منذ توليه الحكم في العام 2013، يسعى الرئيس السابع للجمهورية الصينية الشعبية شي جين بينغ لتكريس نفسه زعيماً خالداً على الصين، عبر سلسلة قرارات وإجراءات قانونية أو غير قانونية، كان أبرزها في العام 2018 تعديل قانون يمنع رئيس البلاد من تبوء ذلك المنصب لأكثر من فترتين متتاليتين، بالتالي يؤمن لشي جين بينغ البقاء في السلطة مدى الحياة.

  • دائرة المعارصة داخل الحزب الشيوعي الصيني تتسع لكن شي جين بينغ  يسكت كلّ صوت معارض بأساليب مختلفة
  • تنغ بياو من أهم الشخصيات التي تتدافع عن حقوق الإنسان والحريات وقد تم تضييق الخناق عليه إلى أن تمكن من الهروب
  • الأصوات المعارضة تتفاقم داخل الحزب الشيوعي الصيني وثمّة 4 نقاط أساسية زادت النقمة الداخلية على شي جين بينغ
  • مطلع 2021 أطلق الحزب الشيوعي قانوناً يؤكّد عدم تساهله مع أي تعليق علني معارض له لا سيما إنْ كان من أشخاص حزبيين

في آب – أغسطس 2021 أطلق شي جين بينغ الذي يشغل 5 مناصب قيادية في البلاد الى جانب كونه زعيم الحزب الشيوعي الحاكم ورئيس الدولة، وثيقةً بعنوان “الحزب الشيوعي الصيني: مهمته وإسهاماته” لتلميع صورته. تقرّ الوثيقة في الآن عينه أن 3.8 مليون شخص قد خضعوا لعقوبات تأديبية أو إدارية حزبية بين عامي 2012 و2020 بسبب إنتقادهم سياسة الحكم وممارسات الرئاسة.

بياو: الرئيس الصيني شي جين بينغ حوّل الحزب من حزب الديكتاتورية الجماعية إلى حزب الديكتاتورية الشخصية

وفي هذا الإطار تحدث الأكاديمي والناشط الحقوقي الصيني بروفيسور تنغ بياو في مقابلة مع “أخبار الآن” عن تفاقم الأصوات المعارضة لشي جين بينغ داخل الحزب الشيوعي الحاكم لأنه “حول الحزب من حزب الديكتاتورية الجماعية إلى حزب الديكتاتورية الشخصية”. واعتبر البروفيسور بياو أن ثمة 4 نقاط أساسية زادت النقمة الداخلية على شي جين بينغ وهي: إستياء العديد من القيادات الحزبية والحزبيين والعاملين في الدولة من قرار شي جين بينغ أن يبقى رئيسا لمدى الحياة، تدهور حقوق الإنسان في أبرز مدن الصين مثل هونغ كونغ والتيبت وتشينجيانغ التي تشهد إبادة جماعية متواصلة، التشدد في الرقابة على وسائل التواصل وفي الأماكن الروحية والجامعات، وسيطرته على الإقتصاد الصيني.

لتلك الأسباب تتعاظم المعارضة داخل الحزب الشيوعي الحاكم في الصين

وفي السياق، أطلق الحزب الشيوعي الصيني في مطلع عام 2021 قانونا يؤكد عدم تساهله مع أي تعليق علني معارض له لا سيما إن كان من أشخاص حزبيين. وتقول المادة 16 من القانون “لا يجوز لأعضاء الحزب التعبير علانية عن آراء تتعارض مع قرارات اللجنة المركزية”. ويضيف القانون “عندما ينتقد أحد أعضاء الحزب أو يفضح أو يطلب معالجة أمر ما أو معاقبة أحد، يجب عليه استخدام القنوات التنظيمية، إذ لا يجوز نشرها بحرية أو على الإنترنت، أو المبالغة في الحقائق أو تحريفها، أو إطلاق إتهامات كاذبة أو التلفيق”.

في السنوات القليلة الماضية برزت وجوه عديدة لقيادات في الحزب الشيوعي الصيني، إعترضت على مسار الحكم وكان مصيرها إما السجن أو الترحيل أو الإختفاء. ومن أبرز هذه الشخصيات كاي شيا القيادية السابقة في قطاع التنشئة والتأهيل في الحزب الشيوعي الصيني. كانت شيا تعطي دروسا في الفكر الشيوعي الصيني. وفي حزيران – يونيو 2020 سُرّب لها حديث إعتبرت فيه الرئيس الصيني أشبه بزعيم مافيا بسبب قراراته وممارساته. فتم فصلها من الحزب وأجبرت على مغادرة الصين، ووجّهت لها تهمة الإساءة للبلاد. وبعد مغادرتها الصين، سمحت لصحيفة “ذي غاردين” بنشر حديث سابق أجرته الصحيفة معها، تقول فيه “إن الرئيس شي جين بينغ إغتال حزبا ووطنا وحول الصين الى عدو للعالم”.

في أغسطس 2021 أطلق شي جين بينغ وثيقةً تقرّ بأن 3.8 مليون شخص قد خضعوا لعقوبات تأديبية أو إدارية حزبية بين عامي 2012 و2020 بسبب إنتقادهم سياسة الحكم وممارسات الرئاسة

الزعيم شي جين بينغ إنقلب على إقتصاد السوق الإشتراكي الذي أرساه الزعيم السابق دنغ شياو بينغ المعروف بمهندس نهضة الصين الحديثة وطبَّقه الاصلاحيون الاقتصاديون داخل الحزب الشيوعي الصيني. ويُحذّر بروفيسور بياو من هذا الإنقلاب الإقتصادي الذي “أدخل تغييرات جذرية على الإقتصاد الصيني، ضد الإنفتاح والإصلاح، من شأنها تسريع الوصول إلى أزمة إقتصادية لاسيما أن العديد من الدول أدركت النوايا الحقيقية للحزب الشيوعي الصيني الكامنة خلف سياسات شي جين بينغ الاقتصادية”. ويعطي البروفيسور بياو أمثلة عديدة عن الجدار التجاري بين الولايات المتحدة والصين والعقوبات الاميركية على الصين أمثلة على ذلك.

ومن الخيوط الواضحة لهذا الانقلاب الإقتصادي الهادف لتقوية قبضة شي جين بينغ على البلاد، “مشروع الحزام والطريق” الاقتصادية التي اطلقها عام 2013 لتعزيز الحضور الإقتصادي للصين في بلدان عدة.

ويعتبر البروفيسور بياو في حديثه لـ”أخبار الآن” أن هذه المبادرة وسيلة يستخدمها الحزب الشيوعي الحاكم لتهريب وتبيض أمواله الفاسدة بالإضافة إلى تحقيق هدف شي جين بينغ السياسي المتمثل بتوسيع نفوذه في الدول القابلة للاستثمار وخاصة في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. ويرى أنّ “مشروع الحزم والطريق” تهدف لجعل العملاق الآسيوي أكثر عدائيا على المستويين السياسي والإقتصادي إذ يعتبرها وسيلة من الوسائل التي يستخدمها شي جين بينغ لكي يحشد لنفسه دعما من حكومات الدول التي تطالها مبادرة الحزام والطريق  وتقوية الحس القومي لدى الصينيين.

لتلك الأسباب تتعاظم المعارضة داخل الحزب الشيوعي الحاكم في الصين

شي جين بينغ يسعى لتنصيب نفسه كزعيم أبدي على الصين

يضع شي جين بينغ نفسه بمنزلة الزعيم الصيني الأبرز في التاريخ الصيني المعاصر ماو تسي تونغ – مؤسّس الفكر الشيوعي الصيني وذلك إستناداً الى قرارات تتسم بالتاريخية للحزب الشيوعي الصيني جعلت من شي جين بينغ فوق أي محاسبة أو مساءلة وكرست المسار الديكتاتوري الذي ينتهجه والذي شكل إستهجاناً لعدد كبير من الصينيين ومن قيادات حزبية في الحزب الشيوعي الحاكم الذي أصدرت لجنته المركزية في مؤتمرها الأخير مقررات واضحة لجهة ربط الأمة الصينية وتاريخها ونهضتها بالإنصياع الى الرئيس.

وفي الإطار، أكّدت طريقة تعاطي الرئيس الصيني مع جائحة كورونا نهج الإستبداد الذي يسلكه شي جين بينغ إذ تعاطت الدولة مع المواطنين ولاتزال بأساليب وحشية وعنيفة للسيطرة على الوباء في الفترة السابقة، ولتطبيق سياسة “صفر إصابات” اليوم. ويقول البروفيسور بياو إنّ “الحكومة الصينية أخفت في المرحلة الأولى من تفشي وباء كورونا العديد من المعلومات مما حول الوباء إلى جائحة “.

ويضيف أنّ الحكومة إتخذت اجراءات صارمة جدا لمواجهة الفيروس كإغلاق الكثير من المدن واعتقال كل من لا يلتزم بنهجها التعسفي لمواجهة كورونا، الأمر الذي أغضب الناس وزاد من معاناتهم، تاركاً العديد منهم يتضورون جوعاً.

يستبعد بروفيسور بياو الذي غادر الصين واستقرّ في الولايات المتحدة بعد مرور سنتين على تولي شي جين بينغ الحكم أن تستطيع المعارضة داخل الحزب الشيوعي الحاكم مواجهة شي جين بينغ الذي تتعاظم قوته كل يوم. ويتحدث بياو، الذي ترك الصين كي يتابع ممارسة عمله في مجال حقوق الانسان، عن التضييقات التي تتعرض لها أسرته التي لاتزال في الصين بسبب عمله الحقوقي وفضحه إنتهاكات النظام الصيني لحقوق الإنسان.

ويقول البروفيسور بياو “إنّ الناشطين الصينيين والمدافعين عن حقوق الانسان يواجهون ظروفا خطرة جدا فقد إرتفعت وتيرة القمع بشكل أعلى من ذي قبل إذ أن العديد من المدافعين عن حقوق الانسان والصحافيين والمدونين والكتّاب تم إعتقالهم”.

ويختم مقابلته مع “أخبار الآن” قائلاً: “لا يمكنني العودة إلى الصين واذا سمح لي بالعودة فأنا قطعا سأُسجن فوراً”. ويُضيف: “سأبقى أمارس مهامي كناشط حقوقي وأستاذ جامعي متخصص في هذا المجال من الولايات المتحدة حتى لو تعرَّض أفراد أُسرتي للتهديد لأنني لا أستطيع أن أبقى صامتًا”.

بياو غادر الصين واستقرّ في الولايات المتحدة بعد مرور سنتين على تولي شي جين بينغ الحكم في الصين

تنغ بياو هو من مواليد العام 1973، درس في جامعة بكين من العام 1991 وحتى العام 2002، وقد حصل على الدكتوراه في القانون ليصبح محامياً معروفاً في مجال حقوق الإنسان.

في العام 2003 توفي العامل المهاجر Sun Zhigang نتيجة للإيذاء الجسدي الذي تعرض له أثناء احتجازه بموجب نظام الحجز في الصين، وحظيت القضية باهتمام كبير في وسائل الإعلام، وجعلت من تنغ بياو شخصية عامة. بعدها أسّس مع آخرين التحالف العام للدفاع عن عدد كبير من القضايا النموذجية، مثل حرية الدين والتعبير، التعذيب والموت كعقوبة وما إلى ذلك.

ونظراً لحساسية مثل تلك الحالات، فقد عاش تنغ بياو تحت المراقبة والمطاردة والتهديد والإختطاف والتعذيب النفسي والجسدي، والإحتجاز مرّات عديدة، ومصادرة جواز سفره، حتى تمكّن لاحقاً من الهروب إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

شاهدوا أيضاً: إنشقاقات في الحزب الشيوعي الصيني