في ذكرى 11 سبتمبر.. تنظيم القاعدة ينكر علاقته بإيران

نشرت مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة، كتابًا جديدًا لـ”أبو محمد المصري” (عبد الله أحمد عبد الله)، نائب أمير القاعدة الذي قُتل في العاصمة الإيرانية طهران، في أغسطس/ آب 2020، بعنوان “عمليات 11 سبتمبر  بين الحقيقة والتشكيك”، وذلك بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين لهجمات 11 سبتمبر 2001.

وانتهى أبو محمد المصري من كتابة مسودة كتابه الذي نُشر  اليوم في أغسطس/ آب 2019، وفق ما تُظهره المقدمة التي استهل بها الكتاب، الذي يبدو أنه خضع لتدقيق من قبل اللجنتين الأمنية والإعلامية في تنظيم القاعدة تم بموجبه حذف أسماء قادة بالتنظيم وتفاصيل أخرى لحساسيتها وخطورتها على التنظيم.

 وشغل أبو محمد المصري مناصب قيادية عدة في القاعدة منها مسؤول المعسكرات ورئيس اللجنة العسكرية ونائب أمير التنظيم، وكان أحد المسؤولين عن هجمات السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا عام 1998، وانتقل مع التنظيم إلى أفغانستان حتى عام 2001، إذ اضطر إلى مغادرتها صوب إيران التي مكث فيها حتى مقتله في 2020.

ومؤخرًا نُشرت صورة ثلاثية تجمع أبو محمد المصري، وسيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان)، وأبو الخير المصري (أحمد حسن أبو الخير)، أثناء وجودهم في طهران عام 2015، بيد أن التنظيم لم يكشف كواليس التقاط هذه الصورة.

في ذكرى سبتمبر.. "المصري" يروي "أكاذيب القاعدة" عن الظواهري وسيف العدل وإيران

وخصص أبو محمد المصري كتابه الجديد لعرض وجهة نظره بشأن هجمات 11 سبتمبر، قائلًا إنه اضطر إلى كتابة هذه الشهادة بعد طلب قيادة التنظيم منه تدوين شهادته على الأحداث بسبب مقتل كل قادة القاعدة الذين عاصروها، مضيفًا أن أعضاء القاعدة وفروا له وثائق ومواد صوتية ومرئية ساعدته في صياغة كتابه بعنوان “عمليات 11 سبتمبر  بين الحقيقة والتشكيك”.

ولا يعد الكتاب الجديد إضافة للشهادات الخاصة بالكواليس التي سبقت تنفيذ هجمات 11 سبتمبر 2001، إذ تضمن روايات مكررة رددها تنظيم القاعدة ونشرها قادة به منهم أبو بصير ناصر الوحيشي، الأمير الأسبق لفرع تنظيم القاعدة في اليمن، وخبيب السوداني/ إبراهيم القوصي، طباخ أسامة بن لادن سابقًا ومساعد أمير تنظيم القاعدة في اليمن حاليا.

كتاب أبو محمد المصري تضمن روايات مكررة رددها تنظيم القاعدة سابقا

وحاول أبو محمد المصري تبرير الهجمات التي استهدفت مقر برجي التجارة العالميين ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، قائلًا إن الولايات المتحدة حاولت القبض على أسامة بن لادن والقضاء على أفراد تنظيم القاعدة، منذ وصولهم إلى أفغانستان، أواخر عام 1998، ودبرت العديد من الخطط للتخلص منهم وبالتالي فكر التنظيم في تنفيذ الهجمات، على حد قوله.

ويهدف التبرير السابق إلى تصوير هجمات 11 سبتمبر والتي تبناها تنظيم القاعدة على أنه رد فعل للسلوك الأمريكي تجاه التنظيم، غير أن كلمات أبو محمد المصري نفسها تناقض هذا التبرير، إذ ينص في كتابه على أن فكرة استخدام الطائرات في هجمات ضد الولايات المتحدة تولدت لدى قيادة القاعدة، في ثمانينات القرن الماضي، بعد جلسة مع أحد “الجهاديين المصريين” الذين شاركوا في الحرب ضد الاتحاد السوفيتي، مبينًا أن هذا الجهادي عمل كطيار وسافر إلى بلدان وقارات عديدة منها أمريكا الشمالية، وهو أول من طرح فكرة استخدام الطائرات المدنية في الهجوم.

في ذكرى سبتمبر.. "المصري" يروي "أكاذيب القاعدة" عن الظواهري وسيف العدل وإيران

الكتاب الجديد لـ”أبو محمد المصري”

واعترف أبو محمد المصري أن فكرة الهجوم تطورت في السودان أثناء وجود أسامة بن لادن وعناصر القاعدة هناك، وأخذت أبعادًا أخرى عندما جاء “مختار البلوشي” أو خالد شيخ محمد للسودان وعرض على أسامة بن لادن اختطاف طائرات مدنية أمريكية والضغط على الحكومة الأمريكية من خلالها للاستجابة لطلبات التنظيم ومن بينها الإفراج عن المنظر الجهادي الشهير عمر عبد الرحمن، الذي كان مسجونًا لدى الولايات المتحدة بعد اتهامه بالتحريض على محاولة تفجير مبنى التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، والتي قام بها رمزي بن يوسف (نجل شقيقة خالد شيخ محمد).

وذكر نائب أمير القاعدة (سابقًا) أن التنظيم بدأ العمل منذ وصل إلى أفغانستان عام 1996 على استهداف الولايات المتحدة، وهو ما يؤكد أن التخطيط لهجمات 11 سبتمبر لم يكن له علاقة بالسعي الأمريكي لتحييد زعيم التنظيم أسامة بن لادن.

التخطيط لهجمات 11 سبتمبر لم يكن له علاقة بالسعي الأمريكي لتحييد زعيم التنظيم أسامة بن لادن

وأقر  أبو محمد المصري أن التنظيم واجه أزمة كبرى في اختيار الأفراد المناسبين لهذا الهجوم، لا سيما وأنه كان يضم في تلك الفترة مجموعة من الأسر الصغيرة، وعدد من الشباب الأعزب الذين لم يكونوا يصلحوا للمهمة المطلوبة، مردفًا أنه بعد تنفيذ هجمات السفارات الأمريكية عام 1998، بدأ الشباب يتوافدون للالتحاق بالتنظيم، وحينها جرى تكليف  مسؤولي معسكرات التدريب باختيار  شباب مناسبين لتنفيذ الهجوم.

ووفقًا لـ”المصري” فقد جرى اختيار 20 من الشباب كمجموعة أولى وتدريبهم على عمليات القتال القريب للمشاركة في هجمات 11 سبتمبر، لكن لم يتم إبلاغهم بالخطة أو الهجوم المرتقب كما أن هؤلاء الشباب لم يشاركوا في الهجوم، وجرى اختيار مجموعة المنفذين الـ19 وعلى رأسهم محمد عطا لاحقًا.

وكشف نائب أمير القاعدة أن من بين من جرى اختيارهم للمشاركة في هذا الهجوم “عزام الأمريكي”، الذي شغل، لاحقًا، منصب المسؤول عن الجناح الدعائي للقاعدة حتى مقتله عام 2015، موضحًا أن اختياره تم لكونه مواطنا أمريكيًا يسهل عليه الدخول للولايات المتحدة.

في ذكرى سبتمبر.. "المصري" يروي "أكاذيب القاعدة" عن الظواهري وسيف العدل وإيران

عزام الأمريكي

وكانت خطة تنظيم القاعدة في تلك الفترة أن يختار مجموعة من الشباب الأمريكي والأوروبي ويجندوهم لتنفيذ هذا الهجوم لأن حصولهم على تأشيرة دخول الأراضي الأمريكي كانت أسهل، لكن في النهاية جرى التوافق على اختيار محمد عطا ومجموعته لتنفيذ الهجوم بعد تجنيدهم لفترة قصيرة.

وألمح أبو محمد المصري أن محمد عطا ورفاقه الذين قدموا من ألمانيا جاءوا إلى أفغانستان بهدف التدرب والانتقال للمشاركة في الحرب الشيشانية ضد روسيا، في تسعينيات القرن الماضي، لكن خالد شيخ محمد والذي كان مسؤولًا عن اللجنة الإعلامية للقاعدة وقتها جندهم بمساعدة آخرين من قادة القاعدة، وجرى تدريبهم في “معسكر عيناك” بأفغانستان على اختطاف الطائرات، ومن ثم تكليفهم بالسفر للولايات المتحدة والتدرب على قيادة الطائرات لكي ينفذوا هجمات 11 سبتمبر.

في ذكرى سبتمبر.. "المصري" يروي "أكاذيب القاعدة" عن الظواهري وسيف العدل وإيران

محمد عطا

وتجنب أبو محمد المصري ذكر تفاصيل أخرى متعلقة بعملية تجنيد المجموعة المنفذة لهجمات 11 سبتمبر 2001، ومنها على سبيل المثال أن محمد عطا كان يود البقاء في أفغانستان ولا يرغب في المشاركة في الهجمات وأنه عندما وصل إلى باكستان بعد خروجه من معسكرات القاعدة فقد جواز السفر الخاص به وطلب العودة إلى قندهار وإلغاء سفره للولايات المتحدة الأمريكية، لكن خالد شيخ محمد زور له جواز سفر بديل وأصر على أن يسافر للمشاركة في الهجوم، وهذه التفاصيل ذكره أبو بصير الوحيشي في شهادته على هجمات 11 سبتمبر.

وأشار نائب أمير القاعدة (سابقًا) إلى أن 2 من كوادر التنظيم الذين تدربوا في معسكر عيناك وهم خلاد بن عتش وأبو البراء اليمني كلفوا بخطف طائرة أمريكية من مطار أسيوي وتنفيذ هجوم متزامن مع هجمات برجي التجارة ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية، لكن جرى إلغاء هذه الخطة لعجز التنظيم عن إتمامها وعدم توافر قدرات وإمكانيات مالية وتنظيمية لها.

 

ألغى التنظيم خطة خطف طائرة أمريكية من مطار أسيوي وتنفيذ هجوم متزامن مع هجمات برجي التجارة والبنتاغون

وفي سياق متصل، تضمن كتاب بعنوان “عمليات 11 سبتمبر  بين الحقيقة والتشكيك” العديد من الأكاذيب التي روجها أبو محمد المصري، الذي يمكن وصفه بأنه كان مصابًا بمتلازمة طهران، وأبرزها أن التنظيم لا تربطه علاقة بإيران، وأن طهران حاربت القاعدة في أفغانستان وسوريا واليمن والعراق، بينما قام قادة القاعدة بفضح المخططات الإيرانية في المنطقة، زاعمًا أن تلك المواقف تثبت عدم وجود ارتباط أو تعاون بين القاعدة وإيران وأن التنظيم متمسك بثوابته الجهادية والتي تقضي بعدم التعاون مع إيران.

وربما يكون إدراج الفقرات المتعلقة بالعلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة جاء بشكل متعمد من القائمين على نشر كتاب “عمليات 11 سبتمبر  بين الحقيقة والتشكيك” وتمت إضافة هذه الفقرات بعد مقتل أبو محمد المصري في طهران عام 2020، وذلك لنفي الصلة بين قيادة القاعدة بما فيهم سيف العدل وطهران، ومحاولة الإيحاء بأن سيف العدل ليس مصابًا بمتلازمة طهران، وبالتالي منحه شرعية تنظيمية ليتولى إمارة القاعدة بعد مقتل أيمن الظواهري.

 

في ذكرى سبتمبر.. "المصري" يروي "أكاذيب القاعدة" عن الظواهري وسيف العدل وإيران

سيف العدل

ولفت أبو محمد المصري إلى حقيقة شخصية سيف العدل قائلًا إنه يختلف تمامًا عن العقيد المصري السابق محمد مكاوي والذي التحق بالجهاديين في حقبة الحرب الأفغانية السوفيتية، واختلف مع قيادة تنظيم القاعدة خاصةً بعد معارك جلال آباد في أواخر الثمانينات ووصفهم بأنهم يخوضون “حرب معيز” لا تؤدي إلا إلى القضاء عليهم وعلى تنظيمهم.

وأوضح “المصري” أن سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان) تخرج من كلية التجارة  بشبين الكوم (جامعة المنوفية) وقضى فترة التجنيد الإجبارية كضابط احتياط بالجيش المصري ووصل إلى رتبة الملازم أول (رتبة صغيرة لا تتيح له تولي مناصب قيادية)، ثم سافر لأداء الحج والتحق بعده بما عرف بـ”الجهاد الأفغاني” ووصل إلى أفغانستان عام 1989، والتحق بمجموعة الملا جميل الرحمن في كونر، ولكنه لم يستمر معهم طويلًا وانضم إلى تنظيم القاعدة في نفس العام، وتزوج من ابنة مؤرخ القاعدة مصطفى حامد (أبو الوليد المصري).

وتتطابق شهادة أبو محمد المصري الذي كان أميرًا على سيف العدل وقائدًا له مع المعلومات التي تُقدمها الوثائق والشهادات الخاصة بالقاعدة عن سيف العدل والتي تصفه بأنه لا يصلح لقيادة تنظيم القاعدة.

حاولت القاعدة في كتاب أبو محمد المصري الإيهام بأن أيمن الظواهري لا زال على قيد الحياة وذلك 

كما حاول تنظيم القاعدة الإيهام بأن أيمن الظواهري، أمير التنظيم (المقتول)، لا زال على قيد الحياة وذلك في كتاب أبو محمد المصري، والذي ذُكر فيه اسم “الظواهري” متبوعًا بصيغة دعاء “حفظه الله” التي يستخدمها التنظيم في حالة قادته الأحياء الطلقاء، ويبدو أن هذه الصيغة كُتبت في عام 2019 بالمسودة الأولى لكتاب أبو محمد المصري وأبقت عليها قيادة التنظيم في النسخة المنشورة منه لخدمة مصالحه وخداع أعدائه.

وتجنب التنظيم الإشارة إلى مصير أيمن الظواهري، منذ إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن اغتياله بغارة أمريكية على العاصمة الأفغانية كابل في أغسطس/ آب الماضي، ولم يؤكد التنظيم أو ينفي بصورة قطعية، حتى الآن، مقتل أميره (السابق).

ومن الجدير بالذكر أن تنظيم القاعدة اعترف أمس لأول مرة بمقتل أبو محمد المصري، وذلك في الإعلان الدعائي الذي نشره لكتابه الجديد، وذلك بعد أكثر من عامين على مقتله في عملية للاستخبارات الأمريكية داخل العاصمة الإيرانية طهران.