“العام 2021 كان عام تدخل الرئيس التونسي قيس سعيّد بالمشهد السياسي في تونس بقوة، ليكون بالتالي عام الوعود، فيما العام الجديد يفترض أن يكون عام الإنجاز وتحقيق تلك الوعود”… هذا ما قاله المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي لـ”أخبار الآن“.

  • استمرار الأزمة في تونس وتصاعدها وسط عدم وضوح في رؤية قيس سعيّد والشارع ينتظر الإنجازات
  • أزمة ومشاكل كثيرة داخل الإتحاد العام للشغل في تونس وهو مطالب بتقديم اقتراحات لا الإكتفاء بالإحتجاج
  • المحلل السايسي التونسي صلاح الدين الجورشي: الإتحاد لا يملك آليات ولا يقدر على حلّ مشاكل الشباب
  • الإتحاد يعاني أزمة عمل نقابي ومطالبات بإجراء مراجعة حول فلسفة العمل النقابي في ظرف إستثنائي
  • الجورشي: للاتحاد مواقف مهمّة لكنّ يفتقر لاستراتيجية جديدة وطموحة وواقعية تراعي ظروف تونس

وقال الجورشي إنّ “سعيّد أقدم على مغامرة بعد 25 يوليو مازال الشعب التونسي يعيش صداها وتداعياتها، لأنّه أراد أن يصحح المسار بحسب رأيه، وقد اختار أسلوباً وإجراءات لا تزال تمثّل مجالاً للجدل والتنازع بين الأطراف داخل المجتمع وعلى مستوى النخب السياسية، وتمثّلت تلك الإجراءات بإيقاف المسار الإنتقالي عن طريق تجميد البرلمان وشبه إيقاف بالعمل بالدستور وإقالة الحكومة، رغم أنّ كلّ تلك الإجراءات تعتبر مناقضة لما ورد في دستور العام 2014. منذ ذلك التاريخ، كان هناك ترحيب بتلك الإجراءات من قبل شرائح واسعة من التونسيين، وكذلك كانت هناك انتظارات، لكن يمكن القول إنّه كلّما تقدّم الوقت، كلّما بدا أنّ الحياة السياسية أصبحت شبه فارغة ومجمّدة، خصوصاً أنّ التونسيين كانوا ينتظرون إصلاحات إقتصادية وإجراءات جذرية في مجال محاربة الفساد، وهو الشعار المركزي لقيس سعيّد، إلّا أنّ شيئاً من ذلك القبيل لم يحدث، بل أنّ الأزمة الإقتصادية استفحلت وهناك ارتفاع لافت في مؤشر الأسعار، وبالتالي بدأت نسبة القلق الجماعي تتصاعد”.

“تنتقل تونس إلى العام 2022 بكثير من الشك”

إذاً تنتقل تونس إلى العام 2022 بكثير من الشك، وهو سيكون عاماً حاسماً إذ أنّ رئيس الجمهورية أعلن في 17 ديسمبر عن أجندة طالبه بها الكثيرون في الداخل والخارج، لكن “فيها الكثير من الغموض والتساؤلات لأنّ رئيس الجمهورية أصبح الآن يرغب في التوجّه نحو تغيير النظام السياسي، ولا نعرف أين سينتهي الأمر، هل ذلك مجرد انتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وما هي الآليات المعتمدة، أم هل ينوي الذهاب إلى أكثر من ذلك وهو بناء ما يسميّه أنصاره التنظيم القاعدي، الذي يعتبر نوعاً من أنواع الأنظمة السياسية المختلفة عن النظام الديمقراطي المعروف سواء أكان بوجهه البرلماني أو الرئاسي”، يقول الجورشي.

اتحاد الشغل في تونس بموقف محرج.. وخلاف ناعم مع الرئيس

ويضيف: “على الرئيس قيس سعيّد مواجهة خصومه في العام 2022 أيضاً، وهم 3 أطراف أساسية: حركة النهضة، حركة قلب تونس وهناك تيار بدأ يتشكّل في الفترات الأخيرة، وعناصره الأساسية قريبة من حركة النهضة، لكن ما يلاحظ من خلال تلك المواجهة المتصاعدة بين الرئيس وخصومه أنّ دائرة الإعتراض اتسعت لتشمل أحزاباً أخرى تعتبر وسطية وتدخل في الديمقراطيات الإجتماعية، مثل التيار الديمقراطي وهو حزب كان قريباً جدّاً من الرئيس وكان ناصحاً له وكان متحالفاً معه، وقد دعم إجراءات 25 يوليو… كذلك هناك حزب التكتل من أجل العمل والحريات وهو حزب ليبرالي وإنْ كان حزباً صغيراً، رئيسه كان رئيس مجلس النواب في مرحلة التأسيس الأولى، وأيضاً هناك أحزاب أخرى قريبة من ذلك الإتجاه، حتى أنّ بعض أنصار الرئيس سعيّد أصبحوا ينتقدونه في بعض الإجراءات التي مسّت الحريّات أو التي تتجه نحو ذلك التنظيم القاعدي الذي ترفضه غالبية الطبقة السياسية بشدّة. ما يمكن قوله هو أنّ جبهة رئيس الجمهورية تتقلّص وجبهة المعارضة تتسع، لكن مشكلة جبهة المعارضة أنّها  تكتنز تناقضات جعلت المشهد مشتتاً بطريقة يصعب الرهان عليها لكي تكون قادرة على تغيير موازين القوى.

وتابع: “أحياناً رئيس الجمهورية يتخذ قرارات يكون من الصعب التكهّن بنتائجها وتداعياتها، وبالتالي يضع التونسيين أمام حيرة كبيرة. فعلى سبيل المثال، الإجراء الأخير الذي اتخذه وبدأت السلطة السياسية بتنفيذه أول يناير، هو عبارة عن إطلاق منصة إلكترونية للإستشارة، تحتوي على نحو 30 سؤالاً على التونسيين الإجابة عليها، وذلك يحصل في تونس لأوّل مرّة، لكنّ تلك العملية لن تشمل قطاعات واسعة لأنّ جزءاً كبيراً من التونسيين لا يتعاطى بشكل جيّد مع تلك المنصات بسبب نقص الإمكانيات، ومن هنا ستكون عملية إنتقائية، فيما يعتبر سعيّد المنصّة أمراً أساسياً وأطلق عليه تسمية “إستشارة شعبية”، ومن المقرر أن يعتمد على النتائج لتنظيم ما ينادي به، وهو استفتاء عام. فذلك الإجراء لا يثير اهتمام التونسيين، وبالتالي تلك القفزات تضعهم في حيرة.

اتحاد الشغل في تونس بموقف محرج.. وخلاف ناعم مع الرئيس

مواجهة مع اتحاد الشغل

يعتبر الإتحاد العام للشغل في تونس الذي يرأسه نور الدين الطبوبي، أهم النقابات في تونس، ومن أهمّ النقابات الأفريقية. يقول الجورشي لـ”أخبار الآن“: “تدور حالياً مواجهة وثمّة عدم تفاهم حول الأجندة الإجتماعية والإقتصادية. فهناك حكومة لا تتحاور مع الأطراف، هي حكومة تكنوقراط لكنّها تأتمر بأوامر رئيس الجمهورية، وهناك رجال أعمال يريدون أن يعرفوا ما هو موقعهم وما هي مصالحهم التي يجب أن يدافعوا عنها. وقد شنّ رئيس الجمهورية حملة قوية وشرسة ضدّ مَنْ يعتبرهم لصوصاً ينهبون ثروات الشعب، كما أنّ هناك نوعاً من القطيعة مع وسائل الإعلام، مع رفض التعامل مع العديد من الأطراف الأساسية في المجتمع التونسي”.

ويشير إلى أنّ “الإتحاد عنصر أساسي في التوازنات الإقتصادية والإجتماعية، وأيضاً التوازنات المؤسساتية والسياسية في تونس، وهو ليس مجرّد نقابة تدافع عن حقوق العمال المنضوين تحتها، لكنّه لعب درواً وطنياً وسياسياً منذ نشأته في عهد الإستعمار. إنّ ذلك التداخل في العمل بين السياسي والنقابي بقي عنصراً ثابتاً في توجّهات الإتحاد، واليوم نجد أنّ الرئيس يطلب من الإتحاد بأن يبقى مجرّد اتحاد مطلبي يدافع عن حقوق العمّال من دون أن يقترب من المنطقة السياسية أو المجال السياسي الذي يريد أن يحتكره رئيس الجمهورية، وذلك ما شكّل عنصراً أساسياً في الإختلاف بينهما”.

الجورشي: اتحاد الشغل في تونس اليوم ضعيف ولديه مشاكل داخلية كثيرة وعليه مراجعة عمله في ظل ظرف إستثنائي

ورأى الجورشي أنّ “الإتحاد اليوم يعاني من ضعف كبير، ولديه مشاكل داخلية كثيرة، لكنّه مازال مؤثّراً في الحياة السياسية التونسية. من المؤكّد أنّ التونسيين يطالبون الإتحاد بأن يلعب دوراً أكثر وضوحاً، وأكثر انخراطاً وأكثر قوةً، لكن بالنسبة له، هناك اعتبارات أخرى لأنّه متخوّف من عودة حركة النهضة والإسلام السياسي إلى موقع التأثير وإلى السلطة بالتحديد، ومن هنا نجد أنّ الإتحاد يريد أن يلعب دوراً وسطياً، لكن حتّى الآن ما زال هناك رهان لكي يكون الإتحاد في موقع الأقوى والمؤثّر، والذي يقدّم اقتراحات ولا يكتفي بالإحتجاج”.

في المحصّلة أنّ الإتحاد لا يملك آليات وكذلك قدرة على أن يحلّ مشاكل الشباب، لأنّ مشاكل الشباب تحلّ عن طريق برنامج اجتماعي وثقافي وسياسي تضعه السلطة التنفيذية. الإتحاد يدافع عن قضايا الشباب بشكل عام، وعلى سبيل المثال، هو لا يستطيع الآن أن يحلّ مشكلة هجرة الشباب غير النظامية إلى الخارج، ولا يستطيع أن يوفّر العمل للشباب، وأنّ يحل مشكلة التعليم التي تعتبر مشكلة كبرى في تونس.

ومن هنا، فإنّ دور الإتحاد إحتجاجي، هو قوّة ضاغطة لكنّها لم تتحول حتى الآن في ظلّ الثورة إلى عامل أساسي في وضع السياسات. يمكن القول إنّ هناك أزمة عمل نقابي، وبالتالي يجب أن تتم مراجعة داخل الإتحاد حول فلسفة العمل النقابي في ظرف إستثنائي وصعب مثل الذي تمرّ به تونس، وبعد ثورة تفجّر فيها عنصر الحريات جعل الكثير من الأوساط تتحرك في اتجاهات مختلفة”، وفق ما يوضح الجورشي لـ”أخبار الآن“.

ويضيف: “الإتحاد من جهة يريد أن يكون حذراً في صراعه مع الرئيس واختلافه معه، فلا يريد أن يقطع بما يسميه بشعرة معاوية مع الرئيس قيس سعيّد. في الوقت نفسه، من جهة لا يريد أن يكون خاضعاً لإرادة الرئيس وأجندته، ومن جهة ثانية، الإتحاد يريد أن يكون بعيداً من إمكانية الخضوع لميزان القوى الذي لا تزال حركة النهضة عنصراً أساسياً فيه، والإتحاد يريد أن يطالب بتحقيق العدالة الإجتماعية لكن أمامه صندوق النقد الدولي ومؤسسات التمويل الدولية، والإتحاد مختلف معها على مستوى الفهم وتحليل وتشخيص الحالة في تونس، لكنّه غير قادر على مواجهة تلك المؤسسات لأنّ الإقتصاد التونسي يعتمد عليها. يمكن القول إنّ الاتحاد في منطقة تنازع تتجاذبه أطراف عديدة لكنّه يحال الوقوف على رجليه من دون أن ينهار كمؤسسة ومنظمة لها وزنها في البلاد”.

الجورشي: الاتحاد مازال يفتقر لاستراتيجية جديدة وطموحة وواقعية تراعي خصوصية الظرف في تونس التي تقف عند مفترق طرق

وقال الجورشي: “للإتحاد مواقف لا يمكن إنكارها، لكن في الوقت نفسه مازال يفتقر لاستراتيجية جديدة وطموحة وواقعية تراعي خصوصية الظرف في تونس. وعلى كلّ حال ما يواجهه الإتحاد تواجهه منظمات وأطراف أخرى، وبالتالي فإنّ الحياة الحزبية في تونس بحاجة إلى مراجعات جذرية، السلطة التنفيذية بحاجة إلى إعادة هيكلة وحتّى رئيس الدولة لا يملك تلك الرؤية الإستراتيجية. إذاً في الحقيقة تونس ككل تواجه لحظة فارقة في حاضرها وسيؤثّر ذلك في مستقبلها، وبالتالي نحتاج إلى وقفة تأمل جماعية”.

واعتبر أنّه ما زال من المبكر القول إنّ هناك خيبة أمل جماعية، ولكن هناك تساؤلات تدفع للحيرة من قبل شرائح واسعة من التونسيين لأنّهم وضعوا تطلعات عالية السقف وينتظرون تحقيقها، وفي الواقع لم يجدوا شيئاً ملموساً يمكن أن يقنعهم ويمكن أن يرقى إلى مستوى تلك التطلعات. وعلى سبيل المثال، إنّ نسبة الزيادة في الأسعار تسير في اتجاه جنوني، القدرة الشرائية للمواطن تراجعت بأكثر من النصف، وهناك مخاوف من أن تتجه تونس نحو السيناريو اللبناني وأن تفقد العملة التونسية توازنها. ومن هنا، التساؤلات ستكثر في المرحلة القادمة وقد يتحوّل الأمر إلى نوع من الغضب وفقدان الثقة.

هل أخفق الإتحاد بإعطاء الأولوية للعمال ومواجهة البضائع الأجنبية؟

في ذلك السياق، يقول الجورشي لـ”أخبار الآن” إنّ “تلك المسألة تتجاوز الإتحاد العمالي لأنّها تحتاج إلى مشروع حقيقي يكون منبثقاً عن الأطراف الفاعلة في المجتمع التونسي، وتتولى السلطة السياسية والحكومة والأجهزة التنفيذية الدفاع عن تلك السياسة”. ويتابع: “هناك فشل في إمكانية الدفاع عن صناعة وطنية فعلية وحقيقية، وهناك عجز عن الدخول في منافسة حقيقة مع تلك الصناعات… صناعة الصين رخيصة لكن يعتريها الكثير من المشاكل، وكذلك يتمّ استيراد كميّات ضخمة من البضائع التركية التي تنافس الصناعة المحلية. هناك أزمة تحديد الأولويات، وثمّة غياب للمشروع الوطني القادر على خلق الأمل لجميع الأطراف، وغياب قوّة سياسية واجتماعية متضامنة للدفاع عن ذلك الإقتصاد التونسي الهش”.

الجورشي: هناك عجز عن الدخول بمنافسة حقيقة مع الصناعات الصينية والتركية، وسط غياب للمشروع الوطني القادر على خلق الأمل لجميع الأطراف

وشدّد على أنّ “اتحاد الشغل حذّر في الكثير من المناسبات من تلك التبعية التي تزداد عمقاً يوماً بعد يوم، للإقتصاد الخارجي وللصناعات الخارجية، لكن المشكة أنّ في تونس كلّ الملفات مطروحة فوق الطاولة في الوقت نفسه. لا شك أنّ القطاع الصناعي التقليدي في تونس يعاني أزمة حقيقية وهيكلية، لكن حتّى اليوم لا توجد الآليات والبرامج التي يمكن أن تعيد التوازن لتلك القطاعات وتعطيها الأهمية المطلوبة”.

وختم الجورشي أنّه “منذ أن حدثت الثورة وسقط نظام بن علي، يستهلك الوضع السياسي نحو 80 % من اهتمام النخب التونسية، وبالتالي ما لم يستقر الوضع السياسي، وما لم يتم وضع نظام قوي ومتماسك يحظى بدعم الأغلبية ويقوم على حدٍ أدنى من العقلانية، من الصعب أن نتحدث عن فتح مجال للتفكير في برامج وفي وضع جديد للإقتصاد التونسي، وبالتالي في ظلّ غياب ذلك، فإنّ الفوضى هي التي ستهدّد الحالة التونسية من مختلف الجوانب”.

الاتحاد ينتقد “خارطة طريق قيس سعيد”

وكان الإتحاد انتقد في وقت سابق خارطة الطريق التي اقترحها قيس سعيد للخروج من الأزمة، معتبراً أنّها لا تنفصل عن التفرّد بالحكم والإقصاء. وأعرب عن مخاوفه من أن تكون “الإستشارة الإلكترونية آداة لفرض أمر واقع”. وقال الإتحاد في بيان إنّ “تحديد موعد للإنتخابات خطوة أساسية لإنهاء الوضع الاستثنائي، لكنها لا تقطع مع التفرّد والإقصاء وسياسة المرور بقوّة دون اعتبار مكوّنات المجتمع التونسي ومكتسباته”.

وأضاف: “نعبر عن توجّسنا من أن الاستشارة الإلكترونية قد تكون أداة لفرض أمر واقع والوصول إلى هدف محدّد سلفا، علاوة على أنّها إقصاء متعمد للأحزاب والمنظّمات التي لم تتورّط في الإضرار بمصالح البلاد، وسعي ملتبس قد يفضي إلى احتكار السلطة وإلغاء المعارضة”.

شاهدوا أيضاً:  بحارة تونس يطالبون بوقف استيلاء الصين على ثروتهم السمكية