عندما يفكّر المرء بالصين القديمة، من الصعب ألّا يتخيل “طريق الحرير” البحرية التي ربطت في الماضي معظم دول آسيا، وأجزاء من البحر الأبيض المتوسط حتى القرن الرابع عشر.

  • معظم الإستثمارات الصينية تنصبّ على المرافىء التجارية بقيادة شركات صينية عملاقة
  • ميناء بنزرت يتمتّع بأهمية استراتيجية عالية إذ يمكن للصين من خلاله الوصول لدول أفريقيا وأووربا
  • الصين تتغلغل بمؤسسة تونس العسكرية وقد منحت الجيش قرضاً بـ8 ملايين دينار عام 2013
  • في العام 2018 وقّعت تونس اتفاقيات مختلفة بهدف تعزيز التعاون مع الصين

وهي كناية عن طريق تجارية تاريخية كانت تمرّ في الصين والهند وبلاد فارس والبلاد العربية واليونان وإيطاليا. وكانت تعرف باسم “طريق الحرير” بسبب تجارة الحرير الضخمة التي حدثت في تلك الحقبة، والتي كانت تحتكرها الصين لأنّ النسيج كان يأتي منها. وقد زادت هذه الطريق البحرية من قدرة الصين الإستعمارية والعسكرية، ومن ثروتها أيضاً، قبل أن يتمّ تسريب أسرار إنتاج الحرير.

نعود بالزمن إلى العام 2013 عندما كشف الرئيس الصيني شي جين بينغ عن “مبادرة الحزام والطريق”، التي عاد فيها إلى طريق الحرير القديمة، في خطوة يبدو فيها أنه يريد استرجاع عظمة الصين الماضية. وربّما لهذا السبب غالباً ما واجه المراقبون صعوبة في فصل مصالح الصين التجارية عن مصالحها الإستراتيجية.

الصين على امتداد المتوسط وصولاً إلى بنزرت.. تقويض القانون بالمياه الدولية

حاويات الشحن في حرم ميناء بنزرت التونسي البحري

وذلك المشروع الذي ينطلق من استراتيجية بكلفة 900 مليار دولار، يطلق عليها إسم “حزام واحد، طريق واحدة”، يهدف إلى توثيق ارتباط الصين بأكثر من 60 دولة أخرى في آسيا وأوروبا وشرق أفريقيا. ووسط كلّ هذه العوامل المهمّة لأسباب مختلفة، تبرز منطقة شمال أفريقيا التي لم تكن تنفتح كثيراً على التجارة الصينية، لكنّها أصبحت تصل اليوم إلى مستويات قياسية.

تواجد صيني ملحوظ في شمال أفريقيا

تفسّر التجارة العالمية سبب استثمار الصين في شمال أفريقيا… فـ”مبادرة الحزام والطريق” استهدفت مرافىء أساسية في دول متوسطية أخرى، بما فيها إيطاليا وكرواتيا وسلوفينيا وإسبانيا واليونان وإسرائيل ومصر، وفي طرابلس اللبنانية، فيما تسعى للإستثمار في مرفأ بيروت، ولا شك أنّ ضمّ المغرب إلى هذه اللائحة من شأنه أن يزيد من قدرات الصين في مجال الشحن في حوض البحر الأبيض المتوسط.

لقد أظهرت الصين ما هي مستعدة لفعله من أجل تقويض حكم القانون في المياه الدولية، من خلال بناء جزر اصطناعية غير شرعية في بحر الصين الجنوبي، وإضفاء الطابع العسكري عليها. وقد يكون البحر الأبيض المتوسط التالي على اللائحة. فإنْ بنت الصين قواعد عسكرية لها قبالة شواطىء أفريقيا وأوروبا، قد يتصعّد موقعها التصادمي الحالي، ويشكل خطراً على الأمن الغربي.

إشارات ضئيلة

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى التعاون الأمني، على سبيل المثال، ففي العام 2013 منحت بكين قرضاً بقيمة 8 ملايين دينار للجيش التونسي من أجل تعزيز قدارته على مكافحة الإرهاب. وقد أشاد جيش تحرير الصين الشعبية بمشاركة إحدى سفنه في العرض البحري الدولي في تونس العام الماضي. وبالتالي لا يجب الإستخفاف بهذه الإشارات بالرغم من أنها ضئيلة.

اليوم انصبّت معظم الإستثمارات الصينية على المرافىء التجارية، بقيادة بعض الشركات الصينية العامة العملاقة، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقادة الحزب الشيوعي الصيني، وهي التي تتقدم هذا الدفع البحري.

ومن هذه الشركات، شركة بناء المواصلات الصينية CCCC هي الشركة الأكبر المشاركة في مبادرة الحزام والطريق، شركة COSCO العملاقة للشحن وهي ثالث أكبر ناقل للحاويات في العالم بأسره، ولديها استثمارات في 61 مرفأً في كل أصقاع الأرض. وأيضاً هناك مجموعة China Merchants التي تأسست العام 1872 كشركة قومية عملت على استقطاب رؤوس الأموال الصينية من أجل اكتساب خطوط شحن غربية، وأصبحت تدير اليوم 36 مرفأً في 18 دولة.

منذ العام 2010، تمّ استثمار ما يزيد على 20 مليار دولار من رؤوس الأموال الصينية في المرافىء الأجنبية. لكن في ما يخص تونس، فإنّ الصين هي أكبر شريك لها في مجال التصدير أو التوريد، بالمقارنة مع كلّ دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبينما لا تزال إيطاليا وفرنسا أكبر شريكي استيراد لتونس، تحتل الصين المرتبة الثالثة بشكل مريح.

هذا المركز الثالث ليس بالأمر الهين لأنّ الصين تعمل بشكل مطرد على زيادة التجارة مع تونس. ففي العام 2014، كانت تفوّقت الصين على ألمانيا لتصبح ثالث أكبر شريك استيراد لتونس.

بالإضافة إلى ذلك، قال محمد بن رحومة، وهو رئيس مجلس الأعمال التونسي الصيني، إنّ “الشركات الصينية شركاء بدلاً من المنافسين… يمكننا إقامة شراكة حقيقية من خلال مشاركة العملاء والمواقف الإستراتيجية”. ولا شك أنّ الصين مهتمة بميناء بنزرت التونسي لأنّه يوفّر وصولاً سهلاً إلى أوروبا، بالإضافة إلى أنّه يقع في مركز مهم لكابلات شبكة الألياف الضوئية البحرية.

الخريطة أدناه تظهر مدى أهمية ميناء بنزرت في تونس بالنسبة للصين، كونه يقع في حوض البحر الأبيض المتوسط، ويمكن من خلاله أن يصل إلى دول أفريقيا وأووربا.

 

لقد أظهرت تونس عزمها على تطوير العلاقات مع الصين من خلال الإنضمام إلى "مبادرة الحزام والطريق"، والإنضمام إلى عضوية البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية. ووقعت تونس اتفاقيات مختلفة لتلك المبادرة منذ سبتمبر العام 2018، بهدف تعزيز التعاون مع الصين وجذب الإستثمارات الصينية، لا سيما في البنية التحتية.

خلال قمة منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في بكين في سبتمبر العام 2018، وقّع الوفد التونسي اتفاقيات مع الصين لمشاريع مختلفة، بما في ذلك تحويل ميناء جرجيس إلى مركز اقتصادي وتجاري، إنشاء خط سكة حديد يربط مدنين، وهي منطقة غنية بالمعادن بقابس، قلب الصناعات البتروكيماوية ومعالجة الفوسفات، إنشاء مصنع إنتاج لشركة SAIC Motor Corporation Ltd، وهي شركة صينية مملوكة للدولة، لبناء وتصدير السيارات إلى البلدان حول البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، تقوم الصين حالياً ببناء سدّ هيدروليكي في منطقة الكاف.

استثمرت الصين استثمارات ضخمة في أجزاء أخرى من شمال أفريقيا، ومن بين هذه الدول المغرب العربي، وقد تكون الجزائر صاحبة العلاقات الأوثق بالصين. في الواقع، العام 2016، تخطّت الصين فرنسا لتصبح أكبر مصدر لها علماً بأنّ الصين تتمتع بفائض تجاري هائل مع هذه الدولة الواقعة شمال أفريقيا.

انفتاح صيني على المغرب والجزائر

كما سجلت الصين إنفتاحاً ملحوظاً على المغرب، جارة الجزائر ومنافستها. فقد أشاد السفير الصيني في المغرب بـ"مسيرة جديدة" في العلاقات الثنائية بين البلدين في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في احتفالات شهدتها البلاد بمناسبة مرور 60 عاماً على إقامة علاقات ديبلوماسية. وقد ازدادت دفعاً العلاقات الصينية المغربية خلال السنوات الحديثة الماضية، فعلى سبيل المثال سجلت التجارة والسياحة والتبادل الثقافي ارتفاعاً حاداً في هذا المجال.

يشكّل مجال مشاريع التنمية مثالاً على ذلك، ويُتوقع أن تكون مشاريع منتزهات NOOR 2 وNOOR 3 لتوليد الطاقة الشمسية بتمويل صيني والكائنة على مسافة قريبة من مراكش، هي الأكبر على نطاق العالم بأسره. وتضم مبادرات أخرى مشروع بناء مدينة صناعية بالقرب من طنجة بتمويل صيني كلفته 10 مليارات دولار، وذلك من شأنه أن يمنح الصين محطةً تكنولوجية بالقرب من أحد المرافئ الأكثر حركة في القارة الأفريقية.

شاهدوا أيضاً: هكذا أوقعت الصين نسيج تونس بورطة كبيرة.. تأثير فاق الـ 80 %