تجمع الجمّالة.. عسكر الصحراء المتنقل دومًا ويلعب دورا محوريا في محاربة الإرهاب

قبل عقد من الزمن نجحت الجمهورية الإسلامية الموريتانية في القضاء على التنظيمات الإرهابية المتوغلة في أقاصي أراضيها الصحراوية. فكيف نجحت بذلك؟.

نقدم لكم سلسلة تقارير ميدانية كي نتعرف عن قرب على السياسات التي وضعتها سلطات هذه الدولة العربية لتحقيق هذا النجاح والتي معها ما تزال مستمرة في محاربتها للإرهاب محليًا وإقليميًا على صعيد مجموعة دول الساحل الخمس.

في هذا التقرير الأول، انتقل فريقنا الصحفي إلى قرية أشميم في ولاية الحوض الشرقي حيث قاعدة عسكرية لتجمع الجمّالة التابع للحرس الوطني، لنتعرف على مهام هذا التجمع في استتباب الأمن ومنع عودة انتشار المجموعات الإرهابية وذلك عن طريق المساعدات الصحية والانسانية التي يقدمها عناصر التجمع للسكان.

تجمع الجمّالة عبر التاريخ

يقول المقدم أحمد العبد الله العلي قائد تجمع الجمّالة التابع للحرس الوطني في ولاية الحوض الشرقي:

  • أنشئت وحدات الجمّالة في العام 1904-1905 من قبل المستعمر الفرنسي، وكانت تعرف باللغة الفرنسية بالـ “الميهاريست”.
  • هي وحدة عسكرية تستخدم الجمال كوسيلة للتنقل والتدخل.
  • في العام 1912.. تأسست قوات الحرس الوطني التي يتبع لها تجمع الجمّالة.
  • في العام 1958-1959.. تأسست القوات المسلحة الموريتانية التي تضم الحرس الوطني.
  • في العام 1960.. استقلال موريتانيا عن فرنسا وباتت تعرف بالجمهورية الإسلامية الموريتانية.
  • منذ الاستقلال وحتى اليوم ظل تجمع الجمّالة تابعًا للحرس الوطني المتواجد دومًا في التمفصل العام للقوات المسلحة أي الجيش

الجمّالة أقدم الوحدات العسكرية في موريتانيا

بين الكثبان الرملية، يقع مركز تجمّع الجمّالة داخل قاعدة أشميم العسكرية التي تبعد مسافة ثلاثين كيلومترًا عن مدينة النعمة عاصمة ولاية الحوض الشرقي.

تجمع الجمّالة هو أقدم الوحدات العسكرية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي نالت استقلالها في العام 1960. وتتخذ هذه الوحدة من الجمال وسيلة لتنقل عناصرها والوصول إلى أقاصي الأراضي الصحراوية للبلاد حتى لو تطلب منها ذلك البقاء أيام وليال طويلة بعيدًا عن مركزها.

هؤلاء “الميهاريست” كما يطلق عليهم باللغة الفرنسية لأن الاستعمار الفرنسي أسسه بداية القرن العشرين، مهمتهم الرئيسية هي الحفاظ على الأمن ومنع عودة انتشار العصابات الإرهابية في تلك المناطق النائية بعد أن تم القضاء عليها قبل عقد من الزمن.

رغم وقوع الجمهورية الإسلامية الموريتانية على المحيط الأطلسي مع شواطئ وسواحل هامة جدًا لكنّ جزءًا كبيرًا من أراضيها مؤلف من صحراء شاسعة ووعرة ويصعب الوصول إليها. أما سكانها فهم من البدو الرُحّل. لذلك كان لا بد من إيجاد قوة تحفظ الأمن وتتعرف على المستلزمات المعيشية لهؤلاء المواطنين.

الجمّالة المهام الانسانية لتجمع الجمّالة

وهذا ما أكده لنا المقدم العبد الله العلي، قائد تجمع الجمّالة التابع للحرس الوطني في ولاية الحوض الشرقي، قائلًا إن هذه الوحدة العسكرية أنشئت من أجل تنفيذ مهام ذات طابع إنساني “في أماكن لم تكن الإدارة متواجدة فيها. وعلى هذا الأساس كنا نقوم بحسب وسائلنا بمد يد العون للمواطنين. وإذا كانت تتطلب تدخل الإدارة نقوم ببعض التقارير لتنوير الإدارة على المشاكل التي تعاني منها الساكنة للتدخل في كل مجال: مجال الصحة، مجال التعليم، ومجال الزراعة ومجال الصحة البيطرية. وكما أننا نقوم بإرشاد الناس وإطلاعهم على المستجدات التي تتم على أرض الوطن، وكذلك نقوم بإعطائهم بعض الإرشادات الصحية التي تساعد في حفظهم وإيجاد ثقافة صحية لديهم. كما نرسخ فيهم الانتماء للوطن”.

ترسيخ الشعور بالانتماء للوطن

ولتحقيق هذا الشعور بالانتماء للوطن في تلك الأماكن التي لا تتواجد فيها المؤسسات الرسمية فقد عملت السلطات المحلية على اختيار عناصر الجمّالة وفق اختصاصاتهم في مجالات عدة كالتعليم والهندسة والقانون والصحة العامة والطب البيطري للاستجابة لمتطلبات السكان.

فالانتماء للوطن هو أهم شيء بالنسبة للسلطات الموريتانية وفق ما أعلن المقدم العبد الله العلي “لأنه يعتبر أساس جعل المواطن يرتبط بوطنه أكثر وهذا ما قامت به وحدة الجمّالة خصوصًا قبل إنشاء منطقة (مقاطعة) أظهر، والآن نقوم بهذه الأدوار في المناطق النائية البعيدة كل البعد عن المراكز الإدارية”.

تجدر الإشارة إلى أن مساحة موريتانيا تبلغ 1.03 مليون كيلومتر مربع وأن عدد سكانه يبلغ فقط 4.7 مليون نسمة. غالبيتهم يقطنون العاصمة نواكشوط والمدن الكبيرة مثل نيما ونواذيبو. أما بقية المناطق فمعظمها صحراوية يعيش مربو الماشية البدو فيها.

الجمّالة

التواصل مع المجتمع المدني

لذلك رأت السلطات أن تعزيز وحدات الجمّالة ضروري لتقديم الدعم لهؤلاء السكان على الصعيدين الصحي والاجتماعي وأيضًا للحفاظ على تواجدها، على حد تعبير قائد الأركان العامة السابق للجيش الفريق محمد ولد بمبه ولد مكت.

وأضاف ولد مكت الذي أحيل إلى التقاعد في 22 كانون الثاني/ ديسمبر من العام 2021، إلى ضرورة تعزيز هذه الوحدات العسكرية “لأن هذه الوحدات تقوم، أحيانًا، بعمليات انقاذ ويمكنها الوصول بعيدًا جدًا حيث لا يمكن للآليات الوصول إليها. لذلك إنها هامة جدًا على جميع الأصعدة: الدعم الاجتماعي والتواصل مع المجتمع المدني لأنه تبيّن لنا أن المجتمع المدني يلعب دورًا هامًا جدًا في هذا الجزء من الحدود وكما لاحظتم هناك تلاحم تام مع الأهالي، فكان من الضروري تعزيز هذه الوحدات خاصة مع الحرس الوطني الذي يتولى إدارتها فهذا هو الهدف الرئيسي “.

الجمّالة

الثقة وتحصين السكان من الفكر المتطرف

يعتبر تجمع الجمّالة عسكر الصحراء المتنقل دومًا، فهو امتداد لدور الإدارة الرسمية في تلك النواحي البعيدة خاصة مع التهديدات المتعددة الأشكال فكان لا بد من تحصين السكان من الفكر المتطرف. وفي ذلك صرّح وزير الدفاع حنن ولد سيدي مشددًا بالقول “كان يجب خلق علاقة ثقة بين القوات المسلحة وقوات الأمن والسكان، لأن هذه الثقة لا غنى عنها كي يدرك السكان أن هذه القوات موجودة لمساعدتهم. في السابق، هذه العملية كان يقوم بها الشبان لأنه على ظهر الجمال يمكن الدخول والوصول إلى جميع الأماكن وحيث لا يمكن للسيّارة أن تصل إليها”.

الجمّالة

وأضاف “وبما أن مربي الماشية يجولون حيثما يريدون بحثًا على أماكن للرعي، فهم يذهبون حيثما يشاؤون وحيث لا يمكن للسيارة أن تصل إلى تلك الأماكن، وكما رأيتم يقدم هؤلاء الشبان بالعناية الصحية والتعليم والرعاية للسكان، دورهم هو امتداد لدور الإدارة الرسمية للدولة من أجل ايصال الخطاب الصحيح وإدارة أمورهم”.

في موريتانيا، قطاع تربية الماشية هو ثاني أهم قطاع اقتصادي في البلاد، وهو ناشط بفضل الرعيان البدو الذين يتنقلون دومًا بحثًا عن المراعي لمواشيهم. ويبقى تنقلهم هذا محفوفًا بالمخاطر حين يواجهون رجال العصابات في نواحٍ نائية ومقفرة لا تصل إليها يد الدولة لمراقبتها وحمايتهم. لذلك كان لا بد من تعزيز دور تجمع الجمّالة لتوطيد الثقة بالإدارة الرسمية وإضفاء الشعور بالانتماء للوطن لدى أولئك المواطنين الرُحّل.

مركز للتدريب بمساعدة أوروبية

لإرساء أسس الثقة بين الدولة والسكان، عبر إدارة أمورهم واحتياجاتهم اليومية وتحصينهم من الفكر المتطرف، كان من الضروري تمكين عناصر الجمّالة وتدريبهم وتكوينهم. وقد أشار المقدم العلي أن “قيادة الحرس الوطني عملت ببرامج لإعادة هذه الوحدات وتمكينها من العتاد والأفراد الأساسيين للقيام بأدوار مهمة حتى تتمكن من تغطية أكبر مساحة معينة من هذه الولاية الشاسعة وبعض الولايات الأخرى التي أيضا تحتاج إلى مثل هذه الوحدات”.

ولتطبيق هذا الهدف، أقيم مركز لتدريب الجمّالة في قرية أشميم، وقد تم تدشينه مؤخرًا. يقوم هذا المركز بإعداد المنضمين الجدد تحت لواء الجمّالة إعدادًا خاصًا لأن مهامهم لها طابع انساني. فيتم تخريج مجموعة من المتخصصين في جميع المجالات كالصحة والهندسة والتعليم والقانون والزراعة وتربية الماشية، كما شرح لنا قائد تجمع الجمّالة في ولاية الحوض الشرقي.

وأضاف المقدم العلي أن هذا المركز للتدريب هو جزء من مشروع الأمن والتنمية الذي وقعته الحكومة الوطنية مع الصندوق الأوروبي للتنمية، والذي يتضمن أيضًا حفر 10 آبار ارتوازية، وضمن إطار مشروع الأمن والتنمية هذا، تسلّم تجمع الجمّالة في أشميم 250 جملًا في العام 2019.

حفر آبار ارتوازية

فحفر الآبار الارتوازية وإنشاء السدود يدخلان أيضًا ضمن مهام تجمع الجمّالة وذلك لما لهما من أهمية في مساعدة المواطنين الرحّل الذين هم في حركة دؤوبة بحثًا عن مراع لمواشيهم.

وفي ذلك أضاف المقدم العلي أن الجمهورية الإسلامية الموريتانية تمتلك رؤوسًا كثيرة من المواشي، وتسعى اليوم لتقديم الدعم لمربي المواشي مع تركهم “في مجال حياتهم المعروف حتى يتمكنوا من توفير أو الحفاظ على الثروة الحيوانية التي تعتبر أحد ركائز الاقتصاد الموريتاني”.

تجمع الجمّالة في نظر المواطنين

يقول طالب مصطفى البنداحي، وهو أحد مواطني قرية أشميم إن تجمع الجمّالة دوره هام جدًا خاصة من الناحية الاقتصادية فهو يزيد من مداخيل خزينة البلدية “يعني أن ما بين مئتين وثلاثمئة عسكري يساهمون في حركة الاقتصادية للبلدة وانتعاش السوق المحلية.إذًا دور القاعدة العسكرية هام جدًا على الصعيد الاقتصادي”.

قوام تجمع الجمّالة الموجود في ولاية الحوض الشرقي يبلغ 450 عنصرا ت ويغطون حوالي 1200 كلم من الحدود الصحراوية مع مالي

ويضيف مواطن لم يعرّف بنفسه إن التجمع “يسهّل النقل ويساعد في تعليم المواطنين وتوفير الصحة لهم ويداويهم مجانًا، وعلى هذا الأساس له دور بارز في هذه المسائل مع أن الله جعله ليساعد المواطنين الضعاف. للأسف هؤلاء المواطنون عاجزون مثلًا على بناء منازل لهم ونقل معداتهم، لكن الحرس الوطني موجود هنا لمد يد العون لهم. في البلدية”.

تجمع الجمّالة الموجود في ولاية الحوض الشرقي، يبلغ عدد عناصره 450 عنصرًا تقريبًا وقد توزعوا على ثلاث سريّات ويغطون حوالى 1200 كيلومتر من الحدود الصحراوية مع مالي.

لا يقتصر دور تجمّع الجمّالة على خلق جو من الثقة والأمان بين المواطنين الرُحّل والدولة عبر حلّ مشاكلهم الاجتماعية والصحية وتأمين الرعاية الصحية لهم ولمواشيهم، وإنما يتعداه للحفاظ على الأمن ومنع تغلغل المجموعات الإرهابية العابرة للحدود. وهذا ما سنتعرف عليه في حلقتنا المقبلة.