“اليوم أشعر بأمانٍ أكثر، فهنا أعيش من دون خوف كان ينتابني كلّ دقيقة بينما كنت هناك.. إنّني أنام بشكل أفضل هنا”… إنّه الإيغوري عمر ميمتورسون (Memettursun Omer) الذي يتحدّر من منطقة شينجيانغ الشمالية الغربية في الصين. اليوم يعيش في بلدة كيركينيس الصغيرة في النرويج، فهو حاول قدر استطاعته أن يبتعد هرباً من السلطات الصينية.

  • معاناة أقلية الإيغور في الصين مستمرة وانتقادات واسعة لآداء المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت
  • الإيغوري عمر ميمتورسون يروي من منفاه تفاصيل هروبه من الصين والتهديدات الذي تلقاها على هاتفه
  • الصين تستخدم أجهزتها الإستخباراتية للتعرف على المعارضين واللاجئين في النرويج والتجسس عليهم
  • المختص في شؤون الإيغور بيتر إروين: “لا مؤشرات توحي بأنّ زيارة ميشيل باشليت للصين ستكون فعّالة

 

“أينما ذهبت، يمكننا دائماً إعادتك، فليس لديك طريقة أخرى سوى العمل لدينا”
من رسائل التهديدات التي تلقاها عمر

عشرات الرسائل وصلت إلى هاتفه المحمول منذ مغادرته الصين في العام 2017، أصوات عملاء صينيين يهددونه باستمرار. يقول عمر إنّهم كانوا يعثرون عليه دائماً. وفي إحدى التسجيلات التي أرسلها إلى “أخبار الآن“، يتوجّه إليه الذي كان مسؤولاً عنه في الصين بالقول: “لم نرسلك إلى هناك كي تفعل ذلك، ويبدو أنّك تنسى ما كان أصلك”. فماذا كان يقصد، وما الذي يعيشه الإيغور في الخارج؟

قبل 4 سنوات، يقول عمر لـ”أخبار الآن” إنّه تمّ إرساله من قبل العملاء أنفسهم إلى أوروبا في “مهمّة سرّية”، التسلل والتجسس على مجموعات الإيغور الذين يرفعون الصوت متحدّثين عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب ضدّ أقلية الإيغور  والأقليات العرقية الأخرى.

قبل أشهر من مغادرته في العام 2017، كان عمر قد اعتقل من قبل الدولة الصينية بعد عودته من العمل في الخارج، وخلال فترة اعتقاله، خضع الشاب الإيغوري للإستجواب وتعرّض للتعذيب والضرب على خلفية الصلاة، كما خضع لشهور عديدة لعملية “غسل الدماغ”، ليصبح “مواطناً صينياً مخلصاً” وفق منطق الحزب الشيوعي الصيني، وعلى استعداد للقيام بما يُطلب منه، وتجنيده جاسوساً لصالحهم. ويضيف عمر في حديثه لـ “أخبار الآن“، أنه قبل مغادرة شينجيانغ، أُجبر على التوقيع على بيان يقر فيه بأنّه إرهابي، قائلين له: “أينما تذهب، يمكننا استخدام ذلك لإظهار أنّك مجرم وإعادتك إلى الصين”.

لم يكن لدى عمر أيّ نية في أن يصبح جاسوساً يزوّد النظام الصيني بتفاصيل عن أبناء عرقه، فذهب إلى اسطنبول حيث حاول أن يبدأ حياة جديدة، آملاً أن يلتقي بوالده الذي لم يره منذ أكثر من 20 عاماً. طوال ذلك الوقت، يوضح الشاب الإيغوري، أنّه كان دائماً ما يتعرّض باستمرار للتهديد والمضايقة من قبل الصينيين.

إذا بدأت في نسيان ما قلناه لك، فقط إنظر إلى السماء لترى القمر، وهكذا يمكن أن نجدك

من رسائل التهديدات التي تلقاها عمر

“لدى الصين جواسيس في كلّ أنحاء العالم، وعمر كان أحد هؤلاء الأشخاص”، يقول أرسلان هيدايات، وهو ناشط إيغوري، لـ”أخبار الآن“، مضيفاً أنّ “العذاب يلاحقه ويمتد إلى كلّ أفراد العائلة، فإنْ ارتكب أحد أفرادها مخالفة بحق الشيوعية الصينية، تعاقب العائلة بأكملها. لدى الصين تكتيك يتمثل في استخدام أفراد عائلتك ضدّك كضمان لجعلك تتبع خطواتهم أو تستمع إلى تعليماتهم وإلى أوامرهم“. ففي العام الماضي، والدة عمر في شينجيانغ أخبرته أنّ الشرطة كانت تزورها بانتظام، ودائماً ما كانت تبلغها بضرورة أن تخبر ابنها بوجوب توخّي الحذر في النرويج، في رسالة تهديد مباشرة.. “قالت لي، الشرطة تعرف كل شيء. إنهم يعرفون حتى ما يحدث داخل منزلك”.

تثير المكالمات قلقاً هائلاً لدى الإيغور في النرويج ، الذين يخشون أن تؤخذ عائلاتهم كرهائن إذا لم يستجيبوا لما تطلبه الصين. يقول هيدايات إنّ “الشرطة الصينية تتصل بالنرويجيين الإيغور من داخل منازل أقاربهم في شينجيانغ، وتبدأ في الضغط عليهم لتسليم المعلومات ووقف نشاطهم. تلك هي الطريقة التي تعمل الحكومة الصينية من خلالها على السيطرة على الإيغور بسهولة”.

وتابع في حديثه لـ”أخبار الآن“: “في الماضي، ناشد الإيغور في أوروبا عائلاتهم في شينجيانغ توخي الحذر من السلطات وعدم التحدّث ضدّ الحزب الشيوعي الصيني. الآن ، يحدث الشيء نفسه، بل أيضاً في الإتجاه المعاكس، يحذّر الإيغور داخل الصين عائلاتهم في الخارج من التزام الصمت، ووقف نشاطهم، والحذر من أنفسهم”.

“ربما لم تتذكر لماذا أرسلناك إلى الخارج، عندما كنت هنا قبلت العمل لدينا والآن كيف تجرؤ على مخالفة التعليمات”

من رسائل التهديدات التي تلقاها عمر

شعر عمر أنّ البقاء في اسطنبول أمرّ خطير للغاية، فقرّر مغادرة تركيا لينتهي به الأمر في معسكر لجوء في تلك المدينة النرويجية الصغيرة، بالقرب من الحدود الروسية.

 

 

“لقد رأينا وسمعنا تقارير تفيد بأنّ الصين قامت بترحيل مئات الإيغور من كلّ أنحاء العالم، خصوصاً في تركيا، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فثمّة مَنْ قتل بسبب التحدث علانية ضدّ الحكومة الصينية، وذلك ربما يكون أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت عمر إلى الذهاب إلى أوروبا خوفاً من تعرّضه للهجوم، يقول الناشط الإيغوري أرسلان هيدايات. ويتابع أنّ “الأشخاص مثل عمر يحتاجون للحماية والدعم وذلك لم يتوفر عند معظم الإيغور، خصوصاً في الدول العربية، مضيفاً: “هناك الآلاف من الإيغور في الخارج معرّضون للإضطهاد الصيني، فالصين شريك اقتصادي رئيسي لدول كثيرة”.

"أخبار الآن" تنشر رسائل تهديد من الصين إلى الإيغوري عمر.. "سنعثر عليك أينما كنت"

 

 

“لقد تمكّنوا من الوصول إلى شقيقاي الإثنين والآن هما في السجن بسببي… ألوم نفسي جدّاً على ذلك” يقول عمر، مضيفاً: “كنت دائماً أشعر أنني مراقب وكأنني ما زلت في السجن. كنت خائفاً ومذعوراً كل يوم”.

“لم نرسلك إلى هناك لكي تفعل ذلك والظاهر أنك تنسى ما كان أصلك”

من رسائل التهديدات التي تلقاها عمر

لقد تمّ توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي يواجهها الإيغور في الصين على نطاق واسع، كما تمّت إدانة تلك الإنتهاكات على نطاق واسع دولياً، حيث يُعتقد أن ما يقدر بمليون من الإيغور والأقليات المسلمة الأخرى محتجزون في شبكة من معسكرات الإعتقال.

 

 

أخبار الآن” سألت بيتر اروين، وهو مختص في شؤون الإيغور عن نوع تلك الإنتهاكات ضدّ الإيغور فقال: “عندما نتحدث عن القضايا في الصين وتحديداً في تركستان الشرقية أو منطقة الإيغور، نتحدث عن جرائم ضدّ الإنسانية وإبادة جماعية. أعتقد أنّ الإبادة الجماعية في أذهان معظم الناس تعني القتل الجماعي، لكن هناك العديد من المؤشرات غير القتل الجماعي على سبيل المثال تدابير منع الولادات، ذلك مؤشر آخر على الإبادة الجماعية. السبب في استخدام تسمية الإبادة الجماعية في الحالات التي حدثت فيها عمليات قتل جماعي هو أنّها أسهل طريقة يمكن بها للمحكمة إثبات حدوث الإبادة الجماعية”.

وتابع: “هناك الآلاف من الإيغور في الخارج معرضون للاضطهاد الصيني، سواء لم يكن لديهم جواز سفر لأنّ الحكومة الصينية ترفض تجديد جوازات السفر أو أنّ بلد الإقامة يرفض إصدار وثائق السفر. لقد تصاعد ذلك حقاً لاستهداف الإيغور في الخارج، وقد وثق مشروع حقوق الإنسان الإيغور بدقة على مدى السنوات الثلاث الماضية، الطريقة التي استهدفت بها الحكومة الصينية نشطاء الإيغور والأشخاص العاديين في الخارج ، مثل عمر الذي لا يستطيع الهروب من الاضطهاد الصيني بعد مغادرة البلاد”.

وأضاف: “بالنسبة لأولئك الذين تمكّنوا من الفرار، تبدو النرويج ، بقوانينها المتساوية والديمقراطية النموذجية، أكثر الأماكن أماناً على وجه الأرض. هناك نحو 2500 من طالبي اللجوء الإيغور في النرويج. هناك دائماً خطر محتمل على عمر، إنّ “ما يقرب من 100 % من الإيغور في النرويج يواجهون مراقبة وتهديدات من الدولة الصينية”.

 

"أخبار الآن" تنشر رسائل تهديد من الصين إلى الإيغوري عمر.. "سنعثر عليك أينما كنت"

لا يزال عمر يحتفظ بالرسائل الصوتية والتهديدات التي تلقاها من العملاء الصينيين على هاتفه – Frankie Mills/Coda Story

اروين: هناك نحو 2500 من الإيغور في النرويج كطالبي اللجوء 

صرح جهاز الأمن في الشرطة النرويجية بأنّ الصين تستخدم أجهزتها الإستخباراتية للتعرّف على المعارضين واللاجئين في النرويج والتجسس عليهم، لكن في المقابل نفت السفارة الصينية في أوسلو ذلك، وقال متحدث باسم السفارة في بيان، إنّ “الحكومة الصينية والسفارة الصينية في النرويج لم تتخذ مثل ذلك الإجراء مطلقاً”.

تجدر الإشارة إلى أنّه من المقرر أن تزور مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت شينجيانغ وسلسلة من المعسكرات المخصصة لمسلمي الإيغور. وقد أشارت باشيليت في وقت سابق إلى أنها حصلت على إذن من الحكومة الصينية لزيارة المعسكرات بعد محاولتها تأمين الوصول لأكثر من عام.

وعن رحلة باشيليت المقررة في الشهر الجاري يقول الخبير في شؤون الإيغور بيتر إروين لـ”أخبار الآن” :” لا يوجد ما يشير من مكتب باشليت إلى أنّ تلك الزيارة ستكون فعلاً ذات مصداقية. ليس هناك ما يشير إلى أنها ستتمكن من زيارة الأماكن التي ستحتاج إلى زيارتها، كما أنّها لن تكون قادرة على التحدث بحرية وصراحة مع الإيغور.

انتقادات واسعة لميشيل باشليت لعدم إصدارها تقريراً “تأخّر طويلاً” بشأن حقوق الإنسان في شينجيانغ

في ظل ذلك، يتعرض مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان لانتقادات لعدم إصدار تقرير “تأخّر طويلاً” بشأن حقوق الإنسان في شينجيانغ، وسط تقارير أفادت في وقت سابق من ذلك العام، بأنّ بكين أصرت على عدم نشر ذلك التقرير قبل الألعاب الأولمبية الشتوية في فبراير الفائت. ووفق المعلومات، فهو يتضمن شهادات من الضحايا والناجين يتحدثون فيها عن تجاربهم الشخصية حول ما تعرّضوا له من انتهاكات لحقوقهم.

وهنا يقول اروين: “لقد أوضحت في الأشهر الستة الماضية أنها لديها تقرير وتقييم للوضع  في شينجيانغ  الذي رفضت بشكل أساسي الإفراج عنه. لذا، من وجهة نظرنا ، فهي بحاجة إلى إصدار هذا التقرير وإطلاقه وإظهار ما يحدث للعالم وتقديم التوصيات بغض النظر عما إذا كانت ستذهب في هذه الزيارة أم لا”.

"أخبار الآن" تنشر رسائل تهديد من الصين إلى الإيغوري عمر.. "سنعثر عليك أينما كنت"

وأثارت باتشيليت في السابق مخاوف بشأن حقوق الإنسان في شينجيانغ في يونيو 2021، حين أعلنت أنها تعتزم زيارة شينجيانغ لتقييم “تقارير الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان” هناك، ما دفع بعثة الصين لدى الأمم المتحدة إلى إصدار إدانة تدعي أن تصريحاتها كانت “خاطئة” و “تتدخل في سيادة الصين”.

وبعد أن رفضت الحكومة الصينية في البداية دخولها إلى شينجيانغ، أشارت باتشيليت في وقت لاحق من العام إلى أنها ستكتب تقريرها على أي حال، بناءً على المعلومات التي تم الحصول عليها من شهادة المنفيين الإيغور خارج الصين، على الرغم من إصرارها على نشر هذا التقرير بحلول نهاية عام 2021، إلا أنه لم يظهر بعد.

في يناير، ذكرت صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست أن بكين وافقت على السماح لباشيليت بزيارة شينجيانغ بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية – طالما تم تأطير الرحلة على أنها زيارة ودية وليست تفتيشًا.

شاهدوا أيضاً: محنة الإيغور.. وثائق تفضح الرئيس الصيني و”غوان” يخترق أسوار شينجيانغ.