رسالة من قدامى المحاربين ودعوة وزير خارجية سابق بالوقوف بجانب أوكرانيا

منذ التصعيد الروسي العدواني ضد أوكرانيا، الذي يستهدف وحدة أراضيها وسيادتها، وتلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأركان نظامه باستخدام القوة عبر الحشود والمناورات العسكرية على حدود كلا البلدين وعبر بيلاروس، وصولاً للتدخل العسكري الذي بدأ فجر الرابع والعشرون من فبراير (شباط)، وأجهزة الإعلام الروسية الموالية في مجملها للكرملين تروج بأن هذه الحرب “عادلة”، وتلقى تأييدًا من الرأي العام الشعبي والنخبوي في روسيا.

إلا أن المظاهرات ضد الغزو الروسي لأوكرانيا و عمت معظم المدن الروسية والتي اندلعت مساء اليوم الخميس في 24 مدينة ومازالت الأعداد في تزايد، أثبتت عكس ما تقوله تقارير النظام في وسائل إعلام موالية وهو ما أثبت أن الواقع يختلف كثيرًا عن هذه الدعاية، وهو ما يرصده هذا التقرير عبر تناول آراء عدد من السياسيين والعسكريين السابقين والمؤثرين الروس، الرافضين لسياسات الكرملين عامة والحرب على وجه الخصوص، ودوافعهم في هذا الرفض.

تفجير الأوضاع الآن حول أوكرانيا، وتصوير وجود خطر حتمي قادم منها؛ أولاً وقبل كل شيء مصطنع، ويقف خلفه مجموعة من القوى الداخلية بكلا البلدين وجدوا في هذه الحرب الوسيلة المثالية التي ستحل هذه المشكلة لتحافظ لبعض الوقت على بقاءها بالسلطة، وتحافظ على الثروة المسروقة من الشعب.

رسالة إلى بوتين من داخل روسيا: تخلى عن سياستك الإجرامية تجاه أوكرانيا

رئيس “جمعية الضباط لعموم روسيا”، الفريق أول ليونيد غريغوريفيتش إيفاشوف

نداء من جمعية الضباط لعموم روسيا إلى بوتين

تحت هذا العنوان، أصدر رئيس “جمعية الضباط لعموم روسيا”، الفريق أول ليونيد غريغوريفيتش إيفاشوف؛ خطابًا إلى رئيس ومواطني الاتحاد الروسي “عشية الحرب”، وقد جاء فيه:

تحبس البشرية اليوم أنفاسها تحسبًا لنشوب حرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي في حال نشوبها فسينتج عنها خسارة حتمية في الأرواح، ودمار بالبنية التحية، ومعاناة لأعداد كبيرة من الناس، وتدمير لأسلوب حياتهم المعتاد، وانتهاك للأنظمة والقوانين الدولية التي تنظيم حياة الدول والشعوب. كما أنها ستكون حرب كبيرة ستؤدي لمأساة كبرى، وهذه الجريمة سيكون المسؤول عن حدوثها شخص واحد؛ بعدما أصبحت روسيا في قلب هذه الكارثة الوشيكة، والتي ربما تكون هي الأخطر عبر تاريخها.”

وتابع رئيس جمعية قدامى المحاربين الروسيين رسالته قائلا: “في السابق شنت روسيا التي كانت تقود (اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية) حروبًا قسرية (عادلة)، وكقاعدة عامة فقد فٌرِضت عليها هذه الحروب، وذلك عندما لم يكن هناك من مخرج آخر وكانت المصالح الحيوية للدولة والمجتمع مهددة، أما اليوم، فما الذي يهدد وجود روسيا، وهل هناك مثل هذه التهديدات الوجودية؟

يمكن القول أن هناك تهديدًا بالفعل، ولكن هذا التهديد لا يتمثل في أوكرانيا التي يزعم بوتين أنها مصدره حيث يرى رجل الحرب المتمرس غريغوريفيتش أن بلاده على شفا كارثة تاريخية في جميع المجالات الحيوية، ويعدد تهديدات ضد روسيا صادرة من نظام الحكم نفسه وتمثلت في عدة نقاط:

  •  أن الوضع الديموغرافي في البلاد مازال يشهد تدهورًا مطردًا، حيث أن معدل انقراض السكان يحطم الأرقام القياسية العالمية.
  • التدهور العام في كافة أنظمة الدولة، وهي كلها عوامل خطر يمكن أن تؤدي إلى انهيار النظام بأكمله.
  • إننا نرى أن التهديد الرئيسي للاتحاد الروسي ذو طبيعة داخلية نابع من نموذج الدولة ونوعية السلطة وما أوصلت إليه المجتمع من حالة يرثى لها.
  • كافة التهديدات الحقيقية نابعة من الداخل في ظل عدم قابلية نموذج الدولة للاستمرار على ما هو عليه النظام الآن، والعجز التام عن إصلاحه.
  • عدم تمتع النظام والإدارة والسلطة للكفاءة المهنية اللازمة.
  • سلبية النظام الحاكم تجاه معالجة المشكلات الداخلية، وعدم تنظيم المجتمع.

 

أما عن التهديدات الخارجية فيقول غريغوريفيتش “أنها موجودة بالتأكيد، ولكن وفقًا لتقييم الخبراء لدينا، فهي ليست حرجة في الوقت الحالي، ولا وجود فيها لما يهدد وجود الدولة الروسية ومصالحها الحيوية بشكل مباشر. وفي العموم، ينبغي الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي، ووضع الأسلحة النووية تحت سيطرة موثوقة، وعدم استفزاز قوات الناتو حتى لا تنتشر حشود قواته بالقرب من حدودنا.

لذلك، فإن تفجير الأوضاع الآن حول أوكرانيا، وتصوير وجود خطر حتمي قادم منها؛ أولاً وقبل كل شيء مصطنع، ويقف خلفه مجموعة من القوى الداخلية بكلا البلدين، وبالتحديد في الاتحاد الروسي الذي ساهمت نخبه وعلى رأسها الرئيس الأسبق بوريس يلتسن في انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو ما نتج عنه أن تصبح اليوم أوكرانيا دولة مستقلة، وعضوًا في الأمم المتحدة، ووفقًا لميثاق الأمم المتحدة، حسب المادة (51) يحق لأوكرانيا الدفاع عن نفسها ووجودها.

التباعد الروسي الأوكراني

كما أن قيادة الاتحاد الروسي أكدت على المستوى الرسمي أكثر من مرة، بما في ذلك خلال عملية مفاوضات مينسك، تبعية جمهوريتي دانيتسك ولوغانسك وسكانهما إلى أوكرانيا. بالإضافة إلى أن قضية وجود إبادة جماعية ارتكبتها سلطة كييف في المناطق الجنوبية الشرقية، لم تطرحها قيادة الاتحاد الروسي، سواء في الأمم المتحدة أو في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. بطبيعة الحال ينبغي أن تظل أوكرانيا جارة صديقة لروسيا، وكان من الأولى أن يكون لدى النموذج الروسي كدولة ونظام حكم الجاذبية الكافية لتشعر أوكرانيا بأن مصلحتها تكمن في التحالف مع روسيا. لكن الاتحاد الروسي لم يفعل ذلك، ونموذج التنمية الخاص به وآلية السياسة الخارجية للتعاون الدولي تصد جميع الجيران تقريبًا عنه، وليس فقط أوكرانيا.

“حب” الاتحاد الروسي بالتهديدات والقوة

ويرى إيفاشوف”إن استحواذ روسيا على شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول وعدم اعتراف المجتمع الدولي بهما على أنهما روسيتان (وبالتالي لا يزال العدد الهائل من الدول في العالم يعتبرهما تابعين لأوكرانيا) يظهر بشكل مقنع فشل السياسة الخارجية الروسية، وعدم امتلاكها للجاذبية في محيطها الإقليمي، وإن محاولات إجبار الآخرين على “حب” الاتحاد الروسي وقيادته عبر الإنذار والتهديدات باستخدام القوة لهي محاولات عبثية وخطيرة للغاية.”

عواقب غزو أوكرانيا على مستقبل روسيا

ويلخص إيفاشوف خطورة في استخدام القوة العسكرية ضد أوكرانيا في عدة نقاط هي :

  • سوف يثير التساؤل عن وجود روسيا نفسها كدولة.
  • سيجعل من الروس والأوكرانيين أعداء لدودين إلى الأبد.
  • سيكون هناك الآلاف بل (عشرات الآلاف) من القتلى الشباب اليافعين، وهو ما سيؤثر بالتأكيد على الوضع الديموغرافي المستقبلي لبلدنا المحتضر.
  • لن تواجه القوات فقط الأفراد العسكريين الأوكرانيين، ومن بينهم العديد من الرجال الأوكرانيين الذين نعتبرهم والروس شيئًا واحدًا، ولكن أيضًا عسكريين من العديد من دول الناتو مع معداتهم الغربية، وستكون الدول الأعضاء في الحلف ملزمة بإعلان الحرب على روسيا.
  • بالفعل صرح رئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان بوضوح إلى أي جانب ستقاتل تركيا حال حدثت الحرب، ويمكن الافتراض أن جيشين ميدانيين تركيين وأسطول سيؤمرون بـ “تحرير” شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول وربما غزو القوقاز.
  • وبالتأكيد سيتم إدراج روسيا في فئة الدول المارقة التي تهدد السلام والأمن الدولي، وستخضع لأشد العقوبات، وستتحول إلى دولة منبوذة في المجتمع الدولي، ومن المحتمل أن تُحرم من وضع الدولة المستقلة.

الأهداف الخفية وراء غزو بوتين لأوكرانيا

ثم يؤكد إيفاشوف أن رئيس الدولة والحكومة ووزارة الدفاع بالتأكيد يفهمون جيدًا مثل هذه العواقب، فهم ليسوا بهذا القدر من الغباء ليفوتهم هذا كله، ثم يتساءل: إذن فما هي الأهداف الحقيقية لإثارة التوتر والدخول في حالة حرب، وإمكانية إطلاق العنان لأعمال عدائية واسعة النطاق؟ في ظل وجود ما قد يصل إلى مائة ألف جندي من كل جانب؟

ويجيب إيفاشوف” عن تساؤله بأن قيادة البلاد، وإدراكًا منها أنها غير قادرة على إخراج البلاد من الأزمة التي يعاني منها النظام وهو ما قد يؤدي إلى انتفاضة الشعب لتغيير هذه السلطة، قد قررت وبدعم من الأوليغارشية وحلفائها من المسؤولين الفاسدين، الذين تمكنوا من شراء ولاءات وسائل الإعلام وقوات الأمن، قد قرروا الدخول في هذه المواجهة للحفاظ على مصالحهم، ولو أدت إلى التدمير النهائي للدولة الروسية وإبادة السكان الأصليين في البلاد. وقد وجدوا في هذه الحرب الوسيلة المثالية التي ستحل هذه المشكلة لتحافظ لبعض الوقت على بقاءها بالسلطة، وتحافظ على الثروة المسروقة من الشعب. ولا يمكننا أن نجد مبرر أو تفسير آخر لكل ما يحدث حاليًا.

رسالة إلى بوتين

إلى رئيس الاتحاد الروسي، نحن ضباط روسيا ومحاربيها القدامى: نطالبك بالتخلي عن السياسة الإجرامية المتمثلة في إثارة الحرب التي سيجد فيها الاتحاد الروسي نفسه وحيدًا ضد قوى الغرب الموحدة ضده، وندعوك بدلاً من ذلك إلى تهيئة الظروف لتطبيق نص المادة (الثالثة) من دستور الاتحاد الروسي لتقديم استقالتك وتسليم السلطة.

نناشد جميع الجنود والضباط المتقاعدين، ومواطني روسيا ونوصيهم باليقظة والتنظيم، ودعم مطالب “مجلس جمعية ضباط عموم روسيا”، ومعارضة الدعاية النشطة التي تطلق العنان للحرب المدمرة لبلادنا، ومنع نشوب صراع أهلي داخلي باستخدام القوة العسكرية.

رسالة إلى بوتين من داخل روسيا: تخلى عن سياستك الإجرامية تجاه أوكرانيا

الأمة الأوكرانية

في فيديو مطول له على حسابه بموقع “فيسبوك” انتقد الصحفي الروسي الشهير مكسيم شيفتشينكو، الحرب، ودعا الشعب الروسي لعدم دعمها، مشددا على وجود “أمة أوكرانية”، وكذلك “أدب ولغة أوكرانية” على الرغم من كل محاولات بوتين نفي ذلك، وردًا على توبيخ بوتين لقادة الثورة البلشفية، لأنهم “سمحوا” حسب زعمه بوجود دولة أوكرانية، فقد أكد أن البلاشفة ولينين بهذا الفعل قد عبروا عن احترامهم للأمة الأوكرانية، وهو ما ضمن دخولها في قوام الاتحاد السوفيتي، وتحولها لأهم دولة فيه بعد روسيا، بينما السياسة الحالية لبوتين المتعالية، والتي تحتقر هذا الشعب وثقافته، وتهدده بالحرب لا يمكن أن تجلب سوى العداء والخسارة.

النزاع العسكري مع أوكرانيا سيؤدي لمحو النظام السياسي الروسي الحالي

البروفيسور الروسي أندرى أوكارا

كتب البروفيسور أندرى أوكارا، المحاضر في جامعة سانت بطرسبورغ، والمتخصص بالعلاقات الروسية الأوكرانية، والمناهض للحرب، عدة مقالات ندد فيها بالدعوة إلى الحرب، ورأى فيها تهديد قوي للنظام السياسي الروسي بأكمله، قائلاً: “يشكل النزاع العسكري الواسع النطاق مع أوكرانيا تهديدًا مباشرًا لروسيا نفسها قبل كل شيء؛ فهو قادر على محو النظام السياسي الروسي الحالي، وإعادة تشكيل الدولة بكاملها بطريقة جذرية وغير متوقعة.

أما تعليقه على خطاب بوتين، الذي قام فيه بمحو تاريخ وجود أوكرانيا، فقد علق قائلاً: “استمعت إلى الخطاب أكثر من مرة و استنتجت أننا قد حظينا بمستشار متخصص بالقضايا التاريخية أكثر منه رئيس للدولة”، واصفًا هذا الخطاب بأنه أشبه بالتحضير لمعركة “هرمجدون”.

رسالة إلى بوتين من داخل روسيا: تخلى عن سياستك الإجرامية تجاه أوكرانيا

لا مبرر للغزو

كتب وزير الخارجية الروسي الأسبق أندري كوزريف، سلسلة من التغريدات حول مفاوضات روسيا مع حلف الناتو في عهد يلتسن عندما كان وزيرًا للخارجية، وتسلسل الأحداث والعلاقة بين الطرفين، ولام الطرف الأمريكي على بعض سياساته الخاطئة تجاه روسيا؛ خاتمًا إياها برفض الحرب، قائلا: “لكن هذا ليس مبررًا لسياسة الكرملين العدوانية والمعادية لحلف الناتو اليوم حيث لا يمثل أي خطر على روسيا”، وفي تعليقه على قيام روسيا بهجماتها العدوانية فجر اليوم، لم يخف الدبلوماسي والسياسي الروسي السابق من ابداء رايه بكل شجاعة حين قال: “حان الوقت الآن لتوجيه خطاب للعالم مثلما فعل تشرشل وترومان، لقد بدأت الحرب العدوانية، التي تريد عبرها قوة استبدادية املاء شروطها على أوروبا. ابقوا بجانب أوكرانيا، في وجه المعتدي!”

*تم إنجاز هذا التقرير بالتعاون مع مترجم مقيم في موسكو تم إخفاء اسمه حرصا على أمنه