الصين متهمة بإنشاء 110 مركز شرطة سري حول العالم

في منتصف سبتمبر/ أيلول من العام 2017 تعلن الحكومة المركزية الصينية عن توقيعها إتفاقيات تعاون أمني مشترك، يُخولها فتح 40 مراكز شرطة صينية خارج حدودها لأول مرة، حيث قالت أن هذه المراكز مهمتها توفير الحماية لمواطنيها في تلك الدول، ومساعدة أجهزتها الأمنية بالتدريب، وأن دورها يقتصر على التمثيل الدبلوماسي فقط، إلا أنها في ذات الإعلان، قالت أنها بعد شهر فقط تم إعتقال 45 شخص كانوا قد فروا من الصين.

يأتي ذلك في إطار عملية Fox Hunt (صيد الثعلب) التي أطلقتها اللجنة العسكرية للحزب الشيوعي الصيني في عام 2015، وهي عملية عالمية سرية، هدفها المعلن هو مكافحة الفساد في ظل إدارة شي جين بينغ، إلا أنها تستهدف المنشقين الصينيين الذين يعيشون في الخارج، لوقف نشاطهم تحت ستار إعادة المواطنين الصينيين الفاسدين إلى الصين لمواجهة اتهامات جنائية.

محطات الشرطة الصينية في الخارج: تهديد لحقوق الإنسان والسيادة الوطنية

مراكز للملاحقة

بالرغم من إعلان الصين عن فتحها مراكز شرطة خارجية في 40 دولة حول العالم، إلا أن منظمة Safeguard Defenders الحقوقية تتهم الصين بإنشاء 110 مركز شرطة سري يتبع الحزب الشيوعي الصيني حول العالم، حيث وثقت ذلك في تقرير أصدرته في مطلع ديسمبر من العام 2022 المنصرم، قالت فيه أن تلك المراكز أنشئت لمضايقة وتهديد المواطنين الفارين من النظام الصيني، وابتزازهم للعودة إلى الصين من خلال الضغط عليهم وتهديدهم بعائلاتهم.

وتُثير إنشاء الصين لمراكز شرطة تابعة لها، في دول خارج حدودها مخاوف بشأن جهودها لقمع واعتقال ومحاكمة معارضي الحزب الشيوعي الصيني، وبحسب التقارير الأمنية ذات الصلة التي أصدتها منظمات أمنية وحقوقية فإن مراكز الشرطة هذه تعمل خارج نطاق الولاية القانونية للبلدان المضيفة.

تقول مايا وانغ – الباحثة المختصة بالصين في هيومن رايتس ووتش لـ أخبار الآن إن “جهود الصين لتأسيس وجود لإنفاذ القانون خارج حدودها تثير مخاوف عديدة بشأن حقوق الإنسان، تشتهر وكالات إنفاذ القانون الصينية باستخدامها التعذيب والاحتجاز التعسفي والانتهاكات الأخرى، ومن المرجح أن تتوسع هذه الأنشطة في الخارج مع إنشاء مراكز الشرطة الأجنبية هذه”.

تعترف بعض الدول بوجود مراكز شرطة صينية فيها، ولكنها تؤكد بأن هذه المراكز تعمل وفقًا للقوانين المحلية بحيث لا تُشكل خرقًا للسيادة، ففي عام 2018 اُثيرت قضية وجود مراكز غير قانونية تابعة للصين في باكستان، في الداخل الباكستاني وليست في ميناء جوادر التي أنشأته وتُديره الصين، كما هو موقع بالاتفاقية التي تنص على أن يكون هناك تواجد أمني صيني في الميناء فقط، لتخرج وزارة الخارجية الباكستانية ببيان تؤكد فيه أن مراكز الشرطة متواجدة في الميناء فقط، ولكنها قالت بأن حتى إذا كانت هناك مركز أخرى فأنها ستعمل وفقًا للقانون الباكستاني وسيخضع لرقابة حكومة باكستان.

ردود فعل دولية

لم تكتفي الصين بنشر عملائها وضباطها في الدول الأخرى، وفتح مراكز الشرطة التابعة لها في إطار التعاون الأمني والدبلوماسي، بل أنها قامت بتجنيد عملاء لها في تلك الدول في 17 من نيسان/أبريل 2023 اعتقلت السلطات الفيدرالية في الولايات المتحدة، شخصين من مدينة نيويورك كانا يُديران مركز شرطة سري تابع للحزب الشيوعي الصيني في مدينة مانهاتن الأمريكية، والذين تم القبض عليهم حيث اتهمهم الإدعاء العام الفيدرالي بالمساعدة بإنشاء مراكز أخرى كانت قد اُغلقت في أوائل عام 2022 والذي تبين من خلال التحقيقات بأن لديهم صلة وثيقة بالسلطات الصينية حسب وزارة العدل الأمريكية.

أعلنت حكومات عدة دول فتح تحقيقات بشأن تأسيس الحكومة الصينية لمحطات شرطة في الخارج، ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وإسبانيا والبرتغال وهولندا وكوريا الجنوبية، وعقب ذلك أثارت هذه القضية ردود فعل دولية ففي أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، أغلقت الخارجية الأيرلندية محطات الخدمة الخارجية الصينية في دبلن، وقامت الخارجية الهولندية بإغلاق مكتبين، بحجة عدم إخطار الحكومة الهولندية بتأسيس المكاتب الشرطية عبر الوسائل الدبلوماسية وعدم العمل وفقًا للقانون.

يرد وانغ وينبين المتحدث بإسم وزارة الخارجية الصينية بإقتضاب في مؤتمر صحفي سابق حول الموضوع، ويقول أن الصين مُلتزمة بالتقيد الصارم بالقانون الدولي والاحترام الكامل للسيادة القضائية للدول الأخرى، وإن المراكز التي فتحتها في الخارج جاءت للحاجة الماسة للمواطنين والمغتربين الصينيين أثناء الجائحة، كما هي كذلك للمساهمة في مكافحة الجريمة العابرة للحدود حسب قوله.

إستغلال الجائحة

فقد استغلت المخابرات الصينية جائحة كورونا في عملية إنتشار مخبريها، وقامت بتجنيد أشخاص تابعين لها في بلدان العالم، حينما كان المجتمع الدولي منشغلاً في إدارة الجائحة، تحت ذريعة مساعدة الجاليات الصينية في الخارج، وكذلك عملت على إعادة شخصيات منشقة من الحزب الحاكم، والذين كانوا هربوا من بطش السلطوية في بكين، إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد كانت الصين قد أدرجتهم ضمن القائمة الحمراء، والتي تعني بأنهم مطلوبون للعدالة في الصين، ونجحت في إعتقال جزء كبير منهم وأعادتهم إلى الصين مع تداعيات فيروس كورونا.

يعلق جيروم كوهين – الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة نيويورك والخبير في القانون الصيني، أن “التوسع في أنشطة إنفاذ القانون خارج الحدود الإقليمية من قبل الصين، حتى لو كانت تركز على يجب أن يكون مواطنوها مصدر قلق للبلدان المعنية”، مُشيرًا  إلى أنه يتعين على الصين احترام السيادة، والولاية القضائية للدول التي يقيم أو يسافر فيها مواطنوها، و”الامتناع عن التدخل في شؤونهم الداخلية”.

محطات الشرطة الصينية في الخارج: تهديد لحقوق الإنسان والسيادة الوطنية

وبحسب المعلومات التي جمعتها شبكة أخبار الآن، فأن الصين أنشأت مراكز شرطة من هذا القبيل في عدد من البلدان، بما في ذلك كمبوديا وكينيا وباكستان، يعمل في المحطات ضباط شرطة صينيون ومكلفون بمراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية والقبض على المواطنين الصينيين المشتبه في قيامهم بأنشطة إجرامية بحد تعبير الجهات الحكومية التابعة للخارجية الصينية.

 

تواجد مراكز إنفاذ القانون الخارجية للصين حول العالم

والجدير بالذكر أن هناك 4 سلطات أمنيه صينية والتي تدير وتُشرف على المراكز الخارجية، وتشمل هذه 29 محطة أنشأها مكتب نانتونغ للأمن العام، ومكتب ونتشو للأمن العام، ومكتب الأمن العام في تشينغتيان، ومكتب الأمن العام في فوتشو، ومنها يتم إدارة 110 مكاتب حول العالم من ضمنها السرية، في أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة وأوروبا بالإضافة إلى عدد كبير من مراكز الشرطة الصينية في أفريقيا خصوصًا في كينيا وكمبوديا.

خارج الإعتراف الرسمي

وكذلك أنشأت الصين عددا من ‘مراكز خدمة الشرطة’ في الشرق الأوسط، لم يتم التعرف على هذه المحطات رسميًا من قبل الحكومات المضيفة، ولكن يعمل بها ضباط شرطة صينيون ويتم استخدامها لمراقبة المواطنين الصينيين الذين يعيشون في المنطقة وتتواجد في كل من مصر وإيران والعراق والأردن وسلطنة عمان وسوريا، وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الصينية لا تعترف رسميًا بهذه المراكز كمراكز للشرطة، ويشار إليها بدلاً من ذلك باسم ‘مراكز خدمة الشرطة’ أو ‘مكاتب الاتصال الخارجية’

أثارت الطبيعة التي تتجاوز الحدود الإقليمية لمراكز الشرطة هذه مخاوف بشأن تأثيرها المحتمل على سيادة البلدان المضيفة، ويختلف الخبراء والمتابعين للسياسات الخارجية الصينية حيال الأمر، فيرى البعض بأن تلك المراكز تعمل خارج الولاية القانونية للبلدان المضيفة، وتنتهك القواعد والمعايير الدولية، وتشكل تهديدًا لسيادة الدول المضيفة وسلامتها الإقليمية، إلا أن هناك آخرون يروا أن الصين لن تُقدم على تدمير علاقتها الخارجية بخطوة مثل تلك خصوصًا، وأنها تريد أن تظهر بمظهر الطرف الإقليمي المتعاون الذي يحترم سيادة الدول.

عامر الصبيلة – الخبير الأردني في الشؤون الاستراتيجية يرجح بأن الصين لن تتجاوز حدودها، بالقيام بعمل مراكز شرطة خارجية دون التوافق مع الدول المضيفة ويقول لـ أخبار الآن “اي تحرك للصين من هذا النوع يكون أما بتنسيق مع الدول المستضيفة أو بمعرفتها”.

في الختام ، فإن إنشاء الصين لمراكز شرطة أجنبية في دول خارج حدودها هو مصدر قلق للمجتمع الدولي، بينما تدافع الحكومة الصينية عن هذه المحطات باعتبارها تدابير ضرورية لمكافحة الجريمة العابرة للحدود، فإن طبيعتها التي تتجاوز الحدود الإقليمية ونطاق أنشطتها الأوسع أثار مخاوف بشأن تأثيرها المحتمل على حقوق الإنسان والسيادة، وعلى هذا النحو من المهم أن يواصل المجتمع الدولي مراقبة ومعالجة هذه القضايا من أجل ضمان حماية حقوق وحريات جميع الأفراد.