أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (متابعات)

واقعة مأساوية هزت إيران ولا تزال تداعيتها تتفاعل في الشارع الإيراني ووسائل الإعلام والفضاء الالكتروني. حين أقدم أب على ذبح ابنته روميا أشرفي البالغة 14 عاماً، بمنطقة “تالتش” شمال غرب محافظة كيلان الإيرانية.

فصول المأساة التي سيطرت على الحديث العام في الشارع الإيراني، بدأت حين أحبت رومينا البالغة 14 عاماً شاباً في التاسعة والعشرين من عمره، وقررت الزواج منه كي تتخلص من عنف والدها الذي رفض زواجها من الشاب. وبسبب رفض الأب اتفقت الفتاة على الهرب مع حبيبها إلى منزل أحد أقاربه للمضي قدماً في إجراءات الزواج، إلا أن والدها أبلغ الشرطة التي سرعان ما ألقت القبض على الحبيبين وأحالت القضية إلى المحكمة.

القاضي اعتمد على صغر سن رومينا، وأمر بتسليمها لوالدها حسب القوانين الدينية السارية في إيران. ولم يستجب أحد لصرخات الفتاة التي كانت تخشى من قتلها على يد والدها إن أعادتها الشرطة إليه مرة أخرى.

ناشدت رومينا القاضي عدة مرات وهي تبكي عدم تسليمها لوالدها، وابلغته أن إعادتها لبيت الأب يعني قتلها، إلا أن القاضي لم يولِ اهتماماً بما قالته الفتاة المضطهدة وسلمها إلى والدها عنوة.

سلمت المحكمة رومينا إلى والدها، وكما تنبأت الفتاة؛ استغل الأب السلطة التي تخولها القوانين الدينية وقتل ابنته في مساء الحادي والعشرين من مايو الماضي بطريقة بشعة مستخدماً المنجل.

وأفاد شهود العيان في المنطقة أن الوالد خرج من المنزل حاملاً أداة الجريمة تقطر دما في يده واعترف بقتل ابنته.

وقال سكان المنطقة أن والدة رومينا أصيبت بصدمة عنيفة بعد الجريمة لدرجة أنها تعرضت لنوبات مستمرة من فقدان الوعي، وكلما أفاقت تذكرت ابنتها الذبيحة،  فلا تتوقف عن الصراخ والبكاء حتى تفقد وعيها مرة أخرى.

الأب القاتل، استشار محامياً قبل ذبح رومينا، فأخبره المحامي أنه لن يواجه عقوبة الإعدام، لكن ربما يتعرض للسجن ما بين 3 إلى 10 سنوات على أقصى تقدير. حسبما نقلت نيويورك تايمز عن وسائل إعلام إيرانية.

والدة الضحية، رنا دشتي، قالت في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن الوالد القاتل رفض طلب الشاب خطبة ابنته “ليس لأن الخطيب لا يعجبه، بل لأن عائلة الخطيب لا تعجبه. وصادر هاتف رومينا وحبسها في المنزل وهددها عدة مرات، لدرجة أنه عاد للمنزل ذات يومٍ حاملاً سم فئرات وحبل، وحاول تشجيع رومينا على الانتحار بدلاً من أن يضطر إلى قتلها بيده، فهربت رومينا، وتركت له خطاباً كتبت فيه: إذا سألك أحد عني، أخبرهم أني ميتة”.

قضية مقتل الطفلة رومينا أشرفي على يد والدها تهز الرأي العام في إيران و العالم

طرحت الجريمة التي ارتكبها أشرفي البالغ من العمر 37 عاما، أسئلة عديدة في إيران حول حقوق النساء والأطفال والقوانين الدينية، وفشل الدولة في حماية الضحايا.

وفتحت الجريمة البشعة الباب أيضاً، امام النساء على مواقع التواصل الاجتماع، ليروين قصص العنف وإساءة المعاملة التي تعرضن لها على يد أقاربهن الرجال، على أمل كشف الحقائق عن أوضاع النساء والأطفال في إيران.

ورغم الإدانات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فإن “القاتل الحقيقي” ربما يكون أبعد من الأب الذي ذبح ابنته فقط.

فالقوانين السارية في إيران تجعل تقل الأب لأي من أبناءه، أمراً لا يستوجب القصاص بالإعدام، ومجمل القوانين السارية في إيران تم إعادتها إلى أفكار سادت في القرون الوسطى، وكلها أفكار تتسامح مع ممارسات وجرائم تصل لدرجة القتل، وطالما أن القاتل محمي من العقوبة المنطقية بحكم القانون. يمكن أن نرى ما خلف هذه المأساة من واقع أكبر، قد يجعلنا نعرف من “القاتل الحقيقي” صاحب المنجل الدموي الذي يسمح بممارسة القتل ضد النساء والأطفال في إيران منذ أكثر من 4 عقود.

يمكن فهم “العقلية القضائية” التي وصلت بقصة الفتاة رومينا أشرفي إلى محطة “الموت ذبحاً”، إذا نظرنا بعمقٍ أكثر إلى آلية عمل القضاء الإيراني. فمن يتولى رئاسة السلطة القضائية في إيران؟

الملا إبراهيم رئيسي، هو رئيس السلطة القضائية الإيرانية، وللرجل سجل ملوث بالدماء لتورطه في مذبحة راح ضحيتها 30 ألف سجين سياسي. فضلاً عن تاريخه في مذابح ووقائع تعذيب في مدن مسجد سليمان وكرج وهمدان، وهي المناطق التي يتذكر سكانها الملا رئيسي جيداً ولا ينسون تورطه في الأحداث البشعة.

أما المستشارالقضائي الأعلى في السلطة القضائية فهو مصطفى بور محمدي الذي تولى منصب وزير العدل في الدورة الأولى لمجلس وزراء روحاني.

ولم يكن تعيين الرجلين وغيرهما في السلك القضائي أمراً غريباً على إيران التي تؤمن بولاية الفقيه، فقبل عقود كان مؤسس “دولة ولاية الفقيه”، الخوميني يقول صراحة: “نحن نريد حاكماً (قاضياً) ينهض ويجلد بالسوط”. كما أنه كان يقول: “لا تشغلوا بالكم في القرآن بآيات الرحمة والغفران فقط، إذ إن معظم الآيات القرآنية تتحدث عن الحرب والقتال”.

تحت مظلة هذا الهيكل القضائي الدموي، يمكن معرفة كيف يقدم قاضي رومينا على تسليم فتاة تؤكد للمحكمة أنها مهددة بالقتل، إلى الرجل الذي يقتلها بالفعل. لكن نظرة أخرى على القوانين الدينية في إيران، توضح الجزء الباقي من “منظومة القتل المباح” وتكشف كيف أصبحت عقوبة القتلة “مخففة” في إيران.

تمنع المادة 220 من ما يُسمى بقانون العقوبات الإسلامي المعتمد في إيران، والمختص بقضايا القصاص، قتل الأب قصاصاً إذا أقدم على قتل أحد أولاده عمداً. وتستبدل المادة فكرة القصاص بدفع الدية وتوجيه اللوم.

كما تنص المادة 301 من قانون العقوبات الديني على أنه “لا يتم القصاص من القاتل في حالة ثبوت أن القاتل هو الأب أو الجد من الأب”.

واللافت، أنه في هذه الأوضاع الكابوسية للضحايا، يبادر القاتل بنشر إعلان لمراسم تشييع جثمان المقتول وقراءة الفاتحة على روحه.

وزير الثقافة الأردني الأسبق: النظام الإيراني ليس مؤهلاً لقيادة شعبه

قضية رومينا، لم تحدث هزة في إيران فقط، ورغم محاولات التكتم الإعلامي داخل إيران، إلا أن صدى الواقعة البشعة وصل إلى نيويورك تايمز التي ناقشت مع خبراء قانونيين يعيشون في المنافي، منظومة العدالة و”القتل المباح” للنساء والأطفال في إيران.

تقول فايزة هاشمي، الناشطة في مجال حقوق المرأة والنائبة السابقة في تصريحات إعلامية:”إذا أردنا أن نتعامل مع هذه القضية بالمنطقة والعدل، فإن الأب لابد أن يواجه العقوبة عدة مرات”. وأضافت أن تمرير مشروع قانون العقوبات دون تغيير عقوبة الأب القاتل لن يوفر أي حماية ذات معنى للنساء والأطفال في إيران.

وأكدت شادي صدر، وهي محامية بارزة في مجال حقوق المرأة تعيش في المنفى بالعاصمة البريطانية لندن:”الجميع يشعر بالصدمة مما حدث للضحية، فالواقعة تذكير بأن هذه القوانين غير طبيعية وبحاجة إلى التغيير”.

أما رجال الدين في إيران فقد عبروا عن رضاهم عن القوانين الحالية التي تحمي القاتل من القصاص العادل. وقال موسى غرنفار أبادي، وهو أحد رجال الدين المحافظين في إيران “قوانين العنف ضد المرأة كافية.. ولا يمكننا إعدام والد رومينا لأنه أمر مخالف للشريعة”.

الواقعة وتفاعلاتها محليا ودولياً، أظهرت بوضوح “الوجه الحقيقي” للنظام القانوني والقضائي في إيران، وفتحت عيون الجميع على “المنجل الحقيقي” الذي يحمله القتلة دون خوف من القصاص.

اقرأ المزيد:

إيراني يقطع رأس ابنته ذات الـ 14 عاما وهي نائمة