يشير مسار المستجدات التي فرضتها حرب روسيا على أوكرانيا، إلى أنّ تتار القرم لم يكونوا يوماً راضين- تاريخياً- على بقائهم تحت رحمة السلطة الروسية التي غزت شبه الجزيرة، موطنهم الأصلي. النقص الحاد في الجنود، دفع بوتين إلى إعلان التعبئة “الجزئية” كما تمّ الترويج لها.

وفي ذلك السياق، فُرض على التتار التجنيد، وقد حاولت روسيا استغلالهم أكثر من الروس الأصليين في تلك الحرب، لكنّهم رفضوا الإنصياع إلى أوامر بوتين والتعبئة. تعيش تلك الأقلية تحت سطوة الروس وبطشهم، فمنهم مغلوب علبى أمرهم وهم يخضعون للتهديد والترهيب، منهم مَنْ حاول الفرار تجنّباً للدخول في تلك الحرب، فيما انضم آخرون إلى القوات ألأوكرانية للقتال في صفوفها ضد الروس الغزاة.

ما سر كسب أوكرانيا محبّة المسلمين التتار؟

في لقاء خاص وحصري مع “أخبار الآن“، يتحدث رأس الديبلوماسية الأوكرانية، وزير الخارجية ديمترو كولبا (Dmytro Kuleba)، عن مسألة وقوف التتار إلى جانت أوكرانيا وليس روسيا، التي اضطهدتهم على مرّ التاريخ، وقد رصدت “أخبار الآن” ميدانياً مدى حماسة التتار الذين يخدمون في القوّات الخاصة الأوكرانية.

يقول ديمترو كولبا: “لا يوجد سر معين، الأوكرانيون هم من الأرثوذكس، وتتار القرم مسلمون، نحن عشنا مع بعضنا البعض على مدى قرون، والمشكلة الوحيدة التي ظهرت في حياتنا هي روسيا التي غزت شبه جزيرة القرم وطردت تتار القرم من أرضهم، واستقلال أوكرانيا هو الذي ساعد تتار القرم على التحضير للعودة إلى أرضهم في شبه جزيرة القرم، ثمّ عادت روسيا واحتلت شبه جزيرة القرم في العام 2014. ربّما نحن الأوكرانيين وتتار القرم ننتمي إلى ديانات مختلفة، لكن كلانا يعبد الإله نفسه الذي يقف إلى جانبنا لأنّنا نحمي أرضنا وهويتنا وأمتنا، ونحن ندعم بعضنا البعض، ونعرف أنّ روسيا هي عدونا المشترك وندرك أنّ وجود أوكرانيا حرّة ومزدهرة هو ضمانة لمستقبلنا، ذلك كلّ ما في الأمر، ذلك هو السر”.

وزير خارجية أوكرانيا لأخبار الآن: مصيرنا وتتار القرم واحد.. وروسيا عدوّنا المشترك

كولبا: نأسف لوقف مسلمي روسيا إلى جانب نظام بوتين

وعمّا إذا كان المسلمون في روسيا على علم بمحنة تتار القرم تحت الحكم الروسي، أسف وزير الخارجية الأوكراني “لوقوف المسلمين في روسيا إلى جانب بوتين لا إلى جانب إخوانهم من تتار القرم العام 2014 عندما احتُلت شبه جزيرة القرم”. وتابع: “للأسف الآن أيضاً يقاتل المسلمون الروس إلى جانب الجيش الروسي ضدّ أوكرانيا في تلك الحرب غير المبررة… الإسلام يقول إنّه من المسموح المشاركة في القتال إذا ما كانت الحرب من أجل هدف محق، لكن تلك حرب جائرة، إنّه اعتداء من بلد على بلد آخر، لذا من المؤسف رؤية المسلمين يؤيدون روسيا في السياسة عوضاً عن إتباع تعاليم الله”.

وأضاف: “عندما قام جوزيف ستالين بطرد تتار القرم من شبه جزيرة القرم في العام 1944، تمّ إرسالهم إلى جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز، قصة تلك المأساة معروفة جدّاً، لكن ما يجب أن يعرفه كلّ مسلم هو أنّ الدولة الروسية تقوم على الأسس  المسيحية الأرثوذكسية المحافظة، والكنيسة على صلة وثيقة بالحكومة وبالرئيس الروسي، إذاً ذلك يضع المسلمين وغيرهم من ممثلي الطوائف الأخرى في موقف ضعيف، لأنّه في أيّ لحظة يمكن لذلك التضافر بين العقيدة الروسية والسياسة الرسمية الروسية أن ينقلب ضدّهم، يجب أن يقفوا إلى جانب مَنْ يقاتل ضدّ ذلك التضافر الخطر بين الدين والسياسة”.

تتار القرم تحت الترهيب

تجدر الإشارة إلى أنّ القوات الروسية كانت غزت شبه جزيرة القرم العام 2014 وأجبرت المدنيين على المشاركة في استفتاء مثير للجدل من شأنه أن يحدد مستقبل شبه الجزيرة، حيث بقي التتار غير راغبين في العودة إلى براثن الروس، وهم أقلية تعرف بمقاومتها الاحتلال الروسي في شبه الجزيرة لعدة قرون.

وإبّان الاستفتاء، يروي التتار كيف صوتوا تحت تهديد السلاح ولم يُمنحوا سوى القليل من الخيارات، أبرزها الموافقة على الانتقال إلى القيادة الروسية، ليتم دفع تتار القرم مرّة أخرى إلى وضع الأقلية، حيث تدفق ما يقدّر بمليون من العرق الروسي إلى شبه الجزيرة بعد الضم. ومرّة أخرى وعلى يد “العدو القديم”، تعرّض تتار القرم بشكل للمراقبة المستمرة والقمع على وسائل الإعلام الخاصة بهم، إذ أنّ أي انتقاد لقوّة الاحتلال يؤدّي إلى تحضير تهم ملفقة بالإرهاب وترحيل سريع إلى السجون.

العام 2016، جعلت روسيا من المستحيل على أولئك الذين ليس لديهم جواز سفر روسي، الحصول على الرعاية الطبية أو التعليم أو التأمين الصحي الإلزامي للعمل في شبه جزيرة القرم. في العام 2020، حظرت روسيا على غير الروس امتلاك العقارات في معظم شبه جزيرة القرم.

تاشيفا: نقاتل من أجل شعبنا

وكانت “أخبار الآن” أجرت لقاءً خاصاً مع الممثلة الرئاسية لأوكرانيا في شبه جزيرة القرم تاميلا تاشيفا (Tamila Tasheva)، التي أكّدت على مواصلة القتال من أجل تحرير شبه الجزيرة وشعبها، قائلة: “نحن نقاتل ليس فقط من أجل أراضينا بل أيضاً من أجل شعبنا الذي يعيش راهناً في أراض محتلّة في جزيرة القرم وفي مدينة سيفاستوبول، وهم يتعرّضون للاضطهاد من قبل سلطات الاحتلال الروسية، فيما أوكرانيا لن تقبل بالحلول الوسطى في ما يخصّ وحدة أراضيها”.

شاهدوا أيضاً: هل يواجه تتار شبه جزيرة القرم القتل والتهجير مرّة جديدة؟