ما الذي تكشفه كتابات مصطفى حامد في مجلة الصمود التابعة لطالبان:

  • حامد يتحدث نيابة عن سادته الإيرانيين
  • التركيز على التأثير على أفغانستان لصالح الإيرانيين
  • خطط إيران حول أفغانستان
  • نشر حامد للدعاية الإيرانية وحماية حقاني للقاعدة ليس من باب الصدفة
  • كيف تعيد إيران سيناريو العراق في أفغانستان
  • لماذا من المستحيل على حركة طالبان تجاهل كتابات حامد واعتبارها ليست ذات أهمية
  • الثمن الذي ستدفعه حركة طالبان باستسلامها للسيطرة الأيديولوجية لإيران
  • لماذا حرص حامد على توثيق علاقته بشبكة حقاني من عهد المؤسس جلال الدين حقاني حتى اليوم

 

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

فيما يحاول سيف العدل بذل الكثير من الجهد لإكمال عملية اغتصابه لقيادة تنظيم القاعدة، فإن حليفه الرئيسي وحماه مصطفى حامد يتحول لشكل علني أكثر في طريقه للدفاع عن أجندة جهادية عالمية تخدم مصالح إيران.

حامد لا يقوم بذلك فقط عبر صفحات موقعه الإيراني ” مافا “، بل أيضا مباشرة على صفحات مجلة “الصمود” العربية التابعة لحركة طالبان.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

بروفايل حامد في موقع مافا الإيراني

وفي ظل تفكك طالبان بسبب الصراعات الداخلية على السلطة، تحقق الحرب الإعلامية التي يشنها مصطفى حامد مكاسب قيمة لإيران على حساب الحكام الجدد في أفغانستان، كما أن كل هذا يحدث في العلن.

فالرجل بما يحمله اسمه من رمزية مكتسبة من مشاركته في الحرب الأفغانية السوفيتية وعلاقاته بقادة الأحزاب الأفغانية وتنظيم القاعدة وغيرها من الحركات والتنظيمات الدينية المسلحة، وفوق كل ذلك مهاراته البلاغية، كل ذلك جعله يمنح لنفسه حق احتكار السرد التاريخي.

وهذا السرد ما هو بأقاويل قاص فارغ يقصد منها توثيق رحلته في الحياة قبل مغادرتها، بل مقصده الواضح هو إعادة صياغة الماضي وتزييف الحاضر للتأثير على المستقبل، عبر اللعب في تصورات وأفكار قرائه.

ومن يكسب معركة العقول هذه يستطيع قيادة جموع المتأثرين به؛ فبينما هو جالس خلف شاشته في طهران في حماية الحرس الثوري الإيراني يلهب مشاعر قرائه السُّنة عن بطولات الماضي، ووسط هذه الكتابات الحماسية يدس أفكاره الخاصة بالترويج للمشروع الإيراني التوسعي، وينصب نفسه عرابًا لهذا المشروع في أوساط الجهاديين.

مصطفى حامد يمثل من؟

يكتب مصطفى حامد حاليًا في مجلة الصمود التي يُصدرها المركز الإعلامي للإمارة الإسلامية في أفغانستان، وسبق أن كتب فى مجلة “الإمارة الإسلامية” الطالبانية أيضًا منذ عددها الثانى أواخر عام 2000 إلى أن أوقفتها الحرب فى 2001 ثم عاد فى عام 2009 ليكتب في مجلة الصمود التابعة لطالبان والتى صدرت بعد الغزو الأمريكى لأفغانستان.

وبعد أن عاش بمصر بين عامي 2011 إلى 2016، عاد إلى إيران ومن هناك أعاد إطلاق موقعه “مافا” الإيراني بجانب كتابته في مجلة الصمود الطالبانية.

وهو يكتب منذ سنوات مقالات في المجلة عن سيرة جلال الدين حقاني، والد وزير الداخلية الأفغاني الحالي، وكان من أبرز القادة الأوائل في حركة طالبان حتى وفاته في 2018.

وهنا قضية ينبغي الانتباه إليها بعمق؛ وهي أن الرجل حين يكتب في المجلة الرسمية لطالبان فإنه يفعل ذلك من مقره الآمن في طهران في حماية الحرس الثوري، فكيف تثق طالبان بتصدير شخص يقيم لدى دولة عدو؟! ليس فقط لا تعترف بحكومة طالبان كباقي الدول، بل تمارس عليها ضغوطًا علنية لإجبارها على إشراك حلفاء طهران في السلطة.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

كما تقصف إيران بيوت المواطنين الأفغان على حدودها الشرقية وتشن هجمات دامية على حرس الحدود الأفغاني، ولا يخفى مدى عمق الخلافات بين الطرفين في كثير من الملفات كاللاجئين وتقاسم المياه وغيرها.

إذًا فيجب افتراض بداهةً أن شخصًا يقيم في إيران ولا يخفي دفاعه عن نظامها ولا يمل من مديحه والترويج لمقولاته وتبني قضاياه عبر سنوات طويلة، يجب التساؤل عن مسوغات تنصيب نفسه أمينًا على مصالح دولة أخرى علاقتها بإيران أقل ما يُقال عنها -بأكثر العبارات تحفظًا- إنها تتسم بتعارض المصالح في كثير من الملفات.

وهو في مقالاته بمجلة الصمود لا يتحدث بالحرية والأريحية التي يتحدث بها في موقعه الشخصي، لذلك فإن تتبع مقالاته بموقع مافا الإيراني يكشف ما يريد قوله والترويج له، وهو يبدو متحدثًا نيابة عن الإيرانيين في مقالاته على موقعه، بل إنه ربما يزايد على الإعلام الإيراني الرسمي في بعض المواطن.

فهو يتبنى نظرة تضع حكومتي إيران وأفغانستان في معسكر واحد في إطار سعيه لتمهيد الأرضية الفكرية لتبعية كابول لطهران؛ فالتقريب الذي يقصده ليس التقارب بين الدول الإسلامية والدولة الإيرانية بل تقريب الأولى للثانية وهدم الجدران النفسية التي تحول دون تحقيق ذلك الهدف، والتغلب على النفور التقليدي -على المستوى الشعبي على الأقل- من إيران.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

وهو خلال سيره في هذا الطريق يتخطى حقائق وحزازات الماضي والحاضر ومخاوف المستقبل ويفترض أن إيران دولة إسلامية نموذجية تشترك مع أفغانستان في المنهج العام والموقف الاستراتيجي، فيقول صراحة إن استهداف النظام الإيراني هو استهداف للإسلام نفسه، وإن أمريكا لا تحتمل وجود حكومتي طالبان وإيران لأن كلا منهما إسلامية بالفعل ولا خلافات بينهما.

وبغض النظر عن أبعاد وجهة نظره ولا مبرراتها فإنه رغم دندنته حول أهمية الحسابات الإيرانية وفهم الواقع نجده حينما يتعلق الكلام بإيران يغوص في عالم مثالي حالم وردي اللون كأنه لا يتابع الأخبار ولا يطلع على مجريات الأمور فلا يتحدث عن الاشتباكات الحدودية العنيفة بين حكومة طالبان والنظام الإيراني، فمنذ وصول الحركة إلى السلطة لا تتوقف المواجهات بين الطرفين إلا لتبدأ من جديد.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

فالتوتر والاشتباكات المسلحة أصبحت عنوان العلاقة بين حرس حدود الدولتين، خاصة في ولايتي هرات ونيمروز الأفغانيتين، كما لا تَخفى علاقات إيران بمعارضي طالبان.

ولكن حامد عند معالجته في كتاباته لمشكلات أفغانستان يضع نصب عينيه المصالح الإيرانية في هذه الدولة ويروج لها باعتبارها مصلحة لكابول، وهو في ذلك يتحدث بلهجة مناصر مشفق على مصالح الأفغان.

فبالنظر إلى خريطة المنطقة يتضح أن أفغانستان هي أفضل وأقصر طريق يربط إيران بالصين، وفي ضوء التحالف بين البلدين وتوقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية لمدة ربع قرن عام 2021، وموقعها ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تضم عشرات الدول، تتطلع إيران لانضمام أفغانستان لطريق الحرير لفتح الممر البري المباشر الذي يصلها بالصين مارًا عبر الأراضي الأفغانية.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

يبدو أن الصين أصبحت هدفا جديدا يروج له مصطفى حامد في كتاباته ويحاول الدعاية لها في أفغانستان

لذا نلاحظ إلحاح حامد على ضرورة تحقيق هذا الهدف الإيراني، فيقول “لا يمكن أن يكون هناك حلّ جذري للمعضلة الاقتصادية إلا عندما تدور عجلة طريق الحرير.. وانفتاح الاقتصاد الأفغاني على اقتصاديات الجيران في الصين وإيران، مع إمكانية حركته الواسعة قارياً، من بحر الصين إلى خليج فارس”.

وفي مقاله الذي نُشر مؤخرًا بعنوان “أمريكا تهدد العالم من أفغانستان” يروج لتقارب طالبان مع الصين وروسيا وإيران، على اعتبار أن التحالف مع هذا الثلاثي مفروض على طالبان لأنها تواجه نفس العدو وهو الولايات المتحدة، وأن في ذلك مصلحة للجميع.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

حامد يتبنى بشكل واضح الترويج للتعاون مع إيران والصين وروسيا

وفي تعليقه على المؤتمر الرباعي المسمى (مؤتمر وزراء خارجية الدول المحيطة بأفغانستان) الذي عقد في 13 إبريل الحالي بسمرقند وضم الصين وروسيا وإيران وباكستان، يمتدح حامد موقف الصين ويعتبره “معقولاً علي وجه الإجمال وتجنب الانحياز الفج ضد الإمارة الإسلامية”.

وقد طالب المؤتمر واشنطن برفع العقوبات عن طالبان، وطلب من الأخيرة رفع القيود عن النساء والأقليات، وتشكيل حكومة شاملة، واتخاذ خطوات واضحة ضد الإرهاب.

وإذ يشن حامد هجومًا كاسحًا على مخرجات المؤتمر التي صدرت بالتوافق بين أعضائه الأربعة، فإنه يركز انتقاداته على باكستان باعتبارها جار سوء رضيت بأن تكون مخلباً لأمريكا وإسرائيل في حربها ضد أفغانستان، وينتقد روسيا بشكل أخف، لكنه يسكت عن مشاركة إيران في المؤتمر ولا يُصرح بانتقادها ويمتدح موقف الصين!! متجاهلا أن الدولتين الأخيرتين شاركتا في صياغة مخرجات المؤتمر.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

فقط دولة واحدة فاعلة في المؤتمر تغاضى حامد عن ذكرها، وهي إيران.

ويعتبر أن مؤتمر سمرقند مؤتمرًا ثنائيًا بين النظام الدولي السابق برئاسة الولايات المتحدة وبين نظام دولي جديد برئاسة الصين وروسيا، للاتفاق علي “تقسيم مواقع النفوذ في بأفغانستان لتجنب المشاكل بين المعسكرين، فتصبح أفغانستان ضحية للمعسكرين معا ،وليس معسكر واحد”، ثم هو يقدم الحل المفترض بأن تنحاز للمعسكر الشرقي أفضل من أن يتقاسمها المعسكران، فيقول وقد تحركت الصين بقوة وجرأة صوب أفغانستان (الإمارة الإسلامية)، وفى اتجاه إيران (الجمهورية الإسلامية)، في ظروف حرجة ومخاطر تفرضها أمريكا على الجميع، وفى نفس الوقت يجرى تقارب كبير بين (الإمارة) السنية ـ و(الجمهورية) الشيعية”.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

حامد يمتدح موقف الصين في مقاله عن مؤتمر سمرقند عبر موقع مافا الإيراني

ويقول في حوار له “إيران لا مشكلة لديها مع الإمارة الإسلامية، فهي في نفس الجبهة مع الأفغان والصين”، ثم يحذر من الدول السنية كتركيا ودول الخليج العربي ويحذر أيضا من خطر محتمل من أبناء عرقية الإيغور السنية الذين تضطهدهم بكين بدعم من طهران، متغاضيًا -عن عمد- عن التطرق لموقف العديد من قيادات طائفة الهزارة الشيعية المعارضة لطالبان.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

حامد يروج للصين ويهاجم الإيغور في أحد مقالاته بموقع مافا الإيراني

وهنا نقطة مهمة يجدر الوقوف عندها؛ وهي أنه على الرغم من أن حامد يكتب هذا الكلام في موقعه الشخصي لكن كون حامل هذه الأفكار المعلنة هو أحد الكتاب القليلين المعتمدين والدائمين في المجلة الرسمية للحركة الحاكمة في أفغانستان يثير علامات استفهام مشروعة عن موقف الحركة من هذا المشروع الفكري الذي يقوده الرجل خدمةً لدولة عدو وانطلاقًا من أراضيها.

فالرجل يعلن دعمه لكلا النظامين الأفغاني والإيراني ولكن عند المَواطن التي تتناقض فيها المصالح بينهما يمكن معرفة ولائه الحقيقي وإلى أي جهة يقف بالتحديد

مصطفى حامد الواعي بخطر التدخل الإيراني في أفغانستان

ومن أجل فهم أوضح لإدراكات الرجل ونواياه يمكننا العودة إلى كتابه “أفغانستان فى صباح اليوم التالى” الصادر في مارس عام 2014 -أي في الفترة التي قضاها في مصر- حيث نجده يتكلم عن دور طهران التخريبي في أفغانستان بوعي وصراحة -ما لبث أن تخلى عنهما لاحقًا-؛ إذ يتحدث بشكل واضح في فصل “إيران عداء غامض الدوافع” عن أن الموقف الإيراني العدائي ضد جارتها الشرقية غير مبرر.

ويقول عن تحالف الشمال الأفغاني: “ھذا التحالف المعادى لحركة طالبان كانت قيادته الظاھرة والأكثر فعالية ھي طهران، ولم يكن واضحا السبب الحقيقى لذلك العداء، حيث أن كل الادعاءات الإیرانیة كانت متھافتة وتخفى دوافع غير معلنة، ھي على الأرجح رغبة في التوسع الإقليمي مع نزعة لاستغلال الورقة الطائفية فى ذلك السبیل”.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

نسخة حامد قبل استقراره في أحضان الحرس الثوري كانت ترى خطر إيران على أفغانستان وهو ما تغير تماما في كتاباته بموقع مافا الإيراني

وليس هذا فقط بل يتحدث بلسان مبين عن التخادم الأمريكي-الإيراني في أفغانستان فيقول إن الدعاية الإيرانية ضد طالبان “كانت متوافقة مع ما ينشره الإعلام الأمريكي ..ونتيجة لعدم وجود إعلام لدى حركة طالبان، فقد انفردت تلك الشائعات بالرأي العام العالمي.. كل تلك الدعايات كانت كاذبة عن تعمد واضح”.

ويعترف بمشاركة إيران في دعم الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، ولم يورد الكلام المعسول المادح لإيران ولم يتحدث عن المقاومة الإيرانية المزعومة للاستكبار الأمريكي ولا غير ذلك من الكلام الدعائي الخدَّاع الذي يروج به اليوم للمشروع الإيراني، بل تحدث بشكل عقلاني عن خطورة تدخلات طهران ودورها العدواني في “تمزیق الشعب الأفغاني” ويتخذ موقفا سلبيا مما أطلق عليه “الغطرسة الإمبراطورية في إيران” وليس المشروع الإسلامي أو محور المقاومة ولا غيرها من المفردات الدعائية الإيرانية.

فيقول “توجھت إیران إلى دعم ‘الشیعة’ ودعم الناطقين بالفارسية أي ‘الطاجيك’ من ناحية العرق، وسعت إيران من مساحة دعمها ليشمل كل من لديه قابلية لبيع نفسه والقتال ضد طالبان في مهنة ارتزاق لاقت رواجا ً بین تجمعات فقیرة وجاھلة طحنتھا حروب طویلة وقاسیة، فلم يعد أمامهم غير البندقية مصدرًا للرزق”.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

تابعا وذليلا: يسمي حامد موقعه “السياسي” ويستخدم .world لكن عالمه وسياسته يخضعان دائمًا لمؤامرات ثورة الخميني

ويضيف :”نشاطات إیران فى أفغانستان لم تكن أبدا بدافع عقیدة أو مذھب، ولكن بدافع المصلحة مثل باقى دول العالم، وھي تستخدم الشیعة وأحزابهم كأداة في یدھا، وقد تساعدھم أو تساعد على قتلھم حسب مقتضیات الظرف السياسي ومصالح طهران”.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

عداء إيران لأفغانستان غير مبرر، هكذا كانت وجهة نظر مصطفى حامد قبل استقراره في طهران!

أي أن الرجل ليس ساذجًا بل يدرك بوضوح أبعاد وخطورة المشروع الإيراني على أفغانستان تحديدًا لاسيما في ظل حكم طالبان، وهو ما يتناقض مع خطابه الحالي الذي تحول معه موقع مافا الإيراني إلى منبر دعائي إيراني من نوع خاص، ولابد من الاعتراف هنا بنجاح الحرس الثوري في تجنيد واستقطاب أحد أعدائها السابقين، أو على الأقل أحد الذين حاولوا توعية الناس بالتهديد الإيراني فإذا به يرتمي في شراك الحرس الثوري ويعكس خطابه السابق ليروج لمن حذر منهم قبل ذلك.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

ما هي أهداف مصطفى حامد؟

بدايةً فإن كتابات مصطفى حامد وأفكاره لا تخصه فقط بل إن قراءتها بشيئ من التدقيق والتمحيص حري بأن يتيح لنا فرصة التعرف على أبعاد وزوايا المخطط الإيراني تجاه أفغانستان عن طريق تحليل هذا الخطاب الإعلامي وسبر أغواره ومعرفة أهدافه.

ويحسن بنا في هذا المقام استعراض منحنيات العلاقة التي ربطت بين إيران وطالبان؛ ففي البداية دعم الإيرانيون تحالف الشمال الذي تشكل من القوات المعادية لطالبان عام 1996، ودعموا كذلك الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 لإسقاط حكم طالبان، وبعد ذلك دعموا طالبان في مقاومة الاحتلال الأمريكي والحكومة الموالية له، وبعد انتصار الحركة وعودتها للحكم عام 2021 عادت التوترات بين الطرفين من جديد.

أي أن طهران ظلت تدعم الطرف المعارض في أفغانستان أيًا كان اسمه؛ أو بعبارة أخرى فإن السلوك الإيراني تجاه جارتها الشرقية تمثل في محاولة إضعافها بشكل مستمر.

كما أن تقوية أصدقاء طهران (من عرقيتي الهزارة والطاجيك) وإشراكهم في السلطة ظل هدفًا إيرانيًا معلنًا.

وفي كتابات حامد لا يتطرق بالطبع إلى هذه المسألة الحساسة لدى طالبان، لكنه يصفها بأنها حركة اندمجت فيها كافة القبائل والمذاهب، من السنة والشيعة! ويستخدم عبارة “الشعب الأفغاني بكل مذاهبه” متجاهلا ذكر أن أغلبية الشعب الأفغاني من أهل السنة والجماعة، ولا يستحضر مسألة التمايز المذهبي إلا في مواجهة العرب على اعتبار أن غالبية الأفغان يتبعون المذهب الفقهي الحنفي على غير السائد بين العرب السنة.

الحشد الشعبي الأفغاني

اتبعت طالبان نهجاً تصالحياً مع الهزارة أثناء فترة الاحتلال حتى أن جانباً منهم عمل معها في مواجهة تنظيم داعش عام 2016 في ولاية باميان، ووقع ذلك بعلم أجهزة الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري.

لكن منذ أن سيطرت طالبان على كابول في منتصف أغسطس 2021، ظلت المطالبات الدولية والإقليمية تحاصر الحركة حول موضوع إشراك الأقليات في السلطة وتشكيل حكومة شاملة من كل المكونات السكانية، ولم تستجب الحركة لهذه المطالبات إلا بشكل متواضع.

فظلت مفاصل السلطة بيد عرقية البشتون السنية التي تمثل أضخم مجموعة سكانية في البلاد بينما تم إسناد مواقع قليلة الأهمية لأقلية الهزارة الشيعية كمنصب نائب لوزير الصحة، بعد أن كان منهم الوزراء والولاة والسفراء في عهد الحكومة الموالية للاحتلال الأمريكي، كما كان منهم نائب الرئيس سرور دانش، ومستشار الرئيس، محمد محقق، ورئيس لجنة المصالحة كريم خليلي، بالإضافة إلى عدد من الوزراء والسفراء والولاة.

لكن طالبان لم تواصل هذه المسيرة وغلَّبت البشتون السّنة في جميع الأنحاء، وكان القيادي الوحيد من عرقية الهزارة الشيعية في صفوف الحركة هو مولوي محمد مهدي مجاهد، رئيس استخبارات ولاية باميان معقل الشيعة الإثنا عشرية، لكن حين تمت إزاحته من منصبه في 3 يونيو/حزيران 2022، قاد تمردًا ضد الحركة انطلاقًا من مسقط رأسه بولاية سربل، التي كان مسؤول الحركة فيها سابقًا، فتصدت له طالبان وأعدمته.

ويعد كلا من الهزارة الشيعة والطاجيك السنة المتحدثين بالفارسية خزانًا بشريًا جاهزًا لرفد الحركات المعارضة لطالبان، وكلتا العرقيتان تربطهما علاقات قوية بطهران.

ولولا قلة عددهم وضعف قدرتهم على حشد قواهم لربما رأينا تعاملاً إيرانيًا مختلفًا مع طالبان، لكن الأوامر جاءت لهم من طهران بعدم استفزاز الحركة المسلحة في ظل ميل كفة ميزان القوى لصالحها، خاصةً وأنها تتمتع بمعنويات عالية بعد تغلبها على جيوش الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة.

ومن الواضح أن طهران تستخدم اليوم في أفغانستان نفس قواعد اللعبة التي استخدمتها في العراق من قبل -مع الفارق بين الحالتين-.

ففي العراق ظلت إيران تحشد القوى الشيعية تحت رايتها خلال عهد الاحتلال الأمريكي وتستثمر في الوقت والظروف لتأسيس ميليشيات مسلحة تابعة لها وتخدم أجندتها وتقاتل أهل السنة حتى دمرت قوتهم وهجرت الملايين منهم وأسالت دماء مئات الآلاف في حرب طائفية أفضت إلى تمكين طهران من رقبة جارها الغربي الذي فشلت في هزيمته في ساحات المعارك في حرب استمرت ثمان سنوات.

وفي أفغانستان يسابق الحرس الثوري الزمن لحشد القوى الشيعية والمتحدثين بالفارسية وتنظيم صفوفهم لتمكينهم من انتزاع نفوذ مؤثر في بلادهم تستطيع طهران استخدامه للضغط على كابول لتقديم تنازلات لها في الملفات الخلافية عندما ترى قدرتها على إشعال الداخل الأفغاني وتهديد سلطتها بشكل جدي.

وجريًا على أسلوبها المعهود، تعاونت طهران مع كل الأطراف داخل الساحة الأفغانية لتحقيق أهدافها، لكن أقلية الهزارة التي تُقدر نسبتها بعُشر السكان ظلت هي الورقة الأهم لديها في أفغانستان.

وخلال العقد المنصرم كونت إيران بالفعل جيشًا أفغانيًا شيعيًا بخبرات قتالية عالية وتسليح حديث ويدين بالولاء للمرشد الأعلى تحت اسم “فاطميون”.

وكما حدث في العراق حين استغلت طهران الشيعة الذين قاتلوا معها ضد بغداد كفيلق بدر في تأسيس قوات الحشد الشعبي، فإن اللاجئين الأفغان من شيعة الهزارة الذين قاتلوا في الحرب ضد العراق ضمن «لواء أبو ذر» أسسوا ميليشيات فاطميون.

وبدأت فاطميون العمل منذ عام 2013 تحت قيادة علي رضا توسلي أحد المقاتلين القدامى في «لواء أبو ذر» الأفغاني، ولا يوجد تعداد معروف لتلك القوات لكنها تُقدر بعشرات الآلاف، وسبق أن أعلن صمد رضائي، أحد قادة الميليشيا في سبتمبر 2018 أنها تضم 80 ألف أفغاني.

وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف دعا الحكومة الأفغانية -قبيل سيطرة طالبان على الحكم- لضم «فاطميون» إلى قواتها، زاعماً أن عددهم صغير ولا يتجاوز خمسة آلاف، أي لا يمثلون تهديدًا، وبعد قدوم طالبان للحكم لم تتوقف طهران عن الضغط عليها لإفساح المجال أمام تمكين الهزارة وحلفائهم من اكتساب نفوذ أكبر، وفي نفس الوقت ظل تسرب عناصر فاطميون إلى الداخل الأفغاني أحد مهددات الأمن داخل البلاد.

وخلال حركة التمرد المسلح بقيادة مولوي محمد مهدي مجاهد، شارك عناصر فاطميون في هذه الحركة المحدودة التي أُخمدت سريعًا الصيف الماضي، ولا تزال القوة الضاربة من الميليشيا تقاتل في سوريا ولا يعلم أحد متى وكيف سيقرر الحرس الثوري إعادتها إلى بلادها.

برعاية إيرانية.. ما الذي يريده صهر زعيم القاعدة من أفغانستان؟

وعطفًا على ذلك فإنه ليس من المصادفة أن يتولى مصطفى حامد، مهندس اختراق إيران للقاعدة، الترويج لمحاولات الحرس الثوري لاختراق أفغانستان، فالمُشغل واحد والمشروع واحد والهدف واحد تتعدد مساراته وتختلف أساليب تنفيذه لكنها تتعاضد في النهاية لتمكين المرشد الإيراني من تحويل أفغانستان إلى عراق آخر.

ويمكن تلخيص أهداف مصطفى حامد في أفغانستان في رغبته بالحد من استقلالية قيادة حركة طالبان وجعلها تابعة للنظام الإيراني، حامد ليس ساذجا ويعلم تماما أن كل هذا ليس في مصلحة أفغانستان أو طالبان، ولكنه لا يريد إضاعة الوقت ويريد الاستفادة من الضعف العميق الموجود الآن داخل حركة طالبان في البلاد وخارجها. كما يريد كسب المزيد من الوقت والقوة على الأرض بالنيابة عن إيران قبل أن تستيقظ طالبان للخطر المحدق بهم.

وليس من المصادفة أيضًا أن يرمي الرجل بثقله في صف شبكة حقاني تحديدًا، أخطر أجنحة حركة طالبان، ويظل لسنوات متتالية يمتدح في مؤسس الشبكة، جلال الدين حقاني، دون غيره من قادة الحركة، ويكتب عنه عشرات المقالات في مجلة الصمود، فشبكة حقاني هي همزة الوصل بين القاعدة وطالبان، وهي الجناح الذي آوي عناصر القاعدة ووفر لهم الملاذات الآمنة لفترة طويلة، لذا يعرف حامد بحكم علاقاته وخبرته أن هذه الشبكة هي مدخله إلى طالبان، وأن ما تتمتع به هذه المجموعة من ثقل في أفغانستان اليوم كفيل بأن يفسح أمامه الطريق لتحقيق أحلامه ومؤامراته إن استطاع إقناع قادة الشبكة بتبنيها.

أحمد مسعود لأخبار الآن: طالبان حوّلت أفغانستان إلى ملاذ للإرهابيين وجحيم للشعب