أخبار الآن | سوريا – theguardian

يمكن رؤية مدى واسع من مخيم الهول من على بعد أميال، على الطريق الذي يؤدي إلى المخيم من الغرب. تمتد الخيام البيضاء التي تضم نساء وأطفال تنظيم داعش النازحين على المناظر الطبيعية المغمورة بالتراب خارج أطراف المدينة المجاورة، وهي أبعد مسافة تتعدى سفح التل.

تسمي نساء “الهول” الآن المخيم باسم جبل باغوز، المسمى باسم مدينة الواحات على نهر الفرات حيث هُزم أزواجهن أخيراً في آذار / مارس الماضي. في عمق القسم المخصص للأجانب وخارج سيطرة حراس المخيم، أصبح جبل باغوز الآن المكان الوحيد الذي تسكن فيه الجماعة المسلحة التي سمّت نفسها “الخلافة” (الدولة الإسلامية). ومن هنا يتم زرع بذور عودة “داعش”.

وقال اللواء مظلوم كوباني من “قوات سوريا الديمقراطية”: “إنها قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار. ليس هناك حل سهل. حتى إذا تم إرسال (المقاتلين) الأجانب إلى بلادهم، فإن الغالبية العظمى منهم معتقلون سوريون وعراقيون، وإذا لم يتم تخليهم عن التشدد، فسوف يمثل ذلك مشكلة لسنوات عديدة قادمة.”
و”قوات سوريا الديمقراطية المجموعة المدعومة من الغرب، هي جماعة كردية الآن مسؤولة عن إدارة جزء كبير من أراضي “داعش” السابقة.

تقول تقارير البنتاغون والأمم المتحدة الأخيرة أنه بينما من غير المرجح أن يستعيد “داعش” قوته السابقة في سوريا، فإن التمرد يتطور بسرعة. بينما يجلس المقاتلون في السجون الكردية أو يعودون إلى السكان المحليين في محافظة دير الزور وعاصمة “داعش” السابقة في الرقة، تنتظرهم آلاف العائلات في الهول. يصف المسؤولون الأميركيون “داعش” بأنها نشطة في الداخل، حيث يستخدمون المعسكر كحاضنة للجيل القادم من المتطرفين.

منذ عام 2016، كان “الهول” موطنا لنحو 10000 عراقي وسوري فروا من “داعش”. لكن خلال المعركة التي استمرت لأسابيع للسيطرة على الباغوز، امتلأ المخيم بـ64 ألف امرأة وطفل غير متوقعين، غالبيتهم العظمى لهم صلات بهذه الجماعة “الجهادية” (داعش). لا يوجد سوى 400 حارس للحفاظ على النظام على آلاف النساء، من بينهن نساء ثأريات يعتزمون مهاجمة الجنود الأكراد وعمال الإغاثة وأي شخص في المخيم لا يطيع قواعد “داعش” الصارمة أو يشتبه في تجسسهم لصالح “قوات سوريا الديمقراطية”.

وقال مسؤولو المعسكر إن ما لا يقل عن امرأتين في الداخل قتلا على أيدي المعتقلين الأكثر تطرفاً. في الشهر الماضي، خنقت امرأة أذربيجانية حفيدتها البالغة من العمر 14 عاماً حتى الموت لرفضها ارتداء النقاب خارج خيمتها. كما أفادت يزدا، وهي منظمة تمثل الأقلية العرقية الإيزيدية التي قُتلت واستعبدت على أيدي “داعش”، عن امرأة إيزيدية مفقودة قُتلت مؤخراً في الهول.

وعلى الرغم من أنه لا يُسمح لأي من النساء بحمل هواتف محمولة، فقد ظهر في الأسابيع الأخيرة مقطعان دعائيان من المعسكر حيث يتعهد الأطفال بالولاء لـ”داعش” أمام العلم الأسود للجماعة. أصبح احتجازهم في ظروف حارة ومكتظة وغير صحية الآن صرخة لتحشيد المؤيدين عبر شبكات التواصل الاجتماعي التابعة لـ”داعش”.

“كما لو أن الحياة في هذا المكان لم تكن سيئة بما فيه الكفاية، فإن هؤلاء النساء وحوش”، قالت إحدى ساكنات مخيم الهول التي طلب عدم الكشف عن اسمها لتجنب الانتقام. “لا يمكنني الحصول على الدواء الذي أحتاجه لإبني عندما يكون مريضاً، فالمراحيض تفيض. وبعد ذلك ستحرق هؤلاء النساء خيمتك وتضرب أطفالك لمجرد قدرتهن على ذلك “.

المخيم محاط بسياج وتراقبه “قوات سوريا الديمقراطية” وقوة شرطة محلية تعرف باسم “الآسايش”. وعلى الرغم من وجود رشاشات الكلاشينكوف ” AK-47″ معهم، فإن كلاً من الحراس وسكان المخيم على حد سواء يعرفون من يمسك بميزان القوى في الداخل.

فهناك مجموعة من النساء التونسيات والصوماليات والناطقات بالروسية في جبل الباغوز تصدر أوامر للنساء الأخريات في المخيم. وتم استخدام السكاكين الموجودة داخل المطبخ التي توزعها منظمات الإغاثة لمهاجمة “قوات سوريا الديمقراطية” التي فاق النساء عدد مقاتليها. في حادث الشهر الماضي، توفي جندي واحد متأثراً بجراحه في المستشفى وأصيب اثنان آخران بجروح خطيرة في هجمات بالسكاكين.

كانت” أيلول”، رئيسة الأمن في المخيم، تراكم كماً من التعب، وهي تكشف جزءاً من ملابسها لتكشف عن كدمة أرجوانية ضخمة تغطي ذراعها العليا. وقالت: “واحدة منهم عضّتني. إنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك. أسوأ شيء هو عندما تقوم النساء بنشجيع الأطفال على إلقاء الحجارة. يقولون لهم إننا قتلنا آباءهم ودمرنا منازلهم. التعامل مع الآلاف من الأطفال العنيفين أمر صعب للغاية”.

في بداية العام، عندما تم إجلاء النساء والأطفال من القتال في بلدة باغوز في قوافل الشاحنات واحضروا إلى مخيم الهول، كان الارتياح من الهروب من الغارات الجوية للتحالف بقيادة الولايات المتحدة ومن التجويع في الباغوز قصير العمر: على الأقل توفي 255 طفلاً في منطقة الهول منذ شهر كانون الثاني / يناير الماضي، معظمهم من الأطفال الذين كانوا يعانون من البرد وسوء التغذية عند وصولهم. قالت نساء كثيرات إنهن يفضلن هن وعائلاتهن لو ماتوا في أنقاض “الخلافة”، أي دولة “داعش”.

يزداد الغضب من ظروف ضعف الموارد وإدارتها بشكل سيء. وتتعرض العائلات للحرارة والبرودة الشديدتين في الخيام الواهية، وهناك آثار من بكيتريا “إي كولاي” في مياه الشرب ونقص في الرعاية الصحية. لا توجد مرافق تعليمية للأطفال.

ورغم أن جميع الأشخاص داخل المخيم تقريباً قد شهدوا عنفاً شديداً، وبعضهم ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بأنفسهم، إلا أن الدعم النفسي أو محاولات الإزالة القسرية لا تزال في الوقت الحالي استحالة صعبة ومكلفة.

تنتشر الشائعات الوحشية حول الاغتصاب والتعذيب وسرقة الأعضاء (لبيعها) من قبل الحراس. حتى الفشل في الاستعداد للعدد الهائل من النساء والأطفال الذين تمكنوا من مغادرة الباغوز إلى مخيم الهول قد تم اعتباره قراراً متعمداً من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي راهن على أن المجتمع الدولي لن يهتم إذا كانت الزوجات والأطفال من “داعش” قد تم القضاء عليها في حملة القصف.

لم تجرؤ “قوات سوريا الديمقراطية” على الدخول إلى القسم الأجنبي من المخيم الذي يضم 12000 فرد خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بعد أن تسبب البحث الروتيني عن الأسلحة في اندلاع أعمال شغب واسعة النطاق عندما صعد الآلاف من سكان المخيم إلى البوابة الأمامية للمخيم ومباني الإدارة.في زيارة قام بها أخيراً جندي داخل القسم الرئيسي للسوريين والعراقيين كان انزعاجه واضحاً. وهو يسيطر على سلاحه بعصبية، وكان يستعجل فريق مراسلي صحيفة “ذا غارديان” للتحرك كل بضع دقائق. ورفض إثنان من زملائه مغادرة شاحنة البيك اب المدرعة توخياً سلامتهما.

وقال “أيلول” إن التهريب إلى المخيم ومنه يحدث بشكل يومي، مما يثير مخاوف من إمكانية هروب النساء من كبار الرتب (في داعش). في الشهر الماضي، قامت خمس محتجزات برشوة الحراس بمبلغ 2000 دولار (1662 جنيه إسترليني) للشخص الواحد لإخراجهن. تم اكتشافهن قبل وصولهن مباشرة إلى محافظة إدلب، آخر منطقة تسيطر عليها المعارضة السورية.

يصف كل من السكان والحراس وعمال الإغاثة الوضع بأنه غير مستقر. لم يكن هناك شيء يشبه مخيم الهول من قبل، وهذا جزئياً هو السبب الذي يجعل كلاً من السلطات الكردية والدولية للتوصل إلى حلول مناسبة.

قال العديد من المسؤولين المحليين (من قوات سوريا الديمقراطية) إنه يتم بذل الجهود لتفتيت المخيم لجعله أكثر قابلية للإدارة: قال العراق إنه سيتم نقل مواطنيه البالغ عددهم 31،000 إلى المخيمات العراقية، لكن جماعات حقوقية تشعر بالقلق من استمرار نفس المشاكل عبر الحدود، وقد تأخر النقل مرات عدة.

وقد أعادت حفنة من الحكومات الأخرى مواطنيها، لكن البعض – بما في ذلك المملكة المتحدة – يحجم عن إعادة الأسر التي قد تكون متطرفة.

وقالت إليزابيث تسوركوف، زميلة معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا: “إن الديناميات داخل المخيم غير صحية بشكل لا يصدق. كل فرد من السكان داخل المخيم يحتاج إلى حل مختلف”. وأضافت: “ينبغي على البلدان استعادة عائلات مقاتلي داعش الأجانب واستثمار الموارد في جمع الأدلة المتعلقة بجرائم النساء المحتملة. [عدم القيام بذلك] هو أناني وقصير النظر “.

إن التقدم على جميع المجالات بطيء جداً. ومع ذلك، فإن كل يوم يقضيه الأشبال السابقين في “الخلافة” (داعش) في مخيم الهول هو يوم آخر يذهب من طفولتهم، مما يجعل من الصعب كسر الدورتين التوأم من التطرف والحرمان.

وقد تم نقل صبي ترينيدادي (من ترينيداد)، يبلغ من العمر الآن 15 عاماً إلى سوريا من قبل والده في عام 2014. في الأيام الأخيرة من معركة الباغوز، أجبره “داعش” على القتال وكان محظوظاً بقدرته على الفرار على قيد الحياة إلى مخيم الهول. مات والده وإخوته وهو في هذه الأيام يعلّم نفسه الرياضيات من كتاب مدرسي في أحد مباني دار الأيتام الصغيرة في الهول”.

“يقول: “أمي تعرف أنني هنا. أنا أفتقدها كثيراً. ما زلت أسأل: لماذا لا يمكنني العودة إلى الوطن؟ لكن لا أحد لديه إجابة حقيقية على الإطلاق.”