جفافٌ وندرة في الأمطار في المناطق الجنوبية وفيضانات في المناطق الشمالية

مدغشقر الواقعة في المحيط الهندي قبالة السواحل الجنوبية الشرقية لأفريقيا، هي رابع دولة في العالم تضررت من التغير المناخي الناتج عن التلوث البيئي والاحتباس الحراري. وها هي اليوم تدفع الثمن باهظًا جدًا.

في هذا التقرير الوثائقي سنتعرف أكثر على الكارثة البيئية التي يعيشها هذا البلد الإفريقي والحلول التي توفرها السلطات المحلية.

الوضع العام للجزيرة

في مدغشقر، بين عامي 2010 و2021، تزايدت حدة تغير المناخ وخلّف الجفاف الشديد مصائب عديدة في ذلك البلد، مع تضاعف مواسم الجفاف ظهرت فترات المجاعة الحادة وأصحبت الأمطار أكثر ندرة والأعاصير أكثر عنفًا، وها هي هذه الجزيرة اليوم تدفع ثمنًا باهظًا للتلوث العالمي، من بين 188 بلدًا، مدغشقر هي البلد الـ 173 لناحية تأثيرها الايكولوجي السلبي.

وكما يقول وزير البيئة والتنمية المستدامة الملغاشي باوميافوست فاهينالا راهارينيرينا فإن بلاده هي رابع بلد في العالم الذي يعاني اليوم وبشدة من التغير المناخي « ويؤثر هذا التغير المناخي، عمليًا، على الحياة اليومية للمنطقة الواقعة جنوب مدغشقر، ولا سيما أنه يؤدي لارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار وبالتالي لتراجع احتياطي المياه في الآبار الجوفية ».

التغير المناخي يضرب مدغشقر… جفاف ورمال تجتاح الأراضي وغابات إلى زوال

وزير البيئة والتنمية المستدامة باوميافوست فاهينالا راهارينيرينا

5 ٪ من التنوع الحيوي في العالم موجود في مدغشقر

الإنعزال الجغرافي والبيولوجي لمدغشقر وتضاريسها وتنوع طقسها، كل ذلك سمح لمدغشقر بتنمية وتطوير ثروات حيوانية ونباتية فريدة من نوعها، ووفق وزير البيئة فإن « 5 ٪ من التنوع الحيوي في العالم موجود في مدغشقر وبالتالي فإن التهديد المباشر لا يطال مدغشقر فقط وإنما يطال العالم أجمع ».

التغير المناخي واختفاء الغابات

وفق مركز المراقبة وحماية الطبيعة التابع لأمم المتحدة، فإن مدغشقر هي من بين 17 دولة في العالم تحوي على تنوع ضخم، لكن اليوم التنوع الحيوي في تراجع مستمر وتقدر خسارته بـ 0،55 ٪ سنويًا.

وحسب المكتب الوطني لإعادة التشجير، فإن اختفاء الغابات في مدغشقر يقلق المسؤولين، إذ أن الجزيرة تفقد 100 ألف هكتار سنويًا من الغابات التي كانت مساحتها 13 مليون هكتار في العام 1960، أي أنها كانت تغطي 45 ٪ من أراضي الجزيرة.

وحسب مديرة مشروع إعادة الغابات، لم يبقَ اليوم منها سوى « 12 ٪ فقط مما يعيق عمل حماية النظام البيئي وخاصة استخدام الأراضي الزراعية مما يؤدي للمجاعة، هناك تراجع حقيقي في خصوبة التربة وفي المساحات المخصصة للمحاصيل الغذائية ».

التغير المناخي يضرب مدغشقر… جفاف ورمال تجتاح الأراضي وغابات إلى زوال

مديرة مشروع إعادة تشجير الغابات والأحراش رازافيندرا هانتا

مسؤولية مدغشقر أبعادها دولية وعالمية

مدغشقر التي لم يكن لها أي دور مسبب للتغير المناخي، تتحمل اليوم نتائجه، وفي الواقع فإن البصمة الإيكولوجية للجزيرة تساوي 0،57 من كوكب الأرض في حين أن المعدل العالمي هو 1،75 كوكب سنويًا، وبلدان مثل استراليا تستهلك 4،6 كوكب في العام.

وهذا يعني أن المسؤولية تقع على دول العالم كما أشار لنا راهارينيرينا، معلنًا أن التحدي الرئيسي لبلده «مضاعف ثلاث مرات، أي أنه يجب محاربة الضعف الاقتصادي أو الفقر، يجب المحافظة على التنوع البيئي الذي يمثل ثروة عالمية وفي الوقت عينه يجب ضمان تأقلم مدغشقر مع التغير المناخي، فهذه جميعها مسؤولية أبعادها دولية وعالمية شاملة ».

أمطار قليلة وجفاف شديد

ولهذه الجزيرة مناخ متنوع يخضع اليوم لتغيرات موسمية هامة، عادة، يتميز مناخها بموسمين أساسيين وهما موسم الأمطار الذي يبدأ من تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى نيسان/ إبريل مع أمطار غزيرة خاصة بين شهري كانون الأول/ ديسمبر و كانون الثاني/ يناير، أما موسم الجفاف فيبدأ من شهر أيار/ مايو وحتى تشرين الأول/ أكتوبر، لكن لا تخلُ هذه الفترة من الحد الأدنى من الأمطار في أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر.

لكن الاحتباس الحراري تسبب بظهور تحولات موسمية، وفترات جفاف طويلة في منطقة الجنوب تحديدًا، وأعاصير وفيضانات قوية في الشمال والشمال الشرقي خاصة بين شهري تشرين الثاني/ نوفمبر وأيار/ مايو، مع أمطار غير منتظمة.

واليوم تواجه مدغشقر وخاصة في مناطقها الجنوبية أسوأ أنواع جفاف عرفته منذ أربعين عامًا تقريبًا، إنها من بين أكثر الدول التي يهددها التغير المناخي.

وخلال خطاب له، أشار رئيس الجمهورية أندري راجويلينا، إلى المشاكل الأخرى الناتجة عن الاحتباس الحراري وبالتالي قلة الأمطار من بينها عدم قدرة السكان على الانتاج الزراعي أو تربية المواشي « ثيران الدَّربانية وصلوا إلى الشواطئ لكنهم لا يمكنهم شرب المياه المالحة، بالتالي حتى الحيوانات يصعب عليها البقاء على قيد الحياة، أما بالنسبة للبشر، فالأمر أكثر صعوبة ».

التغير المناخي يضرب مدغشقر… جفاف ورمال تجتاح الأراضي وغابات إلى زوال

رئيس جمهورية مدغشقر أندري راجويلينا

نزوح سكاني من الجنوب يقضى على الغابات

كما تطرق رئيس جمهورية مدغشقر إلى مشكلة أخرى ناتجة عن الجفاف وهي النزوح السكاني للمناطق الجنوبية باتجاه الشمال.

أما يتم القضاء على الغابات نتيجة هذا النزوح فيقول « إنهم يستغلون الغابات، ويدمرونها لأنهم بحاجة للمال السريع فيقطعون الخشب. إنها حلقة مفرغة. لأنهم من خلال تدميرهم للاحراج يمكنهم بيع الحطب والعيش أيضًا. إنهم يستغلون موارد الغابات مما يؤدي للقضاء عليها »

اختفاء الأراضي الزراعية

القطع العشوائي للأشجار أدى لندرة الأمطار في الجنوب حيث تكثر زراعة الأرز، ما أدى ذلك لخسارة المزارعين لمنتوجاتهم كما فقدت التربة خصوبتها فأخذت الراضي الزراعية بالاختفاء شيئًا فشيئًا.

وهذا ما أكدته لنا إحدى المزارعات واسمها فاميندراي مارا التي اشتكت من سوء وضعها المعيشي، وأضافت «بسبب هذا الجفاف لم أعد أملك ما يساعدني على الاهتمام بعائلتي».

وقالت لنا مزارعة أخرى وتدعى فلورانس زونوم أنها لم تشهد هطول المطر منذ عام تقريبًا «قبل عشرين عامًا أو حتى عشرة أعوام، كانت الأمطار كثيرة، كنت أزرع المنيهوت، وأنواع أخرى من الزراعات، لكن مع التغير المناخي أصبح كل شيء غريبًا في السابق، ومن خلال بيع انتاجي الزراعي كان يمكنني العيش مع عائلتي حتى أنني كنت أستطيع شراء ثيران الدَّربانية والأغنام والماعز وحتى الدواجن».

التغير المناخي يضرب مدغشقر… جفاف ورمال تجتاح الأراضي وغابات إلى زوال

الرمال تجتاح الأراضي الزراعية

هذا ويتخوف وزير البيئة من الرياح المحملة بالرمال التي تغطي المساحات الزراعية فتقضي على المحاصيل، فهذه الرياح تَلَفت 60 ٪ من المنتوجات الزراعية علمًا أن هذا القطاع الزراعي وحده يشغّل 78 ٪ من السكان وفق آخر الدراسات الإحصائية، ويشير الوزير إلى أن الرياح التي تحمل الرمال معها شبيهة برياح منطقتي الصحراء الكبرى والساحل.

وأضاف أن تأثيرها السلبي لا يطال الانتاج الزراعي ونزوح السكان فقط وإنما يتسبب أيضًا في «تراجع بعدد بعض الكائنات التي لا تتحمل ارتفاعًا في درجات الحرارة والذي هو ارتفاع هام جدًا».

مشاريع حكومية لمواجهة التغير المناخي وآثاره

لمواجهة التحديات المتعددة ومن أجل مواكبة هذا الوعي العالمي لإدارة الموارد الطبيعية بطريقة مستدامة، وضعت مدغشقر رؤية استراتيجية تتماشي مع التنمية المستدامة والاتفاقيات الوطنية لحماية التنوع البيئي، وتم تعريفها بـ «مبادرة انبثاق مدغشقر».

أما الأهداف الملموسة لهذه المبادرة فهي التالية: الحفاظ على الموارد الطبيعية والمستدامة، التوازن البيئي مع تشجير 5 آلاف هكتار من المانغروف، وتشجير 200 ألف هكتار من الغابات، وتنويع الموارد عن طريق إيلاء الأهمية للاقتصاد الأزرق وحمايته، هذا إضافة للبحث والتطوير بهدف التوصل إلى علوم وتكنولوجيات من أجل التكيّف مع التغير المناخي.

مشروع متكامل: إعادة تشجير الأحراش

كذلك هدفت المبادرة الحكومية لإعادة تشجير 40 ألف هكتار من الاراضي الحرشية سنويًا عبر زراعة 40 مليون شتلة صغيرة بفضل مساهمة السكان، منذ العام 2019 وحتى اليوم، هذه الأهداف تم تحقيقها بشكل واسع، في بعض المواقع مثل بويني، ومينابي، وأنالامانغا، وايتاسي وغيرها…

ووفق مديرة مشروع إعادة تشجير الغابات والأحراش فإن هناك أشكال مختلفة في عملية إعادة تشجير الأحراش، من بينها «التشجير الذي يستجيب للحاجات الحالية للسكان مثل الحطب المخصص للطاقة، والخشب المخصص للعمل ويشكل ذلك 40 ٪ من الاحتياجات الحالية، هناك أنواع أخرى من أجل تحسين التربة والأشجار المثمر ».

إعادة تشجير محمية تسيتونغامباريكا

غابة تسيتونغامباريكا الواقعة في منطقة أنوسي، جنوب شرقي مدغشقر، شمال مدينة فور دوفان، هي محمية مساحتها 60 ألف هكتار، تم إنشاؤها في العام 2015، تتميز عن غيرها من المحميات بنسبة الكائنات المستوطنة فيها والتي هي نسبة عالية جدًا هذا إضافة إلى التنوع البيئي الاستثنائي فيها، كما أن 80 ٪ من الطيور التي تم احصاؤها فيها موجودة فقط في مدغشقر، وتبيّن أن حوالى ستين نوع من النباتات جديدة بالنسبة للعلوم.

عملية التشجير في هذه الغابة التي توجد فيها أيضًا أكثر من 90 ٪ من الكائنات المستوطنة غير الموجودة سوى في مدغشقر، هي عملية إصلاح ما تم تدميره، كما أشار لنا وزير البيئة.

أما الهدف الرئيسي لتشجير هذه الغابة هو تمكينها من لعب دورها كغور يمتص ثاني أوكسيد الكربون مما يجعلها تساهم في التخفيف من آثار التغير المناخي على حد تعبير وزير البيئة الذي أشار «على الصعيد العالمي، مدغشقر تساهم إذًا في هذا الهدف العالمي لذلك نولي أهمية كبيرة لهذا النوع من الأماكن».

بالنسبة للسكان الذين يعيشون في هذه الغابة، كان من الضروري تحفيزهم ودعوتهم للمشاركة بمشروع إعادة التشجير، إذ أن الأشجار تختفي بسبب الضغط الذي يمارسونه على هذه المساحة، لقد تم تدريبهم وتأهيلهم على تقنيات العمل مما سيسمح لهم بالاعتماد بشكل أقل على عملية القطع العشوائية للأشجار وذلك من خلال تربية النحل وصناعة السلال، وأعمال الحدادة.

التغير المناخي يضرب مدغشقر… جفاف ورمال تجتاح الأراضي وغابات إلى زوال

مشروع «الحزام الأخضر»

أما مشروع «الحزام الأخضر» الذي وضعته الحكومة لمحاربة التصحر وتقدم الرمال التي تحملها رياح لينو وتنقلها إلى الأراضي الزراعية في جنوب مدغشقر، فسيمكّن من تثبيت 18334 هكتار من الكثبان الرملية وذلك بهدف حماية الأراضي الزراعية وتقليص آثار التغير المناخي الضارة، تبلغ مدة هذا البرنامج خمس سنوات أما تكلفته فوصلت إلى 26 مليون دولار. وأهم المناطق المستفيدة منه فهي أمبوازاري وتسيهومب وبيلوها وتاولاغنارو.

ويؤكد الرئيس أندري راجويلينا، «إنها تؤمن العمل وتحمي البيئة كما أننا نقوم بمساعدة أولئك الذين لا عمل لهم من خلال المجهود الذي تقدمه الدولة وحلفاؤنا».

برنامج «البطاقة الخضراء»

أما برنامج « البطاقات الخضراء » فهو أحد البرامج الذي اكتسب أولية في مجال الزراعة. ويسمح لمدغشقر وخاصة لمناطقها الجنوبية بالوصول إلى الاكتفاء الذاتي الغذائي وتطوير الأعمال التجارية الخاصة بالزراعة، أما المحور الرئيسي لهذا البرنامج فهو قدرة السكان على التكيّف بفضل تأمين الانتاج والمدخول الثابتين.

وفي إطار هذا المشروع، جرى تأمين أراضٍ زراعية ومراعٍ ومعها منازل للعديد من العائلات بعد اجراء دورات تأهيل للسكان، وبعد خمس سنوات، تقدم هذه الأراض كهبة للعائلات.

فاميندراي مارا التي هي من قرية أغناربافالي، فقد استفادت من هذه « البطاقة الخضراء »، وتخبرنا أن الرئيس اقترح عليها « قطعة أرض مساحتها 1000 متر مربع عليها منزل ومزرعة دجاج فيها 5 دجاجات، ومكان لتربية الماعز مع 10 رؤوس ماعز، و800 متر مربع للزراعة، وهكذا لم يعد لدينا مشاكل لأننا نملك شبكة مياه من أجل الري بالتنقيط وذلك بفضل ألواح شمسية، الزراعة أصبحت مؤمنة ويمكنني الانتاج لتوفر المياه وهكذا أضمن عدم العيش في جوع ».

مع كل تلك المشاريع الانمائية والبيئية، تسعى مدغشقر لقلب الموازين وإعادة ما تم القضاء عليه التي تسبب بها التغير المناخي الذي أدى إلى ضغط بشري، وكما قال الرئيس فإن المسؤولية تقع على دول العالم الملوثة لذلك ستدعوها من أجل مساهمتها بشكل فعال في عملية حل المشاكل الموجودة على الجزيرة.