موسكو مُصمّمة على ضمّ زابوريجيا لأراضيها لضمان سيطرتها على محطة انيرغودار النووية ولقطع الطاقة عن كييف، لكنَّ أوكرانيا تقاوم، فهل فعلا تسيطر روسيا على ذلك الإقليم المهم وسط نجاح كييف في استعادة عدد من المدن المحتلة؟

ساعات قليلة قبل إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضمّ كل من دونتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا إلى روسيا الإتحادية، بعد انتهاء الإستفتاء الذي أُجري لسكان تلك المناطق، والذي  استمر لأربعة أيام، قصفت القوات روسية قافلة مدنية في مدينة زابوريجيا (Zaporizhzhia) قاضيةً على حياة أكثر من 30 شخصاً أرادوا العبور إلى أقربائهم في خيرسون. وفي صباح اليوم التالي استعادت القوات الأوكرانية مدينة ليمان (Lyman) الاستراتيجية والواقعة في مقاطعة دونتسك التي أيضاً كان قد احتفل بوتين بتحريرها. واليوم الثلاثاء، بعد حوالى الأسبوع، حققت كييف مكاسب جديدة في الجبهة الشرقية حيث نجحت بضم مناطق بالقرب من مدينة خيرسون التي كان قد أعلن بوتين ضمَّها أيضاً.

تلك الأحداث تطرح أسئلة حول حقيقة السيطرة الروسية على تلك المدن بعيداً عن إحتفالية الكرملين، وما وُقّع هناك بين بوتين ومَنْ تزعم روسيا أنَّهم رؤساء تلك الأقاليم الأربعة، خصوصاً أنَّ مساحة تلك الأقاليم تبلغ 20 % من مجموع مساحة الدولة الأوكرانية، ما يصعّب فراضية تخلي كييف عنها، وأنَّ ذلك الاستفتاء غير الشرعي، بحسب الأمم المتحدة ايضاً، كان قد أعلن عنه بوتين بعد تراجع القوات الروسية ميدانياً بدءاً من مطلع سبتمبر الماضي، وخسارة موسكو لمدن استراتيجية كانت قد احتلتها في بداية غزوها كمدينة إزيوم (Izyum) الإستراتيجية التي استعادتها منتصف شهر أيلول

 

مدير زابوريجيا الإداري لأخبار الآن: نتحضَّر لأسوأ السيناريوهات ومن ضمنها النووي

قصف يستهدف قافلة إنسانية في زابوريجيا – 30 سبتمبر 2022

في ذلك السياق، أجرت “أخبار الآن” مقابلة مع أوليغ بورياك (Oleg Buryak) المدير الإداري لإقليم زابوريجيا، الذي استهل كلامه بالحديث عن المجزرة التي ارتكبتها روسيا صباح ذلك اليوم، الذي أعلن فيه بوتين ضمّ الأقاليم الأربعة الأوكرانية إلى اتحاد روسيا. وقال بورياك: “تم قصف قافلة من السيارات المدنية حيث تضررت أربعون سيارة، وكان ذلك عند الساعة السابعة والنصف صباحاً حيث تجمع الناس الذين سيقطعون الحدود الفاصلة بين المناطق المحتلة وغير المحتلة من إقليم زابوريجيا، وبنتيجة ذلك القصف تأذى 88 شخصاً حيث قُتل 30 منهم طفلان، طفل من مواليد 2008 وطفلة من مواليد 2011، فيما حرم طفل ذو 3 سنوات ونصف من والديه”. وأضاف: “ذلك ما نفّذته روسيا بواسطة صواريخ S-300 بقصها لقافلة مدنية، نريد أن يعرف كل العالم العربي تلك الحقيقة “.

مدير زابوريجيا الإداري لأخبار الآن: نتحضَّر لأسوأ السيناريوهات ومن ضمنها النووي

أحد ضحايا المجزرة التي إرتكبتها القوات الروسية في زاباروجيا

 

 أهمية إقليم زابوريجيا

لإقليم زابوريجيا الأوكراني أهمية بالغة بالنسبة لكلّ من كييف وموسكو على حدّ سواء لأسباب باتت معروفة لدى المجتمعين الروسي والأوكراني وكذلك المجتمع الدولي، وذلك بسبب وجود محطة انيرهودار للطاقة النووية فيه. وهي أكبر محطات الطاقة النووية في كلّ أوروبا. تقول معلومات أنَّ رغبة بوتين باستعادة السيطرة على ذلك الإقليم يعود لوجود تلك المحطة النووية التي تعود إلى الحقبة السوفياتية، لكنَّها اليوم أساسية لكييف لأنّ مفاعلاتها الستة للمياه المضغوطة، والتي يعمل منها إثنان على الأقل حالياً، وتؤمن إنتاج الطاقة لأكثر من 4 ملايين منزل في أوكرانيا، بالتالي سقوط الإقليم ككل بيد موسكو وضمّه إلى الإتحاد الروسي، يعني نقطة تفوّق لبوتين على أوكرانيا بأكثر من إتجاه.

هل فعلا سقطت زابوريجيا بيد الروس؟ 

مقاطعة زابوريجيا منقسمة إلى قسمين، قسم احتلته روسيا بعد غزوها ومنه ترى نفسها مديرة للإقليم كلّه، وقسم آخر مازال تحت السيطرة الأوكرانية. ويقول بورياك في السياق: “في الجزء غير المحتل لن يحدث شيء كما عشنا حياتنا كذلك سنستمر، كما حاربنا المحتلين كذلك سنبقى، وكما ساعدنا كإدارة قواتنا المسلّحة ودعمناها بالغذاء والكساء والمعالجة وأمَّنا لها سبل الراحة خلال التشكيلات كذلك، سنستمر بفعل ذلك وسنقاوم”. ويُضيف: “أما ما سيقوم بفعله المحتلون في ذلك الوقت في المناطق المحتلة موقتا سيدلون ببعض التصريحات ويجرون استفتاءات زائفة اضافية وتجنيد مواطنينا بطريقة أو أخرى”.

وبالحديث عن الإستفتاء يقول بورياك: “تقنياً رأينا وراقبنا وحلَّلنا كيف أجري الاستفتاء، وقد أخبرنا سكان المناطق المحتلة وجهة نظرنا وقد صوت منهم فقط بين 15 و20 % من مجمل السكان الذين بقوا في بيوتهم ولم يغادروا والكثير منهم جُلبت إليهم الصناديق إلى المنازل بموافقة جنود مسلَّحين بالرشاشات والطاسات والدروع الصدرية”. ويختم كلامه عن الإستفتاء في زابوريجيا قائلا: “يبقى السؤال هنا عن أية ديمقراطية أو حرية تعبير يتحدَّثون عندما يجري كل ذلك تحت فوهات البنادق؟”

مدير زابوريجيا الإداري لأخبار الآن: نتحضَّر لأسوأ السيناريوهات ومن ضمنها النووي

هل سيستمر القتال؟

في ذلك السياق، يكمن السؤال حول ما إذا ستستمر المعارك في إقليم زابوريجيا لاسيما مع كونه يضمّ المحطة النووية الأكبر في أوروبا وخطورة ذلك الأمر. في ذلك الصدد يقول بوياك: “نحن لسنا متأكدين ما إذا كانت الحرب ستستمر لكن للأسف المعارك ستزداد والدماء ستسيل أكثر، خصوصاً بعد إعلان روسيا استدعاء 300 ألف شخص كجنود احتياط، لذلك سيُرفد جيشهم بقوى جديدة وكبيرة، لكن لدى تلك القوى الجديدة نقطة ضعف كونها غير مدربة أبداً ولم تشارك عناصرها بعمليات حربية، كما لا تملك أدنى تصوّر عن الحرب الجارية، وكل ما تعلمه العناصر عن تلك الحرب هو ما رأوه عبر شاشات التلفزيون أو قنوات تيليغرام، وليس لديها تصوّر عن الأمور الباقية”.

ويؤكّد بورياك أنَّ زابوريجيا بمناطقها غير المحتلة تتحضر بشراسة للوقوف بوجه أيّ عملية روسية مع تدفق الجنود الجدد إلى ساحة المعركة، ويقول: “عندما سيأتون إلى ساحات القتال حيث سيضطرون للنوم في الخنادق، وسيتبللون تحت الأمطار، وسيأتي فصل الشتاء، سنواجههم وننجح إذ نحن وخلال 7 أشهر استطعنا أن نحطم جيشهم المكوّن من 250 ألف جندي، والذي منذ العام 2014 جهّزه ودربه بوتين ونشره على طول الحدود الأوكرانية الروسية”.

ماذا تفعل أوكرانيا لحماية المفاعل النووي في زابوريجيا؟

كلام بورياك عن ضعف الهجمات الروسية مؤخراً وتفوّق الجيش الأوكراني على خصمه الروسي، يزيد من فرضية استخدام بوتين الورقة النووية بحسب خبراء عسكريين. وذلك ما دفع الكونغرس الأمريكي مؤخراً لرفع التمويل للأوكرانيين وإطلاق دعوة للدول المانحة مفادها، أنّ تحذوا حذوها وسريعاً كي لا يتحول ذلك التفوق إلى مأساة بحسب الخبراء. وتلك المخاوف تتضاعف مع التلويح الروسي المتكرر باسخدام النووي، خصوصاً من باب محطة زابوريجيا. وآخر تلك التحذيرات كان ما صدر يوم الجمعة 30 سبتمبر عن لسان الرئيس السابق لروسيا دميتري ميدفيديف، الذي يشغل اليوم منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، إذ أكَّد على هامش احتفالية ضمَّ الأقاليم للإعلام المحلي في موسكو، استعداد الدولة لاستخدام كلّ الوسائل في ترسانته ضدّ الغرب الذي يريد تدمير روسيا، بما في ذلك السلاح النووي، موجهاً رسالة بذلك لكييف برفضت القبول بنتائج الإستفتاء.

لذلك يؤكّد بورياك أنَّ أوكرانيا تستعد لكلّ السيناريوهات لاسيّما في الشق النووي، ويقول: “نحن نتحضّر لأسوأ سيناريو لتطوّر الأحداث، ومع ذلك تجري الحكومة الأوكرانية محادثات دائمة مع منظمة الأمم المتحدة ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومع سفارات الدول الغربية، لكي يتمّ نزع السلاح من كامل المنطقة التي تقع فيها تلك المحطة وإلغاء كلّ الوجود العسكري هناك، مطالباً بدخول قوات دولية أممية إلى المنطقة شرط أن لا يبقى أحد هناك، وأن لا يكون هناك أي إطلاق نار أو معارك، وبعدها سنقوم نحن بكل ما يلزم مع الروس المحتلين لأرضنا، فالمهم إخلاء منطقة المحطة النووية من الأعمال الحربية، ونحن نأمل ذلك لكن بوتين يواصل قصف المحطة في انيرهودار ويهدد العالم أجمع باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية والاستراتيجية في أوكرانيا في قلب أوروبا وذلك المشكلة كبيرة وعالمية”.

شاهدوا أيضاً: