هذه المرة بفعل “صفر كوفيد” .. طغيان الحزب الشيوعي الصيني يتواصل ضد الإيغور

مع نهاية يوم الخميس ٢٤ نوفمبر، ازدحمت منصات التواصل الاجتماعي بفيديوهات من (أورومتشي) عاصمة إقليم شينجيانغ في أقصى شرق الصين حيث يسكن الإيغور المسلمون الذين يجمعهم بالحزب الشيوعي الحاكم في الصين تاريخ دامٍ ومضطرب.
لم تنجُ النساء والأطفال في ذلك المكان. ولم يمض وقت طويل قبل أن يدرك الشاب محمد علي أن والدته وأختيه وأخويه قُتلوا في الحريق.

محمد علي، الذي فرّ مع شقيقته شرافة إلى تركيا قبل خمسة أعوام، يقول إن البرج قريب من دائرة الإطفاء ومن ثكنة عسكرية مجهزة بكل ما يلزم لإنقاذ العالقين في الطوابق العليا من البرج. إلا أنهم استغرقوا خمس ساعات لإخماد النار بسبب إجراءات سياسة (صفر كوفيد) التي ينتهجها الحزب الحاكم في بكين. في تلك الأثناء، كان المنكوبون اختنقوا بالدخان أو تفحموا باللهيب.

صفر كوفيد

بعد ثلاثة أعوام على تفشي وباء كوفيد، لا يزال الحزب الحاكم في الصين بزعامة (شي جين بينغ) يطبق سياسة (صفر كوفيد) بفرض الإغلاقات طويلة الأمد بهدف الحفاظ على عدد الإصابات بالفيروس في حدها الأدنى. فرضت آخر موجة إغلاقات في سبتمبر الماضي؛ أي أن من الصينيين من مضى عليه محبوساً في منزله ١٠٠ يوم متواصلة.

بموجب هذه السياسة، تُغلق الأبواب من الخارج في المناطق التي تُصنف ”خطرة“ أو الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس. فحتى لو حاول أحد من ساكني البيت الهروب، لن يستطيعوا تكسير الأقفال.

ما حدث في برج (أورومتشي) هو أن سكان الطوابق المنكوبة لم يستطيعوا النجاة بأنفسهم. فالأبواب كانت موصدة من الخارج. كما أن الجهات المعنية من إطفاء وإسعاف تأخر في التصرف لإهمال واضح ولأنهم ينتظرون الأوامر للتحرك بموجب سياسة الصفر كوفيد هذه.

الغريب هو أن الحزب الحاكم لا يمارس الحماس ذاته في إلزام المواطنين باللقاحات المضادة لفيروس كوفيد ١٩؛ بل إن دور الحكومة في هذه المسألة لا يكاد يُذكر.

كالنار في الهشيم

اندلعت احتجاجات في (أورومتشي) تطالب السلطات بتخفيف الإجراءات المفروضة عليهم بحجة ضبط انتشار فيروس كوفيد ١٩. لكن اللافت هو أن الاحتجاجات سرعان ما انتشرت إلى مدن رئيسية كبرى في الصين: أوقدت الشموع ونُثرت الزهور على أرواح من قضى من الإيغور، ورُفعت لوحات بيضاء بلا كلمات. في مناطق أخرى، اشتبك المحتجون مع رجال الشرطة والأمن وهم يرددون شعارات تطالب بإسقاط الحزب الحاكم وزعيمه (شي جين بيغ). هذه أيام نادرة تُذكر بثورة (تيانانمين) في ١٩٨٩.

عالم اللغة الإيغوري، عبدالوالي أيوب، وصف ما يحدث بأنه ”نار“ سوف ”تخفف من سطوة النظام (الصيني) الفاشي؛ حتى لو لن تحرقه أو تحوله إلى رماد.“

أكثر الاحتجاجات أهمية كانت في مدينة شنغهاي، العاصمة التجارية في الصين وأكبرها سكاناً، فبدأت من طريق شهير اسمه (ولوموتشي) وهو الاسم الصيني لـ(أورومتشي). يقول محمد أمين، منسق العلاقات العامة للاتحاد العالمي لمنظمات تركستان الشرقية، إن ما حدث يناقض الرواية الصينية التي ما انفكت ”تزرع“ في عقول الصينيين أن الإيغور إرهابيين.

 

 

العلاقة بين الإيغور وهم عرقية تركية مسلمة والدولة الصينية علاقة مبنية على عدم الثقة. فالحزب الحاكم ينظر إليهم على أنهم انفصاليون، والإيغور يعتبون على الدولة الصينية تعاملها معهم كمواطنين من الدرجة الثانية.

قمر النساء

محمد علي وأخته شرافة لم يريا والدتهما، قمر النساء عبدالرحمن، منذ خمسة أعوام عندما فرّا من الصين إلى تركيا. كان ذلك بعد عام من اعتقال والدهما وإرساله إلى معسكرات الاعتقال التي تقول عنها الحكومة الصينية إنها ”معسكرات تأهيل“ أو ”إعادة التعليم“ ولكنها في الحقيقة سجون ضخمة فيها برامج مصممة لكسر إرادة الإنسان الحر. يُعتقد أن ثمة مليون إيغوري مسجون في هذه المعسكرات.

يذكر محمد علي أن والدته كانت دائماً طيبة المعشر. يقول: ”كانت تحب الناس وتحسن معاملتهم سواء كانوا جيراناً أو أقرباء.“ طوال الأعوام الخمسة الماضية، كانت قمر النساء ترعى أطفالها: بنتين وثلاثة أولاد. يقول محمد إن له أخاً يكبره سناً لكنه لا يعرف عنه شيئاً. ”لا أدري إن كان يعمل أو معتقل.“

الشاب الإيغوري محمد علي لـ "أخبار الآن": علمت بوفاة أمي وأخوتي في حريق أورومتشي من وسائل التواصل

حرصت قمر النساء على تعليم أولادها ولهذا أرسلت محمد وشرافة إلى تركيا. يقول محمد: ”آخر ما قالته لي أن أحرص على دراستي وعلى هويتي وأن أعود (إلى شينجيانغ) وقد نجحت.“
قضت قمر النساء مع ابنتيها شهيدة ونهدية وولديها عمران وعبدالرحمن.