في مجموعة بيانات نشرها مؤخراً  مركز أبحاث “أيد داتا” (Aid Data) في كلية وليام وماري للأبحاث العالمية، يبدو أنّ بعض الدول الآسيوية والأفريقية كانت تتصدر لوائح الدول التي استقطبت الكثير من استثمارات الصين، التي لم يُعرّف عنها علناً على أنّها “ديون”، وتُعتبر هذه المبالغ مستترة وتقدر قيمتها بما يوازي 385 مليار دولار أميركي.

  • دول آسيوية وأفريقية تتصدر لوائح الدول التي استقطبت الكثير من الإستثمارات الصينية
  • جزء من الإستثمارات الصينية لم يُعرّف عنها علناً على أنّها ديون بل مبالغ مستترة
  • ما يزيد على 40 دولة تترتب عليها ديون مستحقة لبكين تفوق قيمتها 10 % من إجمالي ناتجها المحلي
  • لا يحق لأيّ حكومة الإفصاح كما يجب عن حقيقة موجبات تسديد الديون الحالية والمحتملة المستحقة للصين
  • تمثل باكستان أكبر مقترض من القطاع الحكومي الصيني بتسجيلها ديوناً ترتفع بمجملها إلى 25 مليار دولار تقريباً

وتندرج تلك المبالغ تندرج ضمن مشاريع “مبادرة الطريق والحزام” التي كانت الصين تدفع بها مؤخراً، آملةً أن تربط من خلالها بين بعض الدول الفقيرة عبر استحداث طرق تجارية برية وبحرية. فما يزيد على 40 دولة تترتب عليها ديون مستحقة لبكين تفوق قيمتها 10 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي.

يبيّن الرسم البياني أدناه حجم الإقراض الصيني من حيث الإلتزامات المالية، كما يبيّن نوع الديون التي تترتب على هذه الدول والتي استدانتها من الصين. وفيما تشكل غالبية هذه الديون ديوناً على الحكومة، تمثل الديون المستترة جزءاً كبيراً لا يستهان به.

ما هي الديون المستترة؟

تقول “أيد داتا” إنّ “حجم الديون الصينية أكبر بكثير من مؤسسات الأبحاث ووكالات التصنيف الإئتماني أو المنظمات البيو حكومية، التي تملك مهمّات تجسّسية تمّ فهمها من قبل”، لكن كيف حصل ذلك؟

يشير التقرير إلى أنّ 42 دولة تملك في الوقت الراهن ديوناً عامة مترتبة عليها لصالح الصين، تمثل أكثر من 10 % من إجمالي ناتجها المحلي.

بحسب تقديرات مركز الأبحاث، فإنّ أيّ حكومة من الحكومات الآنفة الذكر لا تفصح كما يجب عن حقيقة موجبات تسديد الديون الحالية والمحتملة المستحقة للصين، بمعدّل قدره 5.8 % من إجمالي ناتجها المحلي.

في الوقت الراهن، لقد اكتشف الباحثون أنّ الإقراض الصيني يعني أساساً الوكالات الحكومية بدلاً من الوكالات المركزية، ما يساعد في عدم إدخال الديون في حسابات كشوف الميزانية. وأضافت “أيد داتا” أنّ “ما يناهز 70 % من الإقراض الصيني الخارجي “موجه اليوم لشركات عامة ومصارف حكومية وآليات ذات مهمّات خاصة ومشاريع مشتركة ومؤسسات من القطاع الخاص، عاملة في الدول المدينة”، بدلاً من المقترضين السياديين الذين هم كناية عن مؤسسات حكومية مركزية.

وبالتالي لا تظهر هذه الديون على كشوف حسابات الميزانية الحكومية، لكن إنْ تخلّفت الشركات المقترضة عن تسديد الدين أو أفلست، فإنّه من المحتمل أن تواجه الحكومة ضغوطاً لتعويمها. عدا عن ذلك، فقد استغلّت الصين كذلك بنوداً خاصة بالسرية لتمنع المقترضين من الإفصاح عن شروط الإلتزام أو عن وجود الدين حتى.

ما هي الدول الأكثر تأثراً؟

تُظهر البيانات أنّ الدول الآسيوية والأفريقية هي الأكثر تأثراً بما أنّ القروض الصينية تتركّز في هذه المناطق. إلّا أنّ لاوس تسجل أعلى معدلات الديون السيادية المستحقّة للصين، بمعدل 29.4 % من إجمالي الناتج المحلّي والديون المستترة أيضاً، بمعدل قدره 35.4 % من إجمالي الناتج المحلي.

تتبعها جزر المالديف وكمبوديا وبابوا غينيا الجديدة وسلطنة بروناي من بين دول أخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الدول الأفريقية ترزح تحت عبء الديون الصينية بمعدل كبير جدّاً، لدرجة أنّ الصين اضطرت إلى شطب بعض الديون وإنْ كان ذلك تمّ تحت الضغوط التي مورست عليها.

على سبيل المثال، تترتب على أنغولا ديون بقيمة تفوق 20 مليار دولار مستحقة لكيانات صينية، بما في ذلك 14.5 مليار دولار مستحقة لمصرف التنيمة الصيني، وقرابة 5 مليار لمصرف الإستيراد والتصدير الصيني. كما أنّها استدانت أموالاً من “آي سي بي سي”، كبير المقرضين الصينيين. في الآونة الأخيرة، استحصلت أنغولا من الصين على فرصة عدم تسديد الديون المستحقة على مدى 3 سنوات.

نسبة الديون من إجمالي الناتج المحلي

 

ولكن إنْ نظرنا إلى الأرقام المطلقة، تمثل باكستان أكبر مقترض من القطاع الحكومي بتسجيلها ديوناً ترتفع بمجملها إلى 25 مليار دولار تقريباً. كما تبرز إندونيسيا بتسجيلها 17.28 مليار دولار من “الديون المستترة” المستحقة للصين.

 

يصنّف البنك الدولي مجموعاً من 126 دولة، كدول ذات دخل منخفض ومتوسط من بين الدول التي ترزح تحت كاهل الديون الصينية العملاقة، بمقابل 16 دولة ذات دخل مرتفع من بين الدول التي حصلت على اعتمادات من الصين.

 

إذاً لماذا تلجأ الدول الفقيرة إلى الإقتراض من الصين؟ ربّما يكمن الجواب في أنّها لم تتلقَ مبالغ مالية كافية من لاعبين كبار آخرين هم بالعادة من الدول الغربية. في العقد الأخير، برزت الصين كأكبر دائن في قطاع أموال التنمية الدولية كما تظهره بيانات AidData وكذلك بيانات منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية OECD.

 

وما يساهم في ذلك هو أنّ الصين لا تأبه بالأوضاع السياسية في الدول المذكورة، وهي تُسرّ بإقراض مبالغ كبيرة من دون طرح الكثير من الأسئلة، لكن ربما يكمن العامل الأكبر والأهم في نوع المساعدات المالية المقدّمة.

انعدام الشفافية في القروض

يصنّف باحثو أيد داتا المشاريع التي حددوها ضمن 3 فئات من “التدفقات النقدية”:

  1. مساعدات التنمية الرسمية Official Development Assistance (ODA) التي تملك عامل إقراض قدره 25 % أو أكثر والتي تخصص بالأساس لمشاريع تنموية.
  2. تدفقات مالية رسمية أخرى Other Official Flows (OOF) وهي تسجل عامل إقراض لا يتخطى 25 % ويكون فيه التمويل أكثر ذات طبيعة تجارية.
  3. تمويل رسمي ملتبس/ غامض/ مبهم/ غير واضح Vague Official Finance وهو لا يحتوي على معلومات كافية تمكّن من وضعه في إحدى الفئتين المذكورتين أعلاه.

إنْ نظرنا إلى الرسم البياني أعلاه، يمكننا أن نرى أنّه من بين كلّ الدول، أصدرت الصين القسم الأكبر من فئة التدفقات الرسمية الأخرى OOF. ويبدو كذلك أنّ التدفقات المالية الصينية تُصنّف في فئة التدفقات المالية الرسمية الأخرى OOF  (بمليارات الدولارات خلال الفترة المبينة أعلاه) أكثر منه في فئة مساعدات التنمية الرسمية  ODA (بمليارات الدولارات).

الجدير بالذكر أنّ الصين استخدمت القروض بدلاً من المساعدات لكي تتخذ لنفسها موقعاً مهيمناً في سوق التطوير المالي الدولي. ومنذ إطلاق “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، حافظت الصين على معدل 31-1 من القروض مقابل المنح ومعدل 9- 1 من التدفقات المالية الرسمية الأخرى OOF مقابل مساعدات التنمية الرسمية ODA.

ترعى غالبية القروض الخارجية الصينية شروط أقل كرماً من شروط القروض التي تمنحها منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية ولجنة المساعدات الإنمائية التابعة لها DAC والدائنين المتعددي الأطراف. في الواقع إنّ متوسط القروض الصينية يُمنح بمعدل فائدة قدره 4.2 % وفترة سماح تقل عن سنتين وفترة استحقاق تقل عن 10 سنوات.

لا شك أنّ كلّ هذه العوامل تجعل الإستثمارات الصينية محفوفة بالمخاطر، ما يعني أنّ دولاً عديدة تنكبّ على التفكير في تفاصيل العقود الحالية التي تربطها بالصين. وقد دفعت المخاوف من الديون الكثير من الدول إلى وقف المشاريع التي تندرج في إطار “مبادرة الحزام والطريق” أو إلى إلغائها.

 

يأتي ذلك بعدما أثارت مشاريع عديدة من “مبادرة الحزام والطريق” الجدل، عدا عن أنّها سجلت تأخراً ملحوظاً ولم يلبِّ تنفيذها الآمال المعقودة بتاتاً.

 

إنشاء جبهة لمواجهة الصين

على خط موازٍ، كانت دول مجموعة السبع التي تتألف من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان، أعلنت خطة منافسة لمواجهة سيطرة بكين على مجال الإقراض العالمي هذه السنة. وفي يونيو/ حزيران الفائت، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مبادرة منافسة أطلق عليها إسم “لنعد إعمار عالم أفضل” Build Back Better World (B3W) من أجل تأمين دعم مالي للدول النامية لتشييد بنى تحتية أفضل.

شاهدوا أيضاً: من أشدود إلى بيروت وحتى بنزرت.. لماذا تريد الصين السيطرة على موانىء المتوسط؟