عبد الحميد المطر.. استهداف الجولاني لخصومه مستمر

أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أنها نجحت في تصفية عبد الحميد المطر، أحد قادة القاعدة البارزين في سوريا، قائلة إن الهجوم سيعطل قدرة “القاعدة” على تنفيذ هجمات عالمية تهدد الولايات المتحدة وشركائها.

وفي حينها، اكتفت “القيادة المركزية” بالتأكيد على مواصلة استهداف قادة ونشطاء تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات والمجموعات الإرهابية، دون الكشف عن تفاصيل إضافية حول دور “المطر” في شبكة القاعدة المحلية والعالمية، كما سادت حالة من الصمت الاستثنائي على حسابات وقنوات أنصار التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تبادر إلى الإعلان أو الاعتراف بالهجمات ضد مقاتليه في حال جرى تنفيذها.

وبعد أيام من الصمت، أفصح النشطاء الجهاديون المحسوبون على تنظيم القاعدة، أن عبد الحميد المطر هو نفسه “أبو عبدالله الرقاوي“، القيادي البارز بتنظيم حراس الدين، ورفيق خالد العاروري المعروف بـ”أبو القسام الأردني“، نائب أيمن الظواهري وعضو مجلس الشورى العالمي لتنظيم القاعدة، والذي قُتل في غارة أمريكية مشابهة، منتصف يونيو/ حزيران 2020.

الصراع الجهادي يتواصل

مثل الإعلان عن هوية “عبد الحميد المطر” منعطفًا جديدًا في الصراع بين الجهاديين في شمال سوريا، إذ أدى لاحتدام الخلاف، مجددًا، بين مجموعات تنظيم القاعدة وفرعه المحلي “حراس الدين”، وبين هيئة تحرير الشام (التي تُسيطر على مدينة إدلب) وأنصارها.

فقُبيل اغتياله، كانت الحملة الاستئصالية التي  يشنها الجهاز الأمني لـ”تحرير الشام”، ضد كوادر وأعضاء حراس الدين في مدينة إدلب، على أشدها، وركزت تلك الحملة بشكل خاص على العناصر الفاعلين في النشاط الأمني والعسكري، والقيادات المرتبطين بالخلايا والشبكات العاملة داخل مناطق النظام السوري والمعروفة بخلايا “خلف خطوط العدو”، والتي أشرف عليها “عبد الحميد المطر”، بحسب ما كشفه مقربون من تنظيم القاعدة بعد اغتياله.

وأبدت هيئة تحرير الشام اهتمامًا متزايدًا بملف العمليات الخارجية لفرع تنظيم القاعدة السوري، وطلبت تسليم كشف بأسماء العناصر والقادة العاملين في خلايا “خلف خطوط العدو” إلى جهازها الأمني، للتوصل إلى اتفاق تهدئة ووقف ملاحقة عناصر التنظيم، وذلك بحسب ما أعلنته قناة “رد عدوان البغاة”، على تطبيق تليغرام للتواصل الاجتماعي (محسوبة على تنظيم حراس الدين).

وأمام الضغط المتزايد على عناصر “حراس الدين”، اضطرت قيادة التنظيم للخروج عن صمتها، ونشر بيانات إعلامية تنتقد حملة “تحرير الشام” الاستئصالية ملمحةً إلى أنها تتزامن مع حملة أخرى يشنها التحالف الدولي لحرب داعش (عملية العزم الصلب).

وأصدر أبو همام الشامي، أمير حراس الدين، بيانين منفصلين، في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، أكد فيهما أن تنظيمه يُركز على العمل داخل عمق مناطق النظام السوري، بينما تقوم هيئة تحرير الشام بالضغط عليه ومصادرة أسلحته واعتقال كوادره والتضييق عليهم، وترفض أن تتحاكم إلى أي هيئة مستقلة للفصل في الصراع الدائر بينهما، داعيًا للجوء إلى المنظر الجهادي “أبو قتادة الفلسطيني” للفصل بين الطرفين.

لكن رسالة “الشامي”، أعقبها تشديد الخناق، بصورة أكبر على تنظيم حراس الدين، إذ ألقى أمنيو الهيئة القبض على نشطاء سابقين بالتنظيم، كما اغتالت طائرة تابعة للقيادة المركزية الأمريكية القيادي بالتنظيم “أبو حمزة اليمني“، الذي كان مطلوبًا للهيئة والتحالف الدولي في آن واحد.

وعقب مقتل “اليمني”، ألمح أبو همام الشامي، ضمنيًا، إلى تورط هيئة تحرير الشام في اغتيال  كوادر “حراس الدين”، قائلًا، في بيان ثانٍ له، إنه من العجيب أن تتزامن حملة الملاحقة التي يشنها أمنيو الهيئة، مع عمليات الاغتيال والقصف الجوي التي ينفذها التحالف الدولي.

واستشهد أمير تنظيم حراس الدين باغتيال قادة التنظيم في سوريا بعد خلافهم مع الهيئة، كما حدث مع  “أبو محمد السوداني”، القيادي بالقاعدة (اغتيل في إدلب، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020) الذي قُتل بعد مراسلته لأبي محمد الجولاني، زعيم الهيئة، في 2020، ومطالبته بالإفراج عن قيادات القاعدة في سوريا، وفي مقدمتهم “أبو عبد الرحمن المكي” (عضو مجلس شورى حراس الدين)، ووقف الحملة ضد كوادر التنظيم، واللجوء إلى “أبو قتادة الفلسطيني” لحل الخلافات بين الهيئة والتنظيم.

وأكد سامي العريدي، الشرعي العام لتنظيم حراس الدين، اتهامات قيادة التنظيم لـ”تحرير الشام”، في بيان منفصل- ذّكر فيه بالحملة العسكرية التي شنتها الهيئة ضد فصائل غرفة عمليات فاثبتوا التي ضمت حراس الدين وعددًا من الفصائل المتحالفة معها، وأدت إلى تفكيك الغرفة وخفوت نشاط الفصائل العاملة ضمنها- ملمحًا إلى أنه اختفى بعد تلك الحملة، هربًا من ملاحقة أمنيي هيئة تحرير الشام وجواسيس التحالف الدولي على حد سواء.

اغتيال في توقيت حاسم

وعلى نفس المنوال، انخرط عبد الحميد المطر “أبو عبد الله الرقاوي” في الخلاف والاحتراب الكلامي الدائر بين الطرفين، عبر سلسلة تدوينات نشرها عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” والذي سماه باسم “أبو عبد الله العراقي”.

لكن “المطر” ركز على نشر التفاصيل التنظيمية المتعلقة بقيادات هيئة تحرير الشام وكواليس الخلافات التي حدثت بينهم وبين أيمن الظواهري وقيادة القاعدة المركزية، منذ إعلان الأولى فك الارتباط بين الطرفين في يوليو/ تموز 2016، واعدًا بكشف تفاصيل عن تحول الهيئة لـ “شركة خاصة للجولاني لحماية الدوريات التركية- الروسية وقتال الجهاديين”، على حد قوله، وذلك قبل أسبوع واحد من مقتله.

قريبا بإذن الله سأبدأ بكتابة بعض التغريدات عن نشأة جبهة النصرة ثم فتح الشام ثم هيئة تحرير الشام ثم تحولها لشركة خاصة باسم شركة الجولاني لحماية الدوريات وقتال المجاهدين

عبد الحميد المطر قبل مقتله بأسبوع

بيد أن الفرصة لم تتح لـ “المطر” لكشف التفاصيل المتعلقة بقتال الهيئة وحراس الدين وحلفاءه من الفصائل الجهادية، إذ اغتيل، بعد أيام معدودة، في منطقة “سلوك” التابعة لمحافظة الرقة (شمالي سوريا)، بعد رصده من قبل عملاء محليين على الأرض، بحسب ما ذكرته مصادر محلية لاحقًا.

ورغم أن اغتيال القيادي البارز بالقاعدة تم خارج مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، إلا أن جهاديين بارزين اتهموا الأخيرة بالوقوف خلفه، قائلين إن “أبو مارية القحطاني”، القيادي البارز بالهيئة، كلف أمنييها بتعقب “المطر” واعتقاله بأي وسيلة ممكنة.

ولفتت قناة “رد عدوان البغاة” إلى أن “أبو عبد الله الرقاوي” (عبد الحميد المطر) كشف تورط “أبو مارية القحطاني” في اغتيال أبو القسام الأردني، في مقال نشره أواخر يونيو/ حزيران الماضي، قال فيه إن القيادي بهيئة تحرير الشام أشرف بنفسه على رصد سيارة “الأردني”، الذي اكتشف هذه المراقبة، مصادفةً، وتحدث مع “القحطاني” الذي ادعى أنه رصد السيارة لشكه في أن قائدها “داعشي”.

وزعمت القناة المحسوبة على تنظيم القاعدة، أن هناك تنسيق بين هيئة تحرير الشام وبين التحالف الدولي، مضيفةً أن من تعجز الهيئة عن الوصول إليه يقوم التحالف باغتياله والتخلص منه.

خلية اغتيالات وتنسيق استخباري

وفي هذه الأثناء، نشرت صفحة محلية معنية بأخبار المنطقة الشرقية في مدينة دير الزور السورية، تسجيلات قالت إنها لـ”خلية التجسس” التي رصدت عبد الحميد المطر، مضيفةً أن الخلية تعمل في منطقة نبع السلام (تشمل المنطقة الممتدة من مدينة رأس العين، إلى مدينة تل أبيض)، بالتنسيق مع القوات الأمريكية المتواجدة في قاعدة حقل العمر النفطي (أكبر قاعدة للقوات الأمريكية والتحالف الدولي في سوريا).

وبينت التسجيلات أن خلية التجسس ضمت مجموعة من السكان المحليين على رأسهم “حج سليم الخالد” الذي أشرف على عملية التعرف على “عبد الحميد المطر” ورصده وتزويد القوات الأمريكية في حقل العمر بإحداثيات موقعه لتنفيذ الغارة الجوية ضد سيارته.

وبدورهم، ألمح أنصار تنظيم القاعدة إلى دور أبو مارية القحطاني (المحتمل) في الكشف عن مكان عبد الحميد المطر، وإعلام خلية “حج سليم الخالد” بوجوده في المنطقة عن طريق أحد الأمنيين المرتبطين بالقحطاني، والذين تربطه صلة قرابة بمسؤول خلية التجسس.

ووعدت القنوات المحسوبة على تنظيم حراس الدين على تطبيق “تليغرام” للتواصل الاجتماعي- ومن بينها قناة رد عدوان البغاة-، بالكشف عن معلومات وتفاصيل تخص “الجواسيس الأمنيين” المنتمين لهيئة تحرير الشام، ودورهم في تصفية تنظيم حراس الدين.

ووفقًا للمعلومات التي نشرتها “قنوات القاعدة” في سوريا، سابقًا، بناءً على تسريبات حصلت عليها عبر عناصر في الجهاز الأمني لهيئة تحرير الشام، فإن الهيئة أقدمت على إجراء تغييرات قيادية للمسؤولين عن ملف تنظيم حراس الدين، قبيل أسابيع من اغتيال “عبد الحميد المطر” وأبو حمزة اليمني، ومرافقه أبو البراء التونسي، وذلك عقب اجتماع عقد بين قياديين بهيئة تحرير الشام ومسؤولي الاستخبارات التركية.

وطلب أحد ضباط الاستخبارات التركية المسؤولين عن متابعة التنظيمات الجهادية في إدلب، من “أبي محجن الحسكاوي”، القيادي بالهيئة وأحد مسؤولي الارتباط مع الاستخبارات التركية، تغيير نمط التعامل مع تنظيم حراس الدين الذي تحول للعمل بشكل سري كامل، منذ قيام الهيئة بشن حملة عسكرية ضد مقراته المعروفة في منطقة عرب سعيد بشمال سوريا.

وبناءً على هذا الطلب، أقال “أبو أحمد حدود”، نائب أبو محمد الجولاني، مسؤول ملف تنظيم حراس الدين في الجهاز الأمني للهيئة “أبو بلال قدس”، ونقل الإشراف على الملف لـ”أبي النور الديري” الذي يشرف، أيضًا، على ملفي تنظيم داعش والجهاديين المستقلين.

كما أمد “أبو أحمد حدود” الأمنيين المسؤولين عن ملاحقة خلايا تنظيم حراس الدين بشرائح تتبع إلكترونية حصلت عليها الهيئة بموجب اتفاق أبرمه “زيد العطار”، المسؤول السياسي بها، مع الاستخبارات التركية، لرصد وتعقب نشطاء التنظيم، الذي فرض على عناصره، مؤخرًا، التخلي عن استعمال الهاتف المحمول والالتزام بنظام أمني مشدد، للهرب من الملاحقة.

وعلاوة على استعمال أجهزة التعقب الإلكترونية، لجأت عناصر”تحرير الشام” لحيلة جديدة لاصطياد كوادر تنظيم حراس الدين، عبر تسريب أخبار كاذبة بمقتل قيادات ميدانيين تابعين له، ونشر تعميمات عن طريق وسطاء على وسائل التواصل الاجتماعي تطلب من أفراد التنظيم التوجه لمنازل هؤلاء القادة، ومن ثم رصدهم والإيقاع بهم.

وبات واضحًا، بعد تصعيد الهيئة ضد الجهاديين المناوئين لها، أن هناك اتجاه من قبل “تحرير الشام” لتصفية ملف الجهاديين غير المنضوين تحت لوائها، وخصوصًا المجموعات الرافضة للتفاهمات التي أبرمتها الهيئة مع الجانب التركي الذي أصبح يُسيطر فعليًا ومن خلف الستار على هيئة تحرير الشام، كما ذكر “عبد الحميد المطر” في تدوينة سابقة له قبل مقتله.

تفاهمات تركية – روسية

ومن اللافت للنظر أن تكثيف الضربات ضد تنظيم “حراس الدين”، تزامن مع حملة عسكرية أطلقتها هيئة تحرير الشام ضد المجموعات الجهادية المتمركزة على جبهة المواجهة مع قوات الجيش السوري النظامي المدعومة بالقوات الروسية، في منطقة جبل التركمان، في ظل الحديث عن وجود تفاهمات روسية – تركية لتقاسم مناطق النفوذ في سوريا.

وشنت هيئة تحرير الشام، أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، حملة ضد مقرات جماعتي جند الله بإمارة أبو حنيفة الآذري، وجند الشام بإمارة أبو مسلم الشيشاني، بعد رفض الأخيرتين تسليم مواقعهما إلى ألوية الهيئة العسكرية والخروج من مناطق المواجهة مع النظام السوري.

وخلال الاقتتال، أصدرت جماعة “جند الله”، بيانًا، قالت فيه إن الهيئة تقوم بقتال الجهاديين والمهاجرين حتى تقوم بتسليم منطقة جبل التركمان للقوات الروسية، ملمحةً إلى الاتفاقات التي تتم بين الجانب التركي والروسي في سوريا.

ورغم أن الاقتتال بين الهيئة وجماعتي “جند الشام”، و”جند الله” انتهى بتوقيع اتفاق لخروج الأخيرة من منطقة جبل التركمان إلى جهة “غير محددة” في خارج إدلب، إلا أن الجهاديين لازالوا يصرون على أن تلك الحملة العسكرية ما هي إلا استمرار للجهود التي يشنها الجهاز الأمني للتصفية المجموعات الجهادية المعارضة للهيئة وعلى رأسها تنظيم حراس الدين ومجموعاته العاملة خارج إطار التفاهمات الدولية، على حد تعبير قناة “رد عدوان البغاة”.

الخلاصة:

  • مقتل عبد الحميد المطر (أبو عبدالله الرقاوي المهاجر) هو حلقة من سلسلة اغتيالات وتصفيات جرت مؤخرًا لكوادر القاعدة في سوريا.
  • يتهم الجهاديون الجهاز الأمني لهيئة تحرير الشام بالإشراف على تتبع وتصفية “قادة القاعدة” في سوريا، بالتعاون مع الاستخبارات التركية والتحالف الدولي.
  • أبو مارية القحطاني، القيادي البارز بالهيئة، أشرف على رصد اثنين من قادة القاعدة في سوريا: (أبو القسام الأردني، وأبو عبدالله الرقاوي)، بينما تولى التحالف اغتيالهما في نهاية المطاف.
  • استعانت هيئة تحرير الشام بالاستخبارات التركية في توفير أجهزة تتبع إلكترونية لاستخدامها في رصد كوادر تنظيم القاعدة واستهدافهم، بعد تحول التنظيم الأخير للعمل بالنمط السري الكامل في سوريا.
  • تصفية “قادة القاعدة” يثبت أن التنظيمات الجهادية بيادق في لعبة الشطرنج الدولية، يتم توظيفها أو التخلص منها على حسب المصالح والتفاهمات بين الأطراف المختلفة.