تحولت مبادرة الحزام والطريق الصينية في باكستان، المشروع الذي دفعت به بكين في كلّ الإتجاهات، إلى الهدف الرئيسي لحركة التمرّد المتجدّدة في إقليم بلوشستان، والتي حصدت حتى الآن عشرات الضحايا بمن فيهم 3 أساتذة صينيين سقطوا الأسبوع الماضي في هجوم إنتحاري قامت به مقاتلة منضوية تحت لواء جيش تحرير بلوشستان.

  • مبادرة الحزام والطريق الصينية في باكستان تتحوّل إلى هدف رئيسي لحركة التمرّد في بلوشستان
  • إنتحارية باكستانية تفجّر نفسها قرب معهد صيني في مؤشر لافت على تصاعد الجهمات ضدّ الصين
  • الإنفصاليون في بلوشستان يشعرون بالإستياء من مشروعات الصين: لا نرى الفوائد ونطرد من أراضينا
  • رئيس اللجنة الدفاعية في مجلس الشيوخ الباكستاني لأخبار الآن: الهجوم على صينيين يشير للحرمان

 

تصاعد الهجمات وتطورّها يشير إلى سلسلة من الهجمات مستمرة في مواجهة الصين التي تعمل على مشاريع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، ما يثير مع قلق البلدين من التهديدات الأمنية لتلك المشاريع.

وفي التفاصيل، فإنّ هذه المقاتلة تُدعى شاري بلوش وهي معلّمة تبلغ من العمر 31 عاماً، وأم لولدين وطالبة ماجستير، وقد فجّرت نفسها أمام شاحنة صغيرة كانت تقلّ أساتذة صينيين على مقربة من معهد كونفوشيوس في مدينة كراتشي الساحلية الجنوبية، المعروفة بمرفأها الشهير، وذلك في 26 أبريل، فذهب ضحية التفجير ما لا يقل عن 3 صينيين بالإضافة إلى سائق الشاحنة الباكستاني. بعد الحادث، أعلنت كتيبة مجيد وهي “مجموعة فدائية” تابعة لجيش تحرير بلوشستان المحظور، مسؤوليتها عن تفجير كراتشي الإنتحاري الذي أوقع 4 ضحايا.

هل تعرفون لماذا قتلت امرأة انتحارية 3 صينيين في باكستان؟ إليكم قصّتها والتفاصيل

الانتحارية شاري بلوش، وهي معلّمة تبلغ من العمر 31 عاماً، وأم لولدين وطالبة ماجستير

وبحسب ما صرّحت به المجموعة المقاتلة للشبكات الإخبارية العالمية بعد مرور ساعات على قيام المقاتلة المذكورة بتفجير الحقيبة المحمّلة بالمتفجرات، والتي كانت تحملها، وذلك أمام الشاحنة التي كانت تستعد للمرور أمامها،  فإنّ الانتحارية استهدفت معهد كونفوشيوس الذي تعتبره المجموعة “رمزاً للنزعة التوسعية الصينية اقتصادياً وثقافياً وسياسياً”. وقال أحد ممثلي المجموعة إنّ “ذلك التفجير سيرسل رسالة واضحة إلى الصين مفادها أنّ وجودها في بلوشستان لن يكون مرحباً به”.

وكان جيش تحرير بلوشستان نفّذ هذه السنة 8 هجمات، ضمنها هجومان إنتحاريان وبالرصاص على مخيمات للحرس الحدودي في ولايتي بانغجور ونوشكي، موقعاً ما لا يقل عن 12 ضحية في صفوف الجنود.

وفي العام 2018، استهدف الجيش المذكور القنصلية الصينية في مدينة كراتشي الساحلية الباكستانية بهجوم إنتحاري أودى بحياة 4 أشخاص على الأقل. ومجدّداً في العام 2020، استهدفت المجموعة مبنى البورصة الباكستانية في كراتشي في هجوم راح ضحيته ما لا يقل عن 3 حراس أمن ومفتش مساعد في الشرطة وأوقع 7 جرحى أيضاً. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ شركات صينية كبرى تملك حصصاً كبيرة من الأسهم في البورصة في كراتشي.

منذ يناير من العام الجاري، نفّذت مجموعات بلوش مختلفة 17 هجوماً على الأقل، بما في ذلك 10 هجمات على القوى الأمنية تسببت بمقتل 51 شخصاً وجرح 97 آخرين. وفي شهر مارس وحده، شهدت مدينة سيبي 3 هجمات راح ضحيتها 12 فرداً من قوات الأمن الباكستانية.

وفي حديث لـ”أخبار الآن“، صرّح منصور خان محسود، المدير التنفيذي لمركز “فاتا” المستقل للأبحاث، بأنّ تمرّد البلوش أصبح يتحوّل إلى مشكلة جسيمة بالنسبة إلى الدولة الباكستانية.

هل تعرفون لماذا قتلت امرأة انتحارية 3 صينيين في باكستان؟ إليكم قصّتها والتفاصيل

وأضاف: “لقد تحوّل التمرّد من مجموعة متمرّدين خجولين إلى حركة جدّية وفتاكة، إذ أنّها أصبحت مدججة بالسلاح ومجهّزة جيّداً بفرقة إنتحاريين تعرف باسم “كتيبة مجيد”، وهي تضم في صفوفها إنتحاريين من الرجال والنساء على حدّ سواء.

وتابع محسود: “من المعروف أنّ تمرّد البلوش لا ينحصر في بلوشستان فقط، بل امتدّ إلى ولايات باكستانية أخرى. وخلال السنوات القليلة الماضية، شهدت ولاية السند وحدها 3 هجمات كبرى استهدفت مواطنين صينيين، وقد لا يكون الحادث الذي وقع مؤخراً الأخير في هذه السلسلة”.

وكانت باكستان شهدت  نقاشاً وطنياً حامياً استتبع الهجوم الإنتحاري الأخير، حول الأسباب التي من شأنها أن تدفع بإمرأة مثقفة ومتزوجة إلى توريط نفسها مع حركة تمرّد تعمل من أجل تحرير ولاية جيواستراتيجية غنية بالثروات المعدنية.

وعلى حد قول كثيرين، لقد منح ذلك الهجوم تمرّد البلوش القديم الذي يعود إلى عشرات السنين، انعطافة جديدة بعدما كان يجد نفسه أمام حائط مسدود من العنف الذي ورّطه مع إسلام أباد وبكين منذ فترة طويلة.

سيرة الانتحارية شاري بلوش

وكانت شاري بلوش تعمل كمدرّسة ثانوية في ولاية كيش مسقط رأسها. وقد حازت على شهادة بكالوريوس في التربية العام 2014 وشهادة ماجستير في الإختصاص نفسه العام 2018. كما أنّها حصلت على شهادة الماجستير في علم الحيوان من جامعة بلوشستان، وكذلك شهادة الماجستير في الفلسفة من حرم توربات التابع لجامعة العلاّمة إقبال المفتوحة في بلوشستان. وقد كانت متزوجة من طبيب أسنان، وكان والدها ضابطاً رفيع المستوى شغل منصباً حكومياً قبل تقاعده من الجيش، وقد أصبح أيضاً عضواً في مجلس الولاية لمدة لا تقل عن 3 سنوات.

كما أنّ شاري، ولها 3 إخوة و4 أخوات، تنتمي إلى عائلة ميسورة ومثقفة جدّاً لم يكن لديها يوماً صلة بأيّ مجموعة إنفصالية. في الحقيقة، كانت العائلة تميل أكثر إلى اعتبارها عائلة سلمية بالمقارنة مع الكثيرين المعروفين بآرائهم المتشددة بشأن حركة تحرير بلوشستان.

في أبريل 2021، أدّى هجوم إنتحاري في فندق فاخر يستضيف السفير الصيني في كويتا، عاصمة إقليم بلوشستان، إلى مقتل أربعة وإصابة العشرات، لكن لم يصب السفير بأذى.

يقول خبراء أمنيون إنّ “إقدام جيش تحرير بلوشستان على استعمال إنتحارية لتنفيذ الهجوم الإنتحاري، يشكل نقلة نوعية في حقل “جهود تحرير” ولاية إقطاعية بحكم الواقع.

تجدر الإشارة إلى أنّ إنفصاليين بلوش يعتبرون أنّ الجيش الباكستاني بالتعاون مع مقاولين صينيين يقوم باستخراج موارد ثمينة من المنطقة من خلال تطويع السكان المحليين.

وقد اعترف جيش تحرير بلوشستان بأنّ الهجوم الإنتحاري جاء على يد الانتحارية الأولى في صفوفه، أي شاري بلوش المعروفة باسم برامش، وأصدر تصريحاً عقب وقوع الحادث ببضع ساعات أعلن فيه أن “المهمّة التي نفذتها أوّل فدائية من الكتيبة الانتحارية أضافت فصلاً جديداً في تاريخ مقاومة البلوش”.

إلا أنّ بعض الخبراء يزعمون أنّ انخراط الطبقة المثقفة في حركة التمرد ليس بظاهرة جديدة. وصرّح عبد السيّد وهو محلل وباحث في الجهاد والشأن الأفغاني والباكستاني، بأنّ “الأمور أصبحت على ذلك المنوال منذ أحداث 11 سبتمبر، وتمثلت بتجاهل شباب الطبقة المخملية المثقفين والأكثر ذكاءً للنشاطات السلمية السياسية وإقدامهم على الإنضمام إلى الشبكات الإرهابية والشروع في المقاومة المسلحة.

وتكثر الأسماء في ذلك المجال، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أحمد فاروق والمهندس أحسان عزيز والدكتور ساربلاند زهير خان والدكتور أرشاد وحيد والمهندس أسامة ابراهيم غوري والمهندس مالك عثمان أديل. كما أنّه بتأثير من تنظيم القاعدة، قام عدد كبير من تلك الوجوه بتأسيس جبهة دينية متشددة مناهضة للدولة في باكستان أفضت إلى ولادة حركة تحريك طالبان باكستان.

هجوم كراتشي الانتحاري على مواطنين صينيين يجب أن يشكل جرس إنذار بالنسبة إلى الإدارة الباكستانية

مشاهد حسين سيّد

وتعتبر شبكات قوميين وناشطين بلوش في مجال حقوق الإنسان، أنّ التمرّد في بلوشستان يعدّ انتكاسة لانتهاكات حقوق الإنسان بسبب الإرتدادات التي حصلت إثر الأسلوب العنيف الذي يمّيز عمليات الإختفاء القسري والقتل التي تمارسها قوات الأمن الباكستانية، التي تعمل جاهدةً من أجل طمس الأصوات المنشقة المعترضة على إجراءات الحرمان الإقتصادي بحق البلوش.

كما ترى أنّ العنف المستمر على طول امتداد العقدين الماضيين قد حوّل حركة الإعتراض القبلي إلى تمرّد فعلي بكلّ ما للكلمة من معنى، وذات قدرة على استقطاب الكثير من المهنيين البلوش المثقفين إلى صفوف المقاتلين.

وفي حديث لـ”أخبار الآن” صرّح مشاهد حسين سيّد، رئيس اللجنة الدفاعية في مجلس الشيوخ الباكستاني والمنتمي إلى حزب الرابطة الإسلامية في باكستان، بأنّ “هجوم كراتشي الإنتحاري على مواطنين صينيين يجب أن يشكل جرس إنذار بالنسبة إلى الإدارة الباكستانية، لأنّه يشير إلى أنّ هناك شعوراً عميقاً بالحرمان في بلوشستان وأنّ المشاكل الأصلية التي يعاني منها البلوش لم تجد أيّ حلّ لها بعد. كما أنّ إدارة الولاية عن بعد وبتدخل السلطة المستمر، هو صيغة مجرّبة ومختبرة وفاشلة لأن الشعب يشعر بنفور كبير”.

هل تعرفون لماذا قتلت امرأة انتحارية 3 صينيين في باكستان؟ إليكم قصّتها والتفاصيل

وأضاف مشاهد الذي طرح مخرجاً للأزمة، أنه ينبغي على السلطات أن تتوقف عن التعامل مع بلوشستان كلعبة سياسية لا تنفك فيها غالباً عن اختيار “المفضّلين إليها” واستبدالهم بوجوه أخرى. وقال إنّ جريمة “اختفاء الأشخاص” المشينة يجب أن تتوقف على الفور. كما لا بدّ من الحرص على وصول منافع التنمية إلى المجموعات المحلية وعلى استئصال الفساد والتنكيل على الحدود من جذورهما.

المجموعات الإرهابية قادرة على أن تضرب كما يحلو لها في كراتشي وداسو وغوادار، وفي أيّ مكان آخر في البلاد لأنّ التحذيرات الأمنية لا تلقى آذاناً صاغية

مشاهد حسين سيّد

كما اعتبر أنّ المجموعات الإرهابية قادرة على أن تضرب كما يحلو لها في كراتشي وداسو وغوادار، وفي أيّ مكان آخر في البلاد لأنّ التحذيرات الأمنية لا تلقى آذاناً صاغية، ولأنّ أنظمة مكافحة الإرهاب أصبحت بالية وبات التنسيق الأمني والتعاون الإستخباراتي مصابين بضعف بالغ، ما أفضى إلى عدم التمكن من تفادي أحداث من هذا القبيل.

ويقول خبراء إنّ الوضع في أفغانستان قد تسبب بتنامي التطرف في باكستان لأنّ جماعة طالبان الأفغانية تمانع التحرك ضدّ المقاتلين الذين قاموا بنشاطات إرهابية عبر الحدود في باكستان. وقبل بضعة أسابيع، حذّرت كابول وإسلام أباد من وقوع اشتباكات حادة على الحدود بسبب المتطرفين، إلّا أنّ حركة طالبان الأفغانية ما زالت تحجم عن الإطباق على العناصر الذين يثيرون المتاعب.

وأضاف منصور لـ “أخبار الآن“: “لا شك أنّ معنويات حركة تحريك طالبان باكستان مرتفعة جدّاً وكانت تربطها علاقات وثيقة بجماعة طالبان الأفغانية. كما يملك المتمردون البلوش ملاذات آمنة في أفغانستان وإيران على حدّ سواء، إلّا أنّ هذين البلدين لم يكونا يتحركان ضدّ المتمردين البلوش الموجودين على أراضيهما”.

على خط آخر، تصاعدت حدّة الهجمات التي تشنّها تحريك طالبان على الموظفين الحكوميين ورجال الشرطة والجيش والحرس الحدودي في ولايتي خيبر بختونخوا وبلوشستان، وتنامت صفوفها بسبب انضمام مئات المحاربين القدامى الأفغان إليها.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، فقد قُتل 8 أفغان منضوين في صفوف حركة تحريك طالبان باكستان في القتال ضدّ قوات الأمن الباكستانية في مناطق تانك وديرا اسماعيل خان وشمال وزيرستان.

إذاً يزداد عدد الأفغان في صفوف حركة تحريك طالبان باكستان، ويقال إنّه في الأشهر المقبلة ستتصاعد تلك الهجمات وتنتقل إلى ولايات أخرى في باكستان”. وأردف منصور قائلاً إنّ “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا الذي تبنّى بعض العمليات كان ضعيفاً بعض الشيء، بعكس المناضلين البلوش وحركة تحرير طالبان باكستان في منطقتي بيشاور وباجور القبليتين”.

شاهدوا أيضاً: هكذا دمّر الممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني اقتصاد إسلام أباد.. وكلفة أمنه تفوق حصة باكستان!