تونس ليس لديها الحد الأدنى من السيادة الغذائية ووضعية الحبوب فيها كارثية

  • تونس لا تملك اكتفاءها الذاتي من الحبوب وهي تحت رحمة الخارج
  • الأزمة نتيجة سنوات من التراكمات لأنه لا توجد استراتيجية واضحة من قبل الدولة

تعيش تونس في الفترة الأخيرة على وقع أزمة حبوب، جعلت نقابة الفلاحين في البلاد يطلقون صيحة فزع كما عبّرت النقابة التونسية للفلاحين، عن عميق قلقها لما آلت إليه مزارع الحبوب والأعلاف خاصة بالولايات المنتجة على غرار باجة والكاف وسليانة وجندوبة وزغوان نتيجة انحباس الأمطار وعوامل أخرى.

وفي هذا الإطار أجرت “أخبار الآن” حوارًا مع العضو في المكتب التنفيذي للنقابة التونسية للفلاحين والخبير في السياسات الفلاحية فوزي الزياني الذي أكد أن تونس تعيش أزمة  حبوب وزراعات كبرى منذ سنوات، لأنها تستورد 65% من احتياجاتها من الحبوب وهذا الرقم هو رقم صادم وفق تعبيره.

وأضاف الزياني:”الدول التي تحترم نفسها وحتى قبل الأزمات التي عاشها العالم كجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، لا تقبل بأن تكون في هذه الوضعية”.

وأشار إلى أن تونس ليس لديها الحد الأدنى من سيادتها الغذائية الوطنية لأن 65% هو رقم مفزع ويجعل البلاد تابعة للخارج بشكل مباشر.

لا يوجد سياسة في تونس في السنوات الأخيرة لمراجعة الخارطة الفلاحية أو التساؤل حول الزراعات الاستراتيجية التي يجب الاستغناء عنها أو الزراعات التي يجب المحافظة عنها، وذلك وفق الزياني.

تونس مدينة للخارج ولا تملك اكتفاءها الذاتي من الحبوب 

شدد النقابي التونس على أن تونس في مرحلة خطر في ما يتعلق بالحبوب إذ أن 40 بالمئة من الأراضي الفلاحية التي تبلغ 5 ملايين هكتار هي معدة للزراعات الكبرى وهذا جعل الإنتاج بعد أزمة المناخ وغياب برنامج إصلاحي شامل ينخفض بشكل كبير وفي المقابل يرتفع التوريد.

ومن سلبيات التوريد وفق الزياني:” أننا من جهة مدين للخارج ولا تملك الاستقلالية الفلاحية أو الاكتفاء الغذائي وكذلك نحن حاليا تحت رحمة ارتفاع الأسعار في الخارج”.

البلاد تستهلك بمعدل 32 مليون قنطار من الحبوب في حين أن الانتاج لن يتجاوز هذه السنة 3 مليون قنطار من الإنتاج

بالنسبة للموسم الفلاحي 2022/2023  وتبعا للأزمات السياسية العالمية وأزمة المناخ التي تعيشها تونس وعدم القيام بالإصلاحات الضرورية ستضطر تونس

في الموسم الحالي وابتداء من الآن لاستيراد كميات أكبر.

تونس كما ذكر النقابي في العادة تستورد 65% من الحبوب  وعلى ضوء الظروف الحالية هناك إمكانية كبيرة لأن يبلغ الاستيراد 90 % من  احتياجاتها في مجال الحبوب كما أن البلاد تستهلك بمعدل 32 مليون قنطار من الحبوب في حين أن الانتاج لن يتجاوز هذه السنة 3 مليون قنطار من الإنتاج.

وقال فوزي:” يعني سنكون  مضطرين لاستيراد 90% من الحبوب وهذا رقم مخيف لأن السؤال المطروح هو هل نحن قادرين على إيجاد هذه الكمية في العالم وبأي أموال خاصة وأن ميزانية الدولة تعيش مشاكل كبرى”.

عضو نقابة الفلاحين في تونس لـ"أخبار الآن": لا نملك ما نحتاجه من الحبوب وسنضطر لاستيراد 90%

الجفاف المتواصل وميزانية الدولة والغزو الروسي لأوكرانيا وراء الأزمة

يعتبر عضو نقابة الفلاحين أن الغزو الروسي لأوكرانيا ساهم في ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ وهذا يثقل الميزانية والموارد المالية الوطنية بشكل كبير ويساهم في اختلال التوازن الغذائي التجاري يعني أصبح التوريد أكثر من التصدير وهذا يثقل الميزانية العمومية لأنه تم رصد العديد من العملة الصعبة من أجل الحصول على المواد الغذائية الأساسية الضرورية.

تأثيرات الحرب الروسية الاوكرانية واضحة من جانبين أولا الحبوب والمنتوجات الأساسية ارتفعت أسعارها بشكل كبير.

وأضاف الزياني:” حين تكون الدولة شبيهة بتونس تواجه عجزا تجاريا كبيرا كيف ستواجه هذا الغلاء لأن هذه المنتوجات مدعومة وتثقل ميزانية الدولة”.

النقطة الثانية هو عدم توفر الحبوب بالشكل الكافي في العالم بسبب تراجع الانتاج بسبب الحرب كما أن روسيا خلقت كذلك شقوقا في العالم مما خلق صعوبات في التزود بالحبوب.

كما أن ميزانية الدولة فيها نقص كبير إذ هناك بواخر حبوب راسية في ميناء صفاقس بالتحديد لمدة أكثر من شهر ولم تتمكن تونس من إخراجها بسبب الأمور المالية وأكد فوزي أن المشكلة عميقة في تونس وتتلخص في المالية العمومية.

ارتفع توريد الحبوب  بالنسبة لتونس خاصة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا لكن أيضا بسبب الجفاف المتواصل الذي تعيشه تونس وأزمة المناخ التي مست بقطاع الحبوب.

تونس ليس لديها الحد الأدنى من سيادتها الغذائية ووضعية الحبوب فيها كارثية

صورة من وادي مجردة في باجة الذي يشهد تراجعا كبيرة في نسبة مياهه

إذ تشهد البلاد موسم جفاف تاريخي جعل الدولة تتخذ إجراءات قاسية تمس بشكل أول بالفلاحين تتمثل في أساسا في حرمانهم من الري الفترة الأخيرة بسبب أزمة المياه المتفاقمة.

فلاحون وجها لوجه مع قساوة المناخ والقرارات الحكومية

التداعيات على الفلاحين كبيرة وفق الزياني، في تونس 85 بالمئة من الفلاحين هم فلاحين صغار والإجراءات الأخيرة التي اتخذتها وزارة الفلاحة لترشيد استهلاك المياه مست بشكل كبير صغار فلاحين.

وقال النقابي:” ماهو مصير الفلاح الصغير وكيف سيعيش في مواجهة هذه الظروف؟”

وأضاف:” هناك خوف من مغادرة الفلاحين هذه المهنة وتصبح المزارع والأراضي خالية من الحبوب وأصحابها”.

المتضرر الأول هو الفلاح بالنسبة لعضو نقابة الفلاحين الزياني وفي هذا الإطار تنقلت أخبار الآن إلى مدينة باجة، التي تشتهر بمزارع الحبوب وفلاحي الزراعات الكبرى.

أنيس الفرشيشي، مهندس فلاحي في الأصل تخلى عن وظيفته، ووهب أمواله وجهده ووقته للفلاحة يعيش كبقية فلاحي مدينة باجة، تحديدا في مجاز الباب ظروفا صعبة وصرح الفلاح لأخبار الآن”هذا العام هو عام جفاف أواجه أزمة كبيرة أنا وبقية الفلاحين الصغار، الآلة الحاصدة لن تحصد شيئا هذه السنة.”

 

وأضاف:” نسبة الخسارة تقدر بـ99% هذا العام وليس لدي أي صابة، لن أسترجع المصاريف التي تكبدتها من أجل الحبوب”.

بالنسبة لأنيس العامل الأول والأساسي هو نقص الأمطار هذه السنة.

كما ذكر الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت بشكل كبير على الفلاح من ناحية نقص المكملات الزراعية هذا إلى جانب الغلاء وارتفاع أسعار الأدوية التي يتم استغلالها في الزراعات الكبرى.

أكد الفرشيشي:” أعطينا الأرض ما تستحقه من حرث وزرع وأسمدة لكن لا يوجد أي نتيجة لأن الأمطار تقريبا منعدمة”.

كما أشار إلى أن هذا العام هو عام لم يتكرر في تاريخ البلاد إذ قال:” مررت كفلاح بسنوات سابقة كانت فيها الأمطار قليلة لكن ليس بهذا الشكل، هذه السنة كارثية وقاحلة بأتم معنى الكلمة، هذه المرة الأولى في حياتي التي أشهد فيها موسما مشابها”.

وأضاف أنيس:” لم نجد أي حل ولا يوجد أي دعم والمياه لا توجد حتى للشرب كما أنني لا أتصور أن يكون لدينا تصدير قمح أو شعير من الصعب أن نوفر حتى ما يكفينا لأكله”.

عضو نقابة الفلاحين في تونس لـ"أخبار الآن": لا نملك ما نحتاجه من الحبوب وسنضطر لاستيراد 90%

صورة أرض فلاحية مزروعة بالحبوب خالية تقريبا من السنابل (أخبار الآن)

محسن الهمامي، فلاح آخر من باجة يضم صوته لأنيس ويؤكد أن هذه السنة هي سنة تاريخية ولم يشهدها طول سنوات عمله وأكد أن المشكلة هي نتيجة سنوات من التراكمات لأنه لا توجد استراتيجية واضحة من قبل الدولة لقطاع الفلاحة.

كما أشار محسن:” الفلاحون في عام الجفاف متضررون جدا وفي عام الإنتاج متضررون أيضًا لأن الدولة لا توفر  طريقة تخزين مناسبة فنضطر لنبيع منتجاتنا بأسعار بخسة دون أن نخزن شيئا”.

عضو نقابة الفلاحين في تونس لـ"أخبار الآن": لا نملك ما نحتاجه من الحبوب وسنضطر لاستيراد 90%

أطلق محسن صيحة نجدة وطلب من الدولة أن تلتفت لقطاع الفلاحة والفلاحين وتمد بيد العون لهم لأن الوضع لم يعد يحتمل إهمالا أكبر.

كما دعا إلى تخفيف القيود على المياه لأن الأراضي عطشى وهذا العطش سيتحول إلى جوع قريب.

وتواجه تونس أزمة جفاف حادة مع تراجع نسبة تساقط الأمطار ولم يتجاوز معدل امتلاء السدود 31% ليصل بعضها إلى أقل من 15% في بلد يعتمد اقتصاده أساسا على الزراعة.