أخبار الآن | أوكرانيا (جنان موسى)

هذه المرة، تطل علينا مراسلتنا المتجولة جنان موسى من مكان موحش في أوكرانيا. تقريرها عن منطقة فارغة من سكانها، لا يعيش فيها الا القليل لأن الخطر فيها منتشر في الاجواء، لا يمكن رؤيته بالعين المجردة. نشاهد.

انها المرة الأولى التي أقوم فيها برمي ملابسي التي كنت ارتديها اثناء فترة التصوير وهذا هو السبب.

زرت مفاعلَ تشيرنوبل النووي في أوكرانيا،

حيث وقعت اسوأُ كارثة نووية في العالم في العام الفٍ وتسعمئةٍ وستةٍ وثمانين.

بعد مرورِ ثلاثةٍ وثلاثين عاما، الحياةُ هنا غيرُ أمنةٍ حيث لا يزال بها نشاطٌ اشعاعيٌ

والوجودُ البشريُ محدودٌ جدا. هذه منطقةُ أشباح.

لا يمكننا الوصولُ إلى تشيرنوبل من دونِ اذنٍ مسبق، فنحن بحاجةٍ إلى تصريحٍ لدخولِ المنطقةِ المحظورة ذاتِ النشاط الاشعاعي والواقعةِ في دائرةٍ قِطْرها ثلاثون كيلومترا من مكانِ المُفاعل.

عند اولِ نقطةِ تفتيش، يجتمع الراغبون بالدخول الى المنطقةِ العازلة والتي تستقطب نوعا خاصا من السياح الذين ينجذبون لما يُعرف بسياحةِ المخاطراو السياحةِ المظلمة.

ازداد عددُ الزوار الى المكان مع نجاحِ مسلسل تشيرنوبل،

واستجابت الوكالاتُ السياحيةُ الخاصة بحماسةٍ لهذه الاعدادِ الكبيرة من الزائرين فاستثمرت الموقعَ سياحيا ووفرت محالا لبيع التذكاراتِ منها الاكوابُ والقمصانُ وحتى الايس كريم الخاصُ بشرنوبل.

عند حافةِ المنطقةِ المحظورة، يُظهر كاشفُ الإشعاع لدينا ان درجةَ الاشعاعِ هي صفرٌ فاصلَ واحد. ويقول دليلُنا الاوكراني اننا بأمان ولا داعي للقلقِ حتى يتجاوزَ مستوى الاشعاعِ صفراً فاصلَ ستة.

ورغمَ تحولِ المنطقةِ الى وجهةٍ سياحيةٍ، لا يزال اسمُ تشيرنوبل يرتبط بالموت.

بعد مرور ثلاثةٍ وثلاثين عاما على الكارثةِ النووية، المنطقةُ مهجورةٌ، هادئةٌ، توقف فيها الزمن.

تم إجلاءُ مئةٍ وخمسةٍ وثلاثين الفَ شخصٍ من هنا في العام الفٍ وتسعِمئة وستةٍ وثمانين.

القرى فارغة، المنازلُ متهالكةٌ، والطبيعة وحدَها لا تكترث بالاشعاعِ النووي وتتسلل الى كلِّ زاوية من المكان.

تقع مدينةُ تشيرنوبل على بعد ثمانيةَ عشرَ كيلومترا من المفاعل النووي رقمَ اربعة الذي وقع فيه الانفجار. يعمل اليوم في المنطقةِ المحظورة حوالي سبعةُ الافِ عاملٍ بدوام جزئي لاجراء اعمال الصيانة في المُفاعل النووي وفي المنطقة المحيطة.

يُسمح للعمال البقاء اسبوعين فقط داخل المنطقة العازلة، وتُفرض بعدها عليهم المغادرةُ لاسبوعين لتقليل التعرض للاشعاع.

في المنطقة المحظورة، هناك كنيسة واحدةٌ، واربعةُ متاجر، وعددٌ غير معلوم من الكلاب الضالة التي تسيطرعلى الشوارع.

إن زيارةَ منطقةِ تشيرنوبل المحظورةِ شبيهةٌ بدخول ألةِ الزمن، والعودةِ الى اوروبا الشرقية في العام الفٍ وتسعمئة وستة وثمانين، اي في زمن الاتحاد السوفياتي.

هنا مثلا بيتُ الثقافة او ما يعرف بال “دوم كولتورا” ولاحظوا وجودَ المطرقة والمنجل اللذين يرمزان للعمال والفلاحين.

وهذه صحيفة شيوعية قديمةٌ صادرة في السابع من ابريل من العام الف وتسعمئة وستة وثمانين اي تسعةَ عشرَ يوما قبل وقوعِ الكارثة النووية.

وفي تشيرنوبل يمكن العثورُ على تمثال لينين الوحيد الذي لا يزال قائما في أوكرانيا.

كلما اقتربنا اكثرَ من مُفاعل تشيرنوبل النووي، كلما ارتفع مستوى الاشعاع وفق جهازِنا واقترب اكثرَ من صفرٍ فاصل ستة وهو المستوى الذي يفضل دليلُنا ان لا نتجاوزه.

بحذر أتوجه الى برجِ التبريد الخاصِ بالمفاعل النووي الخامس، والذي كان من المقرر بدءُ العمل فيه سنة الفٍ وتسعمئة وستة وثمانين، لكنّ كارثةَ تشيرنوبيل التي سببها انفجارُ المفاعل الرابع اوقفت ذلك.

داخل برج التبريد، تتخطى درجاتُ الاشعاع صفر فاصل ستة.

 

وهذا ليس غريبا، فبالقرب من هنا يقع المفاعل رقم اربعة حيث وقعت أكبرُ كارثةٍ نووية شهدها العالم.

قبل ثلاثِ سنوات قامت اوكرانيا ببناء قبة ضخمةٍ فوقَ المفاعل، لاحتواءِ الاشعاعاتِ الصادرةِ منه، بينما يقوم العمال بتفكيك المفاعل بأكمله شيئًا فشيئًا.

يوجد في المنطقة المحظورة ثلاثُ فنادق فقط ومع حلول الظلام انتقل الى واحد منها.

في الصباح الباكر ندخل مدينةَ بربيات.

هي المدينةُ الأقرب لمحطة تشرنوبيل للطاقة النووية.

تبعد حوالي ثلاثِ كيلومترات عن المفاعل النووي.

فجأة، بدأ جهازُ الإشعاع في إصدار صوت مرتفع.

مستوى الاشعاع قفزالى تسعة فاصل تسعة وتذكروا ان المستوى الاّمن يفضل ان لا يتجاوز صفر فاصلة ستة.

في بربيات لا يعيشُ احدٌ، ولا يعمل احد.

هناك فقط مبانٍ فارغة، وحيواناتٌ وأشجار ٌ قامت بملء الفراغ الذي تركه البشر.

التقي هنا بسائحٍ من الدنمارك:

كانت بربيات مدينةٌ نموذجية في عهدِ الاتحاد السوفياتي.

وتم بناؤها لإيواء العاملين في محطةِ تشيرنوبل للطاقةِ النووية مع عائلاتهم.

فيها مدرسةٌ حديثة، وأسرةُ اطفال تحتوي على العابٍ تركوها خلفهم، وقاعةٌ للعمال ورموزٌ من العهدِ السابق وبيانومتهالكٌ على خشبة المسرح.

هذا دولابُ الهواء الذي لم يستخدم ابدا لانه كان من المقرر افتتاحه في الاول من مايو من العام الف وتسعمئة وستة وثمانين اي بعد خمسةِ ايام من تاريخ الكارثة النووية.

في بربيات صالةٌ للالعاب الرياضية مع قاعةٍ لكرة السلة وحوضِ سباحة ضخم. من عاش هنا في الماضي كان يُعتبر محظوظا.

المكان موحشٌ شبيهٌ بمنطقةِ نزاع، غادرها كلُ من فيها، باستثناءِ عددٍ قليل من المسنين، منهم من يسكن في قرية كوبوفاتي النائية.

الطرقات تزداد سوءا كلما ابتعدنا عن مدينة تشيرنوبل وهى المركزِ الاداري للمنطقة المحظورة. ومع غياب البشر، تتكاثر الحيواناتُ ومنها الاحصنة البرية، التي ينصح بعدم لمسها او الاقتراب منها خوفا من الاشعاعِ النووي.

عند الوصول الى قرية كوبوفاتي، وجدنا منزل أنا زوفورودنيا البالغةِ من العمر ستة وثمانين عاما والتي تعيش في بيت متواضع يختبئ بين الاشجار.

في المنطقة المحظورة والتي تبلغ مساحتُها الفين وستمئة كيلومترمربع، يعيش فقط مئةُ شخص بشكل دائم وهم جميعا من المسنين.

عادت السيدة أنا الى منزلها بعد عامٍ واحد من الكارثة النووية. هي مقتنعة ان التسربَ النووي لم يؤثر عليها صحيا..

تتذكر بوضوخ ذلك اليوم المشؤوم الذي طُلب منها مغادرةُ بيتها.

بعد العشاء، حان وقت مغادرةِ المنطقة المحظورة.

يجب ان نمر عبر جهازٍ خاص لفحص نسبة الاشعاع التي تعرضنا لها.

صحيح ان المنطقةَ اّمنةٌ الان الا ان القلق كان رفيقنا بسبب الاشعاع النووي، وفي النهاية تشعر ان الزيارة التي تستغرق يومين هي أكثر من كافية.

مصدر الصورة: غيتي 

المزيد: ماذا فعل النووي في أوكرانيا؟ ما لا نعرفه عن تشيرنوبيل