الصراع على إرث “عبدالله قرداش” يُفجر داعش من الداخل

عبر بيان مُقتضب تداولته قنوات جهادية على تطبيق تلغرام للتواصل الاجتماعي، أعلن محسوبون على داعش اختيار”أبو الحسن الهاشمي” أميرًا للتنظيم خلفًا لـ”أبو إبراهيم القرشي” أو حجي عبد الله قرداش التركماني الذي قُتل في غارة أمريكية على مخبئه بأطمة السورية (ريف محافظة إدلب) قرب الحدود مع تركيا.

ورغم الإعلان عن الاسم الحركي للخليفة الداعشي الجديد إلا أنه لم يتم الكشف عن أي معلومات شخصية أو تنظيمية عنه، إذ اكتفت مُعرفات وقنوات محسوبة (غير رسمية) على التنظيم بتداول كنيته والتأكيد على أنه “قُرشي النسب” لإضفاء شرعية على اختياره باعتبار الفقه الحركي الذي ينتهجه داعش والذي يشترط “القرشية” في من يتولى الإمارة العامة (الخلافة بالمفهوم التنظيمي).

 

زعيم داعش الغامض.. مصادر استخباراتية تكشف لـ"أخبار الآن" خليفة عبدالله قرداش

قنوات الجهاديين على تلغرام تنشر أنباءً غير مؤكدة عن تولي أبو الحسن الهاشمي إمارة داعش- المصدر تلغرام

ومثلت طريقة التورية والتعتيم المُكثف التي اتبعها تنظيم داعش امتدادًا لنهجه السابق في اختيار “خلفاء مجهولين“، لا سيما وأن التنظيم سبق له اختراع كنية “أبو بكر البغدادي” وإسقاطها على “إبراهيم عواد البدري- الاسم الحقيقي لخليفة داعش الأسبق” والذي عُرف داخل تنظيم دولة العراق الإسلامية (نسخة داعش الأسبق) بكنية “أبو دعاء السامرائي”، وكذلك فعل التنظيم عندما اختار كنية “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي” لحجي عبد الله قرداش الذي عُرف باسم حركي آخر هو “أبو عمر قرداش التركماني”.

اختيار خليفة داعش الجديد سبب حالة من الشقاق داخل مجلس شورى داعش المعروفين داخليًا بأهل الحل والعقد أي المسؤولين عن اختيار أمير التنظيم

مصادر لأخبار الآن

وفي ظل حالة عدم اليقين الحاصلة بشأن هوية “خليفة داعش الجديد” والذي ادعت  مصادر “غير مؤكدة” أنه يُكنى بأبي الحسن الهاشمي، كشفت مصادر خاصة على صلة بالاستخبارات العراقية كشفت لـ”أخبار الآن” أن اختيار خليفة داعش الجديد سبب حالة من الشقاق داخل مجلس شورى التنظيم (المعروفين داخليًا بأهل الحل والعقد أي المسؤولين عن إبرام الأمور المحورية واختيار أمير داعش)، مضيفةً أن القيادي الذي يحظى بالزخم الأكبر حاليًا هو  “زيد العراقي” وهو أحد القادة المعدودين المتبقين من أمراء الصف الأول داخل داعش وكان يتولى تولى إمارة ديوان التعليم داخل التنظيم سابقًا.

وأشارت المصادر التي تحدثت لـ”أخبار الآن” شريطة عدم الإفصاح عن هويتها الحقيقية نظرًا لحساسية مناصبها الرسمية، إلى أن “زيد العراقي” يختلف عن حجي أبو الحارث العراقي (زياد جوهر  عبد الله العراقي)، عضو اللجنة المفوضة لداعش، موضحةً أن هناك خلط بين هوية القيادي الأول والأخير لدى بعض الدوائر نتيجة غياب المعلومات الدقيقة عنهما.

وأكدت المصادر أن شخصية “أبو الحسن الهاشمي” ليست معروفة مسبقًا لأجهزة الأمن والاستخبارات العاملة على ملف التنظيم، قائلةً إنها مجرد “تسمية حركية” أخرى اخترعها التنظيم لتشتيت الجهود الاستخبارية الرامية للحصول على معلومات حول قيادته العليا خاصةً بعد مقتل أبو إبراهيم القرشي، ودخول التنظيم في خلافات حول من يقوده في تلك الفترة الحرجة.

وألمحت المصادر الاستخبارية إلى أنه من المحتمل أن يكون “أبو الحسن الهاشمي” هو نفسه “الأستاذ زيد العراقي” القيادي البارز بداعش، مبينةً أنه شغل مناصب بارزة في قيادة التنظيم كما أنه أحد حجاجي داعش (الأمراء العراقيين) الذين يتحكمون فعليًا في كل الأمور داخل التنظيم.

زيد العراقي.. “أستاذ” داعش المُختفي

ويتضح من التدقيق في المعلومات القليلة المتاحة عن زيد العراقي أنه أحد القادة البارزين داخل التنظيم وهو من مجموعة القيادات التاريخية (المعروفين بجيل الجهاد العراقي) داخل داعش، كما أنه كان أحد أقرب المقربين من زعيم التنظيم الأسبق أبو بكر البغدادي ونائبه أبو محمد الفرقان، أمير ديوان الإعلام المركزي، وأمير اللجنة المفوضة في الربع الثالث من عام 2016، وذلك وفقًا لما ذكره القيادي الداعشي المسجون “إسماعيل العيثاوي” المكنى بـ”أبو زيد العراقي” وأكدته وثائق تنظيمية مسربة من داخل التنظيم.

زيد العراقي كان أحد أقرب المقربين من البغدادي ونائبه أبو محمد الفرقان

وحسب نص الوثائق التي أطلعت عليها “أخبار الآن” فإن “زيد العراقي” والملقب بالأستاذ، تمييزًا له عن “أبو زيد العراقي إسماعيل العيثاوي”، هو أحد أبرز القيادات الشرعية داخل تنظيم داعش، منذ سنوات طويلة، إذ شغل منصب أمير ديوان القضاء والمظالم الذي أنشأه التنظيم إبان فترة الخلافة المكانية (يونيو 2014: مارس 2019)، ثم شغل إمارة المكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية والذي تأسس للإشراف على دواوين التنظيم الشرعية وهي: (المكتب الشرعي لإدارة المعسكرات، ومكتب البحوث والدراسات، وديوان الدعوة والمساجد، والمكتب الشرعي للواء الصديق المركزي- تابع لما يُعرف بجيش الخلافة تأسس في فترة أبو عمر البغدادي عام 2008-، ديوان القضاء والمظالم، وديوان التعليم، المكتب الشرعي لديوان الجند).

 

زعيم داعش الغامض.. مصادر استخباراتية تكشف لـ"أخبار الآن" خليفة عبدالله قرداش

وثيقة زيد العراقي- أمير ديوان القضاء ثم المكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية في داعش

ويُعتبر “زيد العراقي” من مجموعة النخبة داخل قيادة داعش العليا، ولعب دورًا كبيرًا في تحديد المناهج الشرعية التي تُدرس داخل التنظيم، كما أشرف على الرقابة والمتابعة على شرعيي التنظيم والتحقيق مع المخالفين منهم، وذلك بعد شغله عضوية لجنة التدقيق والرقابة المنهجية التي أنشأها أبو محمد الفرقان في عام 2016، لحسم الخلافات المنهجية وتحديد الأيدولوجيا الجهادية الداعشية بصورة دقيقة.

وشارك “زيد العراقي” في مراجعة وتعديل البيان الشهير لداعش المعنون بـ”بيان 155 للمكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية”، والذي ينص على تكفير المتوقف في التكفير ، لا سيما بعد اعتراض عدد من شرعيي وقيادات داعش، أبرزهم أبو همام التونسي (بلال الشواشي)، وأبو المنذر الأردني(عمر مهدي زيدان وأبو ذر التونسي (مؤسس الأكاديمية العسكرية الداعشية) على صيغة البيان واعتبارهم أنه يُؤصل لفكر مُغالي في التشدد ومتوسع في التكفير.

 

زعيم داعش الغامض.. مصادر استخباراتية تكشف لـ"أخبار الآن" خليفة عبدالله قرداش

بيان 155 للمكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية- المصدر وثيقة رسمية صادرة عن تنظيم داعش

وتولى “العراقي” إلى جانب 3 قيادات آخرين، هم: (أبو زيد العراقي، وأبو عبيدة التركي، وأبو ميسرة الشامي- أحمد أبو سمرة– مراجعة واعتماد تقارير لجنة الرقابة المنهجية، بتفويض مباشرة من خليفة داعش (الأسبق) أبو بكر البغدادي، لحسم الخلافات وتوحيد المنهج الشرعي لعناصر التنظيم.

ويبدو من خلال استعراض سيرة “زيد العراقي” الجهادية أنه أحد القيادات القليلة التي تحظى بالسمات المطلوبة لتولي إمارة/ خلافة داعش، في الفترة الحالية، لا سيما وأنه أحد القادة الشرعيين والتنظيميين القلائل الذين نجوا من الاغتيال أو قطع رأس القيادة، والذي يقوم بها التحالف الدولي لحرب داعش (عملية العزم الصلب) ضمن إستراتيجيته لإضعاف التنظيم والقضاء عليه، كما أنه ينتمي إلى جيل الجهاد العراقي المُخضرم داخل داعش، فضلًا عن تمتعه بقدر عالي من الغموض والسرية في العمل والحركة بما يجعل منه هدفًا صعبًا للتحالف.

معضلة اختيار الخليفة الجديد لداعش

إلى ذلك، لا زال تنظيم داعش يواجه معضلة كبيرة في اختيار خليفة أبو إبراهيم القرشي/ عبد الله قرداش، وهو ما يتضح من متابعة البيانات الصادرة عن منصاته الإعلامية الرسمية، فعلى سبيل المثال تجاهلت وكالة أعماق، وأسبوعية النبأ (عددي 324، و325)، طوال الأسبوعين الماضيين، نبأ مقتل “القرشي”، واكتفت الصحيفة الأخيرة بالإشارة ضمنيًا إلى مقتل خليفة داعش وأسرته في أطمة السورية، دون ذكر الخليفة الجديد أو الإشارة له بأي صورة من الصور.

زعيم داعش الغامض.. مصادر استخباراتية تكشف لـ"أخبار الآن" خليفة عبدالله قرداش

داعش يتجاهل نبأ مقتل أبو إبراهيم القرشي- المصدر صحيفة النبأ

وذكرت المصادر الاستخبارية العراقية أن اختيار “زيد العراقي” المعروف بـ”الأستاذ” ، جدد الخلافات القيادية داخل داعش، مضيفةً أن الخلاف يدور، حاليًا، في أوساط مجلس الشورى (أعلى هيئة رقابية تنظيمية)حول أداء البيعة العامة لـ”العراقي” وإعلانه خليفة رسميًا.

المتعارف عليه: داعش لا يتأخر في إعلان اختيار أميره الجديد إلا في حالة الصراع والانقسام

وتؤكد الخبرة السابقة في متابعة داعش، أن التنظيم لا يتأخر في إعلان اختيار أميره الجديد إلا في حالة الصراع والانقسام داخله، فعلى سبيل المثال جرى الإعلان عن اختيار أبو إبراهيم الهاشمي القرشي/ حجي عبد الله قرداش خليفةً خلال أقل من 4 أيام على مقتل سلفه أبو بكر البغدادي في عملية عسكرية أمريكية، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وهو ما لم يحدث عقب مقتل “قرداش”.

على أن الخلافات القيادية الداخلية ليست الأزمة الوحيدة التي تواجه داعش، حاليًا، خصوصًا وأن التنظيم لا زال يفتقد إلى قيادة كاريزمية- كأبي بكر البغدادي أو أبو محمد العدناني القُرشي.. إلخ-، ويضطر إلى اختيار خلفاء أقل شهرة وليسوا على نفس القدر من الحضور والتأثير في أوساط التنظيم، وهو ما حدث فعندما جرى اختيار “حجي عبد الله قرداش” لإمارة داعش، مع أنه لم يكن وجهًا معروفًا للعديد من مقاتلي التنظيم ولأفرعه الخارجية فضلًا على أنه لم يظهر في كلمة صوتية أو مرئية واحدة منذ توليه الخلافة الداعشية وحتى مقتله (أكتوبر 2019: فبراير 2022).

كما أن توقيت مقتل أبو إبراهيم القرشي فاقم من المعضلة القيادية التي يُعاني منها داعش الذي كان يحاول البقاء والتكيف مع الضربات التي تعرض لها، ويسعى لاكتساب زخم عملياتي جديد عبر شن هجمات موسعة ضد السجون التي يُحتجز فيه عناصره وقادت مثلما حدث عندما هاجم سجن غويران بالحسكة السورية.

وأدى مقتل “القرشي” إلى تعرض داعش إلى انتكاسة كبيرة، وخسرته للزخم الذي حازه بعد الهجوم على سجن غويران، كما ظهر التنظيم ضعيفًا وهشًا ومخترقًا من قبل أجهزة الاستخبارات، وهو ما يدحض مزاعمه حول قدراته الأمنية الاستثنائية على مكافحة الجاسوسية والقيام بعمليات استخباراتية وأمنية معقدة تشمل تأمين قادته البارزين، الذين تساقطوا واحدًا تلو آخر، منذ أواخر العام الماضي، بعد القبض على مسؤوله المالي والقيادي البارز  به حجي حامد العراقي.

أفرع داعش الخارجية V.S قيادته المركزية

وعلى ذات الصعيد، يؤثر غياب قيادة كاريزمية لتنظيم داعش إلى تسريع عملية التحول القيادي الحاصلة داخله، بجانب مضاعفة الضغط الواقع على قيادته المركزية من قبل الأفرع الخارجية التي يُفترض بها، وفقًا للتقاليد

التنظيمية، أن تُؤدي البيعة للخليفة الجديد بعد تلقيها سيرته الجهادية وتزكيته من قبل قيادة الفرع المركزي.

وأثبتت أفرع/ ولايات داعش الخارجية، في أكثر من مناسبة، أن لديها قدرًا عاليًا من الإدراك المستقل للذات مع تبني إستراتيجية مغايرة لإستراتيجية التنظيم المركزي، وذلك بناءً على مصالحها الخاصة التي تختلف مع مصالح التنظيم المركزي.

مقتل أبو إبراهيم القرشي والتأخر في الإعلان عن خليفته قد يؤديان إلى إضعاف شبكة التنظيم العالمية

وبناءً على تلك التباينات بين القيادة المركزية الداعشية والأفرع الخارجية، يمكن أن يؤدي مقتل أبو إبراهيم القرشي والتأخر في الإعلان عن خليفته إلى إضعاف شبكة التنظيم العالمية، ودفع الأفرع الخارجية لمزيد من التركيز على مصالحها دون الالتفات إلى الأهداف الموضوعة من قبل القيادة المركزية، وهو نفس ما حدث مع تنظيم القاعدة الذي تعرض لحالة من الانهيار الداخلي بعد مقتل العديد من قادته البارزين خلال السنوات التي تلت هجمات الـ11 من سبتمبر/ أيلول 2001، وعجز عن تعويض خسائره بسرعة وفاعلية ما أدى إلى تشظي المجموعات المبايعة له في مختلف دول العالم، وتحولها للعمل كتنظيمات جهادية محلية مع التمسك بشعارات “القاعدة” بصورة اسمية/ شكلية فقط.

وبالنظر إلى التجارب الجهادية السابقة يمكن القول إن تنظيم داعش يواجه تحدي الاستمرار كمنظمة إرهابية بالصورة المعروفة، في ظل غياب القادة/ الخلفاء الكاريزميين، واستمرار حالة الخلخلة القيادية التي تعرض لها منذ بدء حملة التحالف الدولي، في سبتمبر/ أيلول 2014، وسعي الأفرع الخارجية لتحقيق أهدافها التي تتفق مع التمرد المسلح الذي تخوضه في إطار بيئاتها المحلية.

ومع أن داعش وآلته الدعائية حاولا، في السابق، تصوير  مقتل قادته باعتباره دليلًا على “صدق دعوته” وقدرته على “البقاء والتمدد” رغم الانتكاسات التي يتعرض لها، إلا أن حالة الارتباك الواضحة التي يُعاني منها، منذ مقتل خليفته أبو إبراهيم القرشي/ حجي عبد الله قرداش، تُثبت أن قدرة التنظيم على تعويض خسائره القيادية تتآكل شيئًا فشيئًا، بينما يستمر  أمراءه في الصراع على التنظيم الذي أضحى “بلا خلافة أو خليفة“، دون الالتفات إلى مقاتلي وسجناء التنظيم، الذي أضحى مثقلًا بهزائم لا تنتهي.