فتنة حزب التحرير أقدم من القاعدة وداعش، والآن اكتشفت هيئة تحرير الشام مدى خطورتها

تشهد بعض قرى مدينة إدلب اضطرابات أمنية بدأت منذ شهرين تقريبا نتيجة مظاهرات يقودها حزب التحرير ضد هيئة تحرير الشام الفصيل المسيطر على المنطقة. خلال الأيام الأولى، طالب متظاهرو حزب التحرير هيئة تحرير الشام بفتح الجبهات مع النظام واتهموها بالعمالة للمخابرات العالمية والعمل على تسليم مناطق شمال غرب سوريا للنظام السوري من خلال صفقة تركية-سورية تهدف إلى تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

الهيئة المعروفة بقبضتها الحديدية، ردت بشن حملة أمنية واسعة تمكنت من خلالها من اعتقال العشرات من كوادر حزب التحرير في مناطق تواجده في قرى دير حسان وكللي والسحارة وبابكة والأتارب في شمال غرب سوريا. وعلى الرغم من الطبيعة السلمية للاحتجاجات إلا أن الهيئة فقدت عنصرين من أفراد الأمن العام التابع لها خلال الحملة الأمنية، مما دفعها لتكثيف حملة المداهمات واعتقال المزيد من عناصر الحزب والأهالي المناصرين له.

هل ستتمكن هيئة تحرير الشام من القضاء على حزب التحرير في إدلب؟

خلال الأيام الأخيرة، انضم العشرات من الأهالي للاحتجاجات التي وصلت إلى أكثر من 15 نقطة وظهرت مظاهرات نسائية محدودة العدد للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وإنهاء حملة الهيئة الأمنية. فمن هو حزب التحرير وما هي أسباب امتعاضه من هيئة تحرير الشام وهل ستتمكن الهيئة من القضاء عليه؟

حزب “المناشير”

تأسس الحزب في عام 1952 على يد رجل الدين الفلسطيني الشيخ تقي الدين النبهاني، وانتقلت رئاسة الحزب فيما بعد لعطا خليل أبو الرشتة. بحسب موقع الحزب الإلكتروني، فإن الهدف الرئيسي للحزب هو إعادة إقامة الخلافة بالمنطقة والتشديد على أهمية النهج الفكري السياسي لتحقيق هذا الهدف بدلاً من التوجه نحو العمل العسكري أو الانقلابي.

 

هل ستتمكن هيئة تحرير الشام من القضاء على حزب التحرير في إدلب؟

كجماعة أممية عابرة للأقطار، يعتبر الحزب الأمة الإسلامية جزءًا من منظومة واحدة، ولا يعترف بالحدود الجغرافية بين الدول الإسلامية، كما يؤكد على واجب المسلمين في اتخاذ القرآن والسنة كمرجعية لهم في جميع جوانب حياتهم، بدءاً من القواعد الأخلاقية وحتى القواعد السياسية، يرى الحزب أن القيم الغربية مثل العلمانية والديمقراطية غير متوافقة مع الدين، ولذا يتعين على المسلمين رفض هذه الأنظمة والسعي نحو الخلافة، وعلى الرغم من إقراره بأن الجهاد طريقة شرعية للدفاع عن الإسلام، إلا أنه يشدد على أن الجهاد ليس بالضرورة عسكرياً.

ظهر حزب التحرير في سوريا خلال السنوات الأولى من الحرب. وكان من الطبيعي لحزب إسلامي يدعو إلى إقامة خلافة إسلامية أن يُمنع من النشاط في مناطق النظام، غير أن ذلك لم يشفع له أمام تنظيم داعش والذي اتهم الحزب بالردة وأعدم بعض مناصريه بعد رفض الحزب لخلافة داعش.

أما في مناطق المعارضة وتحديدا شمال غرب سوريا، فوجد كوادر الحزب بيئة مريحة للعمل وتحديدا أن الحزب لا يملك جناح عسكري أو أمني قادر على تحدي السلطات المحلية بالإضافة إلى طبيعة عمله.

هل ستتمكن هيئة تحرير الشام من القضاء على حزب التحرير في إدلب؟

عناصر من هيئة تحرير الشام. (غيتي)

يُعرف الحزب في سوريا بحزب المناشير وذلك بسبب نشاطه الدعوي الذي يشمل بشكل كبير توزيع مناشير وكتيبات دعوية وفكرية على السكان في مناطق وجوده بالإضافة إلى ندوات ونشاطات دينية ينظمها كوادره ومناصريه.

وعلى الرغم من أن هيئة تحرير الشام تتهمه بعدم المشاركة في العمل العسكري ضد النظام السوري وروسيا إلا أنه، وبحسب مصادر مطلعة على المشهد العسكري في إدلب، فإن الحزب كان قد شارك بالفعل في بعض المعارك خلال عام 2020 تحت ما يعرف بغرفة الفصائل المستقلة والتي حلتها هيئة تحرير الشام بغية السيطرة على المشهد العسكري في شمال غرب سوريا.

اختلاف الرؤى ورغبة السيطرة

حراك حزب التحرير السياسي ضد الهيئة ليس بالأمر الجديد. ففي شهر سبتمبر-أيلول من العام الماضي، ومع ظهور خطاب رسمي تركي يبشر بتطبيع علاقات أنقرة مع دمشق، هاجم حزب التحرير تركيا وانتقد الهيئة وقيادتها واتهمها بالعمل على تنفيذ أوامر أنقرة والتي ستفضي تسليم شمال غرب سوريا للنظام السوري.

نظم الحزب حينها العشرات من المظاهرات التي انطلقت بشكل رئيسي من مدينة الأتارب في ريف حلب الشمالي الغربي وحملت شعارات ” “الأتارب حرة وحرة والهيئة تطلع لبرا”، و”جولاني ولاك.. ما بدنا ياك”. مما دفع هيئة تحرير الشام بشن حملة أمنية واعتقال مسؤولين بارزين من حزب التحرير، بينهم عضو المكتب الإعلامي ناصر عبد الحي بعد أن أدلى بتصريحات علنية هاجم فيها دعوة وزير الخارجية التركي المعارضة السورية للمصالحة مع نظام بشار الأسد. كما انتقد موقف النظام التركي (التطبيع) تجاه النظام السوري.

هل ستتمكن هيئة تحرير الشام من القضاء على حزب التحرير في إدلب؟

 

وعلى الرغم من أن الهيئة أطلقت سراح عبد الحي، إلا أنها أبقت بقية كوادر الحزب في سجونها، متهمة إياهم بحسب مصدر أمني داخل الهيئة “بنشر الفوضى في المنطقة المحررة، والمزايدة أتباعه على المجاهدين ووصفهم بالعمالة، وقد عمل عدد منهم على إثارة الفوضى في أحد مساجد مدينة الأتارب، وحاولوا وضع خطيب للمسجد يتبع لهم بهدف زرع الفتنة في المدينة فتم منعهم من قبل المصلين”.

تُولي هيئة تحرير الشام أهمية كبيرة للسيطرة على المجال الديني من خلال وزارة الأوقاف في حكومة الإنقاذ التابعة لها. فوزارة الأوقاف هي من تعين خطباء المساجد وتحدد موضوعات خطب الجمعة أو على الأقل تحدد الخطوط الحمراء التي يتوجب على خطباء المساجد تجنبها، والمجلس الأعلى للفتوى هو من يشرف على ضبط الفتاوى وتحديد شرعية الشيوخ الذين يحق لهم الإفتاء. لذلك فإن محاولة حزب التحرير وغيره من الجماعات الأخرى للمشاركة في تشكيل المجال الديني العام تم التعامل معها بحزم من قبل هيئة تحرير الشام.

هل ستتمكن هيئة تحرير الشام من القضاء على حزب التحرير في إدلب؟

متظاهرون سوريون يتظاهرون احتجاجا على حركة تحرير الشام الجهادية في بلدة أعزاز الحدودية – سوريا. (أ ف ب)

مما لا شك فيه أن علاقة هيئة تحرير الشام بتركيا هي نقطة خلاف رئيسية مع حزب التحرير. ومع ذلك، فإن الرؤية الأيديولوجية للحزب وبالتحديد آرائه حول نظام الحكم والعلاقة مع الأقليات في إدلب عمقت من حدة الخلافات مع هيئة تحرير الشام. بحسب أحد عناصر حزب التحرير فإن تحرير الشام تحمي طقوس النصارى وتحرس الدوريات الروسية والإعلاميات السافرات في إدلب”. لا تخلو هذه الادعاءات من الصحة، فالهيئة والتي تسعى بشكل محموم لرفع نفسها من على قوائم الإرهاب من خلال الابتعاد عن ماضيها الراديكالي وتبني سياسات أكثر اعتدالا، بدأت باتخاذ خطوات إيجابية تجاه الأقليات من الدروز والمسيحيين.

هل ستتمكن هيئة تحرير الشام من القضاء على حزب التحرير في إدلب؟

أبو محمد الجولاني – زعيم هيئة تحرير الشام. (أ ف ب )

تجلت هذه الخطوات بزيارات قام بها زعيمها أبو محمد الجولاني إلى قرى الدروز والمسيحيين خلال العام الماضي والسماح لهم بممارسة عباداتهم وتشكيل لجان متابعة لتسهيل إعادة أراضيهم التي تمت مصادرتها من قبل عناصر الهيئة عندما كانت تعمل تحت اسم جبهة النصرة بين 2012 و2016.

يؤكد الصحفي وسيم نصر على هذه التحركات من قبل الهيئة بعد زيارته إلى مدينة إدلب في حزيران-يونيو الفائت. غير أن هذا لا يعني أن هذه الأقليات لا تتعرض للمضايقات، ففي آب-أغسطس 2022 تعرض أهالي بعض القرى الدرزية إلى مضايقات وتحرشات من قبل الحزب الإسلامي التركستاني والذي يعمل تحت قيادة هيئة تحرير الشام.

ماذا بعد؟

ترافقت احتجاجات حزب التحرير الأخيرة ضد هيئة تحرير الشام مع سخط شعبي من قبل بعض مهجري أهالي مدينة حماة الموجودين في إدلب، والذين تم اعتقالهم من قبل جهاز الأمن العام بعد مطالبتهم “بسلاح الثورة وإطلاق سراح المعتقلين” بحسب مصادر مطلعة على المشهد العسكري في إدلب.

تنفي هذه المصادر أن يكون هناك تنسيق بين حزب التحرير ومهجري حماة، لكنها تؤكد أن ” الشارع بالأصل محتقن قبل مشكلة الحزب، وهناك تعاطف معه من قبل الأهالي بعد الاعتقالات الأخيرة والاقتحامات على البيوت.” وفي حين أن من الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في المستقبل إلا أن تاريخ هيئة تحرير الشام في التعامل مع الأصوات المعارضة والقادرة على تحدي نفوذها قد يبشر ببداية نهاية حزب التحرير الإسلامي كجماعة منظمة قادرة على حشد الأنصار ضد الهيئة.

هل ستتمكن هيئة تحرير الشام من القضاء على حزب التحرير في إدلب؟

خلاصة القول الهيئة تمكنت خلال السنوات الأخيرة من القضاء على منافسيها من الجماعات الإرهابية كحراس الدين وتنظيم داعش. غير أنها بدت أقل اهتماما بحزب التحرير الإسلامي وذلك لضعف قدراته العسكرية وقلة نفوذه في مناطق سيطرتها. لكن ازدياد نشاط الحزب في الفترة الأخيرة واتهامه الهيئة بالعمالة للغرب والتعاون مع تركيا لتسليم إدلب للنظام، والذي ترافق مع سخط شعبي داخل بعض فئات المجتمع نتيجة ممارسات جهاز أمن الهيئة، خلق حالة من المعارضة الشعبية دفع الهيئة بحسم قراراها القضاء على نشاط الحزب.

في النهاية، يبدو أن هيئة تحرير الشام اكتشفت خطورة حزب التحرير قبل فوات الأوان. واتضح أن تسامح هيئة تحرير الشام في وقت سابق مع حزب التحرير على أساس ضعف قدراته العسكرية محفوف بالمخاطر. لأنه عندما يتعلق الأمر بالفتنة، قد تكون الأفكار أحيانًا أكثر خطورة من الرصاص.