تخيّم الأزمة السياسية على المشهد في تونس، لكن رغم ذلك، فإن الوضع الإقتصادي يعتبر الشغل الشاغل للشباب في تلك البلاد، وهو يشكل محور الإهتمام، خصوصاً مع تفاقم الأزمة، التي تفرض تحديات كبيرة أمام حكومة نجلاء بودن، المطالَبة بإيجاد حلول، لخروج الشعب التونسي من أزمته الإقتصادية والمالية الكبرى.

  • تونس.. أزمة سياسية واقتصادية يئن تحت وطأتها الشباب التونسي
  • قطاع النسيج أكثر القطاعات التي تضررت في تونس بفعل المزاحمة الصينية
  • أخبار الآن تستكشف في الساحل التونسي مدى تهالك القطاع جراء السلع الصينية
  • الخضراوي: سرّحنا 25 % على الأقل من عمالنا بسبب المزاحمة الصينية
  • قعليش: تأثير السلع الصينية على السوق التونسية لا يقل عن 80 
  • فقدان آلاف فرص العمل وتكلفة السلع الصينية المنخفضة تضع تلك التونسية بورطة

أسباب الأزمة متعددة ومتفرّعة، ساهم فيها سوء الآداء السياسي والفساد وعدم ضبط الحدود أمام السلع المهربة، ما أدّى إلى ضرب مختلف قطاعات الإقتصاد في تونس، وأهم تلك المجالات التي أصيبت بالضرر، قطاع النسيج التونسي.

وقال نجيب الخضراوي، وهو صاحب مؤسسة للخياطة، إنّه بسبب مزاحمة السلع الصينية في السوق التونسية، تمّ تسريح 25 % على الأقل من الموظفين في الفترة السابقة، مشيراً في حديثه “أخبار الآن إلى أنّه لا يمكن أن يتمّ إنتاج بضائع من دون التمكّن من تصريفها.

ثمّة توريد عشوائي للسلع الصينية إلى داخل تونس وسط تخريج العملة الصعبة بشكل غير قانوني

من جهته، قال فتحي قعليش، وهو مدير عام مؤسسة للطباعة والصباغة في الساحل التونسي،  قال لـ”أخبار الآن“، إنّه لا يوجد إحصاء دقيق لحجم تأثير تلك البضائع على السوق التونسية، لكنّه كشخص مخضرم في مجاله، كشف أنّ التأثير على السوق المحلية هو أكثر من 80 %.

 يعتبر قطاع النسيج والملابس من أهم القطاعات الإقتصادية والصناعية في تونس، وذلك لدوره الحيوي. ووفق التقديرات، فإنّ قدرة القطاع على تشغيل اليد العاملة تراجعت بشكل هائل عمّا كانت عليه في السنوات السابقة.

صعوبات كثيرة تعترض ذلك القطاع، وتحديات أكبر تقف أمامه، وذلك يتكشّف من خلال تحقيق ميداني أجراه فريق عمل “أخبار الآن” في الساحل التونسي، حيث تبيّن لنا أنّه بقدر ما تترسخ أهمية قطاع النسيج التاريخية في تونس، بقدر ما يتظّهر مدى التهالك الذي يعاني منه القطاع، بفعل المزاحمات العشوائية للبضائع الأحنبية، لا سيما تلك الصينية.

ولفت قعليش إلى ّانه إنطلاقاً من العام 2000 طرأ تغييرات عل قطاع النسيج، بدأت على أثرها البضائع الصينية والتركية الدخول إلى السوق المحلي التونسي، ما أدّى إلى حصول فوضى في القطاع آنذاك، إذ عُرفت تلك الفترة بأنّها أصعب الفترات في تونس، والتي شهدت تصفية كاملة للشركات الوطنية، ومنها شركات كبيرة أعلنت إفلاسها، ولم يكن يتوقع أحد أنّها قد تفلس في يوم من الأيّام”.

إدخال السلع الصينية عبر التهريب يزيد الطين بلّة

أمّا عن دخول البضائع إلى السوق التونسية، فقال الخضراوي  أنّ “البضائع الصينية التي تأتي إلى السوق المحلية، تدخل بطريقة البلاد غير شرعية إنطلاقاً من الحدود الجزائرية والليبية، ما يعني أنّهم لا يدفعون الضرائب التي ندفعها نحن”، معوّلاً على جهود دائرة الجمارك في الحد من تدفق السلع الصينية.

يعتبرُ قطاع النسيج إحدى ركائز الإقتصاد الوطني للبلاد، لكن النكسة التي أصيب بها أثرت عليه بشكل كبير، والقليل من الشركات تمكّن من الصمود، فيما المئات من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لا تمتلك القدرة على منافسة البضائع والمستوردة والمهربة، أقفلت أبوابها.

وقال قعليش بدوره،  إنّ “العديد من الشركات لم تتمكن من الصمود في ظلّ الفوضى العارمة في السوق التونسية، أي توريد البضائع من الصين وتركيا، والتي أسميها مجزرة بحق السلع التونسية”. وأشار إلى أنّ أرباب قطاع النسيج في تونس يأملون أن يأتي يوم يجدون فيه الحل كي يعود القطاع إلأى سابق عهده.

قعليش: شركات كثيرة لم تتمكن من الصمود بوجه المجزرة الصينية والتركية والوضع اليوم يزداد تأزماً

 

وأضاف: “حتى اليوم، كلّ الحكومات لم تجد حلولاً لهذه المشكلة، بل على العكس، الوضع يزداد كل يوم تأزماً، فيما القوانين التي يتمّ العمل بها، وضعت بشكل تناسب مقاس أصحاب ولوبيّات التوريد، الذي يعتبر كارثة كبيرة على السوق التونسية”.

إذاً، تضرر قطاع النسيج جسيم للغاية وفق ما يتبيّن، ورغم ذلك فالتونسيون يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنّ صموده قد يكون مسألة ظرفية، في ظلّ تواصل التهريب والإستيراد العشوائي. وفي هذا الصدد، يشير قعليش إلى أنّ آلاف فرص العمل اختفت في القطاع بسبب دخول البضائع الصينية وكذلك التركية، خصوصاً أنّ توريد تلك البضائع يتمّ بشكل عشوائي، وثمّة إخراج العملة الصعبة بشكل غير قانوني، وسط ارتكاب العديد من المخالفات والمشاكل من دون أن تتخذ أيّ حكومة الخطوات اللازمة للحدّ من هذه الإجراءات.

من شينجيانغ إلى تونس

وعن كلفة البضائع الصينية مقارنةً مع كلفة البضائع التونسية، يقول الخضراوي لـ “أخبار الآن“، إنّ “البضائع الصينية أثّرت بشكل كبير علينا كأرباب قطاع النسيج، وذلك بسبب التكلفة، إذ أنّ البضائع الصينية التي تأتي من الصين إلى تونس تباع بسعر منخفض جدّاً، وأقل بكثير من كلفة إنتاج السلع التونسية، لكن لا حل لدينا سوى أنّه علينا أن نقاوم تدفق تلك السلع إلى تونس، من خلال مواصلة الإنتاج، وكذلك من العمل على دفع السلطات إلى اتخاذ التدابير اللازمة”.

لكن في الحديث عن كلفة البضائع الصينية وانخفاض سعرها، يحضرنا ما تقوم به السلطات في الصين، لناحية إجبار الإيغور على أعمال السخرة في مزارع القطن وغيرها، الأمر الذي يجعل الصين تبيع بضائعها، لا سيما في مجال النسيج والأقمشة، بسعر منخفض بشكل تعجز السلع التونسية على منافسته، ولو أنّ الجودة تختلف.

 

هكذا أوقعت الصين نسيج تونس بورطة كبيرة.. تأثير فاق الـ 80 %

الصين تجبر الإيغور على العمل في مزارع القطن مقابل لا شيء، ما يساهم في انخفاض كلفة البضائع الصينية الموردة

ويقول قعليش إنّه من غير المنطقي أن يكون الفارق بين تكلفة السلع الصينية وتكلفة السلع التونسية كبير لهذه الدرجة، مشيراً إلى أنّه لا يمكن أن يكون الفرق في التكلفة أكثر من 15 % كحد أقصى، متحدثاً عن فساد في عمليات تخليص المواد الأولية التي تصل حتى عبر المنافذ الشرعية.

التهديد الذي يعانيه قطع النسيج إذاً، سببه إغراق السوق المحلية بالمنتجات الموردة والمهربة، واللجوء إلى الإقتصاد الموازي، الأمر الذي جعل السلع التونسية تستحوذ على نسب ضئيلة جداً في السوق المحلية، قد تقل عن حدود 20 في المئة، فيما تستحوذ المنتجات الأجنية على الجزء الأكبر من السوق التونسية.

البضائع الصينية المورّدة إلى تونس لا سيما تلك النسيجية والتي تتسم بكلفتها المنخفضة، تساهم بها أعمال السخرة التي تفرضها الصين على الإيغور

وقال الخضراوي إنّ “ضرر السلع الصينية على المؤسسة تمثّل بتراجع طلبات الزبائن عل السلع التونسية، بحكم أنّ سعر القطعة الصينية أرخص بكثير من القطع التونسية”، فيما حذّر قعليش من أنّ الكارثة الكبرى ستكون عندما يجري المعنيون والخبراء الإقتصاديون إحصاءً بشأن نسب فقدان فرص العمل، فالعدد سيكون بالآلاف، لاسيما في صفوف الشباب الذين يفكّرون بحلول أخرى لا سيّما الهجرة.

قطاع النسيج في تونس صناعة عريقة لكنّها تمر بأزمة عميقة، توجب قيام الدولة بإصلاحات عميقة، تساند القطاع في مواجهة هجمة البضائع الصينية وبعدها التركية، لكنّ ذلك يتطلب قراراً حاسماً من قبل الاارة التونسية في إنقاذ الإقتصاد.

في المحصلة أنّ أزمة قطاع النسيج تمتد إلأى سنوات عديدة إلى الوراء، تمّ خلالها إغلاق مئات المؤسسات، وسُرح خلالها آلاف العاملين، وسط مستقبل ضبابي في ظلّ ما تعانيه تونس من تعثّر اقتصادي، يفرض أنماط حياة مختلفة خصوصاً على الشباب التونسي الذي ازدادت نسبة هجرته إلى الخارج.

شاهدوا ايضاً: شباب تونس.. بين فساد الداخل وأنياب الصين