كلّما حاولت الصين أن تحوّل الأنظار عن جرائمها بحقّ أقلية الإيغور والأقليات الأخرى في شينجيانغ، كلّما واجهت المزيد من التحديات، المتمثلة بنشر تقارير ووثائق تبيّن حجم الحملة التي يقودها الحزب الشيوعي الصيني بحق أقلية الإيغور.

منذ فترة طويلة تدير تلك شركة شبكة XPCC من السجون التي بدأت بالتوسّع منذ العام 2016

آخر تقرير صدر مؤخراً وهو يكشف نمو السجون ومعسكرات الاعتقال التابعة لشركة XPCC أو شركة شينجيانغ للإنتاج والبناء التي تقمع غالبية أقلية الإيغور والأقليات التركية الأخرى. وتلك الشركة هي هيئة حكومية على المستوى الإقليمي في الصين، تتمتع بسلطة إقتصادية وسياسية وعسكرية وقضائية، وتدير كل الأراضي المنتشرة داخل منطقة شينجيانغ، وتوصف على أنّها دولة داخل دولة وحكومة موازية لحكومة شينجيانغ. كما أنه منذ فترة طويلة، تدير تلك الشركة شبكة من السجون بدأت بالتوسّع منذ العام 2016، وراحت تعاقب الإيغور على الممارسات الدينية وتجبرهم على العمل القسري.

التقرير الذي نشره مركز هيلينا كينيدي للعدالة الدولية (Helena Kennedy Centre for International Justice)، يحدّد المستودعات وشركات الخدمات اللوجستية المعروف أنّ مصدرَها من شركة XPCC،  التي يعتمد نظامها على إعادة تعليم السكان وتجريدهم من ثقافتهم من خلال برنامج العمل القسري وسوء المعاملة والتلقين العقائدي.

بيانات التقرير تلك تبرز دور الشركة في دفع الجرائم ضدّ الإنسانية التي تُرتكب في منطقة الإيغور، ومشاركة تلك الشركة في العمل القسري المنهجي وكذلك تظهر دورها في تصدير منتجات أعمال السخرة إلى الأسواق العالمية.

حمدالله غواحشي، وهو أحد الذين كانوا يجبرون على العمل القسري في شينجيانغ، شرح لـ”أخبار الآن” تفاصيل تجربته فقال: “في تركستان، على كل تلميذ أن يلتحق بمزرعة لمدّة 20 يوماً، لقطف القطن ومن دون أيّ مقابل، وإذا رفض الذهاب أو كان مريضاً، أو ببساطة لم تستطع الذهاب لذلك العمل، عليه أن يدفع مالاً للمدرسة أو للحكومة، أو أن يذهب إلى العمل بالقوة. وعندما كنت صغيراً، في الثامنة أو التاسعة من عمري في الثالث ابتدائي، كانوا يجبروننا على الذهاب لقطف القطن، وكان المكان بعيداً من المنزل، وكنّا نذهب على الدراجة وأحياناً سيراً على الأقدام وكان يبعد نحو 10 أو 15 كيلومتراً عن المنزل، وفي بعض الأيّام كان الطقس بارداً جدّاً، ولكن بالرغم من ذلك كان يجب علينا أن نذهب لنقوم بذلك العمل، وكنت أبكي أحياناً لأنّني لا أريد القيام بذلك لكن لم يكن أمامي خيار آخر”.

عندما كنت صغيراً، كانوا يجبروننا على الذهاب لقطف القطن من دون أيّ مقابل 

حمدالله غواحشي

ناجٍ إيغوري

وتابع: “كل شهر تستدعيك الحكومة لتعمل في إنشاء بعض الطرق أو لإنجاز بعض الأشغال في قرية أو منطقة ما، فعلى كل عائلة أن تقدّم فرداً أو أكثر للعمل لدى الحكومة وبشكل مجاني، ولا يمكنهم الرفض، وإذا ما فعلوا ربّما ستحضر الشرطة لاعتقالهم. وفي العام 2016 بينما كنت أزور عائلتي خلال عطلة الصيف، وقد قمت فعلاً بتلك الأعمال من أجل عائلتي، كل ذلك كان يحصل عندما كنت ولداً ولا زال يحصل بعدما أصبحت شاباً، وأعتقد أنّه ما زال يحصل الآن”.

ويقدم التقرير صوراً عبر الأقمار الصناعية للتوسّع الكبير في نظام السجون بين العامين 2015 و2019، مشيراً إلى أنّه في السنوات العديدة الماضية أصبح من الصّعب التمييز بين سجون XPCC ومعسكرات الإعتقال. في الصورة المدرجة أدناه، مثال على التوسّع الكبير للسجون والمغتقلات في فترات زمنية مختلفة.

اقتصاد شينجيانغ بقبضة منظمة شبه عسكرية.. تقرير جديد يفضح اضطهاد الإيغور

توسّع معسكرات الإعتقال بين عام 2017-2019-2021 – Google Earth

مورفي: معاناة الإيغور مستمرة ما لم يوقف العالم تلك الإنتهاكات 

من جانبها، قالت لورا مورفي (Laura Murphy)، وهي أستاذة حقوق الإنسان في مركز هيلينا كينيدي الدولي وأحد مؤلفي التقرير، إنّ “الغرض الرئيسي من XPCC هو السيطرة على شعب الإيغور وترهيبهم وتفريقهم، وفي النهاية تحطيمهم حتى لا يتبقى شيء من ثقافتهم”. وأضافت إنّ “إمبراطورية الشركات التي شيدتها على ظهور برامج العمل القسري لديها وجودها في الاقتصاد العالمي، ومن الضروري أن يقف قادة العالم في كل من الأعمال والحكومة ضدّ  XPCC وانتهاكاتها لحقوق الإنسان وطالما استمرت الشركات في كلّ أنحاء العالم في الحصول على مصدر من الشركات التابعة لـ XPCC، فإنّ الإيغور وغيرهم من السكان المحليين في المنطقة سيستمرون في المعاناة”.

اقتصاد شينجيانغ بقبضة منظمة شبه عسكرية.. تقرير جديد يفضح اضطهاد الإيغور

 

ويكشف التقرير أيضاً تبنّي شركة الإنتاج والبناء في شينجيانغ (XPCC ) لخطط نقل العمالة واستخدام العمل القسري لضبط تنقل السكان وجني الفوائد المالية، ثمّة أرباح هائلة ناتجة عن جرائم XPCC بحقّ الإنسانية. فما يصل إلى 20 % من كلّ المنتجات القائمة على القطن و10% من المواد البلاستيكية كثيرة الإستعمال في العالم التي تأتي من منطقة شينجيانغ.

تحوّل الحكومة الصينية ما يصل إلى 80.2 مليار يوان صيني سنوياً إلى شركة XPCC

ما حجم شركة  XPCC وعلى ماذا تسيطر؟

أكس بي سي سي هي عبارة عن مجموعة شركات ضخمة وغامضة تخترق الإنتاج والتصنيع في كل أنحاء الصين. وتحوّل الحكومة الصينية ما يصل إلى 80.2 مليار يوان صيني سنوياً إلى شركة اكس بي سي سي لدعم السياسة القمعية المتبعة في الإقليم. ومن ذلك التمويل طورت الشركة ما لا يقل عن481 مشروعاً مع مؤسسات من 13 مقاطعة وحصلت على استثمارٍ إضافي يزيدُ عن 220 مليار يوان صيني وذلك يمثل ما يصل إلى 35 % من أموال اكس بي سي سي.

وتمتلك إكس بي سي سي حصة 50 % في 2873 شركة في إقليم شينجيانغ، وعلى الرّغم من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها الشركة، فإنّ عدداً من الشركات العالمية مرتبط بتلك الشركات المدرجة في الصورة أدناه.

اقتصاد شينجيانغ بقبضة منظمة شبه عسكرية.. تقرير جديد يفضح اضطهاد الإيغور

تمتلك شركة XPCC حصة 50 % في 2873 شركة في إقليم شينجيانغ – تقرير مركز هيلينا كينيدي

عمالة الإيغور القسرية مهمة لإنتاج شركة XPCC

تعتبر العمالة الإيغورية القسرية مهمة للغاية لإنتاج شركة XPCC، وبالتالي فإنّ قمعهم يغذي عملية التوريد الصينية، وتقدّر قيمة صادرات الشركة العالمية بأكثر من 7 مليارات دولار، إذ يتم تصدير المنتجات على مستوى العالم كالقطن الذي يدخل السوق العالمية عبر القنوات وفق ما تظهر الصورة أدناه.

اقتصاد شينجيانغ بقبضة منظمة شبه عسكرية.. تقرير جديد يفضح اضطهاد الإيغور

قنوات تصدير اكس بي سي سي للقطن الذي يدخل السوق العالمية  – تقرير مركز هيلينا كينيدي

شركة XPCC تتمدد إلى قطاعات عديدة لإحكام القبضة في شينجيانغ

أيضاً وسّعت شركة الإنتاج والبناء في شينجيانغ كذلك ممتلكاتها إلى الطاقة، التعدين، المواد الكيميائية، استخراج النفط والغاز، الخدمات اللوجستية، الملابس، الإلكترونيات، النبيذ، تجهيز الأغذية، التأمين السياحة وغيرها. وتتحكم في تداول المعلومات في المنطقة، من خلال ملكيتها لمحطات التلفزيون والإذاعة، والمنصات الإخبارية عبر الإنترنت بالإضافة إلى العديد من الجامعات.

 بالإضافة إلى ذلك، تدير الشركة مدارس وسجون ومحاكم خاصة بها وتأتي بسكان من عرق الهان من كل أنحاء الصين للإستقرار في شينجيانغ بهدف تقليل الكثافة السكانية لأغلبية الإيغور وبالتالي إضعاف الهوية الثقافية والروابط المجتمعية. 

ويشير التقرير إلى أنّه في خريف العام 2015 أرسلت مدرسة دونغقوان أستاذاً للعمل كنائب مدير في مركز تومشوك للتدريب المهني وفي ذلك الوقت أنشأت المدرسة دورة مهنية متخصصة في النسيج والملابس وبعد ثلاث سنوات كان البرنامج يضم 150 طالباً، 242 منهم من طلاب المرحلة الثانوية. وتقدم المدرسة المهنية كل عام تدريباً أثناء العمل لنحو ثلاثة آلاف عامل.

“ممنوع إفشاء السر وإلا فأفراد عائلتنا في خطر”

أخبار الآن أجرت لقاءً مع كاليبينور صديق، وهو معلمة سابقة في معسكرات الاعتقال التي وصفت شكل المعسكرات التي توحي بأنّها مباني عادية. فقالت:” من يسكنون في جوار المعسكرات، لا يعلمون بوجود معتقلين إيغور فيه، والمبنى مؤلّف من ستة طوابق، وهو مبنى طويل جداً وداخله أكثر من 10000 شخص، لكنْ القاطنون في الجوار لا يعلمون أنّ داخل ذلك المبنى يعيش آلاف الأشخاص لأنّه مغطى وعليه حراسة شديدة، وكل مَنْ يعمل داخل المبنى يجب أن يحافظ على تلك السرية وقد مُنعت من التحدث عن الوضع داخل المعتقل حتّى لزوجي”.

وتابعت: “قبل أن نبدأ بالتعليم داخل معسكر الإعتقال، عُقد اجتماع كبير لكلّ الأساتذة الذين سيعملون في المعتقل، و تمّ إبلاغنا بأنّنا سنعمل في مدرسة، وأنّنا سنعلم اللغة الصينية  للأميين الذين لا يعرفون الكتابة والقراءة وفي نهاية كل إجتماع وزّعت علينا استمارات لنوقع عليها، تذكر بوضوح أنّنا يجب ان لا نعرض حياة عائلاتنا وأقاربنا وحياتهم الشخصية للخطر، وأنّ كل ما يحصل في أماكن عملنا يجب أن يبقى سرياً حتى بالنسبة لأقاربنا وأصدقائنا وعائلاتنا، حتّى أنّنا لا يمكننا التحدث عن الموضوع مع أقرب أفراد أسرتنا، وتبعاً لتلك التعليمات كان من الواضح أنّنا سنعمل في معسكرات الإعتقال لأنّ أخبار المعتقل بدأت تنتشر في المنطقة، وأعداد الإيغور المعتقلين في المعسكر لم تكن 4 أو 5 ملايين بل أكثر من ذلك بكثير، ومساحة المعتقل كانت كبيرة جدّاً، والكل كان يعلم بوجود معسكر الإعتقال في كل زاوية، مساحة المعتقل تتجاوز 1300، وبعض الأقسام في المعتقل يوجد فيها أكثر من 700 أو 800 ألف شخص، نحو المليون شخص في معتقل واحد”.

 

اقتصاد شينجيانغ بقبضة منظمة شبه عسكرية.. تقرير جديد يفضح اضطهاد الإيغور

توصيات التقرير الجديد

وردّاً على تورط شركة الإنتاج والبناء في شينجيانغ في انتهاكات حقوق الإنسان، أوصى التقرير: 

  • دعوة الشركات لإنهاء كل العقود مع كيانات  شركة XPCC في شينجيانغ.
  • حظر استيراد السلع المصنوعة باستخدام العمالة الإيغورية القسرية.
  • مطالبة المستوردين بالكشف عن معلومات وتحديد الهوية حول مورّديها ومصنعيها، والإفصاح علناً عن البيانات الجمركية
  • دعوة لتفكيك XPCC وإغلاق كلّ معسكرات الإعتقال خارج نطاق القضاء.
  • وقف العمل القسري الذي ترعاه الصين وكذلك وقف الإنتهاكات الجسيمة بحقّ الإيغور.
  • إجراء تحقيق أممي في الجرائم الفظيعة المشتبه بها.

التقرير يشير إلى أنّ شركة XPCC هي مجرد دراسة حالة لفهم الطريقة التي تعمل بها الهيئات الحكومية في شينجيانغ، في قمع غالبية سكان الإيغور والأقليات التركية الأخرى، وبتوجيه من الحكومة المركزية، لكنّها تعمل على المستوى المحلي للغاية، لدرجة أنه تتمّ مراقبة لحظات حياة الإيغور والحكم عليها ومعاقبتها.

تجدر الإشارة إلى أنّه مؤخراً كشفت ملفات شرطة شينجيانغ خطاب وزير الأمن العام تشاو كه تشي والذي يكشف أن تشي جين بينغ شخصياً كان على علم بعمليات الإعتقال الجماعية، وأنه يوجد عدد كبير من المعتقلين، أمرَ بتوسيع المعسكرات وزيادة الحرّاس وعناصر الشرطة، وذلك ما حصل فعلاً، زادت عملية بناء المعسكرات بشكل كبير، وذُكر في الملف أيضاً أنّ بكين ستدعم شنجيانغ وتدفع التكاليف العالية لمعسكرات إعادة التأهيل. تلك معلومات تشير إلى تورّط مباشر لكبار المسؤولين الحكوميين مثل تشي جين بينغ وغيره من مسؤولي الحكومة المركزية، بعمليات الإعتقال الجماعية.

وفي الختام، لا بد من التوقّف عند دعوة للإفراج عن التقرير الأممي المنتظر، وخير ما نختم به تغريدة لمسؤولة ملف الصين في منظمة هيومن رايتس ووتش صوفي ريتشاردسن (Sophie Richardson)، التي سألت مفوضة حقوق الإنسان في الأم المتحدة ميشيل باشليت (Michelle Bachelet) عن تقريرها، فيما الجميع ينشر تقارير وبيانات ووثائق وهي ما زالت تنتظر، لماذا يا ترى؟ 

شاهدوا أيضاً: ملفات شرطة شينجيانغ.. التسريب الكبير الذي فضح الصين وأحرج الأمم المتحدة