العولقي في مفترق طرق بعد مسيرات باطرفي

وسط تصاعدت حدة الخلافات بين قيادات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، نفذ التنظيم عدة هجمات بالطيران المسير ضد القوات الحكومية في محافظة شبوة جنوبي اليمن.

وجاءت هذه العمليات بعد أن وجد خالد باطرفي نفسه في مأزق بالغ التعقيد اثر فشله في تطبيق سياسته العسكرية بعد رفض معظم قادة التنظيم لتلك السياسة، وفي محاولة انقاذ نفسه من هذا المأزق عبر استخدام الطيران المسير، التي كان لها تداعيات سلبية وفاقمت من أزمة باطرفي مع معظم قادة التنظيم لاسيما القيادي اليمني الأبرز سعد بن عاطف العولقي.

العولقي لم يعد يتبنى مواقف مناوئة لخالد باطرفي فحسب، بل بات في مفترق طرق مع القيادة العامة لتنظيم القاعدة في اليمن بعد أن وجد نفسه في تنافس مع “أبو أسامة الدياني” وهو أحد قادة التنظيم الذين يدعمهم باطرفي لضرب العولقي في بيئته الحاضنة وعلاقته مع القبائل.

عمليات الطيران المسير، تعتبر إثبات جديد يؤكد سعي باطرفي وزمرته للحفاظ على بقاءهم وتمكين المقربين منهم ولو على حساب قادة وعناصر التنظيم الآخرين.

هذا التقرير سوف يسلط الضوء على السياق العام الذي مر به التنظيم وصولا إلى لحظة استخدام الطيران المسير، و سوف يتطرق إلى تفاصيل توظيف هذا السلاح من قبل قيادات التنظيم والمصادر التي تحصلوا منها على هذه التقنية، وهل سينجح باطرفي من حل أزماته عبر عمليات المسيرات.

 

كيف حصل تنظيم القاعدة في اليمن على الطائرات المسيرة؟ وما تبعات هجماته الأخيرة؟

إخفاق سياسة باطرفي الطموحة

في مطلع العام الجاري عقد زعيم تنظيم القاعدة في اليمن خالد باطرفي، اجتماعا استثنائيا مع بقية قيادات التنظيم، أعلن فيه عن سياسته العسكرية القائمة على مبدأ “الاتجاه جنوبا” والمتمحورة حول عداء قوات الشرعية اليمنية والتحالف العربي.

وقد تبنت هذه السياسة بنك أهداف طموح؛ تضمن المراكز الحيوية للدولة في محافظتي عدن وحضرموت، ومواقع القوات العسكرية الاجنبية الحليفة للدولة اليمنية، الى جانب استهداف القوات العسكرية والأمنية الرسمية في محافظات شبوة ولحج وأبين.

وبناء على ذلك قام باطرفي بتكليف القيادي أبو علي الديسي، مسؤول الدعوة والمشرف على معسكرات التجنيد، للبدء بتطبيق هذه السياسة، وقد ساعده أيضا القيادي صهيب الحضرمي.

وبعد سلسلة من الأفكار المتعثرة والمحاولات الفاشلة، توصل كلاً من الديسي والحضرمي إلى ان قدرات القاعدة في اليمن العملياتية في الوقت الراهن لا تفي بمتطلبات تنفيذ العمليات النوعية في المراكز الحضرية تحديدا محافظتي عدن وحضرموت.

وقد مال القياديان الى تركيز الجهود على المحافظات الواقعة في محيط تحركات التنظيم لاسيما شبوة وأبين.

وبالفعل حاول الديسي جاهدا اقناع قيادات شبوة بتبني سياسة عسكرية معادية للقوات النظامية في المحافظة، قائمة على العمليات الانتحارية ونهج حرب العصابات، لكن مسعى الديسي اصطدم بموقف سعد العولقي، الزعيم الجهادي المهيمن في جنوب اليمن والمنتمي الى محافظة شبوة، والذي عمل جاهدا على كبح سياسة باطرفي في المحافظة.

وبحسب قيادات جهادية فاعلة في شبوة فان العولقي برر موقفه المعارض بثلاثة أسباب: أولا الفتنة القبلية التي سوف يتسبب بهذا هذا الفعل، وثانيا عدم الثقة بخالد باطرفي الذي يوظف التنظيم لخدمة مصالحه الخاصة ويرفض تسوية أوضاع عناصره الجهادية في بقية المناطق الساخنة، وأخيرا تمسك العولقي بأولوية الصراع مع الحوثيين بدلا عن قوات المجلس الرئاسي اليمني.

كيف حصل تنظيم القاعدة في اليمن على الطائرات المسيرة؟ وما تبعات هجماته الأخيرة؟

وبناء على هذا الموقف شهد نفوذ القاعدة في محافظة شبوة ضمورا مضطردا واخذت عمليات التنظيم تتراجع من حيث العدد ومن حيث الفعالية، إلى أن توقفت بشكل شبه تام خلال الأشهر الماضية، ولم يتبقى لدى القيادة العامة للقاعدة ساحة معركة سوى أبين التي استمر عناصر التنظيم بتنفيذ عمليات التفجير بعبوات ناسفة.

لم يبقى أمام الديسي سوى إنجاح سياسة باطرفي العسكرية في محافظة أبين التي أصبحت نقطة الاشتباك الأساسية، بين التنظيم وبين القوات العسكرية الجنوبية الموالية لمجلس القيادة الرئاسي.

وبحسب مصادر جهادية رفيعة فقد عقد الديسي اجتماعا موسعا استدعى فيه القيادي الميداني وأمير القاعدة في أبين أبو الهيجاء الحديدي، الى جانب مجموعة من القيادات الجهادية الفاعلة في أبين، وطلب منهم توسيع عملياتهم الانتحارية و نهج حرب العصابات بصورة أكبر وأشمل.

وقد اضافت المصادر ان هذا الاجتماع عقد في أبريل الماضي في منطقة صحراوية بين محافظتي مأرب والبيضاء، لكن بخلاف المتوقع فإن الحديدي ابدى اعتراضه على توجيهات باطرفي وهدد بأن التنظيم قد يتوقف حتى عن عملياته الحالية بالعبوات الناسفة في حال لم يتم الاستماع إلى مطالب الجهاديين وتلبية احتياجاتهم.

وانتهى الاجتماع بتقديم أبو علي الديسي مجموعة من الوعود أن باطرفي سوف يلبي كل احتياجات العناصر والقادة في محافظة أبين. وكالعادة فإن هذه الوعود لم تجد طريقها الى التحقق وهو ما أدى الى توقف العمليات الجهادية في محافظة أبين على مدار شهر مايو الماضي.

أبو أسامة الدياني.. منقذ التنظيم الأخير

يقول مصدر جهادي رفيع في قاعدة اليمن لـ”أخبار الآن”:  إن فشل باطرفي في تطبيق سياسته العسكرية على مدار النصف الأول من العام 2023، بل وعجزه عن الحفاظ على الوتيرة السابقة لعمليات التنظيم خلال العام 2022؛ أجبره للجوء إلى سلاحه الأخير: أبو أسامة الدياني.

وبحسب المصادر الجهادية المتطابقة، فإن الدياني هو احد أفراد الخلية القيادية المرتبطة بشكل وثيق بأمير التنظيم والمشرفة على كافة عمليات التنظيم العسكرية والأمنية في الداخل، وتضم هذه الخلية الى جانب الدياني كلا من الديسي وصهيب الحضرمي، وسابقا كان فيها حمد التميمي الذي توفي مطلع هذا العام.

ولا تكمن أهمية الدياني من هنا فقط، بل تنبع من كونه قناة التواصل الأمنة بين باطرفي من جهة وبين الحوثيين في صنعاء من جهة أخرى.

واكد مصدر جهادي يمني، أن باطرفي وجه الدياني بتولي مسؤولية توفير تقنية الطائرات المسيرة، ومسؤولية إدخالها إلى مسرح العمليات خلال وقت قياسي.

وأضاف المصدر : “استطاع الدياني توفير عدد من الطائرات المسيرة وقد حرص على الاحتفاظ بها جميعا في حوزته الشخصية، باستثناء مسيرة وحيده قام بتسليمها إلى العناصر الميدانية المحسوبة عليه، وعبر هذه الطائرة تم تنفيذ أربع عمليات ميدانية خلال شهر مايو الماضي”.

كيف حصل تنظيم القاعدة في اليمن على الطائرات المسيرة؟ وما تبعات هجماته الأخيرة؟

من أين لك هذا؟

لم يستطع تنظيم القاعدة في اليمن على مدار العامين الماضيين امتلاك تقنية تصنيع الطيران المسير العسكري أو حتى تقنيات تطيره من الاستخدام المدني.

وقد كان يعاني من عجز شديد في هذا الجانب مقارنة بخبرائه النوعين في تصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة وتفخيخ العربات.

لذا فإن تحصل التنظيم على هذا الطيران المسير دفع الجميع الى التساؤل عن مصدره، لاسيما بين صفوف عناصر التنظيم التي كانت بالكاد تحاول أن تقاوم القرائن التي تثبت تعاون قياداتها مع إيران والحوثيين والتي زاد هذا الأمر من شكوكها.

وبحسب مصادر مطلعة في القاعدة فقد راجت في أوساط التنظيم ثلاث روايات حول مصدر المسيرات: الرواية الأولى أن التنظيم اشترى هذه الطائرات عبر وسيط محلي، فيما الراوية الثانية تتحدث عن اغتنام التنظيم لمسيرات، لكن لم يشير أصحاب هذه الرواية الى الموقع والتوقيت الذي تم اغتنام الطائرات فيه.

أما الرواية الثالثة، تتحدث عن وصول الطائرات عن طريق أشخاص آخرين من قادة التنظيم الميدانيين، دون معرفة باطرفي ومساعديه بالأمر، وبعد معرفتهم بالأمر فقد وافقوا عليه.

إلا أن مصدر جهادي يمني مطلع نفى لـ”أخبار الآن” حقيقة الروايات الثلاث مؤكدا أن من وراء ترويجها هم الخلية القيادية القريبة من باطرفي وأن الطائرات المسيرة وصلت للقاعدة عبر أبو أسامة الدياني.

وقد اكتفى المصدر الخاص بالتلميح عن مصدر الطائرات قائلا : “لقد وصلت عن طريق أطراف يمنية هي على مصالح مشتركة مع التنظيم في العمل العسكري ضد القوات الحكومية وحلفائها الأجانب”، في إشارة الى جماعة الحوثي التي تعد الطرف اليمني الوحيد المالك لهذه المسيرات والمتقاطع في مصالحه مع القاعدة.

كيف حصل تنظيم القاعدة في اليمن على الطائرات المسيرة؟ وما تبعات هجماته الأخيرة؟

أما عن عدد المسيرات، فقد أفادت مصادر جهادية مقربة من باطرفي لـ”أخبار الآن” إلى أنه لا يعلم على وجه اليقين كمية المسيرات التي حازها التنظيم لكنها على الأرجح لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، كما أنه لم يسلم للعناصر إلا طائرة واحدة لتجربة نجاعة الاستهداف من خلالها.

ورجحت المصادر جلب عدد آخر من الطيران المسير وتوزيع عدد أكبر من المسيرات خلال الأيام القادمة على عدة خلايا للتنظيم، بعد نجاح التجربة.

وبحسب معلومات حصرية لـ”أخبار الان” من مصادر متطابقة، فإن تنظيم القاعدة في اليمن يمتلك حتى الآن نوع واحد من المسيرات الحاملة للقذائف، ولكن يسعى التنظيم حالياً لتوفير طائرات افضل لتحسين عملياته، كما أنه يسعى أن تكون بحوزته طائرة مفخخة في حالة استهدافه مراكز حيوية،  لأنها قادرة على خلق اضرار اكبر من القذائف.

كيف حصل تنظيم القاعدة في اليمن على الطائرات المسيرة؟ وما تبعات هجماته الأخيرة؟

الهروب من الواقع الى الجو

كانت العقبة الرئيسية الحائلة دون استخدام الطيران المسير هي افتقار القاعدة في اليمن لتقنيات تصنيعه، وأيضا الافتقار الى وجود خبراء في قيادة وتوجيه المسيرات.

لكن بعد نجاح تجارب التنظيم الأخيرة، وحصولهم السلس على نسخ مطورة من الطائرات المسيرة، باتت قيادة التنظيم ترى استخدام المسيرات اسهل من زرع العبوات الناسفة، فالمسيرات يتحكم بها العنصر من موقعه ويستهدف أي أهداف ثابتة وفي الزمن الذي يحدده، فيما يتطلب زراعة العبوات الناسفة، تحرك عنصر او اكثر الى مواقع وهذا يمثل تهديد على حياتهم.

وبحسب قيادي جهادي مقرب من القيادة العامة، فسوف يسعى التنظيم خلال الفترة القادمة إلى استخدام الطيران المسير في محافظة أبين إلى جانب محافظة شبوة، وتوسيع بنك أهداف التنظيم بحيث يتضمن مواقع عسكرية أكثر ومراكز قيادة عسكرية ذات أهمية أكبر من الدورات والنقاط العسكرية العادية.

كيف حصل تنظيم القاعدة في اليمن على الطائرات المسيرة؟ وما تبعات هجماته الأخيرة؟

ولا يستبعد أن يؤدي نجاح تنفيذ هذه الهجمات الى تحرك أمير التنظيم وخليته القيادية لعرض خدمات التنظيم الأمنية والعسكرية على أطراف محلية واجنبية مناهضة للحكومة الشرعية، لتنفيذ عمليات استهداف ضد القوات الحكومية والمسؤولين الحكوميين اليمنيين.

كما أنه باطرفي سوف يستثمر هذا النجاح المعنوي لتعزيز سلطته المتداعية في زعامة التنظيم.

لكن احد القادة الجهاديين المعتزلين قال لـ”أخبار الآن” رأيا مغايرا بخوص الواقع التنظيم بعد دخول المسيرات الى مسرح العمليات، ويرى القيادي المنعزل أن العمليات العسكرية مهما كان حجمها، قد يكون لها أثر إيجابي مؤقت على التنظيم لكنها لن تحل مشاكله المستعصية التي تتطلب الكثير من العمل الشاق ، وخاصة الخلافات بين القيادات، والازمة المالية المستفحلة.

وأستبعد القيادي الجهادي، أن يحاول باطرفي وزمرته، حل الأزمة المالية في التنظيم، حتى لو حصلوا على أموال إضافية مستقبلا من جهات محلية أو دولية مقابل تنفيذهم عمليات مارقة.

منوها الى ان ثمة قناعة راسخة لدى معظم قيادات القاعدة في اليمن مفادها ان باطرفي لا ينوي إحداث أي تغيرات إيجابية لإصلاح المشكلات التنظيمية ولا ينوي ازاحة دائرته الضيقة التي هيمنت على موارد التنظيم.