دبي، الإمارت العربية، 17 يناير 2014 ، آسية عبد الرحمن ، جريدة القبس – 

نعود في حلقة جديدة من سلسة “نساء في حياة بن لادن” لنرصد كثيرا من تفاصيل حياة الرجل الأشهر في العالم، والذي ارتبط اسمه بأكثر الأعمال دموية في العالم والتي ما تزال غامضة، فالرجل الذي كان حريصا دائما على الاحتفاظ بأربع زوجات، ويرى أن من يتزوج أربعا يعيش ملكا، لم يختر لنفسه على الأقل ثلاثا من زوجاته الأوائل، بل أوكل المهمة إلى زوجته الأولى وأم أطفاله الكبار والتي تزوجها وهي طفلة في عامها الثاني عشر، وأنجب منها خلال ثلاثة عشر عاما تسعة أولاد.

ولا تخفي نجوى مرارة أن تختار المرأة بنفسها ضرة لها، لن تشاركها زوجها فقط، بل ستشاركها كل حياتها، وبدل أن يكون ما يتبقى من وقت زوجها المشحون بالأعمال والتخطيط لنشاط أكبر تنظيم إرهابي في العالم خاصا بها سيكون يكون مقتسما معا، ولن يمضي وقت طويل حتى ينقص نصيبها بزواج ثالث، ثم بزواج رابع.

لكن تلك الطفلة التي كبرت وهي تعرف حدودها جيدا، استطاعت أن تنتقم من زوجها بطريقتها الخاصة، حين اختارت له زوجات أكبر منه سنا، وأكثر تعليما.

تلك بعض تفاصيل ما ورد في كتاب الكاتبة الفرنسية ديان دوكريه التي سلطت الضوء لأول مرة على تفاصيل حياة نساء أسامة بن لادن، وهو الكتاب الذي تنشره مترجما إلى العربية صحيفة القبس الكويتية.

 

 

◄ حكايات البطولة

كان أسامة أبا منشغلا لكنه غائب عن أسرته، وكان حين يعتدل مزاجه، يجلس إلى أبنائه، ليروي لهم قصصه في جبهة القتال.. لقد كان جديا مع هؤلاء الصغار الذين كانوا يرون فيه صورة العملاق، حيث حدثهم عن إحدى مهماته الصعبة، وكيف تمكن هو وعبدالله عزام من إحباط هجوم بالصواريخ، كانت تشنه المروحيات السوفيتية.

قال أسامة إنه نجح في الهروب والاختباء في كهف في الجبل، غير أن مرافقه سجن، ثم أضاف «هل تعرفون ما الذي جرى فيما بعد؟ لقد حدثت معجزة، لقد أرسل الله صاروخا ثانيا استهدف بالضبط مدخل الكهف الذي كان عبدالله عزام مسجونا فيه، ما مكن هذا الأخير من الخروج عبر فتحة خلفها الانفجار في الكهف.

كان أسامة أقل صبرا على أولاده، مقارنة بزوجته وفي هذا الشأن يقول عمر «لم اسمعه أبدا يصرخ على والدتي او شقيقاته او والدته وبناتها، كما أني لم أره أبدا يضرب امرأة، لقد كان يحتفظ بضرباته لأطفاله».

لقد كان أسامة يعاقب أطفاله برفق عند ارتكاب أي حماقة، فيما كان يمنعهم من استعمال المكيف أو التيار الكهربائي بإسراف، ما دفعهم إلى الاحتجاج على هذه التعليمات التي لم تحرك شيئا في والدتهم.

كان أفراد الأسرة يشعرون بالسعادة فقط حين يقضون فترة في المزرعة التي شيدها أسامة في جدة.. إنها فسيحة جدا وتتكون من عدة أبنية بالإضافة إلى إسطبلات ومسجد.

لقد غرس أسامة هناك المئات من الأشجار، بالإضافة إلى العديد من أنواع النخيل كما أقام واحة اصطناعية، زرع فيها القصب والنباتات المائية.

 

◄ الزواج بثانية

كانت نجوى تنتظر طفلها الخامس، حين ابلغها أسامة بنيته الارتباط بثانية، ما زاد من مخاوفها ودفعها إلى التساؤل، عما إذا كان فعلا سعيدا معها، مثلما هي سعيدة معه.

اتفق أسامة على مقاعد جامعة الملك عبدالعزيز مع صديقه وصهره القادم جمال خليفة على الزواج مرة ثانية، وفي البيت حاول أن يقنع نجوى بذلك، وبعد أشهر من النقاش برر نيته الزواج بثانية برغبته في إنجاب المزيد من المؤيدين.

ارتبط أسامة بامرأة سعودية تدعى خديجة شريف، وهي امرأة تنتمي إلى عائلة محترمة يعود نسبها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. تكبر العروس أسامة بتسع سنوات، وكانت قد تلقت تعليما يسمح لها بالتدريس في مدرسة للبنات في جدة، غير أن نجوى لم تكتشف وجه من ستصبح ضرتها فورا، لان أسامة لم يدعها لحفل الزفاف، فيما خصص شقة للزوجة الجديدة داخل البناية الكبيرة التي تقيم فيها نجوى أيضا.

أما المفاجأة الثانية التي كانت بانتظار نجوى فتخص أملاك زوجها، حيث قرر أسامة تطبيق الشريعة الإسلامية والعدل بين زوجتين في الحب والوقت والمال.

تحول القبول بزوجة ثانية إلى ندم، خاصة بعد أن تكرر غياب أسامة أياماً، لذلك لم يكن أمام نجوى سوى حل واحد ألا وهو الاتفاق مع المرأة التي أصبح أطفالها ينادونها بـ«الخالة» وهكذا أصبحت السيدتان تلتقيان يوميا بسبب الوحدة، وصارتا تتناولان الأكل معاً.

ويبدو أن مجيء هذه «الصديقة» كان كرما من الله، ذلك أن أسامة قرر اتخاذ القرار الذي كانت تنتظره نجوى منذ سنوات عدة، فأخيرا سيصطحب أسامة عائلته إلى باكستان.

 

◄ اكتشاف المجهول

في عام 1983 استقل جميع أفراد العائلة الأولاد وأسامة ونجوى وخديجة الطائرة المتجهة إلى بيشاور، وهكذا تمكنت نجوى من اكتشاف هذا المكان المجهول، الذي يحتجز زوجها لعدة شهور في السنة منذ أربعة أعوام.

التحقت نجوى بفيلا أسامة، بعد أن ألقت نظرة على معسكر اللاجئين البشتون القادمين من أفغانستان، ثم قضت هي وخديجة أشهر الصيف الثلاثة في باكستان، دون ان تتمكنا من معرفة الأشخاص الذين يخالطهم أسامة.

كان على العائلة أن تعود إلى جدة بسبب استئناف الدراسة، لذلك قرر أسامة أن يعود الجميع خلال عطلة الصيف، غير أن رحلة العودة هذه المرة كانت مزعجة للغاية، بالنسبة لنجوى التي كانت تشعر بالتعب بسبب حملها السادس.

 

◄ الزواج بثالثة

أنجبت نجوى ذكرا آخر، لكن مفاجأتها كانت هذه المرة اكبر، ذلك أن أسامة قرر الزواج بثالثة وكان عليها أن تختارها: «كان قلبي يحثني على اختيار عروس له، عسى أن يكبر حبه لي بذلك».

وهكذا وقع اختيار نجوى على سعودية تدعى خيرية صبار، حاصلة على دكتوراه في علم نفس الأطفال والتعليم من جامعة الملك عبد العزيز، قسم البنات في جدة.

اختارت نجوى أن تكون العروس أكبر سنا من أسامة، حيث كانت خيرية عزباء في الخامسة والثلاثين من عمرها، وتكبر أسامة بـ7 أعوام، وتقول نجوى «منذ أول وهلة رأيت فيها وجهها الجميل، أحببتها».

قادت نجوى مفاوضات مع عائلة خيرية لمصلحة أسامة، انتهت بالاحتفال بالخطبة.

في عام 1985 كانت الزوجات الثلاث والأطفال السبعة يقيمون جميعهم في بناية أسامة، التي كانت تضم أيضا خدما وطباخين وسائقين من الفلبين وسريلانكا ومصر وافريقيا واليمن.. لقد كانت تلك البناية تشبه مقرا صغيرا للأمم المتحدة، أمينه العام هو أسامة.

ورغم ارتباط أسامة بسيدتين أخريين، فإن نجوى احتفظت بمكانة الملكة والسيدة الأولى، ورغم ذلك تقول انها لم تشعر أبدا بأنها أكثر شأنا من خديجة وخيرية «لقد أصبحن صديقاتي ولم يكن هناك أي صراع بيننا».

 

◄ العروس الرابعة

لكن هذا الوضع لم يستمر على ما هو عليه، ففي عام 1986 رفضت خيرية أن يتزوج أسامة برابعة، مما دفعه هذه المرة إلى طلب تدخل نجوى التي اختارت له العروس.

كانت هذه العروس، التي تدعى سهام صبار، أستاذة لغة عربية وشقيقة زميل له في أفغانستان.. إنها هادئة ومرتبة وتنحدر من المدينة المنورة، هذه المدينة المقدسة التي يحبها أسامة كثيرا.

انتقلت سهام للعيش في بناية أسامة مع عائلته، والى غاية ذلك الوقت لم يخلف سيد البيت الوعد الذي قطعه لجمال خليفة، وهو أن يعدل بين زوجاته، حيث كانت كل واحدة في شقتها وتعيش مثلما تحب.

 

◄ عبدالله عزام.. والمكيف

كان عبدالله عزام، الذي التقاه أسامة بن لادن في السابق في الولايات المتحدة، في ذلك الوقت في بيشاور، وقد أتى إلى جدة لزيارة صديقه.

يقول عبدالله عزام «لقد كان أسامة بن لادن يعيش حياة الفقراء، لم أر أبدا عنده طاولة او كرسيا، لكن في الوقت ذاته إن طلبت منه مليون ريال، لن يتأخر في توقيع الشيك على الفور».

لم يتقبل الضيف بعض سلوكيات بن لادن، فراح يسأله «إن كنت تملك مكيفا، فلم لا تستخدمه؟.. لقد شعر عزام بالضجر بسبب الحرارة في المملكة العربية السعودية، مما دفع أسامة إلى تلبية طلبه.

حل فصل الصيف، وحان معه وقت الذهاب إلى بيشاور بالنسبة لعزام، الذي أصبح شعاره «الجهاد والبندقية فقط، لا ندوات ولا مفاوضات ولا حوار».

هناك أصبح القتال يمثل بالنسبة لعبدالله عزام ما يمثله الماء للسمك وفق زوجته أم محمد، التي تقول «لقد أخذني معه إلى الجهاد، وتركني في الخلف في بيشاور. كنا نعيش مثل عائلة واحدة، والنساء الأخريات كن يعتبرنني مثل والدتهن».

لقد طلب عبدالله عزام يدها حين كانت في الثانية عشرة من عمرها، حين كان طالبا في كلية الشريعة في دمشق. فمن أصبح القائد الروحي لبن لادن، متعود على الحياة الصعبة، وعلى جبال أفغانستان، لقد كان يتناول الخبز في الغالب ووجبة واحدة في اليوم، بينما لا يملك سوى بنطالين. وتقول زوجته «كان يرتدي واحدا بينما اغسل الثاني، ورغم كل هذا كان دوما نظيفا ومرتبا».

وعلاوة على الحرمان الذي كانت تفرضه الحياة في المعسكر بالنسبة إلى عائلات المقاتلين، الا أن الزوجات كن يتقن التصرف «لم أر أبدا أختا في باكستان تعبر عن شعورها بالحزن في تلك الفترة».

كانت السيدة عبد الله عزام، ونجوى بن لادن لا تتقاسمان الحماسة ذاتها، وان كانت نجوى سعيدة بتواجدها في باكستان، ولقاءها السيدة التي كانت تلتقيها في جدة، الا أنها تعودت بصعوبة على تردد العديد من الجنود على بيتها، وكان عبارة عن بيت كولونيالي قديم يتكون من طابق واحد، ويقع في حي الجامعة الفخم.

 

◄ الظواهري وثروة أسامة

في ذلك العام أي في 1986 زار رجل جديد البيت، ويتعلق الأمر بأيمن الظواهري. فهذا الجراح المصري رافق بن لادن وعزام في حملة الصيف، تاركا زوجته في بيشاور.

سعى الظواهري منذ استقراره في بيشاور الى التقرب من أسامة، واعترف علنا بأن مستقبل الحركة بين يدي من وصفه «بمبعوث السماء».

لقد تكمن الظواهري من ايجاد وسيلة جعلت منه شخصا ضروريا ومهما بالنسبة إلى أسامة بن لادن، ويقول مقرب منه «كان أسامة يعاني من انخفاض في الضغط الدموي ومن دوار، أجبراه على البقاء طريح الفراش، فيما كان الظواهري يأتي لعلاجه».

لقد نجح الظواهري في فرض رجال يثق فيهم في أماكن حساسة، كما استقطب اهتمام أسامة الذي كان يمثل قوة مالية كبيرة، فيما زادت الخلافات بين بن لادن وعزام.

قرر بن لادن بنصيحة من الظواهري انشاء فرقة تهتم بقيادة الحرب المقدسة في الخليج ومصر، غير أن الشيخ عبد الله عارض الفكرة وحاول منعه من عزله، لكن الظواهري حاول في النهاية تشويه سمعة عزام، واتهمه بالتجسس لمصلحة الاميركيين، مما دفع بن لادن الى الميل أكثر فأكثر الى جانب المتطرف المصري.

وتقول السيدة عزام «لقد تغير موقف الشيخ، لقد كان يحب أسامة كثيرا ويصفه بالشخص الجيد.. لقد قطعنا كل علاقة معه بعد هذا».

وبهذا الشكل خلت الساحة للظواهري الذي رزقت زوجته في ذلك العام بمولود في بيشاور، ليتحول الظواهري الى أب مسؤول عن عائلة.

وان كانت أم محمد غير مرحب بها في بيت بن لادن، فان امرأة اخرى حلت محلها، وليست سوى السيدة الظواهري وتدعى عزة نوير.

كان الظواهري يقترب من الثلاثين حين حصل على شهادة في الطب في عام 1974، لذلك كان يجب عليه الزواج، وكان من بين المرشحات للزواج به، فتاة تدعى عزة، وتنتمي الى عائلة كبيرة في القاهرة ووالداها محاميان.

 

 

 

أسامة والأطفال

 

كانت اللعب ممنوعة في البيت، لذلك أهدى أسامة لأطفاله مجموعة من الماعز، فيما جلب لهم في احد الأيام صغير غزال، الأمر الذي أزعج نجوى، التي منعت أطفالها من إدخاله للبيت، لكنهم فعلوا ذلك وادخلوه عبر النافذة.

وتعد كرة القدم من أندر الألعاب التي تُليّن الأب الصارم، وعن ذلك يقول عمر «أتذكر جيدا اليوم الذي جلب فيه كرة للبيت.. لقد شعرت بصدمة، وكان ذلك واضحا لدرجة انه ابتسم.. لقد اعترف لنا بأنه مولع بكرة القدم وأنه سيلعب معهم، أنى يسنح له الوقت».

وأما اللعبة الأخرى التي كان يحبها أسامة فهي لعبة الريكبي، التي تسببت في أحد الأيام بإصابة كتفه الأيمن بعد أن سقط أرضا، حيث نقل للمستشفى وأجبر على أخذ حقن كورتيزون، والخضوع لإعادة تأهيل لمدة ستة أشهر بعيدا عن باكستان. كانت نجوى تفضل بقاء زوجها إلى جانبها غير أن الأطفال، كان لهم رأي آخر. ويقول عمر في هذا الشأن «لم يرغب أشقائي في ذلك، لأنهم لا يتحملون بقاء والدنا أكثر في جدة، كانوا يرغبون في أن يغادر الى باكستان».. وهو بالفعل ما قام به أسامة بعد فترة، لكنه وعد هذه المرة نجوى بمرافقته.

وفيما عدا موضوع أفغانستان، كانت نجوى سعيدة للغاية مع أسامة «لقد أوضح لي موقفه بأنه سعيد معي» رغم أن مفاجأته القادمة ستكون قاسية جدا عليها، فأسامة لن يجلب إلى البيت غزالا صغيرا وإنما امرأة اخرى ستقاسمها زوجها.

 

في الحلقة القادمة نتابع كيف كان الملياردير يحرم أطفاله حتى من شرب الماء