نتنياهو يأمر بخطة لإجلاء المدنيين من رفح … فكيف كانت ردود الفعل؟

أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جيشه الجمعة بإعداد “خطّة لإجلاء” المدنيّين من رفح، وسط خشية لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة من هجوم محتمل لإسرائيل على هذه المدينة التي تُشكّل ملاذا أخيرا للنازحين من الحرب في قطاع غزّة.

وأفاد مكتب نتنياهو في بيان بأنّه “يَستحيل تحقيق هدف الحرب دون القضاء على حماس وترك أربع كتائب لحماس في رفح. على العكس، من الواضح أنّ أيّ نشاط (عسكري) كثيف في رفح يتطلّب أن يُخلي المدنيّون مناطق القتال”.

وأضاف البيان “في هذا السياق، أمر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو القوّات والمسؤولين الأمنيّين الإسرائيليّين بتقديم خطّة مركبة لإجلاء السكّان والقضاء على كتائب حماس” وذلك في المدينة التي تُمثّل الملاذ الأخير للنازحين الهاربين من الحرب في القطاع الفلسطيني المحاصر.

"رفح" تحت المجهر.. بين الملاذ الأخير للنازحين وطموحات القضاء على حماس

وبعد أكثر من أربعة أشهر على اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر، باتت رفح القريبة من الحدود مع مصر، والتي تؤوي أكثر من مليون نازح فرّوا من الدمار والمعارك في باقي مناطق القطاع، محور الترقّب بشأن المرحلة المقبلة.

وحذّرت الولايات المتحدة، أبرز داعمي إسرائيل سياسيا وعسكريا في الحرب، من وقوع “كارثة” في رفح. وقال نائب المتحدّث باسم الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل الخميس إنّ واشنطن “لم ترَ بعد أيّ دليل على تخطيط جاد لعمليّة كهذه”، محذّرا من أنّ “تنفيذ عمليّة مماثلة الآن، دون تخطيط وبقليل من التفكير في منطقة” نزح إليها مليون شخص، “سيكون كارثة”.

وبعد ساعات، وجّه الرئيس جو بايدن انتقادا ضمنيا نادرا إلى إسرائيل. وقال إن “الردّ في غزّة… مُفرط”، مؤكّدا أنّه بذل جهودا منذ بدء الحرب لتخفيف وطأتها على المدنيّين.

"رفح" تحت المجهر.. بين الملاذ الأخير للنازحين وطموحات القضاء على حماس

وأنهى وزير الخارجيّة الأمريكي أنتوني بلينكن الخميس جولة إقليميّة هي الخامسة له منذ اندلاع الحرب، سعى خلالها للدفع في اتّجاه هدنة طويلة تُتيح الإفراج عن الرهائن المحتجزين في قطاع غزة وإيصال مزيد من المساعدات. وتُواصل واشنطن العمل للتوصّل لصيغة اتفاق بالتعاون مع الدوحة والقاهرة.

ودانت الرئاسة الفلسطينيّة الجمعة بشدّة تصريحات نتنياهو حول “خطط مواصلة العدوان الإسرائيلي في رفح”.

وقالت الرئاسة الفلسطينيّة في بيان إنّ هذا “يُشكّل تهديدا حقيقيا ومقدّمة خطيرة لتنفيذ السياسة الإسرائيليّة المرفوضة التي تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه”.

وعبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن “قلقه” إزاء هجوم على رفح، محذرا من “تداعيات إقليميّة لا تُحصى”. ورأى أنّ “عملا مماثلا سيزيد في شكل هائل ما هو أصلا كابوس إنساني”.

"رفح" تحت المجهر.. بين الملاذ الأخير للنازحين وطموحات القضاء على حماس

وقال فيليب لازاريني، المفوّض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، الجمعة إنّ “هناك شعورا بالقلق” في رفح لأنّ الفلسطينيّين الذين تضيق بهم المدينة “لا يعلمون البتّة إلى أين يمكن أن يذهبوا”.

من جهته، أعلن مسؤول السياسة الخارجيّة في الاتّحاد الأوروبّي جوزيب بوريل الجمعة أنّ الخطّة الإسرائيليّة لمهاجمة رفح “تثير القلق”، مضيفا أنّ “هذا الأمر ستكون له تداعيات كارثيّة، تُفاقم الوضع الإنساني الكارثي أصلا، (فضلا عن) خسائر لا تُحتمل في صفوف المدنيّين”.

ويجتمع وزراء خارجيّة فرنسا ستيفان سيجورنيه وألمانيا أنالينا بيربوك وبولندا رادوسلاف سيكورسكي الاثنين قرب باريس لمناقشة الوضع في الشرق الأوسط.

“لا مكان للذهاب إليه”

أفاد شهود وكالة فرانس برس بتسجيل غارات جوّية مكثّفة ليل الخميس الجمعة في وسط قطاع غزّة وجنوبه.

وقال أحد سكّان رفح ويدعى جابر البرديني (60 عاما) “سمعنا دويّ انفجار قويّ قرب منزلنا، عثرنا على طفلين ميّتين في الشارع”.

وأضاف “إذا شنّت (إسرائيل) هجوما (برّيا) على رفح، سنموت في منازلنا. ليس لدينا خيار، ليس لدينا أيّ مكان للذهاب إليه”.

"رفح" تحت المجهر.. بين الملاذ الأخير للنازحين وطموحات القضاء على حماس

وأوضح موظّف في الأونروا طلب عدم كشف اسمه “لاحظنا في الأيّام الأخيرة أنّ النازحين يفضّلون النزوح من المناطق الشرقيّة الجنوبيّة في رفح باتّجاه المناطق الغربيّة… يعتقدون أنّ أيّ اجتياح سيبدأ من شرق رفح”.

اندلعت الحرب في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر عقب هجوم غير مسبوق شنّته حماس على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل أكثر من 1160 شخصا، معظمهم مدنيّون، حسب حصيلة أعدّتها وكالة فرانس برس تستند إلى أرقام رسميّة إسرائيليّة.

كذلك، احتُجز في الهجوم نحو 250 رهينة تقول إسرائيل إنّ 132 بينهم ما زالوا محتجزين في غزّة، و29 منهم على الأقلّ يُعتقد أنهم قُتلوا، حسب أرقام صادرة عن مكتب نتنياهو.

وتردّ إسرائيل بحملة قصف مركّز أتبعتها بهجوم برّي واسع في القطاع، ما أسفر عن مقتل 27940 شخصا غالبيّتهم نساء وأطفال، حسب أحدث حصيلة لوزارة الصحّة التابعة لحماس.

وقالت الوزارة إنّ 107 فلسطينيّين على الأقلّ قتلوا في القصف الجوّي الإسرائيلي، خصوصا في رفح وخان يونس، خلال الساعات الأخيرة.

وأعلن الجيش الإسرائيلي الجمعة عن معارك دارت الخميس في مختلف أنحاء قطاع غزّة، مشيرا إلى أنّ 15 “إرهابيا” قتلوا خصوصا في خان يونس.

“صعبة للغاية”

في موازاة المسار العسكري، تستمرّ الجهود الدبلوماسيّة لوقف الحرب.

وبدأت في القاهرة الخميس مباحثات جديدة تقودها مصر وقطر سعيا إلى اتّفاق تهدئة بين حماس وإسرائيل، بعد رفض الأخيرة مقترحات للحركة بشأن هذا الاتّفاق في وقت سابق هذا الأسبوع.

"رفح" تحت المجهر.. بين الملاذ الأخير للنازحين وطموحات القضاء على حماس

وأكّد مسؤول قريب من حماس لفرانس برس الخميس أنّ الحركة ما زالت ترغب في مناقشة وقف النار بعد رفض إسرائيل مقترحاتها الأوليّة.

وتوقّع أن تكون “المفاوضات معقّدة وصعبة جدا، لكنّ حماس منفتحة على النقاشات وحريصة على التوصّل لوقف العدوان ووقف دائم لإطلاق النار وإعادة إعمار قطاع غزّة”.

وحذّر خبراء بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة الجمعة من أنّ عمليّات قتل نفّذها عملاء إسرائيليّون سرّيون مزعومون في مستشفى بالضفّة الغربيّة المحتلة الأسبوع الماضي يُمكن أن تشكّل جرائم حرب، داعين إلى إجراء تحقيق.

وقال خمسة خبراء مستقلّين في بيان إنّ “عمليّات القتل خارج نطاق القانون التي نفّذتها إسرائيل على ما يبدو بحقّ ثلاثة فلسطينيّين في مستشفى بمدينة جنين الشماليّة في 29 كانون الثاني/يناير قد ترقى إلى مستوى +انتهاكات جسيمة+ للقانون الدولي”.

إلى ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي أنّ حوإلى 30 صاروخاً أُطلِقت ليل الخميس الجمعة من لبنان باتّجاه شمال الدولة العبريّة بُعيد ساعات على إصابة قيادي عسكري في حزب الله بجروح خطرة في ضربة جوّية إسرائيليّة استهدفت سيّارته في مدينة النبطيّة بجنوب لبنان.

وقال متحدّث باسم الجيش “بوسعنا أن نؤكّد أنّ نحو 30 صاروخا أطلِقت من لبنان باتّجاه منطقتَي عين زيتيم ودالتون في شمال إسرائيل”، مؤكّدا عدم تسجيل “إصابات بشريّة”.

"رفح" تحت المجهر.. بين الملاذ الأخير للنازحين وطموحات القضاء على حماس

وأتى القصف بعيد تأكيد الجيش أنّه شنّ الخميس ضربة جوّية استهدفت “قياديا” عسكريا في حزب الله، يتّهمه بالضلوع في الهجمات على إسرائيل منذ اندلاع حرب غزّة.

وأعلن حزب الله الجمعة أنّه أطلق عشرات الصواريخ على موقع للجيش الإسرائيلي في الجولان السوري الذي تحتلّه الدولة العبريّة.

وقال حزب الله في بيان إنّ مقاتليه استهدفوا “عند الساعة 5,50 من مساء يوم الجمعة… ثكنة كيلع التابعة لجيش العدوّ الصهيوني في الجولان السوري المحتلّ بعشرات صواريخ الكاتيوشا”.

في الغضون، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنّ إسرائيل شنّت ضربات جوّية استهدفت “مبنى سكنيا” غرب العاصمة السورية فجر السبت، في حين ذكرت وسائل إعلام رسمية أنّ الدفاعات الجوّية السوريّة تصدّت لـ”هجوم جوّي” إسرائيلي.

وتحدّث المرصد الذي يتّخذ بريطانيا مقرا ولديه شبكة واسعة من المصادر داخل سوريا، عن سماع دويّ “انفجارات عنيفة” بما في ذلك في منطقة الديماس في محافظة دمشق.

إلى ذلك، شدّد وزراء خارجيّة السعوديّة وقطر والإمارات والأردن ومصر، على ضرورة اتّخاذ خطوات “لا رجعة فيها” لإقامة دولة فلسطينيّة، خلال اجتماع عقدوه ليل الخميس في السعودية.

وأفاد وكالة فرانس برس مصدران دبلوماسيّان مطّلعان على التحضيرات للاجتماع، بأنّ الهدف منه كان صياغة موقف عربي موحّد بشأن الحرب.

وأكّد المجتمعون “ضرورة إنهاء الحرب على قطاع غزّة والتوصّل إلى وقف فوري وتام لإطلاق النار، وضمان حماية المدنيّين وفقا للقانون الإنساني الدولي، ورفع كلّ القيود التي تعرقل دخول المساعدات الإنسانيّة إلى القطاع”، وفق وكالة “واس” السعوديّة الرسميّة.

وسط هذه التطوّرات، خفّضت وكالة موديز الأمريكية الجمعة، التصنيف الائتماني لإسرائيل بدرجة واحدة، من A1 إلى A2، بسبب تأثير النزاع المستمرّ الذي تخوضه مع حماس في غزّة.

"رفح" تحت المجهر.. بين الملاذ الأخير للنازحين وطموحات القضاء على حماس

وقالت موديز في بيان إنّها فعلت ذلك بعد تقييم لها بيَّنَ أنّ “النزاع العسكري المستمرّ مع حماس وتداعياته وعواقبه الأوسع نطاقا يزيد في شكل ملموس المخاطر السياسيّة لإسرائيل ويُضعِف أيضا مؤسّساتها التنفيذيّة والتشريعيّة وقوّتها الماليّة في المستقبل المنظور”.