هذا ما يقوله البروفيسور المتخصص بعلم الآثار والحفريات في جامعة تكساس ديفيد ستيوارت لتهدئة أعصاب الخائفين ولدحض خرافة نهاية العالم التي طلع بها عدد من الذين أساءوا قراءة وفهم تقويم قديم لشعب المايان في أميركا الجنوبية يعود إلى القرن التاسع الميلادي.

قبل سنوات كان عدد من خبراء الآثار يبحثون في بقايا مدينة قديمة لشعب المايان في مناطق الغابات المطيرة في غواتيمالا، فعثروا على ما يعرف اليوم بأقدم تقويم لهذا الشعب، وهو جدارية تحمل عبارات أشبه باللغة الهيروغليفية، بالإضافة الى رسومات باللونين الأسود والأحمر يظهر فيها ملك تحيط به حاشيته.

يقول الخبراء إن تقويم المايان لا يشبه التقويم الذي نعرفه فهو مجموعة كبيرة من الخطوط والنقاط.. الخطوط تمثل العدد خمسة أما النقاط فتمثل العدد واحد، وذلك لتسجيل الدورة القمرية لفترات تستمر كل منها ستة أشهر.

لم تكن هذه الخطوط والنقاط ما أثار انتباه الباحثين الذين عثروا على الجدارية التي يبلغ عرضها خمسة أمتار بارتفاع ثلاثة أمتار تقريباً كما يقول البروفيسور من جامعة بوسطن وليام ساتورنو الذي كان يحاول رسم خارطة لمدينة زولتون القديمة الواقعة في شمال شرق غواتيمالا.

وكانت هذه المدينة قد اكتشفت عام 1915 لكن العلماء لم يتوصلوا يومها لكشف أكثر من واحد في المائة من أسرارها. وقد تعرضت المدينة لموجات متلاحقة لسرقة كنوزها واستمرت عمليات السرقة حتى سبعينات القرن الماضي مما أدى الى ضياع ثروة هائلة كان يمكن أن تكشف الكثير عن حضارة المايان ومدى ما وصل إليه علماء هذا الشعب من تقدم في مختلف المجالات.

يقول هذا البروفيسور إن أحد مساعديه لفت نظره إلى وجود ما يشبه الخندق الذي تظهر في نهايته أطراف لوحة قديمة.

يومها كتب ساتورنو مقالاً في المجلة العلمية يقول إنه ليس لديه ما يقوله عن الاكتشاف الجديد فمن الواضح أن الرطوبة الشديدة في الغابات المطيرة قد أضعفت ألوان اللوحة.. أو على الأصح اللونين الوحيدين فيها وهما الأحمر والأسود، وبالتالي ليس في الإمكان فهم الكثير من هذه الكتابات.

ومع ذلك شعر كما قال في وقت لاحق أن من واجبه الاستمرار في البحث من أجل تقديم أجوبة مقنعة عن الأسئلة الكثيرة التي سيثيرها المتخصصون. وهذا يعني مواصلة الحفريات حول طرف الجدارية من أجل الوصول إلى الغرفة أو القاعة التي حاول اللصوص الوصول إليها ولم يفلحوا.

جدارية وذهول
يقول عالم الآثار إنه أصيب بالذهول حين اكتملت الحفريات وظهرت جدارية في غاية الجمال والاتقان.. ملك المايان يجلس على عرشه ويضع تاجاً ملوناً بالأحمر على رأسه وينتشر الريش الأزرق حوله، وخلف الملك يظهر شخص كأنه يحاول الظهور في الرسم.

على الجدار المجاور يبدو ثلاثة أشخاص جالسين وقد ارتدى كل منهم ما يشبه المئزر واعتمر قبعة من القش.. وتحت الرسم عبارة : الأخ الكبير أوبسيديان.. أو: ذو المرتبة الرفيعة أوبسيديان.. أما من هو أوبسيديان فتلك هي المشكلة التي يحاول علماء الآثار والتاريخ حل طلاسمها.

لاحظ البروفيسور ساتورنو وزملاؤه وجود شخص يرتدي زياً برتقالياً يجلس إلى جانب الملك قالوا إنه ربما يمثل أحد الكتبة في البلاط الملكي فقد كان يزين معصمه بالأساور ويحمل قلماً في يده.. وتحت الكاتب توجد عبارة: الأخ الصغير أوبسيديان، أو ربما: ذو المرتبة البسيطة أوبسيديان.

اكتشاف التقويم
على الرغم من كل هذه الاكتشافات الرائعة يقول ساتورنو إن الرسومات التي تغطي الجدارين الغربي والشمالي للقاعة لم تكن المفاجأة الوحيدة، فعلى الجدار الشرقي رسومات تشبه كتابات اللغة الهيروغليفية تبين للباحثين في وقت لاحق أنها تقويم. يقول الخبراء إن من الواضح أن التقويم أضيف إلى الجدارية بعد الانتهاء من رسمها فبعض أرقام التقويم تغطي الشخصيات المرسومة على الحائط.

هنا يطرح الخبراء نظرياتهم حول هذا التقويم، لكن النظرية الأكثر ترجيحاً تشير إلى أن أحد الكتبة تعب من كثرة المعلومات المطلوب منه تذكرها بشأن أحوال الطقس والفصول وعلم الفلك ومواقع النجوم فكتب المعلومات الأكثر أهمية فوق رسومات الجدارية لتكون في متناول يده حين يريدها كما يقول البروفيسور ديفيد ستيوارت.

حضارة عريقة
من المعروف أن لشعب المايان حضارة عريقة لا تقل عن حضارة الفراعنة والفينيقيين فقد عرفوا التحنيط وأتقنوه كما بنوا أهرامات لا تزال حتى يومنا هذا.. وضعوا تقاويم لمواسم المطر والحصاد على الأرض وتقاويم لمواقع النجوم على مدار العام ولحركة القمر والشمس، وربما المريخ والزهرة أيضاً.

دورات الزمن
في التقويم المثير للجدل قسم المايان الزمن إلى دورات متتابعة تتألف كل منها من أربعمائة عام تسمى «باكتون». وهذه الدورات هي التي أدت الى خرافة نهاية العالم أو كارثة يوم القيامة التي ستحل يوم 21 ديسمبر 2012 ففي هذا التاريخ تكتمل الدورة الثالثة عشرة حسب هذا التقويم.

الحقيقة مختلفة تماماً فهناك سوء فهم كبير إذ ان التقويم لا يشير من قريب أو من بعيد إلى نهاية العالم، فخبراء المايان لم يقولوا إن العالم سوف ينتهي في ذلك التاريخ، ولم يقولوا إن اكتمال الدورة الثالثة عشرة لتقويمهم يعني نهاية العالم، بل ان الحادي والعشرين من ديسمبر يمثل نهاية دورة وبداية دورة جديدة، وأن التقويم الكامل يشمل وحدات زمنية أكبر من «الباكتون».

المساحة محدودة
يقول علماء الآثار والتاريخ الذين تصدوا لدراسة تقويم المايان المثير للجدل إن الجدار المستخدم لرسم التقويم ليس بالمساحة الكافية لرسم كل الدورات الزمنية، فاكتفى الرسام بثلاث عشرة دورة ولو كان الجدار أكبر لأكمل الرسام عمله ورسم دورات أخرى، ولذلك لا يجوز الوقوف عند هذه النقطة والقول إن نهاية الدورة الثالثة عشرة تعني نهاية العالم.

يدلل أصحاب هذه النظرية بالقول إن عالماً آخر رسم في إحدى زوايا الجدارية تقويماً يتألف من سبعة عشر «باكتون» مما يعني أنه لا يزال أمام العالم ألف وستمائة عام كما يقول هؤلاء، في حين تم العثور على تقويم ثالث يتألف من 24 دورة.

الكثير من الأسرار
أعرب عدد كبير من المتخصصين بآثار شعب المايان عن اعتقادهم بأن الغرفة التي تم العثور فيها على الجداريات والتقويم كانت جزءاً من مبنى يضم العديد من الغرف التي تحمل الكثير من أسرار حضارة المايان لكن المبنى تهدم ولم يبق منه سوى هذه الغرفة.

يقول هؤلاء إن علماء المايان الذين أساءهم تهدم المبنى ملأوا الغرفة الوحيدة المتبقية بالحجارة والرمال على أمل أن تساعد خطوتهم هذه في تدعيم أساسات الغرفة وجدرانها من الانهيار في المستقبل وهذا بالضبط ما حدث فقد تم العثور عليها وقد ملأتها الحجارة والرمال.

لم يكتفوا بملء الغرفة بالحجارة والرمال بل أقاموا فوقها مبنى جديداً لكنه هو الآخر لم يقو على مقاومة الزمن فتهدمت معظم أجزائه.

يقول البروفيسور ستيوارت إن من المؤكد أن الشخصيات التي عاشت في هذا المبنى كانت من طبقة النبلاء أو من العلماء المتخصصين في الرياضيات والفلك.

كنوز التاريخ
يضيف: من الواضح أن ملوك المايان كانوا يولون الكثير من الاهتمام للحصول على جداول بأوقات المد والجزر على الشواطئ وأوقات المطر والفيضانات وأوقات الحصاد بالإضافة الى حركة القمر والنجوم.. كانت هذه المعرفة جزءاً من أعمالهم اليومية، لكن لسوء الحظ كما يقول البروفيسور ستيوارت لم يرد أي ذكر لأسماء الملوك في الجداريات أو في التقويم.

يختم البروفيسور ساتورنو بالقول إن الأبحاث لا تزال في بداياتها ومن المؤكد أن العلماء والدارسين سيجدون الكثير من كنوز التاريخ مما لم يكن أحد يتصور العثور عليه، فغابات غواتيمالا ومناطق المايان تخفي الكثير من الأسرار.

استعدادات من فرنسا إلى أميركا الجنوبية
على الرغم من تأكيد كبار الخبراء والمتخصصين أن ما يقال عن انتهاء العالم يوم 21 ديسمبر المقبل لا أساس له من الصحة، فقد بدأت السلطات في العديد من دول أميركا الجنوبية بالإضافة الى فرنسا تستعد لليوم الموعود، ولو أن هذه الاستعدادات تختلف من دولة الى أخرى.

ففي فرنسا أغلقت السلطات كل الطرق المؤدية إلى قمة جبل «بيك دو بوغاراس» في جنوب غرب البلاد أمام الطامحين بالحصول على ملجأ في واحد من الأماكن القليلة في العالم التي يقال انها ستنجو من الكارثة!

يؤمن أصحاب نظرية نهاية العالم أن قمة الجبل المذكور سوف تفتح يوم 21 ديسمبر لتظهر منها مخلوقات فضائية مع سفينتهم التي ستنقذ الموجودين في المنطقة المحيطة بالقمة من الهلاك!

إيريك فريسيلينارد أكبر مسؤول حكومي في المنطقة أعلن أنه قرر إغلاق كل المداخل المؤدية إلى قمة الجبل من أجل تجنب الازدحام المتوقع من جانب المؤمنين بنظرية نهاية العالم ومن جانب الفضوليين والمتفرجين ومندوبي وسائل الإعلام الذين سيتدفقون على المنطقة.

مناسبة سياحية
لكن الأمر مختلف تماماً في العديد من دول أميركا الجنوبية حيث يتحدر ملايين السكان من أصول تعود لشعب المايان، ففي بيليز وغواتيمالا والمكسيك تستعد مئات الشركات السياحية لتنظيم احتفالات بالمناسبة.

في بيليز هناك احتفال ضخم سيقام تحت عنوان: انقلاب الشمس الصيفي.. في الشتاء، من المقرر أن يستمر سبعة أيام بلياليها تبدأ في الحادي والعشرين من ديسمبر. يتضمن الاحتفال عروضاً فنية وعروضاً للأزياء التقليدية لشعب المايان كما سيتم حفر أسماء الضيوف على مسلة حجرية عملاقة أقيمت وسط منتجع «شاءاغريك» بهدف إغراء السياح على زيارة المنطقة للاطلاع على حضارة المايان.

فجر جديد
في غواتيمالا، أخذ المكتب الوطني للسياحة على عاتقه تنظيم عشرات الاحتفالات بالمناسبة تحت عنوان: فجر جديد للإنسانية.. لكن أكبر هذه الاحتفالات وأضخمها سيقام يوم 21 ديسمبر في مدينة «تيكال» وهي المدينة الرئيسية لشعب المايان. ومن المقرر أن يحيي هذا الحفل الفني الكبير عدد من كبار نجوم الغناء في العالم ومنهم إلتون جون وبروس سبرينغستين بالإضافة الى فرقة «يو – تو».

في المكسيك، ستشن وزارة السياحة يوم 21 ديسمبر حملة إعلانية ضخمة بعنوان: عالم المايان 2012 بهدف تشجيع السياح على زيارة المناطق الجنوبية من البلاد حيث بنى شعب المايان العديد من المدن الكبيرة. وفي منطقة كانكون السياحية الشهيرة، افتتح المركز الوطني لعلوم أصل الإنسان متحفاً مخصصاً لحضارة المايان وتاريخ هذا الشعب.

أقدم تقويم
يقول المتخصصون إن تقويم المايان يمثل أقدم تقويم يتم العثور عليه حتى الآن لأن التقويم الفلكي الذي كان يعتقد أنه الأقدم حين العثور عليه في دريسدن بألمانيا يعود إلى القرن الحادي عشر أو الثاني عشر. ويرجح هؤلاء أن يكون التقويمان جاءا من مصادر قديمة ومتطابقة نوعاً ما على الرغم من بعد المسافة بين ألمانيا وغواتيمالا.
القبس