منذ إستلاء حركة طالبان على الحكم من جديد في سبتمبر العام 2021، بعد الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، حرصت طالبان التي سرعان ما سيطرت على الدولة مع إنهيار الجيش الوطني الأفغاني، على إظهار قوّتها وسيطرتها التامة على البلاد بكلّ الوسائل الممكنة.

 

  • منع حركة طالبان الفتيات من ارتياد المدارس والذهاب إلى الجامعات يثير جدلاً واسعاً
  • باشتانا دوراني ناشطة أفغانية تتحدى طالبان بمدارس سرية للفتيات في 4 ولايات
  • خوف الأهل من طالبان وتفاقم الأزمة الإقتصادية يمنعان الكثيرين من إرسال بناتهم للمدارس

طالبان تغطّي عجزها وفشلها بسلسلة قرارات صارمة ومجحفة تطال مختلف الجوانب لاسيّما المرأة

فالحركة اتخذت سلسلة إجراءات وقرارات يصفها متابعون “بالترهيبية المتطرّفة”، هدفها بسط السيطرة التامة على المجتمع الأفغاني وإظهار أنّها عادت بالقوّة نفسها التي كانت عليها، لتوحي وكأنّها تحظى بتأييد كلّ القبائل والمقاطعات الأفغانية.

وفي ذلك الصدد، تواجه حكومة طالبان إنتقادات واسعة في ظلّ تفشي الفقر والجوع والعوز في البلاد، إذ “يحتاج 24 مليون شخص في كلّ أنحاء أفغانستان، إلى دعم إنساني هذا العام”، بحسب الموفض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الذي تحدّث عن أزمة السيولة والنقص الحاد في نظام الرعاية الصحية، مشدّداً على أهمية “بناء الثقة” كمدخل لحلّ الأزمات.

كلام غراندي هذا أتى خلال زيارته العاصمة كابول في 17 مارس المنصرم، وقد فسَّره مراقبون على أنّه تأكيد على فشل طالبان في إدارة شؤون البلاد وحماية أبسط حقوق الأفغان من مأكل ومشرب… وذلك ما يدفعها إلى تغطية عجزها عبر سلسلة قرارات صارمة ومجحفة تطال مختلف الجوانب لاسيّما المرأة وجوانب حياتها، عوض معالجة الأزمة المستفحلة، إذ تَحدّ طالبان من الحريات والحقوق، لاسيّما حقوق المرأة التي تتقصد إستضعافها.

باشتانا دوراني تكسر قرار طالبان بشأن تعليم الفتيات.. فماذا فعلت هذه الناشطة الأفغانية؟

ففي سبتمبر 2021، وإبَّان تشكيل الحكومة الجديدة، ألغت طالبان وزارة شؤون المرأة واستبدلتها بوزارة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. كما اتخذت مجموعة من القرارات التي تنتهك حقوق المرأة الأفغانية بشكل فادح وغير مبرر، ومنها على سبيل المثال، قرار منع المرأة من السفر داخلياً أو خارجياً إلّا برفقة رجل من عائلتها، أي “محرم”.

ومن أبرز تلك القرارات وأكثرها إجحافاً بحق النساء، قرار حظر التعليم للفتيات الأفغانيات، والذي بدأ تطبيقه الفعلي في 23 مارس، يوم اتخذت حكومة طالبان قرار تأجيل فتح مدارس البنات في العام الدراسي الجديد، ومنعت الفتيات من الذهاب إلى الجامعات والمشاركة في الصفوف التعليمية التي تقام في شهر رمضان.

القرار اتُخذ بعد ساعات قليلة من السماح بإعادة فتح المدارس للمرّة الأولى منذ عودة طالبان الى الحكم. ويُبيّن التباينات الكبيرة داخل الحركة بحيث خرج العديد من رجال الدين عن صمتهم إزاء ذلك القرار المجحف وغير المبرر شرعاً، والذي أيضاً يهدّد حصول المجتمع الأفغاني على مساعدات إنسانية هو الأحوج إليها.

من تلك الأصوات المعترضة، يبرز كلام عالم الدين محمد نور إبراهيمي الذي قال إنّ “التعليم حق للبنات والشريعة الإسلامية لا تخالف تعليمهن بل تشجعه، إذا كانت الأجواء مهيئة وتراعي البنات الحجاب الشرعي”. وأضاف: “يجب أن تعيد طالبان النظر بالقرار الذي يعني مستقبل شريحة كبيرة من المجتمع”. 

نركّز على تثقيف الفتيات في العلوم وحقوق الإنسان والأدب النسوي، ونحرص على أن تصبح هؤلاء الفتيات قائدات الغد في أفغانستان

باشتانا دوراني

في سياق متصل، أوضحت الناشطة الحقوقية باشتانا دوراني “Pashtana Dorani“، وهي المديرة التنفيذية لمبادرة “LEARN”، في حديث خاص لـ“أخبار الآن“، خطورة ذلك القرار، وشرحت كيفية استمرارها في تعليم الفتيات في مدارسها الخاصة رغم قرار طالبان الذي اعتبرته بدورها يتنافى والإسلام، إذ قالت إنّ “تعمّقنا في الإسلام نرى أنّ الدين الإسلامي كان في الأساس من بين أوائل الديانات التي ركّزت على تعليم الفتيات، وعلى الحرص على تأمينه لهن، بينما نحن اليوم الدولة الوحيدة التي تحظّر تعليم الفتيات، وذلك الأمر يصعّب كثيراً على الفتيات والنساء الأفغانيات  الشعور بأنهن أفغانيات بعد اليوم”.

دوراني تتحدَّى قرار طالبان عبر فتحها مدارس خاصة “بشكل سري” في 4 ولايات أفغانية. وتقول لـ”أخبار الآن “: “ندير مدارس سرية في قندهار وكابول وتاخار وباميان، ونركّز على تثقيف الفتيات في العلوم وحقوق الإنسان والأدب النسوي، ونحرص على أن تصبح هؤلاء الفتيات قائدات الغد في أفغانستان، لكن في الوقت عينه كان ذلك العمل شاقاً لأنّنا ما زلنا نتأمّل في أن يسمحوا من جديد للفتيات بالذهاب إلى المدرسة، لكنهم يواصلون استغلال ذلك الموضوع كلعبة سياسية “.

هي تُكرس نشاطها الحقوقي في أفغانستان لإنقاذ الفتيات من براثن الأميّة والجهل. كانت مسؤولة عن مدارس حكومية قبل عودة طالبان إلى الحكم. والمدارس الخمسة الخاصة التي تحوّلت صفوفها اليوم إلى سرية أسستها لتعليم فتيات المناطق القبلية التي لا مدارس رسمية قربها. تقول دوراني: “حالياً بسبب منع تعليم الفتيات وعدم توفر أيّ شكل آخر من التعليم، نركّز فقط على ضمان استمرارية المدارس السرية في نشاطها”.

وتضيف: “في الماضي عندما كان العمل لصالح المرأة قانونياً، وكان ارتياد المدرسة قانونياً أيضاً، توليت إدارة نحو 18 مدرسة رسمية بالشراكة مع وزارة التعليم العالي في قندهار”. وتتحدث عن الفرق بين الأمس واليوم قائلة: “أربع من المدارس الخمسة تعمل وفي كلّ مدرسة يوجد 100 تلميذة، في حين كان عدد التلامذة 7000، وفي كل صف كان يوجد نحو 35 الى 45 تلميذة”.

باشتانا دوراني تكسر قرار طالبان بشأن تعليم الفتيات.. فماذا فعلت هذه الناشطة الأفغانية؟

باشتانا دوراني مع مجموعة من تلاميذها وتلامذتها

وردّاً على سؤال حول الضغط المجتمعي والمخاوف التي تمنع الفتيات في حالات كثيرة من ارتياد المدرسة، تقول دوراني: “لا بدّ من أن نفهم أنّ أفغانستان كبلد يؤمن بالتعليم، والأفغان كشعب ومجموعة يؤمنون بالتعليم أيضاً، والدي كان أفغانياً وقد أرسلني إلى المدرسة لأنّه كان يؤمن بالتعليم، وأنا متعلّمة بما يكفي لكي أتمكّن من التركيز على تعليم الفتيات”. وتضيف: “ينطبق المثل على كلّ الآباء الذين أرسلوا بناتهم إلى المدارس والذين لا زالوا يؤمنون بمستقبل أكثر إشراقاً”.

وتتابع: “علينا أن ندرك أنّ حظر المدارس حالياً ينطبق مع فكر محافظ وفكر مجموعة صغيرة”. وتسأل: “لماذا لم تردع مختلف المجموعات بناتها عن ارتياد المدرسة في السنوات العشرين الماضية أو قبل الحرب؟ لماذا لم يردعوا الفتيات عن ارتياد المدرسة في السبعينات أو الثمانينات عندما كانت البلاد تتخبط في الفقر؟ إذاً لا بدّ من أن ندرك أنّ أفغانستان كبلد تؤمن بالتعليم إنّما حركة طالبان هي التي لا تؤمن به”.

باشتانا تحدثت عن إزدواجية المعايير لدى مجموعة صغيرة محافظة تؤيّد قرار حظر التعليم لأنّ المدارس مموّلة ممَّن يعتبرونهم “كفاراً”، فتقول ” لقد برّر كثر عدم إرسال فتياتهم إلى المدارس بداعي أنّها من تمويل الكفّار وأنّهم لا يريدون أن ترتادها فتياتهم، ولكن في الوقت عينه لا تزال الكهرباء في بلادنا من تمويل الكفّار الذين يكرهونهم كثيراً، وحتى في الحكومة الحالية، نرى أنّ الطائرات هي من تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لذلك على أيّ قاعدة يقومون بخياراتهم فيقبلون بما هو مسهّل فلا يصفونه بالكافر، بينما يعتبرون تعليم الفتيات من تمويل الكفّار”؟ 

طالبان تستعمل مواضيع المرأة كطعم سياسي لكي تضمن أنّ شاشات التلفزة الدولية تتحدث عنها وتذكرها في نشرات الأخبار

باشتانا دوراني

وعلى خط متصل، وضمن سلسلة القرارات المجحفة بحق المرأة الأفغانية التي تحاول طالبان التستر خلفها، كانت أصدرت طالبان السبت الماضي قراراً يلزم النساء الأفغانيات إرتداء البرقع في الأماكن العامة، ويحدّ من حقهّن في التنقل إذ يدعونهنَّ لملازمة المنزل إنْ لم يكن لهن عمل مهم في الخارج. ذلك القرار أصدره زعيم حركة طالبان هبة الله أخوند زاده في مرسوم يتضمن سلسلة عقوبات تُفرض على “المحرم” الذي لا ترتدي النساء في عائلته البرقع.

هنا علَّقت دوراني على ذلك القرار معتبرة إيّاه سياسيا صادراً عن حركة “تبذل قصارى جهدها لتحويل حياة الفتيات والنساء إلى جحيم”. وأضافت أنّ “أفغانستان بلد محافظ في موضوع ارتداء الحجاب، ونحن أيضاً بلد بارد واقع في منطقة باردة ويتساقط فيه الثلج دوماً، لذلك ترتدي الأفغانيات الحجاب دائماً حتى لو كنّ من أقليات دينية مختلفة”.

باشتانا دوراني تكسر قرار طالبان بشأن تعليم الفتيات.. فماذا فعلت هذه الناشطة الأفغانية؟

وأوضحت: “هناك سيخ في أفغانستان وهنّ متحجبات مثلنا  لسبب واحد هو أنّ مجتمعنا محافظ، وأنّ السبب الأوّل في ذلك أنّ كلّ فرد يحترم قواعد لباس المجموعات الأخرى، والسبب الثاني هو أنّ أمي مثلاً لا تقابل أعمامي سافرة الوجه، هكذا تربّينا وهكذا تعيش القبائل”.

ورأت أنّ “طالبان تستعمل ذلك الأمر كطعم سياسي لكي تضمن أنّ شاشات التلفزة الدولية تتحدث عنها وتذكرها في نشرات الأخبار، وتذكّر الجميع بأنّ طالبان ما زالت في السلطة”. وتتابع: “لا تكمن المشكلة في البرقع بل في عقلية طالبان لأنّها إلى الآن ليس لديها ما تركّز عليه باستثناء البرقع”.

وسألت: “لماذا لا تركّز طالبان على المسائل الإقتصادية لأنّ الأفغان يموتون من الفقر، وهناك أزمة إنسانية على شفير الإنفجار، وهناك مشاكل طبية، حتّى أنّ البعض لا يملك ثمن عبوة حليب للأطفال، بينما كل ما يسعها التركيز عليه هو البرقع الموجود أصلاً، لربما تكره طالبان النساء كثيراً لأنّها لا تأبه لحال مجموعات أخرى في البلاد، بل جل ما تركّز عليه هو النساء وكيف تفرض حظراً عليهن”.

دوراني أنهت حديثها “أخبار الآن” عن تلامذتها اللواتي أجبرن على ترك مقاعد الدراسة بسبب قرار طالبان التي لم تحرمهن من حقهن في التعلم وحسب، بل أفقدت الأهل فرص عملهن وفاقمت الأزمة الإقتصادية، قائلة: “طالبان لم تصمد في السلطة طويلاً في المرة السابقة وحتى هذه المرة فالقوى المماثلة التي تركز على ويلات المجتمع بدلاً من أن تقدم الخدمات للبلد ولشعبها وتكره النساء، لا تصمد طويلاً ولم تصمد في السابق ولن تصمد الآن”. وتوجهت لهنَّ بالقول: “تسلحوا دوماً بالأمل وتابعوا دراستكم بكلّ السبل الممكنة لأنّ تلك المرحلة ستنتهي ربّما ليس في القريب العاجل، لكن حتماً ستنتهي يوماً ما”.

شاهدوا أيضاً: التسجيل الأخير يوثق اللحظات الأولى للهجوم الروسي على أوكرانيا