يتصاعد الغضب والسخط الشعبي ضد طالبان في أنحاء باكستان، مع الكشف عن المزيد من تفاصيل المجزرة التي ارتكبتها الجماعة الارهابية ضد مدرسة ثانوية في بيشاور، فقد احتشد الآلاف من الباكستانيين في الشوارع في جميع المدن لإدانة الهجوم، ومطالبة الحكومة باتخاذ إجراء حاسم لمواجهة المسلحين، كما أثار الاستهداف الجماعي للأطفال، في المنطقة العسكرية بمدينة بيشاور، إدانات من مختلف أنحاء العالم، وكذلك من كل الأطياف السياسية والدينية الباكستانية، وذلك في مشهد نادر للوحدة في هذا البلد الذي غالبا ما يتقبل حوادث العنف وأحيانا ما يدافع عنها.
وفي السياق ذاته أعلن الجيش الباكستاني في وقت متأخر من مساء امس ان قيادة الأركان وقعت مذكرات بالاعدام في حق ستة من مسلحي طالبان بعد مجزرة بيشاور، ولكن لم يوضح ما اذا كان هؤلاء متهمون بتنفيذ المجزرة الاخيرة أم هجمات اخرى.
ورأى محللون أن المجزرة التي نفذتها طالبان الباكستانية ضد مدرسة ثانوية يرتادها أبناء النخبة من العسكريين في شمال غربي البلاد قبل ايام، جاءت انتقامًا لعملية كبرى نفذها الجيش الباكستاني مؤخرًا عقب سنوات من التردد إزاء المسلحين المحليين.
وأشار محللون إلى أنه بعد سنوات من الهجمات والتفجيرات الانتحارية ضد الأسواق والمساجد والفنادق والقواعد العسكرية، انتقل المتمردون إلى ما هو أبعد.
وجاءت المجزرة مستهدفة بشكل أكثر وضوحا من ذي قبل الجيش الباكستاني، وهي المؤسسة الوطنية القوية التي تحظى باحترام الشعب.
والحادثة الوحيدة التي يمكن مقارنتها كانت في ديسمبر 2009، عندما اخترقت مجموعة صغيرة من المسلحين مقر قيادة الجيش في مدينة روالبندي وقتلت أكثر من 30 شخصا كانوا يؤدون الصلاة في مسجد الجيش ، حسبما ذكرت وكالة«أنباء الشرق الأوسط».
وعدد القتلى المسجل في الحادثة الاخيرة وهو 148 قتيلا بين تلاميذ ومدرسين لا يماثله في السنوات الأخيرة إلا مقتل 150 شخصا في هجوم انتحاري بمدينة كراتشي أثناء الاحتفالات باستقبال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير بوتو إثر عودتها إلى بلادها بعد سنوات قضتها في منفاها الاختياري. وتعرضت بوتو إلى الاغتيال بعد ذلك بوقت وجيز.
لكن حتى عندما أثارت الهجمات السابقة إدانات واسعة وتعهدات بالرد من قبل المسؤولين العسكريين، ظلت المؤسسة العسكرية والاستخبارات الباكستانية تعاني من تناقض شديد حول كيفية التعامل مع القوى المحلية المتشددة.
وأحد الأسباب الرئيسية يكمن في أن تلك الجماعات المتطرفة لعبت دور الوكيل في لعبة التنافس المستمرة بين باكستان والهند، وهي القضية التي تسبب قلقا عميقا لدى قادة الأمن الباكستاني والتي لطالما ينظر إليها على أنها تمثل تهديدا أكبرا بكثير مما يمثله المسلحون المتشددون.
وغالبا ما تتعرض الهجمات الإرهابية للانتقاد الروتيني بأنها من تنفيذ جهات أجنبية مجهولة.
وعلى الرغم من ذلك، ظل الجيش على الدوام مدركا للرأي العام، وحركت مجزرة أول من أمس حالة غير اعتيادية من السخط والاشمئزاز السريع والواسع.
فقد نشرت وسائل الإعلام مشاهد بشعة للأطفال المقتولين على أسرة المستشفيات، وبعضهم لا يزال يرتدي زي المدرسة باللون الأخضر، ومشاهد لبكاء المشيعين الحاملين للنعوش المصنوعة على عجل من خشب الصنوبر خارج المستشفيات في بيشاور.
وقالت هنية صديقي «18 عاما»، التي كانت تتسوق في مدينة كراتشي الساحلية: «اليوم هو أتعس أيام تاريخ بلادنا. لقد حان الوقت لنضبط عقولنا لمحاربة الإرهابيين والقضاء عليهم نهائيا، وليس فقط البكاء والإدانة على الحادث الأليم».
يذكر أن المدرسة المستهدفة مفتوحة للجميع، إلا أن تمويلها يأتي من الجيش الباكستاني، وكثير من الطلاب هم أبناء لعسكريين يقطنون مدينة بيشاور.
بدا أحد الآباء، يدعى طاهر علي، وهو يحمل جثة ابنه عبد الله (14 عاما) في حالة حزن، وقال: «كان ابني يرتدي الزي المدرسي في الصباح.
وهو في النعش الآن. كان ابني هو حلمي.. لقد قتلوا حلمي»، أما برويز خطاك، رئيس وزراء إقليم خيبر باختونخوا، فقال إن مسلحي طالبان بدأوا بإطلاق نار عشوائي عقب دخولهم المدرسة من الباب الخلفي ، وكان أوائل الطلاب المستهدفين يقفون في قاعة لتلقي تدريبات على الإسعافات الأولية، حسبما أفادت الشرطة.