفسه، بلغ متوسط ​​الاستثمارات الأجنبية الخارجية للصين حوالي 200 مليار دولار سنوياً من عام 2010 إلى عام 2019 ، وهي تشعر الآن بضغط من تباطؤ الاقتصاد ووباء كورونا والحرب التجارية الأمريكية.

هناك مدرسة فكرية ناشئة داخل الصين مفادها أن علاقاتها مع الشرق الأوسط قد تجاوزت بالفعل ذروتها، بسبب تباطؤ الاقتصاد الإقليمي وتراجع الأهمية الاستراتيجية للنفط والغاز. وتحت ضغط العقوبات الأمريكية وأضرار فيروس كورونا، حيث تراجعت واردات النفط الصينية من إيران بشكل حاد ، من حوالي 630 ألف برميل يومياً خلال عام 2017 ، إلى ما بين 100 ألف برميل يومياً و 200 ألف برميل يومياً.

هل باع النظام الإيراني بلاده عبر اتفاقية غامضة طويلة الأمد مع الصين؟

رغم علاقتها السياسية الوثيقة، لم تحقق الشركات الصينية نتائج جيدة دائماً في إيران، واشتكى الإيرانيون من تعرضهم لسلع رديئة من الصين كما تم طرد شركة البترول الوطنية الصينية من حقل أزاديجان الرئيسي للنفط ومشروع إيران للغاز الطبيعي المسال بسبب التقدم البطيء. كما تم في عام 2012 حرمان مجموعة “سينوهيدرو” من عقد بقيمة 2 مليار دولار لبناء سد بختياري في جنوب غرب إيران، واستبدلت بـ “خاتم الأنبياء” ، ذراع الحرس الثوري في إيران.

وهذا يعني أن الصين تسعى لتثبيت سيطرة الحرس الثوري الإيراني على اقتصاد إيران، لأن الحرس الثوري يهيمن على النفط والغاز ونقل الغاز إضافة إلى السدود والمرافئ والمطارات، علاوة على ذلك مؤسسات التحكم في المال مثل مؤسسة المستضعفين، الروضة الرضوية، مؤسسة الشهيد، لجنة الإغاثة، مؤسسة تعاونية قوات الحرس، مؤسسة تعاونية الباسيج.. وغيرها

لكن عناصر الصفقة المبلغ عنها والتي تسمح بنشر خمسة آلاف عسكري صيني في البلاد لحماية مصالحها، وأنه سيتم السماح للقوات الجوية الصينية والروسية بالوصول إلى القواعد أثارت مخاوف شبهها الإيرانيون بـ “معاهدة تركمانشاي” الجديدة، وهي اتفاقية عام 1828 المذلة التي تخلت بموجبها إيران عن مناطق القوقاز المتبقية لروسيا.

حتى الآن تعتبر الصين شريكاً تجارياً لا غنى عنه لجميع مصدري النفط والغاز في المنطقة، حيث تمكنت من تجنب أي تناقضات سياسية إضافة إلى عدم سعيها للتنافس في السياسة الإقليمية أو الأمن مع الولايات المتحدة، ولم تضطر للجوء إلى تمركز القوات العسكرية لحماية أصولها أو مصالحها.

لكن هذا الوضع قد لا يستمر إلى الأبد، سيما إذا وجدت بكين، التي تخوض مواجهة أعمق مع واشنطن، أن أخذ قطعة شطرنج جيوسياسية مهمة أمراً لا يمكن تجاهله.

مصدر الصورة: GETTY IMAGES

اقرأ المزيد:

هل باع النظام الإيراني بلاده عبر اتفاقية غامضة طويلة الأمد مع الصين؟