أنظار العالم مشدودة نحو ما يجري اليوم بين روسيا وأوكرانيا… فالحرب طاحنة والترقب هو سيّد الموقف، فيما تختتم حرب فلاديمير بوتين على كييف عامها الأول مَعَ حلول الـ 24 من شباط المقبل.

السؤال، ما الذي يمكن أن يجري عشيّةَ تلك الذكرى؟ قرار الغرب بإرسال الدبابات إلى أوكرانيا يدفع البعض إلى طرح سؤال غير مريح: هل ذلك يعني أنّ حلف الناتو الآن في صراع مباشر مع روسيا؟ تلك التطورات أعقبتها مواقف لافتة من الجانب الروسي، إذ قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إنّ إرسال دول غربية دبابات إلى كييف، هو بمثابة تورط مباشر في النزاع، فيما قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري مدفيديف إنّه إذا ما نشبت حرب عالمية ثالثة، سيتحوّل العالم إلى رماد ولن تفيد الدبابات. فما مدى فاعلية ذلك النوع من الأسلحة وهل تكفي لكسب المعركة؟ تردد ألمانيا في الموافقة على إرسالها، كيف يمكن أن يؤثر على سمعتها ودورها القيادي في أوروبا؟ ما الغرض من تأخير إصدار الموافقة؟ وماذا عن الملكية المشروطة للأسلحة؟

في لقاء خاص كانت أجرته “أخبار الآن” مع نائب وزير الخارجية البولندي بافيل جابلونسكي (Paweł Jabłoński)، قال إنّ “أوكرانيا تستطيع استخدام دبابات ليو بارد 2 بشكل فعّال انطلاقاً ممّا أظهرته إلى اليوم، إذ نجحت كييف في استخدام أكثر من 300 دبابة وآلية ومركبة مدرعة بولندية أعطيت لها بين مايو 2022 ويناير 2023،، مضيفاً: “إذا قامت كلّ دولة بتقديم 20 أو 30 دبابة، فذلك سيُحدث فرقاً كبيراً، وإذا تمكّنا من إنشاء لواء دبابات فذلك سيُغيرّ وجه العدوان”.

بعد أيّام من الضغط الديبلوماسي من قبل حلفائها في الناتو، أعلنت ألمانيا يوم الأربعاء أنّها سترسل دبابات ليوبارد 2 إلى أوكرانيا، وهي خطوة مهمة يمكن أن تقلب التوازن بشكل حاسم لصالح كييف. لماذا تأخرت ألمانيا في الموافقة على إرسال الدبابات إلى أوكرانيا في ظلّ الظرف الصعب؟ في ذلك السياق، يقول المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دنيس كوميتات (Dennis Kumetat)، في حديث خاص لـ”أخبار الآن”، إنّ “قرارات مثل تلك القرارات التي تتعلق بموضوع السلحة بحاجة إلى حصول مشاورات وتنسيق عميق مع الحلفاء والأصدقاء في الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وبالتالي فمن الطبيعي أن تحصل على عمليات تنسيق على مستوى رفيع بما يخص تقديم الدعم العسكري على ذلك المستوى”.

لماذا تعتبر ملكية الدول للأسلحة مشروطة.. وهل أدخلت الدبابات الناتو بصراع مباشر مع روسيا؟

 

وحول الجدل الذي حصل بين ألمانيا ودول حلف الناتو على خلفية تسليم الدبابات إلى أوكرانيا، قال كوميتات إنّه لا يعتقد أنّ هناك جدلاً مع حلفاء ألمانيا في أوروبا، بل “هناك اختلافات يمكن اعتبارها صغيرة لكنّها استراتيجية، ويمكن إدراج ذلك في إطار الأمور العادية، وبالتالي الأمور تتمّ مناقشتها في إطار حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي”. وأشار إلى أنّ “تلك الحرب العنيفة والدموية هي غير الشرعية وتضرّ الشعب الأوكراني بالصميم، وبالتالي ليس هناك من انقسام طالما أنّ الهدف الوحيد هو أنّنا لا تريد أن نخسر أوكرانيا”، وذلك في سياق ردّه على ما إذا كان ذلك الجدل أحدث شرخاً أو انقساماً بين الدول الاوروبية.

 

هل ثمّة تأثير روسي في قرارات ألمانيا؟

مع تردّد ألمانيا في إعطاء الموافقة على إرسال دبابات ليو بارد 2 إلى أوكرانيا، برز الحديث عن مدى قدرة موسكو على التأثير في صنع القرار الألماني على أعلى المستويات، وفي ذلك السياق كشف كوميتات لـ”أخبار الآن“، أنّ هناك محاولات من قبل روسيا للتأثير في الراي العام الألماني وفي بلدان أخرى أوروبية وأفريقية، لكنّه شدّد على أنّ “القرارت السياسية لبرلين تصنع وتؤخذ في ألمانيا فقط”.

ذلك يدفع إلى التساؤل حول كيفية تأثير ذلك التدخل الروسي على دور ألمانيا في أوروبا، فقال إنّ “دور ألمانيا في أوروبا مؤثر ومهم لكنّ برلين لا تسعى إلى قيادة أوروبا، وبالتالي نحن نريد أن نعتمد مبدأ التنسيق والمشاورات مع أصدقائنا وحلفائنا في إطار الإتحاد الأوروبي، وذلك ما فعلناه الأسبوع الماضي في ما يخصّ تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا مع حلفائنا، وبالتالي ليس هناك من تأثير سلبي على القرار الألماني الأخير”.

لماذا تعتبر ملكية الدول للأسلحة مشروطة.. وهل أدخلت الدبابات الناتو بصراع مباشر مع روسيا؟

 

وكان نائب وزير الخارجية البولندي شرح الأسباب الكامنة خلف تأخّر ألمانيا في تزويد أوكرانيا بالدبابات، فتطرق إلى الحضور الروسي البارز في بعض الصروح السياسية والأكاديمية والصحافية في ألمانيا، مستذكراً المستار الألماني السابق جيرارد شرودر (Gerhard Schroder) الذي حصل على مراكز مهمّة في شركات روسية، وكانوا يكافَؤونه على سياسته المؤيّدة لروسيا، بحسب جابلونسكي.

وتابع: “في ألمانيا مازال يوجد الكثير من الناس المؤيدين لروسيا، صحيح أنَّهم لا يجاهرون كثيراً بذلك تلك الأيام لكنَّهم يؤثّرون على السياسة، ولذلك مازال هناك الكثير من التردّد في دعم أوكرانيا، ومن المهم جداً تغيير تلك الأفكار، ونحن نعمل باستمرار على المستوى الديبلوماسي لتحقيق ذلك، وإذا لم تتغيّر فسيكون تأثير ذلك سيء جدّاً على أوروبا وعلى ألمانيا أيضاً، لأنَّ ذلك سيُدمر سمعتها وقيادتها ومصداقيتها، من المهم جدّاً مواصلة العمل الديبلوماسي ونحن نقوم بذلك مع شركائنا الآخرين”.

ملكية مشروطة للأسلحة.. ماذا يعني ذلك؟

انتظار موافقة ألمانيا على تسليم أوكرانيا الدبابات أثار الاهتمام بملف عقود الأسلحة بين الدول، وهنا شرح المحامي أنطوان صفير (Antoine Z Sfeir)، وهو أستاذ في القانون الدولي، أنّ “الاتفاقيات تلك هي اتفاقيات بيع وشراء سلاح، وبالتالي هي تخضع لعقود كما كلّ العقود التجارية وغيرها، وتتضمن شروطأً عامة وأخرى خاصة، أي أنّ الدولة التي تبيع بعض الأسلحة، ونظراً لتقنيتها العالية أو لأمر دقيق فيها كونها تستخدم في عمليات غير تقليدية، يمكنها أن تضع شروطاً على كيفية الاستخدام لناحية مَنْ سيدير تلك الأسلحة، وربما الدولة التي تبيع تشترط أنّ خبراء لديها هم مَنْ يقومون بتدريب الجيش عليها نظراً لخطورتها في بعض الأحيان كالأسلحة النووية مثلاً، أو لسرية التقنية المعتمدة في صناعتها.

 

وتابع أنّ “الدولة التي تبيع السلحة إلى جهة أخرى يمكنها أن تفرض في العقود الدولية، والتي تسمّى عقود بيع سلاح دولية، شروطاً عديدة لأنّه لا يجوز ولا يمكن لدولة أن تبيع الأسلحة إلى جهة أخرى بعدما كانت اشترتها من الدولة المصنّعة، كما لا يمكن بيعها لميليشيات أو لقوى غير نظامية محظورة دولياً، كما لا يمكن وهبها”.

شاهدوا أيضاً: أربعون مليوناً من السودانيين جوعى على تلال الذهب.. فمَنْ ينهب ثرواتهم؟